عرض: إبراهيم الغيطاني
نشر إد كروكس، نائب رئيس شركة "وود ماكينزي" البريطانية تقريراً تحت عنوان "توقعات الطاقة والموارد الطبيعية في عام 2025"، يرصد ويجمع فيه تنبؤات محللي الشركة حول اتجاهات السوق في غضون العام الجاري. ويشير كروكس إلى أن تنبؤات "ماكينزي" لأسواق الطاقة لعام 2024، تحقق بالفعل بعضها خلال العام الماضي، بما في ذلك وليس حصراً، تصاعد الاهتمام بالطاقة النووية، وتعظيم مكاسب كفاءة صناعة النفط الأمريكية، وتباطؤ قرارات الاستثمارات النهائية لمشروعات الغاز الطبيعي المسال، وتطور تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه، وتقدم تعويضات الكربون في العالم، إضافة إلى تصاعد الاهتمام بالهندسة الجيولوجية في أوروبا وأمريكا، ذلك من بين أمور أخرى.
ويؤكد التقرير أنه من المرجح استمرار زخم بعض الاتجاهات، المذكورة آنفاً، في عام 2025؛ مع ذلك، ستبرز للمجال العام بعض الاتجاهات الأخرى، والتي كانت في طورها للتشكل في السابق. وسنستعرض فيما يلي توقعات "وود ماكينزي" بشأن أسواق النفط والموارد الطبيعية الأخرى في عام 2025:
1- تقلبات أسواق النفط العالمية: ترى "ودد ماكينزي" أن الأحداث السياسية على الساحة الدولية سيكون لها تأثير كبير في أسواق النفط العالمية في عام 2025، بالنظر إلى تزايد المخاطر الجيوسياسية مع سقوط نظام الأسد في سوريا، وإضعاف إيران، والحرب غير المحسومة بين إسرائيل وحركتي حماس وحزب الله. فكل هذه الأوضاع المضطربة تنذر بحدوث تقلبات جديدة في سوق النفط العالمية.
ووفق سيناريو الحالة الأساسية لـــ"وود ماكينزي"، من المرجح أن يرتفع استهلاك النفط العالمي بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً في العام المقبل. بيد أن هذا المعدل قد ينخفض بمقدار الثلث؛ إذا نفذ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خطته الرامية لإجراء زيادات حادة في التعريفات الجمركية -فور توليه سدة الرئاسة- والتي قد تتبعها إجراءات انتقامية من قبل الدول الأخرى.
عامة، يعني فرض تعريفات جمركية تباطؤ النمو العالمي، وارتفاع أسعار المنتجات النفطية للمستهلكين النهائيين. كما تتصاعد الاضطرابات أيضاً في جانب الإمدادات، فمن شأن ضعف نمو الطلب أن يفرض ضغوطاً على دول "أوبك+" في محاولتها لإدارة السوق. وقد دفعت علامات ضعف السوق تحالف "أوبك+" إلى تأخير بدء تخفيف مخطط له لتخفيضات الإنتاج الطوعية من يناير إلى شهر إبريل المقبل؛ هذا، ومن المتوقع أن يرتفع أيضاً نمو الإنتاج من خارج "أوبك" بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً في عام 2025.
2- تسارع سوق الديزل العالمية: من المتوقع أن ينتعش الطلب العالمي على وقود الديزل في عام 2025، بفضل النمو المتسارع للناتج الصناعي العالمي، ولكنه سيظل دون مستويات ما قبل جائحة كورونا، ومن المرجح أن ينمو الناتج الصناعي العالمي بنسبة 13% في عام 2025 مقارنة بمستواه عام 2019، ولكن الطلب على الديزل سيكون أقل بمعدل 0.6% مقارنة بنفس الفترة المذكورة.
