أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

حسابات الإخوان:

لماذا رفضت "حمس" المشاركة في الحكومة الجزائرية الجديدة؟

07 يوليو، 2021


أعلنت حركة مجتمع السلم "حمس"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان في الجزائر، يوم 29 يونيو 2021، رفضها المشاركة في الحكومة الجزائرية الجديدة التي أعلنت الرئاسة الجزائرية، يوم 7 يوليو الجاري، عن تشكيلها رسمياً برئاسة الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمن وتكونت من 30 وزيراً ووزيرين منتدبين، وذلك في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهي الانتخابات التي حصدت فيها "حمس" المرتبة الثالثة بـ 65 مقعداً من إجمالي 407 مقاعد، حيث سبقها حزب جبهة التحرير الوطني بـ 98 مقعداً، وكتلة المستقلين بـ 84 مقعداً. 

وبرر رئيس "حمس"، عبدالرازق مقري، عدم المشاركة في الحكومة الجديدة بالقول إن "التزوير الانتخابي لبعض القوى السياسية والتزوير الممنهج الذي قادته بقايا العصابة منعنا من الوصول إلى الأغلبية"، على حد وصفه نصاً. بيد أن غياب "حمس"، وهي أكبر حزب إسلامي في الجزائر وواحدة من 3 أذرع إخوانية في الجزائر، والأخريان هما حركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية، عن الحكومة الحالية؛ يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت "حمس" إلى هذا القرار، ويتمثل أبرزها في التالي:

1- الرغبة في الانفراد بالحكم:

على الرغم من قدرة إخوان الجزائر على تجاوز محنة الإسلام السياسي في البلاد عقب ما يُسمى بـ "العشرية السوداء"، واعتمادهم على مقاربة سياسية برجماتية في التقارب مع النظام الحاكم السابق خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ما دفع هذا النظام آنذاك لاستقطابهم واستخدامهم كبديل معتدل عن الإسلام السياسي العنيف؛ فقد جاءت التطورات السياسية التي شهدتها الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي في فبراير 2019 لتعيد طرح الكثير من التساؤلات حول أهداف حركة مجتمع السلم "حمس" الإخوانية، وأدواتها التي اعتمدت عليها في تحقيق هذه الأهداف، وكذلك البحث عن تفسير لبعض سلوكياتها ومنها رفضها المشاركة في الحكومة الجديدة المُشكلة برئاسة أيمن بن عبدالرحمن من الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في يونيو الماضي.

وقد فتحت الثورات العربية بعد عام 2011 وما أسفرت عنه من حصول جماعة الإخوان على فرص لم تحظ بها من قبل في المشهد السياسي لعدد من الدول في المنطقة، الطريق أمام الطموحات السياسية الواسعة لإخوان الجزائر والذين لم يكونوا بعيدين عن المشهد في بلدهم، وأحيت الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر في عام 2019 هذه الطموحات، وحاولت الأذرع السياسية للإخوان، خاصة حركة مجتمع السلم اقتناص هذه الفرصة للمشاركة في المشهد السياسي، بل تطلعت الحركة إلى قيادة البلاد.  

بيد أن سلوكيات أحزاب الإخوان في الجزائر، وفي مقدمتها "حمس"، منذ انطلاق الحراك الشعبي، كانت محل الكثير من الانتقادات سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، حيث اتسمت هذه السلوكيات بالانتهازية المُبالغ فيها، واستخدام التصريحات الهدامة، وازدواجية المواقف، ونشر الشائعات، وكذلك التهديد باستخدام العنف، ما كان له بالغ الأثر على تراجع شعبية الإخوان في الجزائر، وتعرض حركة "حمس" للعديد من الخسائر التي كان أهمها تراجع حظوظها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ما جعل مشاركتها كشريك في الحكومة الجديدة لا تحقق طموحاتها.

وفي هذا الصدد، لم يخف عبدالرزاق مقري، رئيس "حمس"، في تصريحاته يوم 30 يونيو الماضي، الدوافع التي جعلت الحركة ترفض دخول الحكومة الجديدة، قائلاً: "الحركة تريد الحكم وليس الحكومة، وبتفصيل أدق لا تريد أن تكون مجرد واجهة للحكم"، لافتاً إلى أن ما عرضه الرئيس الجزائري، تبون، في لقائه معه يوم 27 يونيو الماضي "لا يسمح بالتأثير في المسارات السياسية والاقتصادية مثلما تعهدنا للناخبين". وكان قد تردد أن الرئيس تبون عرض على "حمس" 4 أو 5 حقائب وزارية في الحكومة الحالية، حسب ما ورد في وسائل الإعلام. ولكن ربما الأمر كان سيفضي إلى عدد أقل من ذلك في حالة موافقة "حمس" على الدخول في الحكومة، حيث كشفت التشكيلة الرسمية المُعلنة يوم 7 يوليو الجاري عن أن إجمالي الحقائب الوزارية التي مُنحت للأحزاب السياسية في حكومة أيمن بن عبدالرحمن، هي حوالي 6 حقائب فقط تُصنف في خانة "الخدماتية"، وبالتالي ليس من بينها وزارات سيادية، طبقاً للقراءة الأولية لهذه الحكومة.

2- توترات كامنة مع الرئيس تبون:

ظلت حركة مجتمع السلم تعمل في إطار النظام السياسي في الجزائر منذ عام 1995، واستخدمها نظام الرئيس السابق، عبدالعزيز بوتفليقة، في تلميع صورته الخارجية، وكانت دليل على انفتاح النظام السابق وقبوله جماعات الإسلام السياسي للمشاركة في الحياة السياسية. وتجسدت روابط الولاء التي تجمع بين أحزاب الإخوان ونظام بوتفليقة في عدد من المسارات، أهمها انضمام هذه الأحزاب إلى العديد من الائتلافات الحكومية وتولي أعضائها مناصب وزارية ومقاعد برلمانية. لذلك لم يقتنع الكثير من الجزائريين بخروج "حمس" عن الائتلاف الحاكم سابقاً في عام 2012، ومطالبتها بالإصلاحات آنذاك.

