أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (زلزال انتخاب فاي.. اتجاهات التغيير القادم في السنغال)

أعراض الهشاشة:

الأبعاد السياسية للفيضانات في دول الشرق الأوسط

18 سبتمبر، 2019


تعرضت بعض دول الإقليم لموجة من الطقس غير المستقر وتساقط الأمطار في أماكن عدة بما وصل إلى حد الفيضانات، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام أطلقت عليها "فيضانات مميتة"، بحكم ما يسفر عنها من قتلى وجرحى ونازحين وربما "لاجئين بيئيين"، إلى جانب الخسائر الحادة التي تلحق بالبنية التحتية، وهو ما قاد إلى جملة من التأثيرات السياسية – وليس مجرد تداعيات بيئية – على بعض دول الإقليم، تتمثل في تنامي تهديدات المتغيرات المناخية على استقرار بعض النظم الحاكمة، وتغول شبكات الفساد في الهيئات المحلية والهياكل الإدارية، وتهميش المناطق الطرفية بما يظهر معضلة "التنمية غير المتوازنة" داخل الدولة، وتمدد كوارث "جوار الجوار"، وإغاثة القوى الإقليمية للدول والمجتمعات المنكوبة، وإثارة سجالات بين القوى الدولية والإقليمية، وإبراز مركزية دور القوات المسلحة في التعامل مع الكوارث الطبيعية ومنها الفيضانات.

تتكرر الضربات العنيفة التي توجهها الفيضانات لبنية الدولة في منطقة الشرق الأوسط، خلال الأعوام القليلة الماضية، ويتضمن ذلك اقتصادها القومي وأمنها الداخلي وجهازها الإداري، وما ينتج عنها من خسائر مادية وبشرية ومآسي إنسانية، وهو ما يتشابه مع إدارة الدول لكوارث أخرى تتعلق بحوادث القطارات وغرق السفن وانهيارات المباني.

خريطة الانتشار:

اجتاحت بعض دول الإقليم موجة من الفيضانات، حيث تسببت الأمطار الغزيرة في السودان، في 14 أغسطس 2019، في فيضانات أدت إلى مقتل 62 شخصًا، فضلاً عن تضرر مئات المنازل في العاصمة الخرطوم وانهيار بعضها، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية السودانية "سونا". وقد أظهرت لقطات نشرت على الإنترنت، أن مياه فيضانات تقطع طرق وتجرف منازل وممتلكات خاصة وتغمر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في بعض المناطق على نحو سبب خسائر للمزارعين وخاصة بالنسبة للقطن والذرة. 

وتزايدت الخسائر على نحو دفع وزارة الصحة السودانية إلى إصدار بيان، في 25 أغسطس الماضي، جاء فيه أن "ضحايا السيول والأمطار وصلوا إلى نحو 62 قتيلاً وأكثر من 98 مصابًا، وتأثرت بها نحو 17 ولاية بالسودان". وسبق أن تعرضت السودان لفيضانات في سبتمبر وأكتوبر 2018. وفي هذا السياق، قال مكتب الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بالسودان: "إن الفيضانات أضرت بـ195 ألف شخص في 15 ولاية من أصل 18، وإن ولاية كسلا تضرر فيها حوالي 47 ألف و500 شخص، وتضرر 24 ألف بولاية غرب كردفان". 

كما أعلنت السلطات المغربية، في 29 أغسطس الماضي، مقتل 7 أشخاص خلال فيضانات شهدتها ضواحي مدينة "تاروانت" جنوب البلاد، فضلاً عن مفقودين. وفي نهاية يوليو الماضي، قتل 15 شخص إثر انهيار في التربة سببته فيضانات في طريق جنوب مراكش. وتتكرر الفيضانات بشكل مستمر في المغرب على الرغم من التحذيرات التي يطلقها المتخصصون من أن التحولات المناخية وخاصة الفيضانات هى الخطر الرئيسي من حيث عدد الضحايا. 

وشهدت الجزائر، في 26 يناير الماضي، فيضانات في مناطق مختلفة بالبلاد، ومنها تيزي وزو وتيبازة وعنابة والطارف قرب الحدود مع تونس، ونتج عنها قتلى. هذا فضلاً عن التأثيرات الأخرى مثل إغلاق المدارس وقطع خطوط السكك الحديد وشل حركة النقل العام والأضرار التي تلحق بالمستشفيات الحكومية والأحياء السكنية والمحال التجارية وتعطل شبكات المياه والكهرباء. وتكررت الفيضانات مرة ثانية، في 9 يونيو الماضي، وخاصة في ولاية إيليزي في أقصى الجنوب الشرقي، المتاخمة للحدود الليبية. كما غمرت الفيضانات شوارع محافظات الأردن، في فبراير 2019، جراء تساقط غزير للأمطار وارتفاع منسوب المياه.

