أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الشروق:

هل تنجح المساعى الأمريكية والأوروبية فى كسر تمدد الصين فى إفريقيا؟

07 أكتوبر، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا اشترك فى إعداد باحثو المركز، تناولوا فيه الدوافع الكامنة وراء دعم أمريكا وقادة أوروبا تطوير «ممر لوبيتو» تزامنا مع التنافس الجيوسياسى بين الدول الكبرى، كما أشاروا إلى الانعكاسات المترتبة على هذا المشروع... نعرض من المقال ما يلى:

أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن خلال قمة قادة مجموعة العشرين، التى انعقدت يومى 9 و10 سبتمبر 2023 فى العاصمة الهندية نيودلهى، عن دعمه والقادة الأوروبيين، لمشروع «ممر لوبيتو»، الذى يربط جمهورية الكونغو الديمقراطية وشمال غرب زامبيا بالأسواق العالمية عبر ميناء لوبيتو فى أنولا.

يمكن الإشارة إلى أبرز الأبعاد المحيطة بالممر الإفريقى، على النحو التالى:

1ــ شريان للنمو الاقتصادى: ينظر إلى الممر الإفريقى، باعتباره ليس فقط ممرا لتصدير السلع التعدينية، وإنما شريانا للنمو الاقتصادى المستقبلى، وذلك من خلال تحفيز عدد من القطاعات القاطنة على مسار الخط، مثل الصناعات الثقيلة والتعدين والزراعة، ومن ثم خلق فرص عمل جديدة، ويعرف هذا الممر بأنه الممر العابر لإفريقيا حيث يمتد لأكثر من 1300 كيلومتر (808 أميال) داخل القارة.

وجدير بالذكر أن مشروع ممر لوبيتو ليس مشروعا حديثا، وهو ما يتجلى من خلال التطورات التاريخية لهذا المشروع، إلا أن المشروع قد حظى باهتمام دولى خلال الفترة الأخيرة، مع إعلان الدول الغربية عن إطلاق دراسات جدوى لتوسيع خطوط السكك الحديدية بين أنجولا وزامبيا والكونغو الديمقراطية.

ومن المفترض أن يعزز المشروع إمكانات التصدير لزامبيا وأنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما يضاعف من التداول الإقليمى للسلع ويسهل حركة المواطنين. ومن خلال تقليل متوسط وقت النقل بشكل كبير ستعمل السكك الحديدية الجديدة على خفض التكاليف اللوجستية والبصمة الكربونية لتصدير المعادن والسلع الزراعية وغيرها من المنتجات، بالإضافة إلى التطوير المستقبلى لأى اكتشافات معدنية.

2ــ اهتمام دولى بالاستثمار فى الممر الجديد: حصلت شركة لوبيتو أتلانتيك للسكك الحديدية فى عام 2022 على امتياز لمدة 30 عاما لخدمات السكك الحديدية على طول خط سكة حديد بنجويلا فى مشروع مشترك مع شركة ترافيجورا، وهى شركة مقرها سنغافورة، وشركة Mota ــ Engil البرتغالية، وشركة Vecturis SA، وهى شركة لتشغيل السكك الحديدية مقرها بلجيكا. ولدعم عملياتها، تعهدت الشركة باستثمار 455 مليون دولار أمريكى فى أنجولا وما يصل إلى 100 مليون دولار أمريكى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وقد أشارت مصادر إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى سيدعمان إطلاق دراسات جدوى أولية لبناء خط السكة الحديد الجديد بين زامبيا ولوبيتو من شرق أنجولا عبر شمال زامبيا. ويعتمد هذا على الدعم الأولى الذى قادته الولايات المتحدة لتجديد السكك الحديدية من ميناء لوبيتو فى أنجولا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما تعتزم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى تكثيف التعاون فى ثلاثة مجالات محددة؛ هى استثمارات البنية التحتية للنقل؛ وتدابير لتسهيل التجارة والتنمية الاقتصادية والعبور؛ ثم دعم القطاعات ذات الصلة لتحفيز النمو الاقتصادى الشامل والمستدام واستثمار رأس المال فى أنجولا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية على المدى الطويل.

يمكن الاستدلال على الدوافع الكامنة وراء هذا المشروع إثر حدوث عدد من التطورات الدولية، تبرز التنافس الجيوسياسى بين الدول الكبرى، والتى بدورها تفسر إعلان الدول الغربية إطلاق دراسات الجدوى المتعلقة بمشروع ممر لوبيتو، وهو ما يمكن الإشارة إليه من خلال ما يلى:

1ــ استضافة الصين لمنتدى الحزام والطريق الثالث: يمكن تفسير الاهتمام الغربى والأوروبى بدعم مشروع ممر لوبيتو، فى إطار مواجهة النفوذ الصينى المتمثل فى مشروعها الاستراتيجى مبادرة الحزام والطريق. فمن المقرر أن تستضيف الدولة الصينية خلال شهر أكتوبر 2023، منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولى، حيث من المرجح أن يتم إدخال المزيد من التعديلات على مبادرة الحزام والطريق.

وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة الحزام والطريق تستهدف ربط الدولة الصينية بوسط وجنوب وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، لتشكل ما يسمى بـ«حزام واحد، طريق واحد»، فقد ارتكزت تلك المبادرة على تجاوز ممراتها الأصلية، لتضفى بعدا عالميا على هذا الطريق، وذلك من خلال تمويل وتدشين الطرق ومحطات الطاقة والموانئ والسكك الحديدية والبنية التحتية الرقمية. فالجدير بالذكر أن هذه المبادرة تمثل أكبر مشروع عالمى للبنية التحتية على الإطلاق، حيث تمول الصين البنية التحتية فى جميع أنحاء العالم بما يصل إلى تريليون دولار أمريكى، وقد وقع ما يقرب من 150 دولة على مبادرة الحزام والطريق بشكل أو بآخر.

