أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

الأقنعة اللاصقة:

كيف تشكلت اقتصاديات "الكمامات الطبية" في الشرق الأوسط؟

09 مارس، 2020


تنتعش مبيعات الكمامات الطبية والقفازات المتخصصة والأشرطة اللاصقة وغيرها من المعدات الوقائية في دول الإقليم بعد تمدد انتشار فيروس "كورونا" إلى دول العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط، لاسيما بعد أن رفعت منظمة الصحة العالمية، في 29 فبراير الفائت، خطورة انتشار الفيروس في العالم إلى "أعلى مستوى"، معتبرة أن الزيادة المستمرة في عدد الحالات الجديدة والدول المتأثرة "تبعث بالتأكيد على القلق"، على نحو أدى إلى زيادة الطلب على الكمامات بدرجة وصلت إلى حد "الهوس" في بعض الأحيان، الأمر الذي أثار تخوفات دولية وإقليمية، بعد ارتفاع أسعارها ونفاذ كمياتها وتشكل سوق موازية لها.

وعلى الرغم مما يبدو أن موضوع الكمامات الطبية يندرج في إطار التحليلات الصحية، ويبتعد عن دراسات العلوم السياسية، إلا أن ذلك غير صحيح، حيث ترتبط إجراءات مواجهة التوظيف الاقتصادي له بالسياسات العامة التي تطبقها دول الإقليم، مثل تعزيز أداء النظم الصحية وسبل الاستجابة للأزمات الطارئة وتوفير الخدمات العامة ومنع احتكار السلع وحماية المستهلك وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة وحركة التصدير والاستيراد بين الدول، لاسيما بعد تعثر الاستيراد من الصين التي كانت من أكبر الموردين للكمامات على مستوى العالم قبل أن ينطلق الفيروس من أراضيها.

طلب متزايد:

تزايد الطلب المجتمعي على الكمامات المعروضة في الأسواق، وخاصة أن العديد من الأسر تحاول توفيرها لأطفالها في مواسم المدارس، فضلاً عن العاملين في الشركات السياحية، بحيث ترتفع أسعار تلك الكمامات بدرجة كبيرة، وفي الوقت نفسه تتراجع كمياتها المعروضة. وحتى مع ارتفاع أسعار الكمامات في العديد من دول الإقليم، لا يمكن العثور عليها بسهولة، في بعض الأحيان، إذ يلجأ العديد من أصحاب الصيدليات إلى تخزينها، فيما يقوم بعض التجار بتجميع العدد الأكبر منها بغرض التصدير. يضاف إلى ذلك تشكل السوق الموازية (السوداء) لبيعها من جانب البعض بطريقة لا تراعي المواصفات لتحقيق أرباح مالية ضخمة.

وهنا تجدر الإشارة إلى الدعوات التي ظهرت بضرورة الوعى بأهمية وتوقيت استخدام الكمامات. فعلى سبيل المثال، دعا محمد إسماعيل عبده رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية بالقاهرة، في 3 فبراير الفائت، المواطنين إلى عدم التكالب على شراء الكمامة، لكونها لا تقي من خطر فيروس "كورونا"، لأن "بها ثقوباً تسمح للتنفس مما يسهل الإصابة بالفيروس"، ناصحاً بـ"الحفاظ على النظافة الشخصية والمداومة على ذلك والبعد عن أماكن الإصابة أهم من وضع الكمامة التي لا تقي من الإصابة بالمرض إلا بنسبة ضئيلة جداً".

كما أن هناك بعض الدول، مثل الأردن، اعتمدت على خيارات بديلة للكمامة مثل "الشماغ" للوقاية من "كورونا"، وهو ما أشار إليه وزير الصحة سعد جابر في مداخلة عبر التلفزيون الأردني، في 25 فبراير الفائت، بقوله: "إن اللجنة الوطنية والفرق الطبية تقول إن الشماغ فعّال مثله مثل الكمامة، ويغني عنها عندما يغسل ويعقم بشكل دوري"، مضيفاً: "خلينا نرجع لأصولنا ونلبس الشماغ، فهو فعّال ويمنع التقبيل وهذا شىء إيجابي". وشدد وزير الصحة على أن "الأردن منعت تصدير الكمامات والمواد الطبية الخاصة بالوقاية من الفيروس خارج المملكة". إلا أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن "الكمامة لا تصنع من الأقمشة العادية التي يصنع منها الشماغ لذلك فهو غير فعّال".

مؤشرات عاكسة:

تعددت المؤشرات التي توضح تبلور "اقتصاديات للكمامات" في العالم ككل، ومنها منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

1- إطلاق تصريحات دولية بشأن نقص الكمامات الطبية: طلب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في 4 مارس الجاري، من العالم التوقف عن تخزين الكمامات والقفازات والمعدات الوقائية الأخرى، قائلاً أنه "قَلِق من أن فيروس كورونا المستجد يعرقل إمدادات المعدات الوقائية ومنها الكمامات المطلوبة بشدة لحماية العاملين بالصحة الذين يكافحون التفشي حول العالم"، وأضاف: "نحن قلقون من تعرض قدرات الدول للاستجابة للخطر بسبب العرقلة البالغة المتزايدة للإمداد العالمي لمعدات الوقاية الشخصية والتي يتسبب فيها زيادة الطلب وإساءة الاستخدام والتخزين".

