أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مصير غامض:

هل تنتهي مسيرة نتنياهو بعد إزاحته من حكم إسرائيل؟

17 يونيو، 2021


منح الكنيست الإسرائيلي حكومة "بينيت - لابيد" الثقة، في 13 يونيو الجاري، بإجمالي 60 صوتًا مقابل 59 صوتًا، بما أنهى حالة الجمود السياسي التي تعاني منها إسرائيل منذ عامين، وأطاح برئيس الوزراء السابق "بنيامين نتنياهو" من السلطة بعد 12 عامًا متتالية قضاها في حكم إسرائيل. وبرغم تأكيد "نتنياهو" أنه سيفعل كل ما بوسعه لإسقاط الحكومة الجديدة من خلال قيادة الائتلاف المعارض بالكنيست؛ إلا أنه -في الوقت ذاته- يواجه تحديات عديدة سياسية وقضائية وتشريعية، قد تهدد مستقبله السياسي ومصيره الشخصي.

محاصرة "نتنياهو":

ليس من شك في أن النفوذ السياسي لنتنياهو تراجع في أعقاب إزاحته من السلطة بعد تنصيب الحكومة الجديدة، وقد ساهم ذلك في تعزيز محاصرة "نتنياهو" وتقويض نفوذه بشكل أكبر، وهو ما اتضح في عدة تطورات، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- تسريع محاكمات الفساد: إن فوز تحالف "بينيت – لابيد" يعني بالضرورة أن "نتنياهو" فَقَد جزءًا كبيرًا من نفوذه السياسي كرئيس وزراء، ورغم أن هذا المنصب لم يكن يمنحه حصانة سياسية، وفقًا للقانون الإسرائيلي، إلا أنه كان يمنحه القوة لترتيب أوراقه القانونية بشكل يبعد عنه السجن في قضايا الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة المُتهم بها.

ومن شأن ذلك أن يساهم في تسريع محاكمات الفساد الجارية ضد "نتنياهو"؛ وقد برز ذلك بوضوح في رفض قضاة المحكمة، في 16 يونيو الجاري، طلب محامي "نتنياهو" بتأجيل إجراءات المحاكمة إلى ما بعد العيد اليهودي الكبير في سبتمبر القادم، على أساس أنهم بحاجة إلى دراسة مواد جديدة من الملاحقة القضائية، وهو ما وصفه المحامون بأنه "ضربة قاتلة" بالنسبة لهم، خاصة أن المحكمة شددت على أن المحاكمة ستستمر كما هو مقرر، واكتفت فقط بتمديد الموعد النهائي للمدعين لتسليم المواد لمحامي الدفاع حتى 20 يوليو القادم.

وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يُجبَر "نتنياهو" في الشهور المقبلة على حضور جلسات المحاكمة على عكس ما كان يفعله سابقًا. في هذا الإطار، يرى بعض المراقبين للمشهد السياسي في إسرائيل أن "نتنياهو" كان يسعى لإجراءات تعديلات على القوانين بما يتناسب مع أهدافه ومساعيه لينأى بنفسه عن دائرة الاتهام، لكن مع تجرده من نفوذه كرئيس للوزراء، لم يعد بإمكانه تحقيق هذا الأمر حاليًا.

2- تشريع جديد ضد "نتنياهو": خلال الأيام الماضية، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن الأحزاب المشكِّلة للحكومة الإسرائيلية الجديدة تنوي تمرير مشروع قانون جديد يقضي بمنع شخص يترأس الحكومة على مدى ولايتين من الترشح للكنيست في غضون السنوات الأربع اللاحقة، وهو التشريع الذي يستهدف "نتنياهو" مباشرة دون غيره في المشهد السياسي الإسرائيلي.

وبرغم تأكيد حزب "يمينا" أن هذا الاقتراح طرح في الواقع لكن دون التوافق بشأنه، وأنه لن يتم تطبيقه أبدًا؛ فقد أفادت القناة (12) الإسرائيلية أن "يمينا" وافق فعليًا على المقترح، لكنه تراجع فقط بعد أن أحدث تسريبه صدىً واسعًا في إسرائيل، فيما أكدت صحيفة "هآرتس" أن أحزاب "معسكر التغيير" تبحث حاليًا إمكانية تحقيق نتيجة مماثلة لكن بصيغة أخرى.

ومن شأن هذا التشريع أن يُجرِّد "نتنياهو" من كافة أشكال النفوذ التي كان يتمتع بها حينما كان رئيسًا للوزراء أو حتى عضوًا بالكنيست، ويُقدِّمه للقضاء الإسرائيلي بدون أي سلطة قد تحميه أو حصانة تؤجل محاكمته في قضايا الفساد.

منافسة حزبية داخلية:

لم تتوقف المخاطر المحيطة بنتنياهو على الأطراف الخارجية، سواء من القضاء أو المنافسين الحزبيين في الكنيست؛ بل امتدت إلى أنصاره في حزب الليكود الذين أصبحوا يرون أنه آن الأوان لـ"استبدال نتنياهو" لتأمين نفوذ حزب الليكود اليميني في السياسة الإسرائيلية، ولتحقيق مصالح إسرائيل.

انعكس ذلك فيما أثير عن إعلان بعض الأعضاء داخل حزب الليكود رغبتهم في الترشح لرئاسة الحزب ضد "نتنياهو" في الانتخابات التمهيدية المقبلة، ومن أبرزهم رئيس بلدية القدس السابق عضو الكنيست "نير بركات"، الذي يخطط لاستضافة مؤتمر في تل أبيب، بمشاركة الآلاف من أعضاء حزب الليكود، حيث يعتزم تقديم رؤيته لإسرائيل في السنوات المقبلة.

