أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تأثير محدود:

هل يستطيع أكراد سوريا توظيف الإعلام لخدمة مشروعهم السياسي؟

28 مايو، 2017


نظرًا لما تمارسه وسائل الإعلام، على اختلافها، من دور بارز في التعبير عن التطلعات واستقطاب المؤيدين؛ سعت بعض القوميات العرقية في المنطقة إلى امتلاك أدواتها الإعلامية، على غرار الأكراد، الذين استطاعوا إطلاق وسائل إعلام خاصة بهم منذ عقود في الدول الأربع التي يتواجدون بها، وفي مقدمتهم أكراد سوريا، وذلك على الرغم من التقييد والتهميش الذي تعرضوا له سياسيًّا وثقافيًّا على مدى عقود؛ حيث تمكنوا خلال هذه الحقبة من تأسيس عددٍ من الصحف التي كانت عادةً ما تتعرض للإغلاق أو الرقابة المشددة لما تنشره من محتوى.

غير أن اندلاع الثورة السورية أتاح للأكراد مساحة أكبر للتحرك إعلاميًّا من خلال إطلاق العديد من القنوات الفضائية والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية، إلى جانب توظيف واسع لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشطت الأحزاب الكردية السورية في هذا الإطار، الأمر الذي أدى إلى انتشار وسائل الإعلام الحزبية، أكثر من مثيلتها المستقلة، وهو ما انعكس، بشكل أو بآخر، على مدى قدرة وفاعلية هذه الوسائل الإعلامية في تشكيل قاعدة جماهيرية كردية كبيرة، وحشد متعاطفين من خارج الأكراد مع ما يُعرض من قضاياهم إعلاميًّا.

طفرة كمية:

شهدت وسائل الإعلام المعبرة عن أكراد سوريا طفرة واضحة في حجم وسائل الإعلام داخل سوريا، والمخاطبة لجمهور الأكراد، حيث أُطلق ما يزيد عن 10 إذاعات محلية ناطقة بالكردية في المناطق الكردية المختلفة، ربما كان أولها إذاعة "أرتا إف إم" التي تم بثها من الحسكة في عام 2013، ولا يقتصر بث بعضها باللغة الكردية فقط وإنما باللغة العربية أيضًا، كما تم تخصيص إذاعة للمرأة الكردية، وهي إذاعة "جين إف إم".

ثم توالى إطلاق القنوات الفضائية في المناطق الكردية، التي تبث محليًّا من شمال سوريا أو من الخارج، لكن اللافت في هذا السياق، هو أن الملكية الحزبية والسياسية لوسائل الإعلام الكردية المختلفة تبقى هى النمط السائد، مع غياب وسائل الإعلام المستقلة إلى حدٍّ كبير. كما أن الخلافات السياسية بين الأحزاب والجماعات الكردية، وبينها وبين باقي قوى المعارضة في سوريا؛ انعكست بشكل واضح على المحتوى الإعلامي الذي تقدمه وسائل الإعلام الخاصة بهم، الأمر الذي ساهم، بدرجة ما، في فقدان وسائل الإعلام المعبرة عن الأكراد لتأثيرها على الرأى العام السوري. 

عقبات عدة:

رغم الطفرة التي شهدها الإعلام الخاص بالأكراد في سوريا كما سبقت الإشارة، فإن معوقات عدة تحول دون نجاحهم في توظيف وسائل الإعلام لخدمة مشروعهم السياسي، ويتمثل أبرزها في:

1- تحزب واضح: أكد بعض المراقبين أن الإعلام الكردي استطاع ممارسة دور مهم في بداية اندلاع الثورة السورية من خلال نقل الأحداث إلى الشارع السوري، كما أنه عبّر عن تطلعات الأكراد ورؤيتهم للمسارات المحتملة للصراع؛ إلا أن تحولا ملحوظًا اتسم به أداء الإعلام الكردي، عندما تعقّد المشهد السياسي السوري، وتباينت المصالح بين الأحزاب الكردية المختلفة؛ حيث عبرت كل وسيلة إعلامية خاصة بحزب عن مصالحه وسياسته الخاصة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى عدم تبلور رؤية واضحة للأكراد إزاء التطورات السياسية والميدانية المختلفة من خلال وسائل الإعلام الخاصة بهم.

