أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

توافق الضرورة:

أهداف زيارة رئيس الأركان الإيراني لتركيا

27 أغسطس، 2017


تتجه إيران وتركيا إلى رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني فيما بينهما للتعامل مع التطورات التي تشهدها الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبهما، وهو ما بدا جليًا في الزيارة التي قام بها رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري إلى تركيا في 15 أغسطس الحالي والتي استمرت ثلاثة أيام، بشكل يشير إلى أن "توافق الضرورة" أصبح هو العنوان الرئيسي للعلاقات بين الدولتين رغم وجود بعض الخلافات العالقة.

ومن دون شك، فإن هذا التوافق لا يمكن فصله عن استعداد إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء على الانفصال في 25 سبتمبر 2017، وعن استمرار محادثات الآستانة الخاصة بالأزمة السورية، والتي تقوم الدولتان إلى جانب روسيا برعايتها، إلى جانب تصاعد حدة الحرب ضد تنظيم "داعش" في مدينة الرقة حاليًا، وربما في مدينة دير الزور في مرحلة تالية، بعد هزيمته في مدينة الموصل العراقية، وقد يتسع نطاقها أيضًا لتشمل مدينة إدلب التي سيطرت "جبهة النصرة" أو "جبهة فتح الشام" على أجزاء رئيسية فيها.

ملاحظات أولية

كان لافتًا أن باقري هو من ترأس وفد الزيارة، التي تعتبر الأولى لرئيس الأركان الإيراني إلى تركيا منذ اندلاع الثورة في عام 1979، حيث يبدو أنه كان هناك حرص من جانب الطرفين على أن يكون رئيس الوفد أحد قيادات القوات المسلحة الإيرانية وليس الحرس الثوري، رغم أن الأخير هو الذي يقوم بالدور الأهم على الساحة الخارجية من خلال "فيلق القدس" التابع له والذي يقوده قاسم سليماني، أو عبر الميليشيات الحليفة له في كل من العراق وسوريا، على غرار "الحشد الشعبي" و"حزب الله" وغيرها.

وبالطبع، فإن ذلك يمكن تفسيره في أن ترؤس أحد قيادات "الباسدران"، ولا سيما قاسم سليماني، الوفد كان من الممكن أن يتسبب في مشكلات لتركيا، التي سوف تُتهم في هذه الحالة بأنها تتعامل مع شخصيات فرضت عليها عقوبات بعدم السفر إلى الخارج، ودائمًا ما تثير تحركاتها في مناطق الأزمات، خاصة في سوريا والعراق، حيث ظهر سليماني في مدينة حلب وعلى الحدود العراقية-السورية، تحفظات وانتقادات شديدة من جانب القوى التي تبدي اهتمامًا خاصا بالأدوار التي تقوم بها إيران في المنطقة.

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن باقري يمثل البعد المؤسسي للقوات المسلحة الإيرانية الذي لا يمكن أن يثير أية أزمة دولية خلال زيارته لتركيا، على عكس سليماني أو أى شخصية أخرى من الحرس، التي تمثل البعد الراديكالي الأيديولوجي الأكثر فعالية في التحركات العسكرية والسياسية الإيرانية في الخارج. 

ولذا من المرجح أن يكون ذلك تم بناءً على طلب من تركيا، خاصة أن باقري التقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يتوقع أن يقوم بزيارة قريبة لإيران، ووزير الدفاع نور الدين جانيكلي ورئيس الأركان الجنرال خلوصي آكار، حتى لا تواجه أنقرة موقفًا حرجًا أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى لا توجه بذلك رسائل خاطئة تتوازى مع اتساع نطاق الخلافات التركية-الأمريكية حول بعض الملفات، على غرار الدعم الأمريكي لميليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا، وعزوف واشنطن عن تسليم فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو 2016.

لكن إيران استعاضت عن ذلك بضم بعض قادة الأفرع الرئيسية في "الباسدران" في الوفد، مثل العميد محمد باكبور قائد القوات البرية في الحرس، وهو ما يعني أنها حاولت إشراك الحرس في المحادثات التي أجراها باقري مع أركان الدولة التركية على مدى ثلاثة أيام. فضلاً عن أنه لا يمكن إغفال أن باقري نفسه كان أحد كوادر الحرس قبل تعيينه في منصبه الجديد، حيث تولى مهام متعددة في الاستخبارات التابعة لـ"الباسدران".

إلى جانب ذلك، كان لافتًا أن باقري حرص على تأكيد أن زيارته إلى تركيا كانت بضوء أخضر من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، وهى إشارة لها مغزاها، لا تهدف فقط إلى إضفاء مزيد من الأهمية على الزيارة باعتبار أنها تحظى باهتمام خاص من جانب المرشد، وإنما تهدف أيضًا إلى توجيه رسالة بأن المؤسسة العسكرية تتلقى تعليماتها من المرشد، وأنها تحظى بنوع من الاستقلالية عن الرئيس حسن روحاني، الذي تزايدت حدة الخلافات بينه وبين تلك المؤسسة خلال الفترة الأخيرة، بعد أن دعاها إلى الابتعاد عن السياسة، وانتقد نفوذها الواسع في المجال الاقتصادي.

