أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

قمة مودي – بوتين:

دوافع ودلالات تعزيز العلاقات الهندية الروسية في بيئة دولية مُعقَّدة

16 يوليو، 2024


اتسمت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى روسيا، يومَي 8 و9 يوليو 2024، بطابع خاص؛ ليس فقط بسبب الانتقادات الغربية للتقارب الروسي الهندي، ولكن لأنها أيضاً الزيارة الأولى  التي يقوم بها مودي إلى روسيا منذ خمس سنوات والأولى أيضاً منذ بداية الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، وهي ثاني زياراته الخارجية بَعْد أداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة، في 9 يونيو الماضي، فلم تسبقها سوى مشاركته في قمة مجموعة السبع في إيطاليا؛ وهو ما يُمثِّل استثناءً في تقاليد مودي السابقة؛ إذ كان يبدأ جولاته الخارجية في أعقاب فوزه في الانتخابات بزيارة إحدى دول الجوار الجغرافي.

ومع أن مودي التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ست عشرة مرة في آخر عشر سنوات، سواءً من خلال اللقاءات الثنائية أم في أطر متعددة الأطراف؛ إلا أن الزيارة الأخيرة جاءت في ظل تحولات كبرى جرت في السنوات الأخيرة؛ إذ شهدت علاقات الدولتين مع القوى الأخرى تطورات دراماتيكية؛ إذ وثَّقت كل دولة منهما علاقاتها مع خصوم الدولة الأخرى؛ فروسيا والصين أصبحتا في شراكة استراتيجية، علماً بأن الأخيرة خصم تقليدي للهند، بينما وثَّقت الأخيرة علاقاتها مع الدول الغربية، خاصةً الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا، والذين هم إما في حالة عداء صريح مع روسيا أو على الأقل في حالة خلافات سياسية حادة معها.

مُخرَجَات القمة:

يشير انعقاد القمة الثنائية بين مودي وبوتين، بَعْد ثلاث سنوات على القمة السابقة في عام 2021، إلى أن المسار العام الإيجابي للعلاقات بين الدولتين قائم؛ خاصة وأن هذه القمة تُعَد أعلى آلية حوار مؤسسي في الشراكة بين الدولتين؛ إذ أكد البيان المُشترَك الصادر عن القمة، والتي حملت شعار (روسيا والهند.. شراكة قوية ومتوسعة) تعزيز التعاون المستقبلي في كافة المجالات، والمضي قدماً في تحقيق الإمكانات الكاملة للشراكة الاستراتيجية على نحو متوازن ومستدام، والبناء على ما تم من إنجازات مُشترَكَة، مع تأكيد تفعيل آليات التعاون المؤسسي من خلال المشاورات الثنائية بين وزارتي خارجيتي الدولتين وِفْق البروتوكول الذي تم توقيعه في ديسمبر 2023 للفترة (2024 – 2028)، وانعقاد الاجتماعات المنتظمة بين الهيئات البرلمانية والمجالس الأمنية بالدولتين بشكل منتظم، والحفاظ على وتيرة انتظام القمم الثنائية؛ إذ تقرَّر انعقاد القمة الـ23 بالهند في العام المقبل 2025.

وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري، تعهد بوتين ومودي بالعمل على زيادة حجم التجارة بين الدولتين ليصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، واتفقا على مواصلة تطوير أنظمة التسوية الثنائية من خلال استخدام العملات الوطنية، وعلى تعزيز التعاون الصناعي في مجال هندسة النقل والمعادن والصناعة الكيميائية، وإقامة شراكات استثمارية جديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالتوازي مع إعداد برنامج لتطوير التوجهات الاستراتيجية الاقتصادية المُشترَكَة حتى عام 2030. واتفقا كذلك على مواصلة العمل بشأن مشروع اتفاقية مُشترَكَة تتعلق بأنشطة العمل المؤقتة للمواطنين، وتسهيل مشاركة الشركات الروسية في برنامجي "صُنِع في الهند"، و"الهند المكتفية ذاتياً". كما أعرب الجانب الروسي عن التزامه بتسهيل وصول الاستثمارات الهندية إلى روسيا.

