أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الشروق:

دلالات جولة المستشار الألمانى فى أفريقيا

03 يوليو، 2022


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب د/ حمدى عبدالرحمن بتاريخ 14 يونيو تناول فيه العوامل الكامنة وراء الاهتمام الألمانى بالقارة الأفريقية أخيرا... نعرض منه ما يلى.

أصبحت أفريقيا أخيرا ذات أهمية متزايدة بالنسبة لألمانيا. وقد أسهمت بعض العوامل والتحولات الكبرى فى صعود القارة إلى قمة أولويات أجندة السياسة الألمانية، ولعل أبرزها اندلاع أزمة اللاجئين وهجرة الأفارقة إلى أوروبا فى عام 2015، بالإضافة إلى تنامى النشاط الإرهابى وشبكات الجريمة المنظمة فى أفريقيا، فضلا عن رغبة برلين فى القيام بدور أكبر فى القارة الأفريقية بما يعزز من مكانتها الدولية. وقد تجلى تصاعد الاهتمام الألمانى بأفريقيا فى عدد من المستويات، الأمر الذى من شأنه أن يعزز النفوذ الألمانى المستقبلى فى القارة. فعلى سبيل المثال، تم إطلاق ميثاق مجموعة العشرين مع أفريقيا أثناء رئاسة ألمانيا للمجموعة لتعزيز الاستثمار الخاص فى أفريقيا، خاصة فى البنية التحتية. ولم يكن مستغربا أن تكون أول جولة خارجية للمستشار الألمانى أولاف شولتس بعد أقل من خمسة أشهر على توليه منصبه إلى أفريقيا، ليس إلى آسيا أو أمريكا اللاتينية، وكانت جولته (خلال الفترة من 22 ــ 25 مايو 2022) مصممة بعناية، حيث شملت السنغال والنيجر وجنوب أفريقيا. وعلى الرغم من أن الحرب الأوكرانية شكلت الجانب المخفى من زيارة شولتس الأفريقية، فإن من بين الأهداف الأخرى هو استكمال ما بدأته أنجيلا ميركل من أجل اللحاق بركب التدافع الدولى على أفريقيا.

دوافع متعددة:

ثمة مجموعة من الدوافع التى تفسر لنا هذا التحول فى الموقف الألمانى تجاه القارة الأفريقية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية:

1ــ الدفاع عن المصالح الألمانية فى المنطقة عسكريا: حيث تمثل زيادة المشاركة الألمانية فى قوات مينوسما فى مالى من 1100 إلى 1400 جندى، استعدادا للتصعيد القتالى. ووفقا لنص التفويض، يمكن حشد المزيد من القوات «فى مراحل إعادة الانتشار، وكذلك فى سياق تناوب القوات، وفى حالات الطوارئ». وبذلك، تم تفويض «بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار فى مالى» باتخاذ جميع التدابير اللازمة، بما فى ذلك استخدام القوة العسكرية، لإنجاز المهمة.

2ــ ملء الفراغ والاستجابة للتحديات الجيواستراتيجية بعد انسحاب القوات الفرنسية: وعليه سوف تكون ألمانيا أكبر مزود للقوات الأممية فى مالى من شمال الكرة الأرضية. يعنى ذلك بكل وضوح أنه بوجود «300 جندى جديد»، تعمل ألمانيا على سد الفجوة التى خلفها الفرنسيون.

3ــ احتواء النفوذ الروسى: لا تعتبر كل من مالى والنيجر مهمين من الناحية الجغرافية فحسب، ولكنهما يتمتعان أيضا بوفرة المواد الخام. فالنيجر هى أكبر منتج لليورانيوم فى أفريقيا، وخامس أكبر منتج فى العالم. ومنذ عام 2011، كانت البلاد أيضا واحدة من الدول المصدرة للنفط. وذلك غير المواد الخام الأخرى التى يتم استخراجها ومعالجتها مثل الفوسفات والجبس والحجر الجيرى. أما مالى فهى ثالث أكبر منتج للذهب فى أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا، ولديها رواسب كبيرة من البوكسيت والفوسفات وخام الحديد، من بين معادن أخرى.

