أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

معضلة التشتت:

مسارات محتملة للدعم الغربي لأوكرانيا ضد روسيا

31 يناير، 2024


يُعد الدعم واحداً من أكثر الأسلحة فعالية في صراعات اليوم، خاصةً في الأنماط الصراعية التي تشهد كثافة في التفاعلات الإقليمية والدولية مثل الحرب الروسية الأوكرانية، إذ يراهن كلا المعسكرين، الغربي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، وفي المقابل معسكر روسيا، على حسم الصراع لصالحه وكسب الحرب من خلال سلاح الدعم. وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات جادة على نهاية وشيكة للحرب الأوكرانية بسبب ضبابية الأهداف المأمولة لأطرافها وفاعليها على حد سواء، فمن غير المستبعد أن يشهد عام 2024 تطوراً نوعياً في مسار هذه الحرب بالنظر لدخول ملفات جديدة فرضت نفسها على الساحة الدولية واستطاعت التأثير بدرجة ملحوظة في الدعم المقدم لكلا الطرفين.

ويأتي على رأس تلك الملفات، استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، والمخاوف من احتمالية توسعها لتشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط، فضلاً عن زيادة حالة الاضطرابات في البحر الأحمر بسبب اعتراض الحوثيين بعض السفن المتجهة إلى إسرائيل، وصولاً إلى الهجمات العسكرية المشتركة التي قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا مؤخراً ضد أهداف حوثية في اليمن، وتداعيات ذلك كله على أمن واستقرار المنطقة، وعلى السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية على حد سواء.

في ضوء هذه المعطيات، يظل التساؤل بشأن الحرب الأوكرانية هو إلى أيّ مدى سيراهن المعسكر الغربي على صمود كييف في مواجهة روسيا؟ وكيف سيكون شكل ومدى الدعم الممنوح لأوكرانيا في ظل المعطيات الجديدة على الساحة الدولية؟

تراجع الدعم:

يمكن تقسيم الدعم الذي تحصل عليه أوكرانيا من الولايات المتحدة وأوروبا إلى مساعدات مالية وأخرى متعلقة بالإنفاق العسكري، وشق آخر خاص بالمساعدات الإغاثية والإنسانية للمناطق الأكثر تضرراً واحتياجاً في الداخل الأوكراني. وهذا الشكل الأخير من المساعدات، بشقيه الإغاثي والإنساني، يُعد هو القاسم المشترك الذي لم يتأثر من الداعمين لكييف، ولا يُتوقع أن يتأثر؛ بالنظر إلى كونه موجهاً بالأساس لمعالجة أوضاع إنسانية حرجة مثل: النزوح الداخلي وانتشال جثامين الضحايا نتيجة القصف الروسي، فضلاً عن توفير الغذاء والماء والدواء ومستلزمات طبية أخرى لإسعاف ومداواة الجرحى من المدنيين نتيجة استمرار القتال.

وتُعد الولايات المتحدة أهم الداعمين عسكرياً لأوكرانيا منذ بداية الحرب، إذ بلغ إجمالي حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا في الفترة من 24 يناير 2022 حتى 31 أكتوبر 2023 ما قيمته 43.9 مليار يورو. وتأتي في المرتبة الثانية والثالثة توالياً كل من ألمانيا بإجمالي 17.1 مليار يورو، وبريطانيا بإجمالي 6.6 مليار يورو في الفترة ذاتها. يلي ذلك مؤسسات أوروبية قدمت دعماً يُقدر بنحو 5.6 مليار يورو، ثم النرويج (3.6 مليار يورو)، والدنمارك (3.5 مليار يورو)، وبولندا (3 مليارات يورو)، وهولندا (2.5 مليار يورو)، والسويد وكندا (2.1 مليار يورو لكل منهما).

وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية العديد من المؤشرات على وجود حالة من التأرجح في المعسكر الغربي، ما بين الإحجام عن الوفاء ببعض الالتزامات لأوكرانيا في حربها ضد روسيا أو تقليل حجم هذه المساعدات أو تعليق بعضها. ومن بين هذه المؤشرات ما يلي:

1- شهدت الفترة من أغسطس إلى أكتوبر 2023 انخفاضاً حاداً في حجم المساعدات المقدم لأوكرانيا، إذ بلغ حوالي 2.11 مليار يورو فقط بنسبة انخفاض 87% مقارنةً بالفترة ذاتها في عام 2022. وبالإضافة إلى ذلك، التزمت نحو 20 جهة مانحة فقط من أصل حوالي 42 جهة مانحة بحزم مساعدات جديدة لكييف، وهي أقل نسبة مشاركة من الجهات المانحة منذ بداية الحرب في فبراير 2022.

2- علّق مجلس الشيوخ الأمريكي حزمة مساعدات لأوكرانيا قُدرت بنحو 61 مليار دولار، على إثر خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن تعديلات على قانون الهجرة، وتباين في وجهات النظر بين الجانبين حول إمكانية توظيف هذه الأموال لمعالجة قضايا داخلية مُلحة مثل تأمين الحدود الأمريكية مع المكسيك. وكان الكونغرس الأمريكي قد أقرّ ميزانيته الدفاعية لعام 2024، بما يتيح فقط الإفراج عن 300 مليون دولار لصالح كييف، وهو دعم ضئيل للغاية لا يتجاوز 0.5% فقط من إجمالي حزمة المساعدات المخطط منحها لأوكرانيا والتي ما تزال قيّد التفاوض.

3- تعثر الاتحاد الأوروبي في الوصول لتوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا قُدرت بنحو 50 مليار يورو (54 مليار دولار تقريباً)، وبروز مواقف أوروبية غير متحمسة ليس فقط لإعطاء المزيد من المساعدات لكييف كما هو موقف المجر، لكن أيضاً غير متحمسة للتفاوض بشأن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ومن بين هذه الدول المجر وأيرلندا. فضلاً عن سحب بعض الدول الأوروبية مساعداتها لأوكرانيا بصورة نهائية مثل سلوفاكيا.

4- تقليص القوات الأوكرانية عملياتها العسكرية بسبب نقص الذخائر، وهو ما جعل قائد المجموعة العملياتية والاستراتيجية للقوات الأوكرانية في تافريا، أولكسندر ترنافسكي، يصرح في منتصف ديسمبر الماضي بأن الكميات المتوفرة لدى قواته من الذخائر بصفة عامة والمقذوفات من عياري 122 ملم و152 ملم بصفة خاصة، لم تعد كافية بسبب قلة الدعم الخارجي؛ ولهذا السبب حوّلت القوات الأوكرانية وجهتها من المبادرة بالهجوم إلى الدفاع ومحاولة صد الهجمات الروسية في بعض مناطق الجبهة الجنوبية الشرقية.

ويمكن ملاحظة أن بعض هذه المؤشرات نابع من عوامل خارجية، متعلقة بإعادة ترتيب أولويات كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأوجه إنفاقهما، ومدى القناعة بجدوى الدعم المقدم حالياً لأوكرانيا في ظل وجود معطيات جديدة، وبعضها الآخر نابع من عوامل داخلية مثل الإحجام عن مشاركة قطاع من الأوكرانيين في القتال ومن ثم وجود عناصر غير مدربة بصورة كافية، الأمر الذي يعكس نتائج ليست على المستوى المأمول بالنسبة للداخل الأوكراني أو الخارج على حد سواء، وبالتالي تسهم تلك النتائج في إعادة النظر في جدوى استمرار الدعم الغربي.

تحديات مستمرة:

هناك تحديات عدة قد تحول دون استمرار الدعم الغربي لكييف، ومنها الآتي:

1- تراجع الاهتمام الغربي بالحرب الأوكرانية: من المعروف أن الدعم الغربي لأوكرانيا كان مرتكزاً بالأساس على حالة الزخم العالمي حول فرضية أن روسيا في حال نجاحها في إحكام سيطرتها على أوكرانيا فإنها لن تكتفي بذلك، بل سيستدعي ذلك دخول الديمقراطية الغربية مرحلة من الانحدار، فضلاً عن إمكانية تكرار التجربة في بلدان أوروبية أخرى، كما صرّح بذلك زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك تشومر. 