ووجَّه بوتين ومودي بدراسة إمكانية إجراء مفاوضات حول توقيع اتفاقية تجارة حرة ثنائية في الخدمات والاستثمارات، في ضوء نجاح المشاورات الأولية التي عُقِدت في مارس 2024 بشأن إبرام اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (الذي يضم كلاً من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان)؛ والذي تُعد روسيا الدولة الأهم فيه؛ بما يساعد على إزالة التدابير الحمائية، وتيسير حركة سلاسل التوريد، وتحسين الصادرات الهندية إلى روسيا.

وفي مجال النقل والطاقة، أكد الطرفان تعزيز التعاون في تطوير النقل البحري وزيادة البضائع على طول طريق بحر الشمال، بما يتضمَّنه ذلك من توفير دعم لوجستي يساعد الهند على توسيع نطاقها البحري، حتى القطب الشمالي، من خلال استكمال مشروع "ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب" الذي يربط الهند بروسيا عَبْر إيران وآسيا الوسطى. واتفق الجانبان على استكمال مشروعات وحدات الطاقة النووية المتقدمة والآمنة، التي تجريها روسيا في محطة "كودانكولام" بالهند، واستمرار المشاورات الفنية بشأن تنفيذ مشروعات جديدة مماثلة، وتوطين المعدات والإنتاج المُشترَك للمكونات ذات الصلة.

وعلى المستوى الأمني والعسكري، أكد مودي وبوتين التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، واتفقا على تعزيز عمليات البحث والتطوير والإنتاج المُشترَك لتقنيات وأنظمة الدفاع المتقدمة، ونقل التكنولوجيا العسكرية لتحفيز الإنتاج المُشترَك في الهند لقطع الغيار لخدمة المعدات والأسلحة الروسية الصنع، بما يساعد لاحقاً على التصدير المُشترَك إلى دول ثالثة صديقة لكلتا الدولتين، هذا علاوة على تعزيز التعاون في مجال أبحاث استكشاف الفضاء.

الدوافع الهندية:

تعكس زيارة مودي روسيا عدداً من الدوافع والدلالات المهمة بالنسبة للهند، يأتي على رأسها تأكيد انتهاج سياسة هندية خارجية مستقلة، فعلى الرغم من علاقاتها المتنامية مع الولايات المتحدة والضغوط المُوجَّهة إليها لإدانة العملية الروسية في أوكرانيا، فإن الهند لا ترغب في تأطير نفسها في "معسكر" دولي ما، في سياق السياسة التقليدية القائمة على عدم الانحياز أثناء الحرب الباردة، أو الانحياز المتعدد منذ ثلاثة عقود؛ الأمر الذي يمنح الهند القدرة على تبنِّي سياسة مرنة ومتوازنة ومستقلة ومنفتحة إلى حدٍ كبير لإبرام وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الدول المحورية والفاعلة؛ بما يحقق مصالحها ويساعد على تلبية طموحها كقطب صاعد في السياسة الدولية.

هذه السياسة الهندية وضحت جلياً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا؛ إذ حافظت نيودلهي على علاقاتها الوثيقة مع موسكو. ومع أن زيارة مودي يُنظَر إليها غربياً على أنها بمثابة ضربة لجهود عزل بوتين ولجهود السلام أيضاً، وفق تصريح الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، وكذلك وِفْق تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميللر، بأن واشنطن كانت واضحة في التعبير للهند عن مخاوفها بشأن القضية الأوكرانية؛ إلا أن مودي حرص أثناء لقائه بالرئيس بوتين على التأكيد أن الهند "مستعدة للمساعدة في إحلال السلام في أوكرانيا"، وعلى أن "جميع الصراعات في العالم لا يُمكِن حلها إلا من خلال الحوار".

ويًشار في هذا السياق إلى أن الهند قد حاولت الوساطة سابقاً؛ إذ صرح وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، مرات عدة، أن الهند حاولت التواصل مع الجانبين وقامت بدورها لتأمين مبادرة الحبوب في البحر الأسود التي تدعمها الأمم المتحدة في عام 2022.