3ــ تزايد الاهتمام الدولى بإفريقيا: جاء الإعلان عن الدعم الأمريكى والأوروبى لممر لوبيتو، فى الوقت الذى تشهد فيه القارة الإفريقية تنافسا شديدا بين القوى الدولية، حيث يعكس المشهد الإفريقى حالة من التنافس الصينى والروسى والأمريكى والأوروبى. سواء على المستويات الاقتصادية أم السياسية أم العسكرية والأمنية. وجدير بالذكر أنه قد تم الإعلان عن الدعم الأمريكى والأوروبى لممر لوبيتو بعد فترة وجيزة من قبول مجموعة البريكس لدولتين إفريقيتين هما: مصر وإثيوبيا. كما وافقت مجموعة العشرين على ضم الاتحاد الإفريقى، وذلك بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، لتكون ذات دلالة على مساعى الدول الكبرى لكسب القارة الإفريقية فى صراعها على النفوذ.

من المتوقع أن يترتب على هذا المشروع الاستراتيجى فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى، عدد من الانعكاسات المحورية على عدد من الأصعدة، والتى يمكن بلورتها كما يلى:

1ــ اشتداد وتيرة التنافس الدولى على القارة الإفريقية: وهو ما يمكن أن يتجلى من خلال عدد من المؤشرات الاقتصادية، ففى عام 2022، صدرت القارة الإفريقية ككل بضائع بقيمة 43.1 مليار دولار أمريكى إلى الولايات المتحدة، فى حين استوردت سلعا بقيمة 30.6 مليار دولار أمريكى. وفى المقابل، صدرت الصين 164.1 مليار دولار أمريكى إلى إفريقيا واستوردت ما قيمته 117.5 مليار دولار أمريكى من السلع الإفريقية فى نفس العام. ومن ثم، بلغت نسبة الصادرات الإفريقية إلى الصين 17.7% من إجمالى صادراتها، فى حين بلغت النسبة للولايات المتحدة الأمريكية نحو 6.5%. وبصفة عامة، تعد الدولة الصينية الشريك التجارى الأكبر منفردا للقارة الإفريقية، وإن كانت القوة المشتركة للكتلة التجارية للاتحاد الأوروبى التى تضم 27 دولة لا تزال فى المقدمة.

أما بالنسبة لروسيا، فقد اتبعت استراتيجية مختلفة، من خلال كونها الشريك العسكرى والأمنى الأكبر للعديد من الدول الإفريقية، وهو ما تجلى أخيرا من خلال عدد من المؤشرات، وذلك وفقا للتقرير المنشور عن مؤسسة راند، والذى ألقى الضوء على اعتبار 31 دولة كوجهة للشركات المتعاقدة العسكرية والأمنية الخاصة الروسية عبر أنحاء إفريقيا، على غرار جمهورية الكونغو الديمقراطية، فى حين تتلقى 14 دولة أنظمة أسلحة روسية، على غرار زامبيا. ومن بين هذه الدول، تتلقى 10 دول أسلحة وخدمات شركات متعاقدة عسكرية وأمنية خاصة من روسيا، على غرار أنغولا.

2ــ احتدام التنافس على الموارد الطبيعية فى الدول الأعضاء بمشروع ميناء لوبيتو: فقد أشارت وكالة الطاقة الدولية فى تقرير صدر فى مايو 2021 إلى أن القارة الإفريقية تضم نحو 30% من احتياطيات المعادن فى العالم، مما يجعلها ساحة لتنافس القوى العظمى. فالجدير بالذكر أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تنتج ما يقرب من 70% من الكوبالت فى العالم، وهو ضرورى لبطاريات السيارات الكهربائية. كما أن زامبيا هى ثانى أكبر منتج للنحاس فى إفريقيا، ويستخدم فى المعدات الكهربائية مثل الأسلاك والمحركات.

ووفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، سيرتفع الطلب العالمى على المعادن لإنتاج المركبات الكهربائية والبطاريات بما لا يقل عن 30 ضعفا بحلول عام 2040. ويشهد الليثيوم أسرع نمو، مع نمو الطلب بأكثر من 40 مرة، يليه الجرافيت والكوبالت والنيكل (نحو 20 إلى 25 مرة) . كما أن التوسع فى شبكات الكهرباء سيعنى ضمنيا ارتفاع الطلب على النحاس لخطوط أكثر من الضعف خلال نفس الفترة.

وفى التقدير، يمكن القول إن مشروع ممر لوبيتو يعد أحد أحدث المؤشرات على تزايد وتيرة التنافس بين القوى العظمى على القارة الإفريقية، خاصة فى الدول التى تمتاز بوجود موارد على درجة مرتفعة من الأهمية الاستراتيجية على المستوى العالمى، لذلك فإن الدول الإفريقية المنخرطة فى هذا المشروع لن تكون ببعيدة عن التنافس الجيوسياسى بين الدول الكبرى. وعلى الرغم من أن إعلان الدول الغربية كان عن مجرد إطلاق دراسات جدوى لهذا المشروع، فإنه سيكون مجرد خطوة أولية نحو دعم المزيد من المشروعات على مستوى القارة، فى إطار السباق الدولى على النفوذ بهذه القارة.

*لينك المقال في الشروق*