أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

وقود الصراع:

كيف يعكس النفط والغاز تفاعلات الشرق الأوسط في عام 2019؟

02 سبتمبر، 2019


تصاعد تأثير عاملى النفط والغاز في تحديد أنماط تفاعلات الشرق الأوسط، سواء داخل الدول أو فيما بينها، بدرجة كاشفة، خلال عام 2019، وهو ما عكسته جملة من الشواهد، منها صراعات السلطة في بؤر الصراعات العربية، لا سيما بين طرفى الصراع الليبي (حكومة الوفاق وقوات الجيش الوطني)، واستمرار تصاعد الخلاف بين الحكومة المركزية وأحد الأقاليم مثلما هو قائم بين حكومة بغداد وإقليم كردستان بشأن أحقية الأخير في تصدير النفط، وتأثير العقوبات الغربية في فرض ضغوط على اقتصاديات القوى الإقليمية، على نحو ما تعبر عنه السياسة الأمريكية المعروفة بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، وتشكيل تكتل من قوى دولية وإقليمية لمواجهة سلوكيات قوى إقليمية أخرى وهو ما اتفقت عليه الولايات المتحدة واليونان وقبرص وإسرائيل لتطوير التعاون في مجال الطاقة والبنية التحتية في مواجهة أنشطة تركيا في شرق المتوسط.

ومن هنا، يمكن القول إن التفاعلات التي شهدها الإقليم خلال عام 2019 تعكس محورية دور النفط والغاز ضمن ما يطلق عليه السيطرة على الموارد بين الفاعلين، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

تمويل الحرب:

1- صراعات السلطة في بؤر الأزمات العربية: وهو ما ينطبق على حالة ليبيا، حيث تحول النفط إلى أحد محاور الصراع المسلح بعد انقسام السلطة بين برلمانين وحكومتين وائتلافين عسكريين، منذ انهيار نظام معمر القذافي، يتخذ الأول من طرابلس مقرًا له، في حين يتمركز الثاني في الشرق، على نحو ما برز في تعطل الإنتاج وتوقف التصدير نظرًا لتنافس القوى الداخلية للسيطرة على الحصة الأكبر من الحقول الرئيسية للنفط في البلاد. ولازالت معركة تحرير طرابلس لم تحسم الصراع لصالح الجيش الوطني في مواجهة قوات المجلس الرئاسي، المدعومة من ميليشيات وتنظيمات متطرفة، بما يعزز سيطرة الجيش على جميع الحقول النفطية.

عائدات نفطية:

2- استمرار تصاعد الخلاف بين الحكومة المركزية وأحد الأقاليم: على نحو يعبر عنه واقع العلاقة بين الحكومة العراقية في بغداد وإقليم كردستان، وهو نزاع طال أمده على العائدات النفطية. فبغداد تنكر حق إقليم كردستان في إبرام عقود إنتاج من دون الحصول على موافقة مسبقة من جانبها، في حين تطالب بذلك حكومة الإقليم بوصفه حقًا من الحقوق الدستورية. وهنا تقوم حجة الأكراد على أساس نص المادة "112" من الدستور التي تقضي بأن "حقول النفط الراهنة ينبغي أن تدار بشكل مشترك من قبل الحكومة الفيدرالية والمحافظات المنتجة وحكومات الأقاليم". بينما تستند الحكومة المركزية إلى المادة "111" التي تنص على أن "الغاز والنفط ملك لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات".

ورغم ذلك، هناك تقارير إعلامية تشير إلى بوادر حل لأزمة العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان بشأن عدم التزام الأخير بتسليم حصته من النفط البالغة 250 ألف برميل يوميًا إلى الأولى، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني إلى بغداد، في منتصف يوليو 2019. وقد كشفت اللجنة النيابية للنفط والطاقة والثروات الطبيعية أن الطرفين اتفقا على تشكيل لجنة من حكومتى المركز والإقليم لمباشرة تسليم 250 ألف برميل يوميًا من النفط الخام في الإقليم لشركة تسويق النفط "سومو"، مع الأخذ في الاعتبار أن الإقليم ينتج ما بين 480 و500 ألف برميل يوميًا.

وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، خلال مقابلة تليفزيونية في 22 يوليو الماضي، التزام حكومته بقانون الموازنة المالية الاتحادية الذي يوجب على إقليم كردستان تسليم 250 ألف برميل من النفط يوميًا للدولة العراقية، وأضاف: "في حال لم يسلم الإقليم حصته فسيتم اقتطاع مبلغها من الموازنة، وهذا ما نقوم به بالضبط، وأن رواتب موظفي الإقليم تدفع في إطار الموازنة وبشكل مشروع، وهذا يفرح سكان كردستان ويربط أبناء الوطن الواحد بوطنهم الواحد". 

وعلى الرغم مما يقال عن حل تلك القضية العالقة بين المركز والإقليم، فإن هناك دعاوي أمام المحكمة الاتحادية ضد وزير الثروات في الإقليم ورئيس الوزراء بسبب تصدير النفط دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية، فضلاً عن دعاوي ضد تركيا لمساهمتها في عمليات تهريب النفط.