تقف وراء هذا التحول الصين، فمن المتوقع أن يستمر الطلب الصيني على النفط في الارتفاع في عام 2025، ولكن جل النمو تقريباً سيعزى إلى الطلب من جانب صناعة البتروكيماويات، فيما من المرجح أن ينخفض الطلب على الوقود من قبل قطاع النقل. وسيعوض الانخفاض في الطلب على البنزين والديزل من قبل قطاع النقل البري، النمو المحرز في استهلاك وقود الطائرات. وبات من الملاحظ الآن التأثير الشديد للمركبات الكهربائية والشاحنات العاملة بالغاز الطبيعي المسال في السوق الصينية.
3- توجهات شركات النفط الوطنية: تواجه شركات النفط الدولية مهمة شاقة في موازنة مخصصات رأس المال في عام 2025. بصفة عامة، سيترجم انضباطها المؤسسي لإقرار ميزانيات ذات إنفاق رأسمالي ثابت، مع دعم التوزيعات النقدية للأرباح وإعادة شراء الأسهم.
على جانب آخر، ستقود مجموعة مختارة من شركات النفط الوطنية نمو صناعة النفط، حيث من المرشح أن تنشط استثماراتها في أنشطة المنبع (خاصة عبر سلسلة صناعة الغاز)، وستحتفظ تلك الشركات على الأرجح بموقعها كمستثمر استراتيجي في أنشطة المصب. وفي حين تحمل شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط أكبر قدر من السيولة المتاحة، بإمكان شركات النفط الوطنية الآسيوية أيضاً أن تؤدي دوراً أكبر على المستوى الدولي مرة أخرى.
من المحتمل أن تقود شركات النفط الوطنية الاستثمار في التقنيات منخفضة الكربون؛ إذ إن الأهداف الوطنية والرغبة في توليد التدفقات النقدية؛ تعني أنها ستتفوق على نظيرتها الأوروبية في الإنفاق على أنشطة المنتجات منخفضة الكربون.
هذا، وقد يؤدي عدم اليقين الكلي بالسوق إلى تحركات استراتيجية أكثر جرأة بالنسبة لشركات النفط الوطنية بالشرق الأوسط، كشراء البيوت التجارية، أو أن تصبح مستثمراً استراتيجياً في شركات النفط العالمية؛ ويُعد هذا بمثابة الخطوة المنطقية التالية لشركة نفط وطنية طموحة تهدف لتعزيز حضورها العالمي.
4- مكاسب كبيرة من صفقات الدمج والاستحواذ: لعل التقديرات المحدثة لأوجه التآزر والتكامل من صفقات الدمج والاستحواذ، بمثابة أخبار جيدة للغاية لقطاع النفط والغاز بالولايات المتحدة. فقد حققت شركة "إكسباند إنيرجي Expand Energy"، التي نشأت من اندماج شركة "تشيسابيك Chesapeake" و"ساوث ويسترن Southwestern" هدفها للتآزر.
وارتفعت مكاسب الصفقة بنسبة 25% بعد إغلاقها في شهر أكتوبر الماضي، وكان أحدث رقم لشركة "كونوكو فيليبس" لمكاسب التآزر من استحواذها على "ماراثون أويل" ضعف التقدير الأولي. كما زادت "إكسون موبيل" للتو من مكاسب الاندماج مع "بايونير ناتشرال ريسورسز" بنسبة 50% إلى 3 مليارات دولار سنوياً.
إن هذه الأرقام القوية باستمرار تضع معياراً عالياً لتحركات الاندماج المستقبلية في الولايات المتحدة. ولا يعتقد أن عام 2025 سيشهد نفس مستوى الإنفاق على عمليات الدمج والاستحواذ، كما حدث في عامي 2023 و2024. وعموماً، سيتعين على الصفقات الجارية، أن يكون لها أهداف تآزر كبيرة وموثوقة، أو أن تخاطر باستقبال مردود ضعيف من السوق.
5- تباطؤ مشروعات الغاز المسال في الولايات المتحدة: تعهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بأن يلغي، في أول يوم له بمنصبه، قرار إدارة بايدن الخاص بوقف موافقات التراخيص الجديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال. ويتوقع البعض بالصناعة موجة جديدة من استثمارات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية في عام 2025. وعامة، يُعد تأمين الموافقات الجديدة تقدماً مرحباً به للعديد من المشروعات؛ ولكنه قد لا يكون العقبة الأخيرة التي ينبغي تجاوزها قبل اتخاذ قرار الاستثمار النهائي.