4ــ تعزيز الاستثمارات الألمانية فى أفريقيا: على الرغم من تباين المواقف بشأن الأزمة الأوكرانية فإن زيارة شولتس لجنوب أفريقيا تؤكد النهج البرجماتى فى سياسته الخارجية، وتركيزه على قطاع الأعمال والاستثمارات الخارجية. كانت ألمانيا مستثمرا رئيسيا فى جنوب أفريقيا منذ عدة عقود، حيث تعمل هناك نحو 600 شركة. وقد انضم شولتس إلى الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية الجنوب أفريقية. كما ناقش مع رامافوزا أيضا قضايا الطاقة، بما فى ذلك 8.5 مليار دولار أمريكى تقدمها ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبى لجنوب أفريقيا لتعزيز انتقال الطاقة العادل.

5ــ اللحاق بركب التكالب الدولى على أفريقيا: على الرغم من أن ألمانيا نفسها كانت ذات يوم قوة استعمارية فى أفريقيا، فقد حظيت الدول الغربية الأخرى بالأولوية، لاسيما فرنسا. وعليه ترغب ألمانيا فى إطار توجهاتها الاستراتيجية الجديدة فى أن تصبح قوة أوروبية رائدة من خلال اكتساب النفوذ والمكانة على الصعيد الدولى.

6ــ الخوف من الاضطرابات الثورية: لقد حذر شولتس فى داكار من مواجهة «تحديات عالمية هائلة». فسيكون لجائحة كوفيد 19 والحرب فى أوكرانيا وأزمة المناخ عواقب مدمرة على الدول الأفريقية وعلى واقع الحياة بشكل عام. وقد عرضت هذه التحديات الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية التى حققتها دول الجنوب العالمى للخطر. وقال شولتس حتى «لا تؤجج هذه الأزمات بؤر توتر جديدة»، على ألمانيا أن «تتصرف بحزم».

وتكتسب زيارة المستشار الألمانى لجنوب أفريقيا أهمية كبرى لتوفير مصادر بديلة للطاقة من أجل تفعيل العقوبات الأوروبية ضد روسيا. كما تعتزم ألمانيا شراء المزيد من الفحم الحجرى من جنوب أفريقيا. وهذا من شأنه أن يساعد فى استبدال الفحم الروسى الذى تنوى دول الاتحاد الأوروبى التوقف عن شرائه فى خريف هذا العام، كجزء من حظر شامل لواردات الطاقة الروسية. كما زار شولتس شركة ساسول شبه الحكومية للطاقة فى جنوب أفريقيا، والتى تساعد ألمانيا فى إنتاج الهيدروجين الأخضر.

أهداف استراتيجية:

فى إطار تغيرات النظام الدولى وبروز دور ألمانيا فى ظل زعامة أنجيلا ميركل الكاريزمية على مدى 16 عاما، طورت برلين ما يمكن تسميته استراتيجية اللحاق بالركب فى تعاملها مع أفريقيا لترسيخ مصالحها الجيوسياسية المتغيرة. وقد أبرزت زيارة شولتس بعضا من ملامح تلك الاستراتيجية. ومن ذلك:

ــ وضع أفريقيا فى محاور اهتمام السياسة الخارجية الألمانية بعد أن احتلت مكانا هامشيا فى السنوات الماضية. وقد عكست وجهة المستشار شولتس الأولى صوب أفريقيا ذلك الاهتمام. إن النفوذ السياسى والاقتصادى والعسكرى لألمانيا على المستوى الدولى يدفعها نحو التدافع مع القوى الكبرى فى أفريقيا بدلا من الوقوف على الهامش ومراقبة وانتظار الآخرين للتحرك.