وذكر غيبريسوس أن "النقص يترك الأطباء والممرضين والعاملين بالصحة على غير استعداد للتعامل مع مرضى كوفيد-19"، مشيراً إلى أن "هناك وصولاً محدوداً لإمدادات مثل القفازات والكمامات الطبية وأجهزة التنفس والنظارات وواقيات الوجوه والأثواب والمآزر والأغطية"، وأنه "لا يمكننا التصدي لكوفيد-19 دون حماية العاملين بالصحة". وقد جاءت تلك التصريحات بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حكومته ستطلب كل المخزونات الحالية والمستقبلية من كمامات الوقاية.

2- صدور قرارات وزارية بتحديد أسعار الكمامات الطبية: وهو ما ينطبق على ما جرى في الكويت، حيث أصدر وزير التجارة والصناعة خالد الروضان، في 24 فبراير الماضي، قراراً وزارياً بتحديد أسعار بيع الكمامات الطبية، بناءً على خطاب من وزير الصحة بشأن تحديد أسعار الكمامات في القطاع الخاص، بحيث تتراوح الأسعار ما بين 100 فلس و1.320 دينار كويتي للكمامة.

ونص القرار على "أن الأسعار المحددة هى الحد الأقصى لأسعار بيع الكمامات الطبية ولا يسمح بتجاوزها"، محذراً من أن "كل من يخالف هذا القرار تطبق بحقه العقوبات المنصوص عليها بالقانون الكويتي الخاص بالإشراف على الإتجار في السلع والخدمات والأعمال الحرفية وتحديد أسعارها". وشددت وزارة التجارة والصناعة، على أن قطاع الرقابة التجارية وحماية المستهلك وضع خطة لمراقبة أسعار المستلزمات الطبية في الصيدليات والمراكز الطبية، للوقوف على مدى التزامها بالمعايير والنظم المعمول بها. 

3- نقاش داخل المؤسسات البرلمانية حول نقص الكمامات وارتفاع أسعارها: ناقشت لجنة الصحة داخل مجلس النواب المصري، منذ بداية فبراير الفائت وحتى الثلث الأول من مارس الجاري، عدداً من طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة بشأن خطة وزارة الصحة للتصدي لأزمة نقص الكمامات الطبية وارتفاع أسعارها، بسبب زيادة الإقبال على شرائها، لاسيما عقب إعلان الوزارة عن اكتشاف أول حالة مصابة بفيروس "كورونا". 

4- عودة مصانع إنتاج الكمامات للعمل: أدى رواج سوق الكمامات إلى تزايد نسبي في عودة مصانع إنتاجها المتوقفة، سواء الحكومية أو الخاصة، في عدد من الدول بالإقليم، بعد فترة من الركود التي تعرضت لها هذه السلعة بسبب ضعف الطلب المحلي، لاسيما أنه في دول شرق أوسطية كان يجري استيراد الكمامات غالباً من الصين وماليزيا وتايلاند، إلا أنه بعد انتشار الفيروس بدأ الطلب يتزايد على المنتج المحلي، وجرى تشغيل المصانع المتوقفة إضافة إلى خطوط الإنتاج. والأكثر من ذلك، أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن مصنعي السيارات في لبنان بدأوا تخصيص خطوط إنتاج لصناعة كمامات صحية بأعداد كبيرة.

5- تزايد مبيعات الكمامات عبر الإنترنت: نشرت بعض الشركات "الوهمية" عبر وسائل التواصل الاجتماعي قصصاً لأشخاص توفوا نتيجة فيروس "كورونا" في بعض دول العالم، بهدف إثارة الفزع بين المتابعين، مع تحفيزهم على شراء كميات وفيرة من الكمامات لحماية أنفسهم من الفيروس، وهو ما رصدته بعض وسائل الإعلام الإماراتية، حيث أشارت صحيفة الإمارات اليوم، في 4 مارس الجاري، إلى أن "جميع الإعلانات التابعة للشركات التي تبيع الكمامات الطبية، تكون من خارج الدولة، بهدف استغلال الأزمة الصحية التي يمر بها العالم، وترهيب المجتمعات بوجود مرض قاتل، نظراً لصرامة تعامل القانون معها في ما يتعلق بنشر الشائعات أو رفع الأسعار". 

6- صدور توقعات بنمو السوق العالمية لـ"الكمامات الطبية": هناك سوق عالمية تتشكل لتلك الكمامات من مستوردين وموزعين وأصحاب صيدليات. فعلى سبيل المثال، أشارت صحيفة "القبس" الكويتية، في 26 يناير الماضي، نقلاً عن موقع "decision" لتحليل البيانات، إلى أن السوق العالمية للكمامات الطبية سوف تنمو بمعدل سنوي مركب تبلغ نسبته 10% خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث ستصل قيمة السوق العالمية إلى 4.4 مليار دولار في عام 2024، مقابل 2.5 مليار دولار في عام 2019. 

الكفاءة الصحية:

خلاصة القول، إن انتشار فيروس "كورونا" في بعض دول الشرق الأوسط دفع إلى تزايد الطلب على الكمامات الطبية، إذ صار حال المواطنين العاديين يشبه حال الأطباء، الذين لا تنفصل هذه الكمامات عن وجوههم، وهو ما يثير التساؤلات حول مدى كفاءة النظم الصحية لرصد ومكافحة انتشار المرض، لاسيما في ظل النقص في أدوات ومستلزمات الحماية الشخصية الطبية، وضعف الرقابة الرسمية على التجار في وقت الأزمات، الأمر الذي يتطلب تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحماية المستهلك و"الحق في الدواء".