وتواجه بعض المشروعات بالفعل تحديات قانونية، وقد يتم استهداف مشروعات أخرى، بعد نشر تقارير وزارة الطاقة الأمريكية حول التأثير البيئي والاقتصادي لصادرات الغاز المسال الأمريكية. وإضافة إلى ذلك، ستحتاج المشروعات إلى الانتهاء من عقود الهندسة والمشتريات والبناء، في وقت ترتفع فيه التكاليف؛ مما قد يخلق مشكلات مع مشتري الغاز وممولي المشروعات.
ولعل بعض المشروعات في وضع أفضل من غيرها ويمكن أن تتحرك لاتخاذ قرار الاستثمار النهائي في عام 2025؛ ومع ذلك، فإن الموجة التالية من الاستثمارات الجديدة في الغاز المسال الأمريكي، قد تتحقق فقط في عام 2026.
6- استقرار التركيبات الشمسية العالمية: على مدار السنوات الخمس الماضية، ارتفعت التركيبات السنوية الجديدة للطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم، ولكن سيتلاشى هذا النمو في عام 2025، وسيظل ثابتاً عند مستوياته الحالية حتى ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين. فعلى مدى الفترة من 2019 إلى 2024، بلغ متوسط معدل النمو السنوي للتركيبات الشمسية العالمية السنوية نحو 31%.
ومن المتوقع أن تنخفض التركيبات الشمسية العالمية قليلاً في عام 2025 إلى 492 جيجاوات بانخفاض 0.4% مقارنة بعام 2024. وقد باتت قيود سوق الطاقة في بعض الأسواق الرئيسية تشكل عقبات كبيرة بشكل متزايد أمام الاستثمار.
ستؤدي القدرة المحدودة للشبكة الكهربائية والحاجة المتزايدة للحد من توليد الطاقة الشمسية إلى إبطاء بناء السعات الإضافية الجديدة. فيما من المتوقع أن تشكل الصين، التي تسهم بأكثر من 50% من جميع التركيبات الشمسية العالمية، الركيزة الرئيسية للسوق.
في المقابل، ستواجه بعض الأسواق المهمة الأخرى تراجعات ملحوظة، ففي الهند، انخفضت التركيبات بعد ارتفاعها في وقت سابق من عام 2024، حيث سارع المطورون إلى استباق إعادة فرض اللوائح التي تشترط على الشركات استخدام الوحدات الشمسية المحلية. بينما، تتأثر السوق في البرازيل بزيادة التعريفات الجمركية على الوحدات المستوردة.
7- نمو سوق التخزين بالأسواق الناشئة: تزدهر حلول التخزين بالعديد من الأسواق الناشئة بوتيرة سريعة، فمن المتوقع أن تجذب دول مثل تركيا وبلغاريا استثمارات كبيرة في مجال التخزين، ذلك مع دمج حلول التخزين ضمن عطاءات مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ومن المرجح أن تكون المملكة العربية السعودية أيضاً ضمن الأسواق الواعدة في مجال التخزين، حيث ستدفع سعات تخزين البطاريات الجديدة التي سيتم تركيبها بالسعودية على مدى العقد المقبل، المملكة لأن تصبح واحدة من أكبر عشر أسواق عالمية في هذا المجال. فالنمو المذهل في سوق التخزين في المملكة مدفوع بأهداف رؤية 2030 الطموحة، والاستثمارات الضخمة في مشروعات الطاقة المتجددة.
8- هيمنة الهيدروجين الأزرق الأمريكي على إضافات الإمدادات: سيعزز الهيدروجين الأزرق، المستخلص من الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون، مكانته كقوة مهيمنة في صناعة الهيدروجين منخفض الكربون بالولايات المتحدة في عام 2025. ومن المقرر أن تصل مشروعات بسعة أكثر من 1.5 مليون طن سنوياً إلى مرحلة اتخاذ قرار الاستثمار النهائي؛ مما يعزز مكانة الولايات المتحدة كأكبر منتج للهيدروجين الأزرق في العالم.
