أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

فراغ جديد:

مسارات المشهد السياسي في لبنان بعد استقالة دياب

13 أغسطس، 2020


قدم رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب استقالة حكومته في 10 أغسطس الجاري، مفسراً تدهور أوضاع الدولة في ضوء الفساد المستشري، ووجود طبقة سياسية تحاول تحقيق مصالحها بأى طريقة. ومن دون شك، فإن انفجار مرفأ بيروت، قبل ذلك بستة أيام، كان السبب المباشر لتلك الاستقالة التي سبقتها استقالات من جانب بعض الوزراء، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن ثمة اعتبارات عديدة مهدت المجال أمام تلك الاستقالة حتى قبل الانفجار. وإلى الآن، لم يحدد الرئيس ميشال عون موعد الاستشارات النيابية الخاصة بتكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة، وهو ما يحتمل أن يتحول إلى محور لخلافات بين القوى السياسية المختلفة.

موقف الشارع:

لا يمكن فصل تقديم استقالة الحكومة عن مشهد الشارع اللبناني الذي تصاعدت حدة استيائه بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الجاري، خاصة وأن يوم 8 أغسطس الذي أُطلق عليه "يوم الحساب" شهد اقتحام المتظاهرين بعض الوزارات، إضافة إلي حدوث خسائر في الأرواح وارتفاع عدد الجرحى نتيجة الاشتباك بين المتظاهرين وقوات الأمن، الأمر الذي دفع النخبة الحاكمة لاتخاذ قرار تقديم الحكومة لاستقالتها لاحتواء ذلك الغضب المتنامي، وتحسباً من حدوث انشقاقات داخل قوى "8 آذار"، قد تدفع أنصار بعض القوى داخلها للنزول إلى الشارع أيضاً، خاصة تيار المردة الذي يعارض نظام العهد الحالي. 

وبالرغم من تقديم الحكومة لاستقالتها، إلا أنه لاتزال هناك مطالب شعبية بتحييد النخبة السياسية الحالية برمتها عن المشهد الداخلي، وهو ما يُعد تجديداً لمطالب احتجاجات 17 أكتوبر التي لم يُؤخذ بها، بما يعني اتجاه الشارع في الفترة المقبلة للمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات نيابية جديدة بقانون انتخابي جديد، أملاً في إعادة إنتاج مشهد سياسي جديد، وتدعم ذلك التوجه قوى المعارضة الرئيسية (تيار المستقبل- حزب القوات اللبنانية- الحزب التقدمي الاشتراكي- حزب الكتائب اللبنانية)، التي تستهدف بدورها تحييد قوى "8 آذار" عن المشهد الحالي بعد فشلها في إدارة البلاد بمفردها، وإن كان ذلك لا ينفي أن تلك القوى نفسها تتعرض لانتقادات من جانب المتظاهرين.

أزمة حكم:

يكشف الوضع الحالي، سواء من خلال مطالب الشارع أو قوى المعارضة، عن وجود توجه حاسم لتغيير المشهد السياسي برمته عبر تغيير القائمين على المؤسسات الدستورية في الدولة، إلا أن ذلك الأمر قد يدفع الدولة للدخول في فراغ مؤسساتي غير معلوم المدة، خاصة وأنه إلى الآن لم تظهر خريطة واضحة المعالم لكيفية إحداث ذلك التغيير، وهل سيتم العمل بقانون النسبية الحالي الذي أسفر عن فوز قوى "8 آذار" في الانتخابات النيابية، أم سيتم التوجه لقانون الأكثرية "الستين" الذي تعرض لكثير من التحفظات، أم إعداد قانون جديد سيستغرق وقتاً لإجراء تعديلات عليه وإقراره، الأمر الذي يزيد من ضبابية المشهد السياسي في الفترة المقبلة، وضعاً في الاعتبار أن الدولة لاتزال تحكمها الولاءات الطائفية، ومع تدهور الوضع المعيشي، سيكون هناك استخدام للمال السياسي في الانتخابات الذي سينتج نخبة حاكمة سيكون لقوى "8 آذار" حصة وازنة فيها.

ولا يمكن توقع أن يتراجع الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر عن مواجهة محاولات إقصائهم من المشهد السياسي، خاصة وأنهم يبررون تواجدهم في المؤسسات الدستورية من خلال الانتخابات التي جاءت بهم كأغلبية في مجلس النواب، وأن قانون الانتخابات النيابية "النسبية" المعمول به هو قانون تمت الموافقة عليه من قبل غالبية القوى السياسية بما فيها المعارضة، حيث تم إقراره حكومياً وفي مجلس النواب في يونيو 2017، وبالتالي لا يستبعد أن يشهد الشارع نزول أنصار قوى "8 آذار" للدفاع عن مكتسباتهم السياسية ومحاولات إقصائهم، بما يجدد مشاهد العنف والاشتباك بين الجانبين والتي وصلت إلى شن حملات ضد الرموز الدينية والسياسية بشكل صريح، على نحو سينعكس بدوره على المشهد السياسي المتأزم.

حدود الحركة:

رغم مشاهد الغضب الحالية في ساحات بيروت، خاصة من أمام مجلس النواب، إلا أنه يُشار إلى أن احتجاجات 17 أكتوبر كانت أشد زخماً لانتشارها في العديد من المحافظات وليس في بيروت فقط، الأمر الذي قد يتيح للسلطة الحالية، وفقاً لبعض الاتجاهات، إمكانية السيطرة عليها، والترويج إلى أن المشهد الحالي يعبر عن حالة غضب للمتضررين من حادث بيروت ولا يمثل الشعب اللبناني كله، الأمر الذي ربما يعطي لقوى "8 آذار" فرصة للمناورة وكسب الوقت لاحتواء محاولات استهدافها داخلياً وخارجياً، وهو ما سيُواجه بتزايد الاحتقان الداخلي، خاصة أن الشارع شهد نزول عناصر من حزب الله وحلفاءه لمواجهة المحتجين.

ويبدو أن قوى 8 آذار ستحاول احتواء الغضب الشعبي الحالي، على اعتبار أنه يمثل الأولوية التي سيتم التركيز عليها في الفترة المقبلة، وقد يتضمن ذلك وعوداً بالاستجابة للمطالب الشعبية بتغيير النظام السياسي الراهن، على أن يتم ذلك بطريق دستوري، وبالتالي لا يُستبعد الموافقة على إجراء انتخابات نيابية مبكرة، ويدعم من تلك المقاربة أن رئيس الحكومة المستقيل لم يعلن أو يشر إلى وجود خريطة طريق لكيفية إدارة المشهد السياسي في الفترة المقبلة، سواء في ظل تصريفه الأعمال أو اختيار رئيس حكومة جديد يلقى قبول الشارع، ويدير المشهد بشكل حيادي لا يقبل التأويل أو توجيه الاتهامات إليه، وبالتالي ستسعى قوى 8 آذار للالتفاف على المطالب الشعبية غير الموحدة، واللعب على تناقضات المطالب الدولية لتحقيق مكاسب جديدة، أو الحفاظ على تلك التي حققتها.