وليس بعيداً عمَّا سبق، تحرص الهند على حفظ توازن القوى الإقليمي والدولي في آسيا، فقد أكد بيان مودي قَبْل زيارته موسكو، أن بلاده "تسعى للتعاون مع روسيا للقيام بدور داعم لمنطقة سلمية ومستقرة في عموم آسيا"؛ وهو ما يشير إلى رغبة الهند في تحقيق نوع من توازن القوى الإقليمي من خلال تعزيز علاقاتها مع روسيا، التي توثق بدورها علاقاتها مع القوى النووية الثلاث: الصين، وباكستان، وكوريا الشمالية.

وربما ترى الهند أنه يُمكِن لروسيا أن تقوم بدور موازِن ما، أو ربما كحلقة وصل كقوة آسيوية لا غنى عنها في التواصل مع الدول الثلاث من جانب، كما تدرك الهند أنه لا يمكنها الاضطلاع بدور سياسي واقتصادي نشط في أفغانستان وفي منطقة آسيا الوسطى ذات الأهمية الجيوستراتيجية من دون التعاون مع روسيا، كما تدرك الهند كذلك أن ثمة حدوداً وسقفاً للدور الغربي والأمريكي في هذه المنطقة. بكلمات أخرى، من المُحتَمَل أن تكون روسيا أهم وسيط بين بكين ونيودلهي في حالة حدوث أية أزمات مستقبلية، وقد ظهرت بعض الإشارات الرمزية الروسية حول هذا الأمر، ففي تقدير لهواجس الهند الجيوسياسية ارتباطاً بالصين، يُمكِن تفسير تقليد بوتين، مودي أعلى وسام روسي (وسام القديس أندرو الرسول الأول)، على وقوفه على مسافة واحدة من بكين ونيودلهي؛ خاصة وأنه نفس الوسام الذي منحه للرئيس الصيني في عام 2017.

ويُمكِن القول إن الهند تتحوط مبكراً من أية تداعيات مستقبلية مُحتمَلَة لتنامي علاقات روسيا مع كل من الصين وباكستان تحديداً؛ لأن تعزيز الشراكة الروسية الصينية خاصةً بَعْد الحرب الأوكرانية يثير قلق الهند في ظل نزاعاتها الحدودية مع الصين، وتكرار وقوع اشتباكات مسلحة بين الدولتين كان آخرها في عامي 2020 و2022؛ الأمر الذي زاد من عدم الثقة المُتبادَلَة بين الدولتين. وبالنسبة لباكستان أيضاً يُلاحَظ تطور علاقاتها مع روسيا كما ظهر في عدم ممانعة روسيا من انضمام باكستان إلى مجموعة "بريكس"، وإشادة الرئيس بوتين، خلال مباحثاته مع رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، على هامش قمة شنغهاي للتعاون التي عُقِدَت في أستانا يومي 3 و4 يوليو الجاري؛ بالعلاقات الودية والعملية الممتدة بين الدولتين.

على الجانب الاقتصادي، يسعى مودي إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع روسيا من خلال توسيع سوق الصادرات الهندية في روسيا، بما يساعد على إعطاء مزيد من الزخم لحملة "صُنِعَ في الهند"، التي أطلقها مودي في عام 2014 لدعم الصناعة الوطنية، وكذلك بحث إمكانية توفير فرص للعمالة الهندية في روسيا. ويشير إلى تلك الحقيقة، أن الهند كانت إحدى الدول المستفيدة من تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، فعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة الضغط في اتجاه إدانة الهند لروسيا والالتزام بما أقرته القوى الغربية من عقوبات؛ فإن الهند كثفت تعاونها التجاري مع روسيا، وازداد حجم وارداتها من نفط روسيا الخام بعد عام فقط من بداية الحرب الأوكرانية بنسبة 1144%؛ لتصبح أكبر مشترٍ للنفط الروسي الخام؛ ولذلك ارتفعت واردات الهند من روسيا من 46.21 مليار دولار في السنة المالية 2022/2023 إلى 61.42 مليار دولار في السنة المالية 2023/2024.