واجتاحت الفيضانات، في 23 مارس 2019، نحو 27 محافظة إيرانية، وخلّفت 70 من القتلى و791 من الجرحى، وهو ما جاء على لسان مسئول منظمة الطوارئ الإيرانية بير حسن كوليوند، في 6 إبريل 2019، فضلاً عن خسائر البنى التحتية وخاصة في المناطق الريفية، على نحو تطلب استمرار عمليات تقديم المساعدات الإغاثية لعدة أسابيع في 293 مدينة وقرية ومنطقة في البلاد. وقد وصفها الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنها "ظاهرة لا سابق لها".

مداخل التسييس:

إن مثل هذه النوعية من الكوارث تحمل أبعادًا سياسية تخص بعض الدول والمجتمعات في الشرق الأوسط، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تنامي تهديدات المتغيرات المناخية: والتي تعكس في أحد أبعادها "غضب الطبيعة" الذي يفوق، في بعض الأحيان، قدرة البشر على التعامل معه والحد من تأثيراته، بحيث صارت التهديدات غير التقليدية والمخاطر الكبرى لا تتعلق بالحروب العسكرية أو التهديدات الإرهابية فقط، بل تتعلق بالزلازل والفيضانات وحرائق الغابات والأخطار الإشعاعية والنووية والتلوث الجوي أو البحري، والتي لا يكفي التعامل معها تخصيص موارد مالية أو إنشاء أجهزة إنذار مبكر، بقدر ما يتعلق بتدشين منظومة متكاملة داخل الدولة لمواجهة هذا النمط من التهديد.

وفي هذا السياق، أعلن وزير الموارد الجزائري عبدالمالك سلال، في جلسة عقدها المجلس الشعبي الوطني في 12 أكتوبر 2018، تخصيص 500 مليون يورو لحماية المدن من الفيضانات التي قد تنجم عن التغيرات المناخية، لا سيما بعد الفيضانات التي اجتاحت مدينة غرداية في بداية هذا الشهر. ورغم ذلك تكررت الفيضانات في الوقت الذي تبلورت الاستراتيجية الوطنية الجديدة للوقاية من الفيضانات والمخاطر الكبرى التي تتعلق بتحسين معرفة خطر الفيضانات وتقليص الهشاشة، وإعادة النظر في نمط تخطيط الهياكل الخاصة بالحماية من الفيضانات، والتهيئة المستدامة للأقاليم، وتطوير التعاون والتنسيق المؤسساتي.

2- تغول شبكات الفساد: والتي تفسرها حالة هشاشة البنية التحتية في عدد من المناطق داخل الدولة، وهو ما يلقي الضوء على عدم قدرة بعض الدول على مواجهة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات على نحو يؤدي إلى استمرار التهديد، لا سيما أن الطبيعة العمرانية والجغرافية لبعض المناطق تحفز على تكرار الفيضانات، حيث تقع في منحدرات وتحيط بها الجبال وتعبرها كثير من الأودية، وهو ما كان يقتضي إعادة النظر في المعايير المعتمدة فيما يتعلق بتصماميم مشاريع البنى التحتية القائمة، الأمر الذي يمكن تفسيره بتمدد شبكات الفساد في بعض الأجهزة الحكومية. 

3- تهميش المناطق الطرفية: يشكو العديد من سكان المدن أو الإقاليم النائية من التهميش مقارنة بالسكان الذين يعيشون في العواصم أو المناطق المركزية، على الرغم من تأكيد الأجهزة الرسمية في هذه الدولة أو تلك على تسخيرها كل الموارد والطاقات لتنمية المناطق النائية. فقد اعتمدت السلطات المحلية في محافظة إليزي الجزائرية مشاريع لإصلاح الأضرار التي لحقت بمنشآت جراء فيضانات ضربت إحدى المناطق الحدودية مع ليبيا، وأتى ذلك التحرك بعد انتقادات وجهتها عدة وسائل إعلامية محلية للسلطات بتجاهل معاناة السكان والتأخر في مساعدة المنكوبين في تلك المدينة الصحراوية النائية. كما أن قطاعات واسعة من الرأى العام الإيراني استخدمت منصات التواصل الاجتماعي لانتقاد طريقة معالجة الفيضانات من قبل الحكومة.

4- كوارث "جوار الجوار": هناك اتجاه في الأدبيات يشير إلى أن لعنة الحدود تشمل كوارث الطبيعة، بحيث تمتد تأثيرات الفيضانات إلى دول الجوار الجغرافي القريب، على نحو ما يجري بالنسبة للثورات الشعبية أو الصراعات المسلحة. فالحالات الجوية الصعبة لا يتوقف تأثيرها عند دولة بعينها. فقد تزامنت الفيضانات التي واجهتها الجزائر، مثلاً، خلال العام الحالي، مع إعلان بلدة غات الليبية، في الجهة المقابلة من الحدود، منطقة منكوبة، جراء سيول تسببت في انهيار منازل وإغلاق الطرق الواصلة بين المناطق وقطع الكهرباء عن معظم مناطق البلدة.

