أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

انهيار محتمل:

دلالات الاستقالات الجماعية داخل حركة النهضة في تونس

03 أكتوبر، 2021


تقدم 18 عضواً من أعضاء حركة النهضة التونسية، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، باستقالاتهم بشكل جماعي من عضوية الحركة في 26 سبتمبر 2021، وذلك عقب ثلاثة أيام فقط من تقديم 113 آخرين استقالاتهم الجماعية من الحركة ليصل مجموع الأعضاء المستقيلين من عضوية الحركة خلال يومين فقط 131 عضواً، في مؤشر مهم على تزايد حدة الخلافات والانشقاقات داخل الحركة في مرحلة ما بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية في البلاد في 25 يوليو الماضي.

تعثر الإصلاح الداخلي:

توجد مجموعة من الأسباب والعوامل التي يمكن من خلالها تفسير تقديم هذا العدد الكبير من أعضاء حركة النهضة لاستقالاتهم على هذا النحو، ومن أبرزها ما يلي:

1- استبداد الغنوشي: أرجع الأعضاء المستقيلون من عضوية النهضة استقالتهم إلى تبنى الغنوشي أسلوباً اتسم بالدكتاتورية في عملية اتخاذ القرارات داخل الحركة، فضلاً عن استحواذ الموالين له، خاصة أقاربه، على المناصب القيادية داخل الحركة، مما دفع المستقيلين لاتهامه بتحويله الحركة إلى "ملكية عائلية" وليس حزباً سياسياً.

كما لاقت محاولة الغنوشي للترشح لولاية ثالثة في أواخر 2020، وتغيير النظام الداخلي للنهضة، الذي ينص على عدم الترشح أكثر من مرتين لرئاسة الحركة، إلى رفض واسع داخل الحركة، فقد وقع أكثر من مائة قيادي من النهضة على عريضة طالبوا فيه الغنوشي بالالتزام بعدم الترشح لولاية ثالثة. وتضمنت قائمة الموقّعين على العريضة أعضاء في المكتب التنفيذي ومجلس الشورى، وهما أعلى سلطة قرار داخل الحزب، إضافة إلى نواب بالبرلمان وقيادات على مستوى الجهات، وفي المكاتب المحلية للحزب.

وعوضاً عن الاستجابة لهذه القرارات، قام الغنوشي بالتأجيل المتعمد المؤتمر السنوي للحركة منعاً للحديث عن رفض التجديد لولاية ثالثة له، فضلاً عن إقالة أعضاء المكتب التنفيذي للحركة كافة، فضلاً عن إحالة بعض القيادات المهمة للتحقيقات الداخلية وتجميد عضويتهم مثل عماد الحمامي، وزير للتشغيل والتكوين المهني في حكومة يوسف الشاهد، وهو ما ساهم في تفاقم الخلافات الداخلية وزيادة الانشقاقات.

2- فساد الغنوشي: تتنامى ملفات الفساد المالي المرتبطة بعائلة الغنوشي، خاصة ابنه معاذ وصهره رفيق عبدالسلام، إذ إنهما متهمان بمساعدة الغنوشي على إدارة شركات واجهة، يقودها في العلن شخصيات وهمية، بينما تتم إدارتها فعلياً من قبل معاذ ورفيق، ومن ذلك قناة الزيتونة، والتي تلقت سنة 2013 ما يقارب 350 مليون دولار من جهات خارجية.

ودفع ذلك الأمر بعض القيادات الكبيرة، مثل عبدالحميد الجلاصي لتقديم استقالته منذ عدة أشهر اعتراضاً على فساد الغونشي، وسبقه كل من مدير مكتب الغنوشي زبير الشهودي والمكلف بالعلاقات الخارجية محمد غراد قبل عامين.

3- تبني سياسات تصعيدية: اتهم الأعضاء المستقيلون الأمانة العامة للحركة، وعلى رأسها الغنوشي، باتخاذ سياسات وإجراءات ومواقف خاطئة طوال السنوات العشر الماضية، وتحديداً خلال العام الأخير وتحميله مسؤولية تراجع شعبية النهضة. 

ويأتي ضمن السياسات الخاطئة للغنوشي منازعة رئيس الدولة قيس سعيد في الصلاحيات الممنوحة له بشأن رسم السياسة الخارجية مع الدول الأخرى، ومحاولة الغنوشي استغلال منصبه كرئيس للبرلمان، لجر البلاد للتحالف التركي – القطري، على الرغم من أن صلاحيات منصبه لا تكفل له هذا. 

وكذلك تصعيد الخلافات مع رئيس الدولة عبر مناصرة رئيس الحكومة المُقال هشام المشيشي، عبر التحالف مع حزبي قلب تونس، المتهم رئيسه في قضايا فساد، وائتلاف الكرامة، وهو ما ساهم في تأزيم الأوضاع السياسية والاقتصادية بشكل غير مسبوق في البلاد، وهو ما ترتب عليه عزلة الحركة شعبياً وسياسياً، فقد تراجعت شعبيتها في الشارع التونسي، كما أن الاتحاد التونسي العام للشغل رفض دعوات الحركة لإجراء حوار وطني لحل الأزمة السياسية الراهنة.

4- تراجع الدعم الشعبي: تراجعت شعبية النهضة بصورة واضحة في الشارع التونسي، ومن المؤشرات الدالة على ذلك فشل الغنوشي في حشد وتعبئة أنصار الحركة للتظاهر معه أمام مقر البرلمان صبيحة إعلان الرئيس سعيد الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو الماضي، والتأييد الشعبي الواسع للإجراءات والقرارات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الدولة، وكذلك ما أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت تراجعاً ملحوظاً من قبل المواطنين الداعمين للحركة، وفي المقابل زيادة شعبية الرئيس سعيد.

