أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تجربة عملية:

كيف يتفاعل مستخدمو الإنترنت مع الدعاية المتطرفة

03 سبتمبر، 2019


عرض: صباح عبدالصبور - باحثة في العلوم السياسية

مع سهولة نشر المعلومات في الفضاء الإلكتروني، وضعف رقابة الحكومات على المحتويات المقدمة على الإنترنت؛ سعت التنظيمات الإرهابية لنشر أفكارها، والدعاية لأيديولوجيتها، والترويج لاستخدام العنف، وتجنيد الأتباع الجدد، مستفيدة من سهولة التواصل مع أعضائها دون التقيد بحدود جغرافية. وفي المقابل، بدأت بعض الدول في السنوات الأخيرة، بالتعاون مع المسئولين عن وسائل التواصل الاجتماعي، العمل على تحجيم المواد الإعلامية "المتطرفة" على الإنترنت، وإزالة محتوياتها.

ورغم كثير من الأدبيات الغربية حول موضوع الإرهاب والتطرف؛ إلا أن هناك ندرة في تلك المعنية بالبحث في كيفية تفاعل المتلقين مع المواد التي تحمل أفكارًا متطرفة على الإنترنت، وأسباب دعم بعضهم للجماعات المتطرفة، وهو ما حاولت الدراسة المعنونة بـ"التعامل مع المواد المتطرفة على الإنترنت: دليل تجريبي"، الصادرة عن دورية "الإرهاب والعنف السياسي" في يوليو 2019، معالجته، حيث قام كاتبها "زوي ريفي" بتجربة حية عبر الإنترنت لدراسة تلك الظاهرة، وذلك من خلال تدشين صفحة على الإنترنت زائفة تنشر أفكارًا متطرفة، لاستكشاف كيفية ومدى تفاعل الأفراد مع المواد الدعائية المتطرفة على الإنترنت، وأهم العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تدفع الأفراد لاعتناق تلك الأفكار، واختار في سبيل ذلك عينة من تسعين طالبًا، ودرس كيفية تعاملهم مع مواد تلك الصفحة. 

علاقة وثيقة

يرى "ريفي" أن هناك صلة قوية بين الإنترنت وانتشار التطرف، إذ يسمح للمستخدمين بالتفاعل مع بعضهم بعضًا، وتبادل الأفكار، وإنشاء روابط بينهم لم تكن موجودة من قبل، مما يسهِّل فرص التنظيمات الإرهابية في تجنيد أعضاء جدد. ويضيف أن هناك وفرة في المعلومات المتاحة على الإنترنت، مما يسهل إمكانية عثور المستخدمين على معلومات متعلقة بالأيديولوجيات العنيفة، وأشرطة فيديو دعائية، ومنشورات خاصة بالجماعات المتطرفة. 

ويشير إلى أن الإرهابيين يستخدمون الإنترنت للتفاعل الافتراضي، والتعلم، ونقل رسالتهم للمتلقين، وإقناعهم بها. ومن ناحية أخرى، يعتقد "ريفي" أن الطريقة التي يتفاعل بها الأشخاص مع الدعاية المتطرفة عبر الإنترنت لها آثارها على المستخدمين الآخرين، فمجرد الضغط على زر "الإعجاب"، أو "التعليق" عليها سلبًا أو إيجابًا، يزيد فرصة هذه الصفحات في الوصول إلى مشاهدين جدد، قد يعثرون أيضًا على مواد متشابهة أو مرتبطة بتلك المواد، مما يزيد من دائرة التأثير والتطرف.

عوامل الانتشار 

يرى "ريفي" أن هناك عددًا من العوامل الفردية التي قد تؤثر في انتشار دعاية الجماعات المتطرفة على الإنترنت، وتفاعُل الأفراد معها، والتي تتمثل فيما يلي:

أولًا- الهوية وحب الاستبداد: يعتقد "ريفي" أن نفور المستخدمين من مقاطع الفيديو الإرهابية، أو اقتناعهم بها، يتأثر بمدى ولائهم لمجتمعاتهم الداخلية ورفضهم للخارجية، فضلًا عن ميولهم نحو الاستبداد واللا يقين. وقد أظهرت تجربة تعرض فيها طلاب ألمان مسلمون وغير مسلمين لمقاطع فيديو تابعة لليمين المتطرف مرة، ولمتطرفين إسلاميين مرة أخرى، أن من لديهم ميل أكثر إلى حب الاستبداد والتماهي مع مجتمعاتهم الداخلية أبدوا اهتمامًا أكبر بتلك المواد، وكانوا أقل رفضًا لها عن غيرهم.