أزمة محروقات:

3- إبراز ضعف بعض النظم السياسية العربية: وهو ما ينطبق على وضع نظام الأسد في سوريا، إذ كشف وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم، في تصريحات لوسائل إعلام رسمية في 10 يوليو 2019، أن "الحرب السورية المستمرة منذ عام 2011، ألحقت خسائر بقطاع النفط والغاز في البلاد تقدر بـ74,2 مليار دولار"، وهو ما يعكس المعارك التي طالت حقول النفط ومنشآته. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثمة تقاسمًا ميدانيًا بين قوات النظام السوري وميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية للمناطق التي تتواجد فيها حقول النفط والغاز. وتقع أبرز حقول النفط تحت سيطرة الأكراد، في حين تخضع حقول الغاز لسيطرة دمشق.

وفي هذا السياق، يمكن القول، تبعًا لمصادر سورية، أن "قوات سوريا الديمقراطية" تسيطر على حقول العمر (وهى الأكبر في سوريا)، فضلاً عن حقلى التنك وجفرا في منطقة دير الزور شرق البلاد، علاوة على حقل الرميلان في الحسكة شمال شرقى البلاد، وحقول أصغر في الرقة بعد السيطرة عليها من تنظيم "داعش"، وتسيطر كذلك على حقلى غاز، هما كونيكو في دير الزور والسويدية في الحسكة. في حين تسيطر قوات الجيش السوري بشكل رئيسي على حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطية في دير الزور، وحقل الثورة في الرقة، وحقل جزل في حمص، فضلاً عن سيطرتها على حقل الشاعر (أكبر حقول الغاز)، وحقول صدد وأراك في حمص.

وقد أضعفت الحرب إنتاج البلاد من النفط، وأجبرت شركات دولية على الانسحاب من سوريا، ووقف الاستثمارات النفطية فيها، بعد تصاعد العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، مما دفع دمشق إلى الالتفاف على هذه العقوبات بالاعتماد على خط ائتمان من إيران. غير أن العقوبات الأمريكية على طهران أضافت المزيد من التعقيد، على نحو أدخل دمشق في أزمة محروقات حادة خلال فصل الشتاء الماضي. وما يبرهن على ذلك، إيقاف سلطات جبل طارق ناقلة نفط إيرانية في 4 يوليو الماضي للاشتباه في نقلها نفط إلى سوريا.

ضغوط العقوبات:

4- تأثير العقوبات الغربية في الضغط على اقتصاديات القوى الإقليمية: ولعل الحالة المعبرة عن ذلك سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروفة بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، بعد أن أنهت واشنطن، في 4 مايو الماضي، الإعفاءات التي كانت تجيز لثماني دول شراء النفط الإيراني، وهو ما يأتي في سياق توتر العلاقات بين واشنطن وطهران، والتي لم تحل بالمفاوضات أو لم تحسم بالمواجهة العسكرية فيما يعرف بـ"لا سلم ولا حرب". وقد دفع ذلك طهران، في إطار الرد على سياسة "الضغط الأقصى"، إلى التهديد بإغلاق مضيق هرمز. 

ففي هذا السياق، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، بعد لقائه بالمرشد الأعلى علي خامنئي، في 21 أغسطس 2019: "إن القوى الغربية تعرف إنه إذا تم فرض عقوبات كاملة على الخام الإيراني، فلن تعرف المياه الدولية الأمن كما كان الحال في السابق"، مشيرًا إلى أن "الضغوط الأحادية الجانب على إيران لا يمكن أن تكون في مصلحتهم ولن توفر لهم الأمن في المنطقة والعالم". ويأتي ذلك الهجوم من قبل الرئيس روحاني في أعقاب تأكيد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على أن واشنطن أزاحت نحو 2,7 مليون برميل يوميًا من البترول الإيراني من الأسواق العالمية، بفضل فرض العقوبات على إمدادات الخام الإيراني.

تحالفات الطاقة:

5- تشكيل تحالف من قوى دولية وإقليمية لمواجهة سلوكيات قوى إقليمية أخرى: اتفق وزراء الطاقة في كل من الولايات المتحدة وقبرص واليونان وإسرائيل، خلال مؤتمر الطاقة الأول الذي عقد في 8 أغسطس 2019 في أثينا، على التعاون في مواجهة أنشطة تركيا الاستفزازية في منطقة شرق المتوسط، التي تحاول إرسال عدد من السفن التابعة لها للقيام بأعمال الحفر والتنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة سواحل شبه جزيرة كارباس القبرصية. ويأتي ذلك السلوك التركي في أعقاب العقوبات التي فرضت من قبل الاتحاد الأوروبي على أنقرة في شهر يوليو الماضي بسبب إجراءاتها غير القانونية، في حين تعتبرها أنقرة شرعية وفق القانون الدولي.

صراعات الموارد:

خلاصة القول، إن موارد النفط والغاز صارت هدفًا للسيطرة من جانب بعض اللاعبين الرئيسيين في الإقليم في مراحل تصاعد حدة الصراعات الداخلية المسلحة العربية، وتمدد الخلافات بين القوى الإقليمية، واستمرار الأزمات بين القوى الدولية والإقليمية على خلفية ضغوط العقوبات وخاصة المفروضة على قطاع النفط، مما ينذر باستمرار "تأثير الموارد" على استقرار الشرق الأوسط.