دلالات مهمة:

حملت الاستقالات الجماعية الأخيرة من عضوية حركة النهضة عدداً من الدلالات السياسية المهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- استقالات نوعية: يلاحظ أنه بمراجعة أسماء ومناصب الأعضاء المستقيلين من عضوية حركة النهضة، أنها تضمنت عدد لا بأس به من قيادات الصف الأول في الحركة، وعلى رأسهم، عبداللطيف مكي، الذي شغل منصب وزير الصحة سابقاً في حكومتي، حمادي الجمالي، وعلي العريض، وأيضاً قيادات ممن مثلوا الحركة في البرلمان المجمد ومن أبرزهم جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي، بالإضافة إلى بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي للحركة ومن أبرزهم آمال عزوز، وبعض أعضاء مجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.  

2- تراجع مصداقية الحركة: تعبر الاستقالات الجماعية كذلك بسبب استبداد الغنوشي إلى افتقاد الأخير المصداقية، إذ إنه لم يعد يحق له الحديث عن الحوار مع رئيس الدولة للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، وهو متهم بالاستبداد، ورفض التحاور مع أعضاء حزبه، والذي أقال عدداً منهم رغبة منه في ترشيح نفسه لولاية ثالثة للنهضة.

3- تقييد التحركات الأمريكية: لا شك أن الولايات المتحدة كانت تسعى للضغط على الرئيس سعيد، بسبب بطء الإعلان عن خريطة الطريق، ومحاولة النهضة تصوير ذلك على أنه محاولة من سعيد للسيطرة على المشهد السياسي. ولا شك أن عاصفة الاستقالات التي ضربت النهضة سوف تجعل واشنطن تدرك أن الاعتماد على الحركة ليس خياراً آمناً، خاصة مع تصاعد الغضب الحزبي والشعبي من إلقاء الذي جمع بين النهضة والسفارة الأمريكية مطلع سبتمبر. 

4- تعزيز قوة رئيس الدولة: تعبر الاستقالات الجماعية عن إخفاق الحركة على مواجهة الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس سعيد في 25 يوليو الماضي وقام بتمديد العمل بها في سبتمبر الجاري، وفي ذلك مؤشر مهم على هشاشة الحركة داخلياً، إذ إنها بعض الانسحابات الأخيرة فقدت قدراً كبيراً من رصيدها، خاصة بعدما بات من الواضح أنها لم تعد تحتكر تمثيل التيارات المتعاطفة مع الإسلام السياسي.

سيناريوهات محتملة:

تكشف المعطيات السابقة أن سيناريوهات مستقبل حركة النهضة تتمثل في التالي:

1- السيناريو الأول: استمرار التراجع: يرجح هذا السيناريو أن تكرر حركة النهضة تجربة حزب نداء تونس نفسها، فبعد أن كان متصدراً للحياة السياسية التونسية، وعلى رأس السلطة، انقسم الحزب وانهار نتيجة تزايد الانشقاقات والصراعات الداخلية، بشكل ساهم في تراجع شعبية الحزب بشكل كبير.

ويرجح، وفق هذا السيناريو، أن تتواصل مسألة الاستقالات الجماعية للأعضاء، ومن ثم تفريغ الحركة من القيادات الكبيرة وقيادات الصف الأول، وما سيؤدي إليه ذلك من فقدان الحزب لقوته في الحياة السياسية بشكل عام، وبقاء الغنوشي وحيداً على رأس الحركة في ظل عدم قدرته على إدراك انهيار النهضة بسبب سياساته التصعيدية.

2- السيناريو الثاني: تأسيس حزب جديد: يرجح هذا السيناريو أن يتجه الأعضاء المستقيلون إلى تشكيل أو تأسيس حزب سياسي جديد بأيديولوجية إسلامية، ولكن برؤى وأفكار جديدة تتماشى مع المتغيرات السياسية الحالية في محاولة لكسب قواعد شعبية تساعد الحزب فيما بعد على خوض الانتخابات خلال الفترة القادمة، وذلك على غرار تجربة الإخوان المسلمين في ليبيا الذين انشق بعضهم مؤسسين حزباً جديداً في محاولة للحفاظ على شعبيتهم في الشارع الليبي، والنأي بأنفسهم عن سياسات الإخوان المسلمين.

3- السيناريو الثالث.. استقالة الغنوشي: يرجح هذا السيناريو أن يتقدم الغنوشي باستقالته من رئاسة حركة النهضة ويعتزل الحياة السياسية بشكل عام، وإتاحة الفرصة لتولي قيادات شابة جديدة للحركة في محاولة لإعادة ترتيب صفوف الحركة من جديد، بهدف الحفاظ على مكانة الحركة في المشهد السياسي التونسي خلال الفترة القادمة. ويلاحظ أن هذا الأمر مستبعد بدرجة كبيرة، نظراً لشخصية الغنوشي، التي تميل إلى تصعيد الأزمات لا علاجها. 

وفي الختام، ترجح المعطيات الراهنة اتجاه حركة النهضة نحو مزيد من التفكك والإنهيار وذلك بعد أن فقدت مقومات البقاء في صدارة المشهد السياسي التونسي. وبصفة عامة فإن تراجع مكانة حرك النهضة في تونس يأتي لاستكمال سلسلة تراجع تجربة الإسلام السياسي في المغرب وباقي الدول العربية، ليؤكد على حقيقة إخفاق هذه الأحزاب على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية في بلادهم.