وفي هذا السياق، يرى بعض الخبراء أن أكثر من 70 مؤسسة إعلامية، من قنوات تلفزيونية وإذاعية وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية تنشط في المناطق التي يتمركز فيها أكراد سوريا، تعمل على بث خطابات سياسية يغلب عليها الطابع الحزبي الخالص، دون الوضع في الاعتبار ما يستجد من أحداث على الساحة السورية، وهو ما يؤثر سلبًا على المحتوى الإعلامي الذي تقدمه تلك الوسائل.

2- تراجع دور الكوادر المحترفة: أدى تهميش اللغة والثقافة الكردية، فضلا عن عدم وجود وسائل إعلام خاصة بالأكراد لعقود طويلة، إلى غياب الكوادر الكردية الإعلامية القادرة على قيادة المشهد الإعلامي الكردي، لا سيما في ظل هجرة عدد كبير من المثقفين إلى الخارج، واعتماد الحركات الكردية في أغلبها على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني للتعبير عن آرائها، وهى وسائل لا تغني، بأي حال، عن الدور التثقيفي والمعرفي الذي تلعبه وسائل الإعلام التقليدية، خاصة في ظل محاولات توحيد الصف الكردي في سوريا من خلال المبادرات التطوعية التي قامت بها بعض العناصر الشابة.

ومن دون شك، فإن أحد أسباب غياب المهنية يمكن تفسيره في إطار تبعية رأس المال؛ حيث يعود ضعف الإعلام الكردي، بشكل رئيسي، إلى اعتباره وسيلة للتعبير عن الجهة الممولة التي غالبًا ما تكون حزبية، كما سبقت الإشارة، والتي تعمل على توظيف الإعلام لخدمة أهدافها الخاصة.

3- غياب التنسيق الإعلامي: رغم إطلاق أكراد من سوريا والعراق وتركيا وإيران لأول مرة صحيفة كردية ناطقة بالعربية في القاهرة، في 22 إبريل 1898، وهو التاريخ الذي يعتبره الأكراد "يوم الصحافة الكردية"، فإن ثمة انفصالا واضحًا في الوقت الحالي بين التوجهات الإعلامية للأكراد في الدول الأربع، وهو ما يؤثر سلبًا على وحدة الفكرة المطروحة إعلاميًّا وقوتها في التأثير على المتلقي الكردي وغير الكردي، لا سيما مع التحديات التي تواجه محاولات تنفيذ هذه الفكرة.

4- حملات التشويه الإعلامي للأكراد: تشن أطراف عديدة حملات تشويه ضد المشروع السياسي للأكراد بشكل يقلص، إلى حد ما، من قدرة الإعلام الكردي على التواصل مع المكونات المجتمعية الأخرى الموجودة في دول سوريا وإيران والعراق وتركيا، خاصة أن الإعلام الكردي يعتمد الأسلوب ذاته في الرد على تلك الحملات، الأمر الذي يضع المتلقي غير الكردي في خضم معركة إعلامية يعزف في كثير من الأحيان عن متابعتها. 

كما أن انعزال بعض وسائل الإعلام الكردية عن قضايا الشارع السوري عمومًا، والاقتصار على التعبير عن وجهة النظر الكردية الحزبية الضيقة؛ ساهم أيضًا في عدم وجود جمهور متعاطف مع هذه الوسائل وداعم للقضايا التي تطرحها.

وفي النهاية يمكن القول، إن فاعلية أى وسيلة إعلامية ونجاحها في التأثير على الرأى العام تكمن في استقلالية طرحها للقضايا التي يهتم بها المتلقي، بصرف النظر عن الجهة المالكة أو الممولة لها، وهو ما تفتقده حاليًّا وسائل الإعلام الكردية في سوريا، بشكل يبدو أنه سوف يستمر خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل تعقيدات الصراع السوري، واختلاف مصالح وأولويات الأحزاب الكردية الرئيسية المعنية به.