أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

نتائج مخيبة!

هل تتجه الصومال لتعزيز تقاربها مع موسكو على حساب واشنطن؟

06 يونيو، 2023


قام وزير الخارجية الصومالي، أبشر عمر جامع، بزيارة مفاجئة إلى موسكو، في 26 مايو 2023، التقى خلالها بعدد من المسؤولين هناك، بما في ذلك نظيره الروسي، سيرجي لافروف. وأثارت هذه الزيارة تساؤلات عدة بشأن دوافعها، ودلالات توقيتها، ولاسيما مع تصريحات وزير الخارجية الروسي بشأن استعداد بلاده لتزويد مقديشو بالمعدات العسكرية اللازمة لحربها الجارية ضد حركة الشباب الإرهابية.

زيارة مفاجئة: 

جاءت زيارة جامع إلى موسكو في أعقاب مباحثات أجراها سفير روسيا لدى الصومال، ميخائيل جولوفانوف، مع جامع نفسه، مطلع مايو 2023. وفي هذا السياق، يمكن عرض أبعاد هذه الزيارة على النحو التالي:

1- دعم روسيا للصومال عسكرياً: أعلن لافروف استعداد بلاده لتقديم الدعم العسكري للحكومة الصومالية لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة، حيث تواجه الصومال حالياً هجمات حادة من حركة "الشباب"، وكانت حكومة الرئيس الصومالي الحالي، حسن شيخ محمود، أطلقت أخيراً حملة عسكرية شاملة ضد الحركة، في محاولة لإضعافها.

2- توقيع اتفاقية تعاون مشترك: رصدت تقارير غربية توقيع جامع على اتفاقية تعاون مشترك مع لافروف، خلال زيارة الأول لموسكو. وعلى الرغم من عدم كشف الطرفين عن مضمون هذه الاتفاقية، بيد أن تقارير غير مؤكدة رجحت إمكانية أن تنطوي على تفاهمات متعلقة بالدعم العسكري الروسي للحكومة الصومالية وتقديم برامج تدريب للقوات الصومالية.

3- استمرار هجمات حركة "الشباب" الصومالية: جاءت زيارة جامع إلى روسيا في أعقاب الزيادة الملحوظة في وتيرة هجمات حركة "الشباب" في أنحاء مختلفة من الصومال. وكان آخرها تلك التي استهدفت قاعدة عسكرية تابعة لقوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس"، في منطقة شبيلي السفلى، جنوب العاصمة مقديشو، بالتزامن مع المشاورات الجارية حالياً لبحث مستقبل البعثة الإفريقية في الصومال.

أهداف مقديشو:

عكست زيارة وزير الخارجية الصومالي إلى موسكو جملة من الدلالات المهمة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز التعاون مع موسكو: صوتت الصومال لصالح إدانة الحرب الروسية ضد أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مارس 2022، ومع ذلك، فإن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، يسعى للتقارب مع روسيا، سواءً للحصول على دعم موسكو في ملف الغذاء، أو لطلب الدعم العسكري الروسي لتعزيز قدرات القوات الصومالية في حربها ضد حركة "الشباب".

وعلى الرغم من فاعلية سياسات شيخ محمود في حربه ضد الحركة مقارنة بمن سبقوه، فإن حملته الحالية ضدها واجهت نكسات أيضاً بسبب ضعف قدرة القوات الحكومية على الاحتفاظ بالمناطق المحررة حديثاً وتحقيق الاستقرار فيها، حيث تفتقر الحكومة الصومالية لاستراتيجية استقرار شاملة، ناهيك عن النقص الحاد في عدد القوات الصومالية، وهو ما استغلته حركة "الشباب" في التكيف وإعادة التجمع وزيادة هجماتها على المناطق الحضرية والريفية، وهو ما أسفر عن خسائر واسعة في صفوف القوات الصومالية. 

2- استقطاب الدعم الروسي: فرض مجلس الأمن الدولي حظراً على تسليح الصومال، منذ عام 1992، في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في مقديشو آنذاك. وعلى الرغم من اتخاذ مجلس الأمن قراراً، في عام 2013، بالرفع الجزئي لحظر التسليح، فإنه لا تزال هناك قيود قائمة، تشكل عقبة رئيسة في مواصلة الحملة الشاملة لحكومة شيخ محمود ضد حركة "الشباب".

وتسعى مقديشو للحصول على دعم موسكو في هذا الملف خلال المناقشات المقبلة في مجلس الأمن الدولي، فلطالما عمدت روسيا إلى دعم مطالب الصومال برفع حظر التسليح المفروض عليها خلال كافة اجتماعات مجلس الأمن السابقة، في مواجهة التمسك الأمريكي باستمرار هذا الحظر، باستثناء الاجتماع الأخير الذي لم تبد موسكو فيه دعماً للموقف الصومالي، وهو ما عزته تقديرات إلى التقارب المتنامي في علاقة مقديشو بواشنطن منذ وصول شيخ محمود للسلطة في الصومال، والذي دفع الولايات المتحدة لتغيير موقفها السابق الرافض لقرار رفع حظر التسليح عن الصومال، ما دفع موسكو لتعطيل القرار في اجتماع مجلس الأمن الأخير.

وبالتالي يشكل ملف رفع حظر التسليح عن الصومال أحد أبرز أهداف الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الصومالي إلى موسكو، وذلك لإقناعها بدعم رفع حظر التسليح خلال الاجتماع المقبل لمجلس الأمن، مقابل دعم مصالح موسكو في منطقة القرن الإفريقي، وتعزيز التقارب بين الجانبين.