ويرى "ريفي" أن الهوية مهمة -بلا شك- لاستيعاب المشاهدين للدعاية، فإذا كان المرء مواليًا لمجموعة بعينها، فسوف يهتم بمظالمها، بل قد تتماهى -حينها- حدوده الذاتية مع المجموعة التي ينتمي إليها، وتصبح قيمها وأفكارها هي قيمه الخاصة التي يتصرف على أساسها.

ثانيًا- التفكير في الموت: وفقًا للدراسة، يرتبط وعي الفرد وتفكيره في الموت بدعمه واستعداده للمشاركة في العمليات الإرهابية، والعنف ضد الآخرين. كما يدفعه للتحيز لمن يشبهه، ورفض المجتمعات الخارجية المختلفة عنه. وقد أُجريت دراسة على طلاب ألمان مسلمين وغير مسلمين يشاهدون فيديوهات تابعة لليمين المتطرف والإرهابيين الإسلاميين، وكان نصفهم ممن لديهم تفكير بالموت، وقد أظهر هؤلاء اهتمامًا أكثر من غيرهم بتلك المواد، وكانوا أكثر قابلية للاقتناع بها. وتؤكد الدراسات أن هؤلاء أكثر عرضة لدعم العمليات الإرهابية، بل والانخراط فيها، أو دعم الإجراءات العدوانية ضد المدنيين، وغيرها من الممارسات، مثل: زيادة التبرعات، والقيام بسلوكيات مجازفة مثل القمار.

ثالثًا- الهيمنة المجتمعية: وفقًا للدراسة، يشير الميل إلى الهيمنة المجتمعية إلى أن بعض الناس يفضلون المجتمعات ذات التسلسل الهرمي، وأن تكون جماعة معينة هي المهيمنة في تلك المجتمعات. ويجادل "ريفي" بأن الأشخاص الذين يمتلكون مستويات عليا من التمييز الجنسي يميلون إلى تفضيل الأيديولوجيات التي تميز بين الجماعات (مثل القومية والعنصرية). وبالتالي فإن هذا العامل له آثار مهمة على دعم العنف والتطرف أو الانخراط فيه. وقد أظهرت تجارب سابقة أن "الميل للهيمنة الاجتماعية" كان مرتبطًا بمستويات أعلى من تبرير العنف.

رابعًا- النشاط والتطرف: يعرف الكاتب النشاط بأنه الاستعداد للانخراط في عمل سياسي قانوني وغير عنيف، فيما أن الاستعداد للانخراط في عمل سياسي غير قانوني وعنيف يسمى التطرف، وقد استخدم الكاتب في دراسته مقياس نوايا التطرف والراديكالية (ARIS) لتقييم كيفية تأثر التفاعل مع المواد المتطرفة على الإنترنت بنوايا النشاط والتطرف، كما بحث في تأثير "التفكير بالموت" على هذه المشاركة، وتقييم تأثير الاختلافات الفردية، مثل: الميل إلى الهيمنة المجتمعية والهوية على هذا التفاعل.

تجربة على الإنترنت 

أجرى "زوي ريفي" تجربة على الإنترنت شارك فيها 90 طالبًا، راعى فيها التنوع العرقي، والديني، والجنسي، لقياس التفاعل مع الدعاية المتطرفة عبر الإنترنت. وفي سبيل ذلك، تم نشر مواد متطرفة خيالية مرتبطة بشكل خاص بالمؤسسة التي أُجريت فيها الدراسة وهي جامعة كلية لندن. وتم اختيار مجموعة بريئة تعرضت للعقاب تضم طلاب المؤسسة، ومجموعة خارجية غامضة مسئولة عن هذا الظلم الذي تعرض له طلاب الجامعة وتشكلت من (طلاب من خارج المؤسسة)، وأخيرًا مجموعة متطرفة (CAMEPP) مسئولة عن الدعاية، وعرض مظالم المجموعة الأولى، وتدافع عنها، وتقترح حلولًا عدوانية ضد المجموعة الثانية. 

وأُتيح للمشاركين التفاعل مع هذه المواد بطرق مختلفة، وكان هناك ثلاثة متغيرات معتمدة بشكل كبير، هي: الإعجاب like وعدم الإعجاب dislike، والمشاركة عبر الإنترنت، والدعم الصريح للمجموعة المتطرفة. وتم إيهام المشاركين بأن المجموعة المتطرفة الخيالية (CAMEPP) هي المنتجة لهذه المواد، وصُمم المحتوى المكتوب ليضم الميزات الأساسية لمقاطع الفيديو الإرهابية، وهي تأكيد تفوق المجموعة، وتقديم تصورات بتهديد المجموعة الخارجية، وإزالة الطابع الإنساني عنها، والحلول التي قد تشمل العنف، والدعوة إلى الاتحاد والتشجيع على الانضمام إلى المجموعة المتطرفة. 