وبالتالي، فإن وجود قضايا دولية أكثر زخماً في الفترة الحالية، مثل: حرب إسرائيل على قطاع غزة، والمخاوف من اتساعها إلى حرب إقليمية شاملة، والهجمات الحوثية وتهديدها للملاحة الدولية في البحر الأحمر؛ كل ذلك ربما يُشكّل تحدياً أمام استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة القوات الروسية.

2- انقسام أمريكي بخصوص أولويات الإنفاق الخارجي: ظهر ذلك جلياً في تعليق مجلس الشيوخ الأمريكي المساعدات التي كان ينوي البيت الأبيض تقديمها لأوكرانيا بسبب عدم توصل الديمقراطيين والجمهوريين لاتفاق، ومن ثم يواجه البيت الأبيض تحديات منبعها في هذه الحالة ليس الخارج وإنما الداخل الأمريكي، بل ودائرة صنع القرار ذاتها.

وفي هذا الإطار، ثمة انتقادات تتعرض لها إدارة الرئيس جو بايدن، بسبب عدم قدرتها على وقف الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة، وهو ما يتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر 2024، واحتمالية خوض بايدن سباقاً صعباً أمام منافسه الرئيس السابق، دونالد ترامب، بالرغم من العقبات القانونية التي تواجه الأخير، وهو ما يضع الإدارة الأمريكية الحالية تحت مزيد من الضغوط.

3- دخول إسرائيل في منافسة مع أوكرانيا للحصول على الدعم العسكري الأمريكي: لم يكن في الحسبان أن تستمر الحرب في غزة طوال هذه المدة وأن يترتب عليها احتياج إسرائيل لبعض العتاد العسكري الذي كانت الولايات المتحدة تدعم به أوكرانيا بالنظر لحجم الخسائر الذي تتكبده إسرائيل وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها الرئيسية في غزة. وهنا يظهر تحدٍ يتعلق بعدم قدرة الولايات المتحدة على إيجاد نقطة توازن يمكن من خلالها دعم إسرائيل وأوكرانيا عسكرياً معاً، خاصةً في ظل احتياجهما لأنواع متشابهة من الأسلحة والذخائر والمنظومات القتالية، ومنها قذائف المدفعية عيار 155 ملم المستخدمة في مدافع "الهاوترز" ذاتية الحركة (M-109)، بالإضافة إلى قذائف الدبابات عيار 120 ملم الخاصة بدبابات "ميركافا-3" و"ميركافا-4"، وهو ما مثّل معضلة بالنسبة لواشنطن وجعلها تضع كييف في المرتبة الثانية بعد تل أبيب، بغض النظر عن الوضع العملياتي لأوكرانيا ومدى احتياجها لذات الأسلحة والعتاد العسكري الممنوح لإسرائيل، وهو ما سيظل تحدياً كبيراً بالنسبة لأوكرانيا في حال استمرار الحرب في غزة.

4- عجز القوات الأوكرانية عن تحقيق انتصارات كبيرة: يبدو وكأن القوات الأوكرانية في حالة من الإجهاد العسكري نتيجة مواصلة القتال على جبهة طولها ألف كيلومتر وقبيل إتمام عامين كاملين على بدء القتال في مواجهة الروس. فمنذ قيام القوات الأوكرانية بهجوم مضاد أجبر القوات الروسية على الخروج من منطقة خيرسون الجنوبية والجانب الغربي من نهر دنيبرو في نوفمبر 2022، ربما لا توجد انتصارات كبيرة لكييف. وفي المقابل، تُغيّر روسيا تكتيكاتها وتحقق نجاحاً نسبياً في بعض المناطق في أفدييفكا في مدى يتراوح بين 1.5 كم إلى 2 كم، وهي منطقة حيوية لروسيا ربما تساعدها إن أحكمت سيطرتها عليها في انتزاع السيطرة الكاملة على إقليمي دونيتسك ولوغانسك.

