أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تضارب مصالح:

موقف "طالبان" من ترشح حكمتيار للرئاسة الأفغانية

21 يناير، 2019


يبدو أن أفغانستان مقبلة على استحقاقات سياسية لا تبدو هينة، لا سيما بعد أن أعلن قلب الدين حكمتيار زعيم "الحزب الإسلامي" وأحد قادة الحرب الأفغانية، في 19 يناير 2019، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجرائها في يوليو من العام نفسه، مشيرًا إلى أنه سوف يترشح كمستقل لأنه لا يؤيد "التحالفات"، ومتعهدًا بالعمل على استعادة السلم والأمن فى البلاد، بعد أن فشلت الحكومة الحالية، وفقًا له، في إنهاء الحرب مع حركة "طالبان"، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول موقف الأخيرة من ذلك، ليس فقط بسبب العداء التاريخي بين الطرفين، وإنما أيضًا باعتبار أنها التنظيم الأكبر في البلاد، الذي يسعى في الفترة الحالية إلى تعزيز قدرته على التحول إلى رقم مهم في الترتيبات السياسية القادمة في كابول.

توقيت لافت:

يأتي إعلان حكمتيار عن ترشحه للرئاسة في توقيت صعب، حيث تشهد أفغانستان نشاطًا ملحوظًا لـ"طالبان"، التي صعّدت مؤخرًا من هجماتها الإرهابية المتنوعة في مناطق مختلقة، والتي لم تركز فحسب على استهداف المؤسستين العسكرية والأمنية، مثل الهجوم الأخير الذي استخدمت فيه سيارة ملغومة لاستهداف قاعدة عسكرية في إقليم ميدان وردك بوسط أفغانستان، في 21 يناير 2019، مما أسفر عن مقتل 12جندي أفغاني، وإنما امتدت أيضًا إلى الأهداف المدنية، على غرار تدمير أحد الجسور الذي يقع بالقرب من مدينة غزنة وسط البلاد، في بداية أكتوبر 2018، وتسبب في إغلاق الطريق السريع الرئيسي بين العاصمة كابول وجنوب البلاد.

ومن دون شك، فإن الآليات التي يمكن استخدامها لتعزيز الأمن والاستقرار في أفغانستان ومواجهة "طالبان" سوف تكون على قمة أولويات المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة. وقد تعمد حكمتيار توجيه رسالة إلى القوى المعنية بالأزمة السياسية والأمنية في أفغانستان مفادها أنه يستطيع، رغم الأدوار التي قام بها خلال فترة الحرب، التعامل مع التهديدات التي يفرضها استمرار العمليات الإرهابية لـ"طالبان"، وهو ما لا يبدو أنه سيكون مهمة سهلة بالنسبة له، خاصة أن الحركة سوف تعمد، في الغالب، إلى تصعيد عملياتها في حالة ما إذا دخل حكمتيار بالفعل في قائمة المرشحين المتنافسين في الانتخابات.  

محددات  رئيسية:

يمكن القول إن موقف الحركة من ترشح حكمتيار على وجه الخصوص دون كل المرشحين المحتملين للانتخابات، سوف يرتبط بمحددات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- فجوة الثقة: يُعرف زعيم "الحزب الإسلامي" بأنه لا يتبنى سياسة مستقرة، حيث دائمًا ما يعمد إلى تغيير مواقفه واتخاذ خطوات تكتيكية للتعامل مع التطورات المختلفة، وربما التمرد على التحالفات التي يشارك فيها، على غرار ما حدث في السابق مع قادة وزعماء الحرب. ومن هنا تبدي "طالبان" شكوكًا عديدة في إمكانية التحالف مع حكمتيار، أو حتى فتح قنوات تواصل معه، باعتبار أن ذلك قد يخصم من قدرتها، وفقًا لرؤية بعض قادتها، على تعزيز نفوذها السياسي خلال المرحلة القادمة.

2- صعوبة التوافق: تتسم أنماط التحالفات التي تشهدها الساحة الأفغانية خلال المرحلة الحالية بسيولة ملحوظة، تسبب ارتباكًا واضحًا في رؤية الأطراف السياسية المختلفة للاتجاهات المحتملة لتوازنات القوى السياسية، على نحو سوف يدفع الحركة إلى التمهل قبل بلورة موقف واضح من الانتخابات القادمة والمرشحين المحتملين لها.

3- خلافات مستمرة: ترى اتجاهات عديدة أن تقليص حدة الخلافات العالقة بين الحركة وحكمتيار يواجه صعوبات عديدة، خاصة بعد أن رفضت الأولى الدعوة التي تبناها الأخير لإلقاء السلاح والانخراط في المباحثات التي تجري من أجل تعزيز فرص الوصول إلى تسوية للأزمة الأفغانية، حيث ردت على تلك الدعوة بتوسيع نطاق هجماتها في أنحاء مختلفة من البلاد، على نحو يدعم من احتمالات اتجاهها إلى عرقلة ترشحه للانتخابات، التي لا يبدو أنها ستكون أحد الأطراف المؤيدة لإجرائها.

4- الرغبة في السيطرة: لا تخفي "طالبان" رغبتها في استعادة السيطرة على أفغانستان، لا سيما بعد أن كانت لها تجربة في الوصول إلى الحكم في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهو ما يدفعها بشكل مستمر إلى العمل على إضعاف فرص أى خصم محتمل يمكن أن يظهر على الساحة ويسعى إلى التحول إلى رقم مهم فيها، على نحو يفسر، إلى حد ما، دخولها في مواجهات متعددة مع تنظيم "ولاية خراسان" التابع لـ"داعش"، الذي يتبنى مشروعًا للسيطرة على البلاد، وفي مقدمتها المواجهات التي وقعت بين الطرفين فى أكتوبر 2018، وأسفرت عن مقتل 8 وإصابة 3 آخرين من الطرفين في إقليم كونار بشرق أفغانستان، وبالتالي فان الحركة لن تقبل بحكمتيار كرئيس للدولة، في حالة ترشحه ونجاحه في الانتخابات، باعتبار أنه يمكن أن يمثل عائقًا يمكن أن يحول دون نجاحها في تحقيق أهدافها.

5- الضغوط الخارجية: رغم أن إيران سبق أن استضافت حكمتيار لسنوات قبل عودته إلى أفغانستان، إلا أن ذلك لم يمنعه من توجيه انتقادات قوية لها، على غرار تصريحاته التي أدلى بها فى 8 ديسمبر 2018، وقال فيها أن "إيران أكثر دولة أضرت بأفغانستان وشعبها وهى التي تتلاعب بأمن أفغانستان"، وهو ما يمثل نموذجًا آخر للتحول المستمر في توجهاته وأنماط تحالفاته مع القوى الداخلية والخارجية. ومن دون شك، فإن التفاهمات الحالية التي توصلت إليها إيران و"طالبان" سوف تؤثر على السياسة التي سوف تتبناها الأخيرة في التعامل مع احتمالات ترشح حكمتيار للانتخابات، خاصة أن إيران تسعى في الفترة الحالية إلى تصعيد نفوذها باعتبار أن ذلك يمكن أن يساعدها، وفقًا لرؤية اتجاهات عديدة في طهران، على مواجهة الضغوط الخارجية.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إعلان حكمتيار عن إمكانية ترشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة سوف يمثل بداية مرحلة جديدة من الصراعات السياسية داخل أفغانستان، التي ستتغير فيها توازنات القوى وأنماط التحالفات فيما بينها استعدادًا للنتائج التي سوف تسفر عنها تلك الانتخابات.