3- جدل حول الدعم العسكري: أعلن لافروف استعداد بلاده لتقديم الدعم العسكري للحكومة الصومالية، وهو ما يتسق مع تقارير صومالية تحدثت عن رسالة من الرئيس شيخ محمود، حملها جامع خلال زيارته لموسكو، تضمنت طلباً للجانب الروسي للحصول على بعض صفقات التسليح العاجلة للحكومة الصومالية، بسبب عدم كفاية المعدات العسكرية التي تمتلكها مقديشو لاستكمال حملتها الراهنة ضد حركة "الشباب". 

وأشارت تقارير إعلامية غربية إلى أن الطلب الصومالي لم يجد الاستجابة المرجوة من قبل موسكو، بسبب الانشغال الروسي الراهن بالحرب الأوكرانية، ما يجعل موسكو غير مستعدة حالياً لتزويد مقديشو بصفقات التسليح التي تحتاجها. وترجح هذه التقديرات أن تصريحات لافروف حول الدعم العسكري للصومال ربما تكون فقط للاستهلاك الإعلامي، أو ربما تتمخض عن شحنات عسكرية محدودة لمقديشو، لكنها لن تكون ذات تأثير ميداني حقيقي. 

ومن جهة أخرى، كشفت تقارير صومالية عن صفقة محتملة جرى التشاور بشأنها خلال زيارة وزير الخارجية الصومالي لروسيا، تتضمن نشر عناصر من "فاغنر" الروسية في الصومال، لدعم جهود الحكومة الصومالية ضد حركة "الشباب". ومن المستبعد أن يكون الجانبان اتفقا على هذا الأمر، طالما أن الولايات المتحدة لا تزال تؤدي دوراً في الصومال.

انعكاسات محتملة:

هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن الزيارة المفاجئة التي قام بها جامع لروسيا، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- انزعاج أمريكي محتمل: أثارت زيارة جامع إلى موسكو مخاوف واشنطن وحلفائها الغربيين، من احتمالية اتجاه مقديشو للتقارب مع موسكو، خاصةً وأن إدارة بايدن عمدت إلى إعادة الوجود العسكري المباشر للقوات الأمريكية في الصومال، بعدما كان الرئيس السابق، دونالد ترامب، قرر سحب هذه القوات من مقديشو. ويسعى بايدن إلى تعزيز نفوذ واشنطن في الصومال، والقرن الإفريقي بشكل عام، ودفع دول هذه المنطقة بعيداً عن روسيا والصين.

ويرتبط القلق الأمريكي أيضاً بوجود نخبة محيطة بالرئيس الصومالي مناهضة للغرب، وتستهدف تعزيز التقارب مع روسيا والصين على حساب الغرب، ويأتي في مقدمة هذه النخبة مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي، حسين شيخ علي. 

وفي هذا السياق، أشارت تقارير أمريكية إلى انزعاج بايدن من تباطؤ الحكومة الصومالية في تبني الإصلاحات الأمنية، وتحديداً تطهير وكالة المخابرات والأمن الوطني من العناصر الموالية للرئيس السابق فرماجو، باعتبار أن استمرار وجود هذه العناصر يعرقل استراتيجية الحرب الشاملة ضد حركة "الشباب"، وكذا تفاقم حالة عدم الاستقرار في المناطق المحررة حديثاً، ولاسيما في مناطق غالمودوج وهيرشابيل. 

2- التحسب للانسحاب الأمريكي: يطالب بعض أعضاء الكونغرس بايدن بسحب القوات الأمريكية الموجودة في الصومال. وعلى الرغم من تعثر تمرير هذا القرار داخل الكونغرس، بيد أن ثمة تيار متنامٍ في الداخل الأمريكي بات يرى ضرورة أن تعيد واشنطن تقييم انخراطها هناك، خاصةً في ظل النفقات الباهظة التي تتحملها الولايات المتحدة. 

وفي هذا السياق، ربما يسعى الرئيس شيخ محمود إلى تعزيز انفتاحه على روسيا، في محاولة للحصول على دعم عسكري أوسع يعزز قدرات القوات الصومالية في حربها ضد حركة "الشباب"، في حالة تراجع الدعم الأمريكي، أو الضغط على الولايات المتحدة لعدم الانسحاب، إذ يطالب شيخ محمود بتعزيز الوجود الأمريكي والدعم المالي والعسكري، بالإضافة إلى مزيد من الطائرات المسيرة، لكن يبدو أن واشنطن غير مستعدة حالياً لزيادة دعمها لحكومة مقديشو. وقد تتجه إلى الاعتماد أكثر على شركائها الإقليميين في منطقة الخليج كبديل للدور الأمريكي في الصومال.

ومن ناحية أخرى، ربما يأتي الانفتاح الصومالي على روسيا رداً على تحركات الإدارة الأمريكية لتعزيز دعمها لجمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) الانفصالية، إذ أشارت تقارير أمريكية إلى أن واشطن تعمل على دعم هرجيسا مقابل وعود بالحصول على قاعدة عسكرية في ميناء بربرة، بيد أن هذه الخطة يبدو أنها تعثرت بعدما توترت الأوضاع الأمنية في مدينة لاس عنود بأرض الصومال.

وفي الختام، لا تزال هناك حالة من الضبابية المتعلقة بالزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الصومالي إلى روسيا، بين تقديرات ترجح أن تشكل هذه الزيارة مدخلاً لتعزيز التقارب بين مقديشو وموسكو، وبين من يرى أنها تستهدف الضغط على واشنطن لمواصلة دعم الحكومة الصومالية في حربها ضد حركة "الشباب". كما يبقى من المرجح أن تسعى الصومال إلى جني أكبر قدر ممكن من المكاسب عبر الانفتاح على القوى الدولية المختلفة للحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم منها.