الدوافع الروسية:

مما لا شك فيه، أن روسيا تحقق عدة مكاسب من الاحتفاظ بعلاقاتها القوية مع الهند، ولاسيما في ظل السياقات الدولية الراهنة، يتمثل أولها في حاجة روسيا إلى تعزيز روابطها مع الدول الصديقة في ظل العقوبات الغربية، التي كان آخرها حزمة العقوبات الأوروبية الرابعة عشرة، في أواخر شهر يونيو الماضي، والتي استهدفت لأول مرة صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المُسَال؛ إذ يرى بوتين في رئيس الوزراء الهندي، مودي، حليفاً دبلوماسياً واقتصادياً رئيسياً، ووصفه سابقاً بأنه "صديق روسيا الحقيقي"، بعد أن أثبت موقفه كشريك تجاري واستراتيجي مهم يُمكِن لروسيا الوثوق به والاعتماد عليه؛ إذ فتحت الهند أسواقها أمام النفط الروسي بَعْد إغلاق معظم الأسواق الغربية أمام الصادرات الروسية، وشهدت التبادلات التجارية بين الدولتين نمواً متسارعاً، بقيمة بلغت 50 مليار دولار في عام 2022، ثم تجاوزت 62 ملياراً في عام 2023. ويُتوقَّع أن تتجاوز 70 مليار دولار بنهاية العام الجاري 2024؛ بل إن الهند تقوم بتسوية مبادلاتها التجارية مع روسيا بالعملة المحلية، بعيداً عن الدولار، بعد استبعاد روسيا من نظام "سويفت" المالي العالمي.

لهذا لم يكن غريباً أن تحظى الهند بإشارة متميزة في وثيقة "السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية"، الصادرة في 31 مارس 2023؛ فمن بين 10 اتجاهات إقليمية للسياسة الخارجية الروسية، جاءت الهند في المرتبة الثالثة، بعد كلٍ من الجوار القريب والقطب الشمالي، مرتكزة في ذلك على تاريخ الصداقة الممتد لعقود بين الدولتين؛ خصوصاً في المجال العسكري، إلى جانب مواقف الهند بَعْد الحرب الأوكرانية. على سبيل المثال، كان الاتحاد السوفيتي حتى أوائل تسعينيات القرن العشرين هو مصدر حوالي 70% من أسلحة الجيش الهندي، و80% من أنظمة سلاحه الجوي، و85% من منصاته البحرية.

بناءً على ذلك تحرص روسيا على استمرار الحياد الهندي، خاصة تجاه الحرب في أوكرانيا، مع الإدراك بمدى قوة علاقات الهند مع الولايات المتحدة، والتي لا تثير استياء موسكو، طالما أن الهند لم تستجب للضغوط الغربية في الانضمام للعقوبات ضد روسيا. كما تسعى موسكو إلى توثيق علاقاتها مع الهند تحوطاً من تداعيات تنامي العلاقات الهندية الأمريكية عليها مستقبلاً، فقد أصبحت الولايات المتحدة شريك الهند التجاري الأول في عام 2022، بإجمالي بلغت قيمته 119.5 مليار مقارنةً بنحو 80.5 مليار في عام 2021، وزار مودي الولايات المتحدة، في يونيو 2023؛ بهدف تعزيز الشراكة الدفاعية والتجارية والتكنولوجية مع الولايات المتحدة، وألقى أيضاً خطاباً أمام الكونغرس، وازدادت صفقات الأسلحة الأمريكية إلى الهند مع توقيع عقود مختلفة بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار منذ عام 2020.

من جانب آخر، تُعَد الهند عضواً في تحالف الحوار الأمني الرباعي "كواد"، بجانب الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وهو التحالف الذي تعهدت أطرافه مؤخراً بتعزيز التعاون في مجالات: الأمن الصحي، والبنية التحتية الرقمية، والاتصالات. وعلى الرغم من أن هذا الترتيب الأمني معنيٌ في الأصل باحتواء الصين؛ فإنه يؤثر بشكلٍ أو بآخر في روسيا أيضاً؛ وقد يشكِّل قيوداً على حرية تحركاتهما في القارة الآسيوية.