مسارات محتملة:

فرضت التطورات الراهنة على الساحة الدولية، وخاصةً حرب غزة، واقعاً جديداً على المعسكر الغربي بالنسبة لمسألة دعم كييف، ويمكن في هذا السياق استعراض مسارات ثلاثة محتملة بشأن هذا الدعم، كالتالي:

1- الدعم الغربي المكثف لأوكرانيا: ينبني هذا التصور على الاعتقاد الراسخ في العقل الجمعي للمعسكر الغربي بصحة ما تفرضه نظرية "تأثير الدومينو" (The Domeno Effect)، والمتمثل في أن أمن واستقرار أوروبا من أمن أوكرانيا، وأن أية مكاسب روسية متمثلة في كسب أراضي أوكرانية أوسع أو إحكام السيطرة على مناطق أخرى ستعني بالضرورة تكرار التجربة في دول أوروبية مجاورة، بما يجعل هناك تفاعلاً تسلسلياً لصالح موسكو في صراعها الأوسع نطاقاً مع الولايات المتحدة وأوروبا في هذه الحالة. وبالتالي وفق هذا المسار، ستبذل واشنطن وأوروبا أقصى ما في وسعهما من أجل تقديم المساعدات المالية والعسكرية اللازمة لاستمرار صمود كييف على الأرض في مواجهة القوات الروسية. وهنا تظل احتمالية التمسك الغربي حرفياً بنظرية "تأثير الدومينو" غير مرجحة، إذ يمكن التمسك بها لكن حتى مستوى معين يسمح للغرب بتقديم أقصى دعم ممكن لكييف، لكن وفقاً للمعطيات والظروف الحالية. 

2- التفاوت الغربي في الدعم المقدم لكييف: ينبني هذا التصور على نظرة أكثر واقعية تجاه التطورات الراهنة، إذ يمكن وفق هذا المسار أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات أقل حماسة في شكل ومدى الدعم المقدم لأوكرانيا، في مقابل أن تظل الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ملتزمة بدعم كييف. ويأتي ذلك بسبب التفاوت في التحديات التي يواجهها المعسكر الغربي نفسه، فالولايات المتحدة لديها تحديات داخلية متمثلة في جدلية قضية الحدود مع المكسيك، ولديها كذلك التزاماتها نحو إسرائيل بدعمها وتوفير الغطاء الإعلامي والمالي والعسكري لها في حرب غزة، فضلاً عن قرب موعد الانتخابات الأمريكية هذا العام.

3- الإحجام التدريجي عن دعم كييف: ينبني هذا التصور على نظرة أكثر تشاؤماً من المعسكر الغربي نفسه تجاه ما يجري في أوكرانيا، إذ تشير الأوضاع العملياتية على الأرض إلى تراجع في صمود القوات الأوكرانية نتيجة حالة الإجهاد العسكري، وبالتالي عدم قدرتها على تحقيق مكاسب جادة. وهذا يمكن أن يدفع المعسكر الغربي إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، والتفكير بطريقة أكثر براغماتية بأن نجاح روسيا في السيطرة على أوكرانيا سيكون بمثابة ضربة قوية ضد المعسكر الغربي لكنه ليس المعركة الأخيرة بين الجانبين. ويبدو هذا المسار غير مرجح، بالنظر إلى الكُلفة العالية التي تكبدها بالفعل المعسكر الغربي منذ بدء الحرب الأوكرانية، والخسائر المتوقعة في حالة تخليه عن كييف.

ختاماً، لا يمكن الجزم بأن تسوية وشيكة للحرب في أوكرانيا باتت تلوح في الأفق حتى بالرغم من معضلة الدعم الحالية لكييف. والأمر المؤكد أن المعطيات الجديدة على الساحة الدولية حالياً غيّرت وربما ستغيّر كثيراً من قواعد اللعبة في الحرب الأوكرانية، خاصةً إذا ما وضعنا في الاعتبار احتمالية أن تتسبب نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام في تحول قد يرتب تغيراً في علاقة الولايات المتحدة مع روسيا، كما كان الحال عليه أثناء إدارة ترامب، وهو ما قد يجعل المعسكر الغربي في هذه الحالة ينقسم على نفسه بصورة غير مسبوقة منذ بداية الحرب الأوكرانية، بما يؤثر في مسار ومستقبل هذه الحرب.