وفي المقابل، كان استخدام الإخوان في الجزائر الشائعات ومحاولاتهم المستمرة لاقتناص الفرصة للاستيلاء على السلطة، من أبرز الانتقادات التي وجهت لهم خلال الفترة الأخيرة، ومن ذلك اتهامهم بنشر الشائعات حول الحالة الصحية للرئيس تبون بعد إصابته بفيروس كورونا، وهو ما أثار غضب تبون، حيث أعرب في مطلع مارس الماضي عن أسفه "بخصوص الشائعات التي روجت أنه توفي"، ووصف مروجيها بأنهم "أناس يدّعون اتباع الدين لكن لا علاقة لهم بالأخلاق".

كما ظهر خلاف بين حركة مجتمع السلم والرئيس تبون بعد قيام الأخير في أكتوبر الماضي بتعيين عضو الحركة الهاشمي جعبوب وزيراً للعمل والضمان الاجتماعي في الحكومة السابقة برئاسة عبدالعزيز جراد، وهو ما أثار غضب الحركة، بسبب عدم استشارتها في هذا التعيين، واعتبر بيان لها أن "اختيار رئيس الجمهورية عضو مجلس الشورى الوطني في الحركة من دون استشارتها هو محاولة لإرباكها إثر قرارها التصويت بـلا على الدستور".

3- تراجع الشعبية في الشارع الجزائري:

انعكس التاريخ السياسي لأحزاب الإخوان في الجزائر على نظرة المحتجين في الحراك الشعبي إلى مشاركتهم المتأخرة في الحراك في عام 2019، وكانت محاطة بتحذيرات مستمرة من المشاركين في الحراك الشعبي من محاولة الإخوان اختطاف الحراك، وكذلك التسبب في ظهور عوامل الانقسام داخله باستقطاب المحتجين واستخدام الشعارات الدينية.

وأظهر المحتجون الجزائريون غضبهم تجاه قيادات الإخوان خلال الاحتجاجات الشعبية في العامين الماضيين. فعلى سبيل المثال، طرد المتظاهرون عبدالله جاب الله، زعيم جبهة العدالة والتنمية، في مارس 2019، فضلاً عن تهميش عبدالرزاق مقري، زعيم "حمس"، عند مشاركته في التظاهرات.

كما زاد الرفض الشعبي في الجزائر لأحزاب الإخوان وممثليها في ظل التصريحات التي تبناها قادة هذه الأحزاب خلال الشهور الأخيرة والتي أثارت الكثير من الجدل. فمثلاً هدد مقري بـ "العنف" في حال تعرضت قيادات من حزبه للطرد من قِبل المتظاهرين في المسيرات الشعبية التي تجددت منذ 22 فبراير 2021، تزامناً مع ذكراها الثانية.

4- وجود تحديات ضخمة أمام الحكومة الجديدة: 

لا تسعى "حمس" بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي جاءت مخيبة لآمالها بعد أن حصلت على المركز الثالث فيها، أن تكون في الفترة المقبلة جزءاً من مكونات الحكومة الجديدة، خاصة أن هذه الحكومة ينتظرها العديد من الملفات الشائكة والصعبة، وأهمها الأزمة الاقتصادية في ظل تراجع أسعار المحروقات منذ عام 2014، وذلك بالنظر لأهمية هذا القطاع الذي يوفر أكثر من 90% من صادرات الجزائر، ونحو 4 % من إيراداتها. كما أدت تداعيات انتشار جائحة كورونا، والارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع، وارتفاع معدلات البطالة، إلى نتائج خطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر. 

ولذا تفضل "حمس" أن تمثل المعارضة في البرلمان الجزائري بـ 65 مقعداً خلال الفترة المقبلة؛ وذلك لتجنب أي رهانات قد تكون غير مضمونة في التعامل مع هذه الأزمات إذا تواجدت في الحكومة الحالية، وهو ما سيؤدي في حال فشلها إلى مزيد من التراجع في شعبية الحركة. وفي هذا الإطار، برر رئيس الحركة، مقري، يوم 30 يونيو الماضي، قرار عدم مشاركتهم في الحكومة بأنه "سمح بأن تكون للجزائر جهة سياسية ذات وزن وحضور كبيرين في الوطن تضع نفسها في موقع المعارضة لرقابة الشأن العام مثلما تنص عليه الدساتير المتتالية".


ختاماً، جاء إعلان "حمس" الإخوانية عدم مشاركتها في الحكومة الجزائرية التي تم الإعلان عنها يوم 7 يوليو الجاري، انعكاساً لنتائج الحركة في آخر انتخابات تشريعية أُجريت في يونيو الماضي، وتراجعها إلى المرتبة الثالثة بين الأحزاب والكتل السياسية الممثلة في البرلمان، وذلك على عكس ما كان يصرح به قيادات الحركة قبل إعلان النتائج الرسمية لهذه الانتخابات وادعائهم تصدر النتائج في أغلب الولايات. كما كرس قرار "حمس" الانقسام الواضح في صفوف الأحزاب الإسلامية بالجزائر، في ظل انضمام حركة البناء الوطني الإسلامية (39 مقعداً) لحكومة أيمن بن عبدالرحمن إلى جانب أحزاب أخرى وهي جبهة التحرير الوطني، وكتلة المستقلين، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل؛ مما يضعف من موقف "حمس" باعتبارها ستقف وحيدة في صفوف المعارضة.