سيلقى الاستثمار دفعة قوية من الإعفاء الضريبي الممنوح لتكنولوجيا حجز الكربون بموجب بنود (45Q) من قانون الإيرادات الداخلية الأمريكي. وسيساعد هذا الدعم على تعزيز الجدوى المالية لمشروعات الهيدروجين الأزرق، والحفاظ على المكانة المتميزة لمنتجات الهيدروجين منخفضة الكربون بالولايات المتحدة، مع إمكانية تصديرها للأسواق الدولية بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية.
وفي الوقت ذاته، سيكافح الهيدروجين الأخضر نتيجة موقف إدارة ترامب الفاتر بشأن إزالة الكربون، إلى جانب عدم اليقين التنظيمي، والمنافسة على التمويل من القطاعات ذات المخاطر المنخفضة؛ كل ذلك من شأنه أن يعطل تطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر؛ بناءً عليه، من المتوقع أن تصل سعة مشروعات الهيدروجين الأخضر التي تصل لقرارات الاستثمارات النهائية نحو عُشر سعة مشروعات الهيدروجين الأزرق ذاتها في عام 2025.
9- ازدهار أسواق تعويضات الكربون: يُعد مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 29" وما أقره من قواعد بشأن أسواق الكربون العالمية بمثابة علامة فارقة في مسار تحفيز تعويضات الكربون. فلقد أحرز العالم تقدماً مهماً في تنفيذ المادة 6 من اتفاق باريس؛ مما مهد الطريق للحكومات لاستخدام أرصدة الكربون والمساعدة في بلوغ أهداف الانبعاثات الوطنية.
لكي تصبح التعويضات أداة لتمويل خفض الانبعاثات بالعالم النامي؛ يتطلب الأمر المزيد من العمل بشأن المنهجية والبنية الأساسية للاعتراف بأرصدة الكربون وتداولها. وستحتاج البلدان إلى معالجة نفس التحدي، الذي واجه مشتري تعويضات الكربون من الشركات، والمتمثل في تجنب المشروعات المشكوك فيها.
من المتوقع أن تعمل الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمبادرات المستقلة على تسريع جهودها لتعزيز نزاهة السوق ووضع إرشادات جديدة. وإذا أمكن إرساء منهجية وإشراف قويين، فإن تجارة الكربون المدعومة من الأمم المتحدة، بموجب المادة السادسة، سترفع مصداقية السوق وتعزز الطلب من جانب الشركات أيضاً.
10- صفقات محتملة في سوق النحاس العالمية: تطمح شركات التعدين الكبرى لأن يصبح النحاس محركاً لنمو أعمالها، وقد نما الإجماع حول الأهمية المركزية للمعدن في محافظ أكبر شركات التعدين. وفي حين من المتوقع أن تتمتع أسواق المواد الخام الخاصة بالبطاريات بحالة من وفرة المعروض في عام 2025، ستظل أسعار النحاس مدعومة بنمو الطلب القوي وتأخيرات المشروعات الجديدة.
وستشهد الأصول القليلة المعروضة للبيع اهتماماً من مجموعة من الشركات المملوكة للدولة والخاصة، يأتي ذلك في ظل ندرة المشروعات الجديدة لشركات التعدين الكبرى، وبطء التصاريح؛ وهذا ما يترك المجال مفتوحاً لإبرام صفقات جديدة.
تظل تقييمات السوق لشركتي "أنجلو أمريكان" و"تيك ريسورسز" جذابة، وستظلان هدفين رئيسيين لشركات التعدين الكبرى التي تبحث عن إضافات فورية لإنتاجها من النحاس. وتتمتع شركات "بي إتش بي" و"ريو تينتو" و"جلينكور" بالموارد المالية الكافية لدعم مثل هذه الاستحواذات.
المصدر:
Ed Crooks. (2024, December 13). Predictions for energy and natural resources in 2025. Wood Mackenzie. https://www.woodmac.com/blogs/energy-pulse/predictions-for-energy-and-natural-resources-2025/