وطُلب من المشاركين أيضًا استكمال إجراءات متنوعة، تضمنت اختبارًا رئيسيًّا لفكرة الوعي بالموت، ومقاييس فردية، مثل: مدى الولاء للمجموعة الداخلية والتماهي معها، وحب الهيمنة المجتمعية. 

نتائج الدراسة

أشارت الدراسة في نتائج التجربة إلى أن من لديهم ارتباط أقوى مع مجموعتهم الداخلية كانوا أكثر عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة على الإنترنت. وهناك صلة قوية بين الولاء للمجموعة واحتمالية الرغبة في دعم العنف والمشاركة فيه نيابة عنها. ومن ثم تعد الهوية عاملًا مهمًّا على المستوى الفردي للتعامل مع الدعاية المتطرفة على الإنترنت.

وعلى الرغم من الأدلة الداعمة للتأثير الذي يسببه عامل "التفكير بالموت" على التحيز للمجموعة الداخلية، فإن نتائج هذه الدراسة لم تظهر أي تأثير لهذا العامل على مشاركة العينة للمواد المتطرفة على الإنترنت. ويرى الكاتب أن هناك حاجة لمزيد من الأبحاث للتحقق.

وأكدت النتائج أن القيم التي يعتنقها أفراد المؤسسة عامل مهم في قبول أو رفض الدعاية المتطرفة، حيث قد يمتنع الأفراد عن التفاعل مع هذه المواد إذا كانت هذه الدعاية تقدم قيمًا أو فكرة لا تتسق مع الشخص الذي يتعرض لها.

وتُظهر نتائج التجربة أن الذكور كانوا أكثر عرضة للإعجاب بالمواد الدعائية من الإناث، ومع ذلك لا تزال العلاقة بين الانخراط في الإرهاب عبر الإنترنت من ناحية والجنس من ناحية أخرى غير واضحة بشكل تام، بحسب الدراسة.

وتضيف أن المشاركين الأكبر سنًّا كانوا أكثر ميلًا إلى "عدم الإعجاب" بالمواد المتطرفة من المشاركين الأصغر سنًّا، وأن من لديهم مستوى عالٍ من حب الهيمنة المجتمعية كانوا أكثر ميلًا من غيرهم إلى "الإعجاب" بالمواد الدعائية، وكان ذلك سببًا لدعم المجموعة المتطرفة. وبالتالي هم أكثر عرضة للتفاعل مع الدعاية المتطرفة من غيرهم.

وتذكر الدراسة أن الضغط على زر "الإعجاب" لمادة على الإنترنت يجعلها أكثر عرضة للوصول إلى مزيد من الأشخاص، وبالتالي إذا كانت تلك المادة تحمل أفكارًا متطرفة، فإن هذا يزيد من سرعة وصولها إلى مزيد من الأشخاص، ومن ثم زيادة خطر الإرهاب. وتشير إلى أن من لديهم أفكار راديكالية كانوا الأكثر مشاركة لتلك المواد عبر الإنترنت، وقدموا دعمًا صريحًا للمجموعة المتطرفة. 

وبشكل عام، تُظهر الدراسة "أن قلة التفاعل مع المواد المتطرفة على الإنترنت ارتبط بمستويات أقل بكل من العداء الخارجي، والتماهي مع المجموعة، والميل إلى الراديكالية، وكذلك بكبار السن. 

وختامًا، يؤكد الكاتب أن إزالة المواد الإرهابية من الإنترنت ليست هي الحل الوحيد لمنع التطرف، بل قد تكون لها آثار سلبية بتعزيز تصورات الأفراد بالظلم، وهو -في حد ذاته- عامل يؤثر على المشاركة في عملية التطرف، ومن ثم فهو يوصي ببذل الجهد لمزيد من البحث لفهم التعقيدات الخاصة بدوافع تفاعل الأفراد مع الجماعات المتطرفة على الإنترنت، ودعمهم لها، والاستجابة لها بشكل أفضل.

المصدر: 

Zoey Reeve, “Engaging with Online Extremist Material: Experimental Evidence”, Terrorism and Political Violence, Published online: 24 Jul 2019.