ــ زيادة المنافسة الجيواستراتيجية بين القوى الكبرى فى القارة، وبالتالى مواجهة التقدم المضطرد الذى أحرزته الصين فى أفريقيا، وكذلك احتواء تهديدات التحركات التركية والروسية فى القارة والتصدى لإجراءات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين من خلال دفع الشركات الألمانية لغزو الأسواق الأفريقية والاستفادة من فرص الاستثمار فيها.

ــ موازنة الدور الفرنسى فى القارة، خاصة بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى (بريكست)، وعلى الرغم من وجود تعاون وتنسيق بشأن قضية الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل.

ــ زيادة الاستثمار وإنعاش العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية، وتعزيز النمو الاقتصادى فى تلك الدول، والاستفادة من الحجم الهائل لسوقها، وزيادة مشاركة الشركات والمستثمرين الألمان فى الأسواق الأفريقية.

ــ الاهتمام الألمانى بتنويع مصادر الطاقة والاستفادة من الموارد المعدنية والنفطية فى أفريقيا كقضية رئيسية لألمانيا التى تعد واحدة من أكبر الدول الصناعية فى العالم مع السعى لتعزيز الصادرات الألمانية فى هذا القطاع من خلال توفير التكنولوجيا لشركات الطاقة الأفريقية.

ــ تعزيز تجارة الأسلحة والصناعات العسكرية مع الدول الأفريقية مثل الشركات الجنوب أفريقية.

لقد أظهرت جولة المستشار شولتس الأفريقية أهمية ثلاثية الأمن والطاقة والاستثمار فى استراتيجية اللحاق بالركب التى تتبناها ألمانيا فى تعاملها مع أفريقيا، لاسيما بعد الحرب الأوكرانية. وبمرور الوقت، أصبحت ألمانيا أكثر استعدادا لتأسيس وجودها فى أفريقيا وتعزيز تأثيرها فى الفترة المقبلة لتعظيم نفوذها العالمى. ربما يتطلب ذلك وعيا شاملا بخريطة أفريقيا بكل تفاعلاتها وتوازناتها وفرصها وتحدياتها لبناء استراتيجية مناسبة لألمانيا يمكن من خلالها تحقيق مصالحها الاستراتيجية فى الوقت نفسه الذى تتم فيه تلبية الاحتياجات الأفريقية. ومن الواضح أن ألمانيا تنظر بعيدا إلى آفاق المستقبل ودور أفريقيا كسوق موحدة.

إن أبرز التحولات الهيكلية فى أفريقيا والتى سوف ترسم ملامح التعاون المستقبلى هو دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية حيز التنفيذ فى بداية عام 2021. هذه الاتفاقية مشابهة للسوق الأوروبية المشتركة ولديها إمكانات كبيرة. إنها سوف توفر أساسا أفضل للشركات الألمانية للاستثمار فى أفريقيا وخلق فرص عمل. كما ستسمح للمنتجات أفريقية الصنع بالمساهمة بدور أكبر فى سلاسل التوريد الدولية ونقل القارة بعيدا عن مجرد توفير المواد الخام. ولعل ذلك كله يخلق بيئة جاذبة لاستراتيجية اللحاق بالركب الألمانية فى تدافعها مع القوى الدولية الأخرى على أفريقيا.

الاقتباس:

أظهرت جولة المستشار شولتس الأفريقية أهمية ثلاثية الأمن والطاقة والاستثمار فى استراتيجية اللحاق بالركب التى تتبناها ألمانيا فى تعاملها مع أفريقيا، لاسيما بعد الحرب الأوكرانية. وبمرور الوقت، أصبحت ألمانيا أكثر استعدادا لتأسيس وجودها فى أفريقيا وتعزيز تأثيرها فى الفترة المقبلة لتعظيم نفوذها العالمى.

*لينك المقال في الشروق:*