5- إغاثة القوى الإقليمية: على نحو ما قامت به بعض دول الخليج العربي إزاء دعم السودان بعد تعرضها للفيضانات الأخيرة وإيصال المستلزمات الضرورية للمواطنين في المناطق المنكوبة وتوفير الخيام والسجاد والمواد التموينية، لا سيما أن السودان تمر بتعقيدات خلال مرحلة الانتقال السياسي في أعقاب تنحية الرئيس السابق عمر البشير. وهنا تهدف دول الخليج إلى تحسين قدرة الدولة السودانية على الصمود في مواجهة المخاطر الطبيعية.

6- إثارة سجالات بين بعض القوى الدولية والإقليمية: على نحو ما عكسته الفيضانات الأخيرة التي تعرضت لها إيران، حيث حمّل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 2 إبريل 2019، السلطات الإيرانية مسئولية ارتفاع مستوى الخسائر جراء الفيضانات، وقال في هذا الصدد: "تظهر هذه الفيضانات من جديد مستوى سوء الإدارة للنظام في التخطيط المدني والجاهزية للطوارئ. النظام يلقي باللوم على كيانات خارجية بينما الأمر في الحقيقة يتعلق بسوء إدارتهم الذي أدى إلى هذه الكارثة"، وأضاف: "الولايات المتحدة جاهزة للمساعدة وتقديم مساهمة إلى الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر الذي بدوره بإمكانه إدارة الأموال من خلال الهلال الأحمر الإيراني".

وقد تزامنت تلك الفيضانات مع رفع مستوى العقوبات الأمريكية على طهران على نحو أدى إلى نقص في مروحيات الإغاثة، واتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف واشنطن بإعاقة جهود الإنقاذ، في حين ترى الأخيرة أن النظام الإيراني استهدف ناشطين في مجال حماية البيئة بتهم تتعلق بالتجسس على قواعد عسكرية، وهو ما أثر على ردود فعلهم تجاه كارثة الفيضانات.

7- إبراز مركزية دور القوات المسلحة في التعامل مع الكوارث الطبيعية: تشير العديد من الحالات الإقليمية إلى أن المؤسسة الوحيدة التي تتحرك بسرعة لاحتواء آثار الفيضانات وإنقاذ حياة المواطنين وترحيلهم إلى مناطق آمنة هى القوات المسلحة. فعلى الرغم من الدعوات التي تطلق من جانب بعض النشطاء السياسيين في عدد من الدول باقتصار تدخل الجيش على مهمة تأمين الخطوط الحدودية الاستراتيجية للدولة لحمايتها من التهديدات الخارجية، إلا أن واقع الكارثة يفرض على القوات المسلحة المساهمة في جهود احتواء تداعياتها.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى قيام المجلس العسكري الانتقالي السوداني بنشر قوات لمساعدة المواطنين على التعامل مع الفيضانات التي تعرضت لها البلاد في أغسطس الماضي، لا سيما في ظل محاولات قامت بها بعض القوى السياسية لتوظيف تلك الكارثة سياسيًا قبل التوقيع على اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري وقوى إعلان "الحرية والتغيير" في منتصف الشهر نفسه، حيث أشار تجمع "المهنيين السودانيين" إلى أن "الفيضانات يمكن أن تؤدي إلى أمراض وبائية وتفوق قدرة خدمات الصرف الصحي".

تقييم المخاطر:

خلاصة القول، إن التهديدات التي تطرحها الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات، على أمن دول الإقليم تتطلب تجديد متواصل في أنظمة الإنذار المبكر وعمليات تقييم للمخاطر على مستوى المدن (المحلي) والدولة (القومي) ككل، لأنه عندما تقع الكارثة "على الأرض" يلاحظ عدم القدرة على التعامل معها كما لو أنها تحدث لأول مرة، بل يسود الارتباك أجهزة وهيئات الدولة، باستثناء القوات المسلحة، على الرغم من وجود خرائط تفصيلية لطبيعة المخاطر التي تنتج عن حدوث فيضانات كغرق السفن في المناطق الساحلية أو انهيار الجسور في المناطق الزراعية أو السيول في المناطق الصحراوية، بما يوحي بأن كارثة الفيضانات تبدو وكأنها تفاجئ الجميع لحظة وقوعها رغم وجود سيناريوهات معينة واعتمادات مالية وهياكل إدارية جاهزة للتحرك، ولكنها تعكس أعراض الهشاشة التي تعاني منها المؤسسات ببعض دول الإقليم.