أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

أميركا.. «حركة المقاطعة» وحرية التعبير

13 أبريل، 2019


استيقظت في ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء الماضي للاستماع إلى رسالة عبر البريد الصوتي من عمر البرغوثي، العضو البارز في الحركة الفلسطينية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل. وفي رسالته، أخبرني عمر أنه كان في مطار بن جوريون وعلى رغم من أنه يحمل تأشيرة أميركية سارية المفعول ولديه بطاقة صعود الطائرة المتجهة إلى واشنطن العاصمة، إلا أن شركة الطيران منعته من الصعود. وأخبروه أن مسؤولي الهجرة الأميركية أخطروا شركة الطيران بأنه ممنوع من دخول الولايات المتحدة. 

وكنّا قد دعونا البرغوثي للتحدث في إطار عدد من البرامج التعليمية، وترتيب لقاءات له مع عدد من أعضاء الكونجرس أو موظفيهم. ومن الواضح، أن هذا النوع من برامج التعليم والحوار بالتحديد هو ما لم ترغب الإدارة الراهنة في حدوثه. وعلى رغم من أن استطلاع الرأي يُظهر أن جموع الأميركيين يؤيدون حق الفلسطينيين في الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل احتجاجاً على توسعها الاستيطاني وانتهاكها المتواصل لحقوق الإنسان الفلسطيني، إلا أنه يوجد في الكونجرس الأميركي والمجالس التشريعية على مستوى الولايات في أنحاء أميركا حالة من الهستيريا إزاء حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. 

وهذه الحملة المحمومة لمعاقبة الكيانات والأفراد الذين يؤيدون حركة المقاطعة قد نجحت في أكثر من 12 ولاية، وهي موضوع عدد من القوانين والقرارات أمام الموسم التشريعي الحالي في الكونجرس. وبالنظر إلى أننا نعتقد أن اللغة المستخدمة في قرارات الكونجرس تسيىء وصف حركة المقاطعة وتجتزئ من تصريحات البرغوثي، شعرنا بأنه من الضروري أن ندعوه إلى واشنطن ليتحدث مباشرة ويتعامل مع مخاوف المشرعين وصناع السياسات. وخططنا لثلاث فعاليات: مناقشة يديرها «بيتر بينارت»، المفكر اليهودي الأميركي البارز، الذي تُنشر مقالاته في دورية «ذي أتلانتك» وصحيفة «فورورد» اليهودية، ومناقشة مع أميركيين شباب من العرب واليهود، يستضيفها مركز «الصوت اليهودي من أجل السلام»، إضافة إلى موجز صحفي أمام موظفين في الكونجرس. ووجهنا أيضاً خطاباً للرعاة الأصليين المشاركين في صياغة التشريع المنظور أمام الكونجرس، وطلبنا منهم عقد لقاء خاص مع البرغوثي. 

وعلاوة على ذلك، كانت هناك برامج محددة في جامعة هارفارد وجامعة نيويورك، ومعبد يهودي بارز في شيكاغو. ورغم ذلك، عندما علمنا برفض دخول البرغوثي إلى الأراضي الأميركية، قررنا المضي قدماً في البرنامج، بإجراء اثنتين من الجلسات المخطط لها في واشنطن عبر «سكايب». ولم تكن هذه هي الطريقة التي كنا نأمل أن يعقد بها هذا الحوار، لكننا تأكدنا أنه كان من الضروري إجراء هذه المناقشة، وألا نسمح بأن تذهب جهودنا سدى بسبب قرار السلطات الأميركية منع البرغوثي من الدخول لنستمع إليه مباشرة. 

وبعد عقد البرامج المشار إليها، والاستماع إلى ردود السيد البرغوثي على أسئلة «بينارت» والجمهور، أصبح من الواضح لماذا تخشى الجماعات الموالية لإسرائيل ومؤيدوها في «واشنطن الرسمية» من السماح بالاستماع إلى البرغوثي. فإجاباته كانت واعية وذكية وشرحه لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل كان آسراً تماماً، بيد أن مشاهدة البرغوثي عبر شاشة كبيرة على المسرح أكّد أننا جميعاً افتقدنا حضوره شخصياً، وفرض مسافة بيننا عززت الشعور بأن الفلسطينيين طرف آخر، وأعاقت قدرتنا على الأخذ والرد بيننا وبينه.

ومثلما توقعت، عندما أصبح من الواضح أننا لم نلغ الفعاليات، ردّ خصوم حركة المقاطعة بصورة سلبية. وأصدر «لي زيلدين» النائب «الجمهوري» بياناً أثنى فيه على منع دخول البرغوثي، وأدانه بصورة خاصة بلغة قاسية. 

وقال «زيلدين» في بيانه: «لقد شاهدنا صعود معاداة السامية وكراهية إسرائيل في أنحاء العالم وفي دولتنا وفي حرم الجامعات وداخل أروقة الكونجرس، وسواء أكان ذلك التعصب سافراً أو مقنّعاً بمصطلح (شرعي)، فعلينا أن نرفضه.. ولابد من عدم التسامح مع كراهية البرغوثي لإسرائيل ومعاداته للسامية، أو تمكينه أو استقباله، وأثني على رفض الإدارة منحه حق الدخول إلى الولايات المتحدة». 

ولقد كنّا نأمل لو أتيحت الفرصة لـ«زيلدين» لكي يلتقي مع البرغوثي شخصياً، فلربما تمكن من فهم الرجل وما تدعو إليه الحركة بصورة أفضل. 

ولا شك في أننا نعيش أوقاتاً مضطربة، فهناك مناخ سياسي مسموم في واشنطن، وأضحت حالة الهستيريا ضد حركة مقاطعة إسرائيل جزءاً من هذا المناخ. وعندما عارض بعض أعضاء مجلس الشيوخ «الديمقراطيين» وأعضاء آخرين بارزين في الكونجرس محاولات تمرير قانون «تجريم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» لأنه ينتهك حقوق الأميركيين في حرية التعبير، غضب «الجمهوريون» واتهموا الديمقراطيين بأنهم غير مؤيدين لإسرائيل بما يكفي، بل واتهموهم بتمكين معاداة السامية. ولو استمر الوضع على ما هو عليه، فلا يسعني سوى أن أتصور أنه، في المستقبل غير البعيد، ستبدأ جلسة الاستماع لأي شخص يدلي بشهادته في الكونجرس بذلك السؤال الافتتاحي من الحقبة «الماكارثية»: «هل تؤيد، أو كنت تؤيد في يوم ما حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل؟».

*نقلا عن صحيفة الاتحاد