ملفات شائكة

تكشف تشكيلة الوفد الإيراني فضلاً عن الظروف التي جرت فيها الزيارة عن طبيعة الملفات الثنائية والإقليمية التي كانت محور المحادثات بين الطرفين. أول هذه الملفات يتمثل في الحدود المشتركة بين الطرفين والتي كانت مصدرًا لانتشار تجارة التهريب وتسلل العناصر الإرهابية والمسلحين الأكراد حسب بعض التقارير. ويبدو أن ذلك كان سببًا ثانيًا لضم محمد باكبور إلى الوفد المرافق لباقري، إلى جانب قائد قوات حرس الحدود العميد قاسم رضائي.

وبالطبع، فإن ذلك يتصل باتجاه تركيا في الوقت الحالي إلى إقامة جدار أمني على الحدود مع إيران، مثل الجدار الذي تقيمه على الحدود مع سوريا، حيث ترى أن ذلك سيدعم جهودها لمواجهة الاضطرابات الأمنية التي تصاعدت في الفترة الماضية نتيجة وقوع بعض العمليات الإرهابية واستمرار الصراع مع حزب العمال الكردستاني. 

وينصرف الملف الثاني، إلى التفاهمات المستمرة حول الملف السوري، خاصة فيما يتعلق بالجهود التي يبذلها الأكراد من أجل الحصول على مكاسب سياسية بارزة في ظل الدور الذي قاموا به في إطار الحرب ضد تنظيم "داعش". وهنا، فإن الدولتين حريصتان، في الغالب، على مواصلة التفاهمات السياسية والأمنية حول تطورات الصراع بين قوات النظام السوري وحلفائها من الميليشيات الموالية لإيران وبين قوى المعارضة التي تعتبر تركيا أحد الأطراف الإقليمية الداعمة لها.

لكن الملاحظ أن تلك التفاهمات ربما لا تقتصر على القضايا التي طرحت في محادثات الآستانة خاصة فيما يتعلق باتفاقيات خفض التصعيد، وإنما قد تمتد إلى التنسيق حول التعامل مع التطورات الميدانية التي قد تشهدها مدينة إدلب السورية في المرحلة الحالية، بعد أن سيطرت "جبهة النصرة" أو "جبهة فتح الشام" على أجزاء واسعة منها.

وقد برزت مؤشرات عديدة تفيد أن تركيا تسعى إلى التنسيق مع كل من إيران وروسيا حول ضرورة منع استمرار سيطرة "النصرة" على إدلب وعدم التعويل على أى دور كردي في العملية العسكرية المحتملة، خاصة مع إعلانها عن زيارة مرتقبة سيقوم بها رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف إلى أنقرة قريبًا.

أما الملف الثالث، فيتعلق بالتطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها الساحة العراقية. إذ يبدو أن الدولتين تسعيان إلى تخفيف حدة التوتر التي تصاعدت بينهما في السابق بسبب الخلاف حول وضع مدينة تلعفر، التي تستعد القوات العراقية إلى اقتحامها بهدف إخراج تنظيم "داعش" منها، وهو ما يحظى باهتمام خاص من جانب أنقرة التي سبق أن وجهت تحذيرات عديدة من قيام ميليشيا "الحشد الشعبي" بارتكاب جرائم ضد التركمان القاطنين بها على غرار ما حدث في بعض المدن التي سبق تحريرها من التنظيم. وقد تسبب هذا التوتر، في بعض الأحيان، في شن المسئولين في طهران وأنقرة حملة تصريحات متبادلة انتقدت السياسة الخارجية التي تتبناها كل منهما. 

ومن دون شك، فإن الاستفتاء الكردي المزمع إجراءه في 25 سبتمبر القادم، كان على قمة أجندة المباحثات التي جرت بين المسئولين العسكريين الإيرانيين والأتراك، في ضوء تطلع الدولتين إلى الحيلولة دون إقدام أكراد العراق على تلك الخطوة، التي سوف تفرض تداعيات سلبية سواء على التوازنات الداخلية أو على الحسابات الإقليمية. 

وقد انعكس هذا الموقف في التصريحات التي أدلى بها باقري بعد لقاءه الرئيس أردوغان، حيث قال أن "استفتاء إقليم كردستان يجب أن لا يحدث" في إشارة ضمنية تفيد أن إيران قد تسعى بالفعل إلى العمل على منع الأكراد من مواصلة استعداداتهم لإجراءه، وربما تعول في هذا السياق على اتساع نطاق الرفض والتحفظ الذي تبديه العديد من القوى الإقليمية والدولية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، إزاء تلك الخطوة.

تفاهمات مؤقتة

لكن رغم ذلك، فإن تلك التفاهمات ربما تكون مؤقتة، بانتظار تبلور ظروف إقليمية ودولية قد تؤدي إلى عودة ظهور الخلافات القائمة بين الطرفين، لا سيما أن تلك الخلافات لا تبدو هينة ولا يمكن تسويتها بسهولة، بما يعني أن جهود احتواءها سوف تواجه اختبارات صعبة في المستقبل، خاصة مع اتضاح المسارات التي سوف تتجه إليها الأزمة السورية، واستشراف ما سوف يؤول إليه التصعيد الحالي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، حول الاتفاق النووي ودور إيران في المنطقة.