وبالإضافة إلى "بركات"، أشارت مصادر من حزب الليكود إلى أن وزير الصحة السابق "يولي إدلشتاين" ينوي الترشح هو الآخر لمنافسة "نتنياهو"، كما ذكرت الهيئة الإسرائيلية في تقرير لها أن "إدلشتاين" صرَّح بأنه "يجب استبدال نتنياهو"، لافتة إلى أنه "اجتمع خلال الأيام الأخيرة مع نشطاء بارزين في الليكود بهدف الحصول على دعمهم لترشحه". ولم يعلِّق "إدلشتاين" على هذه المزاعم، لكنه -في الوقت ذاته- لم ينفِها بما يدعم بشكل أكبر احتمالية ترشحه.

كذلك، من المرجح أن يتقدم للمنافسة أيضًا وزير المالية السابق "يسرائيل كاتس"، الذي أعلن في الماضي أنه سيسعى للحصول على دور قيادي بعد خروج "نتنياهو" من السياسة، وربما سيكون هذا الوقت مثاليًا للدخول في سباق التنافس على حزب الليكود.

وبرغم احتفاظ "نتنياهو" بشعبية كبيرة داخل حزب الليكود وفي المجتمع الإسرائيلي؛ إلا أنه ليس من شك في أن هذه المنافسة قد تقوِّض نفوذه وتهدد بقاءه رئيسًا للحزب، خاصة في ظل محاكمات الفساد الجارية، التي يمكن القول إن أنصار "نتنياهو" داخل حزب الليكود ينتظرون نتائجها أكثر من خصومه ومنافسيه في الائتلاف الحكومي الجديد.

ومن ثمّ فإن الانتخابات التمهيدية المقبلة لحزب الليكود، التي تُعقد كل خمس سنوات، ليس من المرجح أن تمر بأغلبية مريحة لنتنياهو كما حدث في الانتخابات السابقة في ديسمبر 2019 أمام منافسه "جدعون ساعر"، حينما فاز "نتنياهو" بحوالي 72.5% من الأصوات، بل إن تعدد المرشحين المحتملين هذه المرة، بجانب السياق السياسي والقضائي والتشريعي غير المواتي لنتنياهو، قد تكون له تأثيرات وتداعيات سلبية على فرص "نتنياهو" في الفوز بهذه الانتخابات الداخلية.

مهرب زعامة المعارضة:

بصفته زعيم أكبر حزب معارض، أضحى "نتنياهو" تلقائيًا زعيمًا للائتلاف المعارض في الكنيست، ويُعد هذا الأمر بالنسبة له مهربًا مناسبًا من العقبات المتتالية التي تواجهه في الوقت الحالي. فإذا تمكَّن "نتنياهو" من إسقاط الحكومة "السيئة" من وجهة نظره، فمن المحتمل أن يتم إجراء انتخابات جديدة يراهن عليها "نتنياهو" لإعادة تشكيل تحالفه اليميني والعودة للسلطة مرة أخرى.

في هذا الإطار، ليس من شك في أن "نتنياهو" سيكون معارضًا شرسًا للحكومة للجديدة؛ وهناك عدة دلالات تؤكد ذلك؛ منها دلالات خطابية عكستها خطاباته "العدائية" المتكررة وآخرها خطابه في الكنيست قبل التصويت على الحكومة الجديدة يوم 13 يونيو، حيث قال صراحةً: "سأقاتل يوميًا ضد هذه الحكومة اليسارية السيئة والخطيرة من أجل إسقاطها. بعون الله، سيحدث هذا في وقت أبكر بكثير مما تتصورون".

من ناحية أخرى، هناك دلالات واقعية عملية انعكست في الاجتماع الذي عقده "نتنياهو" لائتلاف المعارضة اليميني، في 14 يونيو الجاري، بعد منح الثقة للحكومة الجديدة بيوم واحد، والذي حث خلاله المعارضة (التي تضم حاليًا حزب الليكود، وحزب الصهيونية الدينية، ويهدوت هاتوراه، وشاس) على التوحد وعدم الاقتتال الداخلي بهدف إسقاط الحكومة الجديدة، كما ألمح في الإطار نفسه وبشكل غير مباشر إلى إمكانية التعاون المحتمل مع تحالف القائمة المشتركة ذات الغالبية العربية لتقوية المعارضة لحكومة "بينيت".

ويراهن "نتنياهو" في شأن إسقاط الحكومة على الأغلبية الضئيلة التي حصلت عليها في الكنيست، والتي يمكن لصوت واحد فقط أن يُسقطها فيما بعد بسهولة، حيث من المتوقع أن يوظِّف "نتنياهو" الانقسامات بين الأحزاب لإسقاط الحكومة في أقرب وقت، وهو ما فعله سابقًا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ويتوافق ذلك مع نتائج استطلاع الرأي الذي نشرته القناة (12) الإسرائيلية، والذي أشار إلى أن 43% من الإسرائيليين يعتقدون أن الحكومة لن تدوم إلا لفترة قصيرة فقط، و30% يرون أنها ستبقى لفترة، ولكن ليس لنهاية مدتها البالغة 4 سنوات، مقابل 11% فقط قالوا إن الحكومة ستبقى حتى نهاية مدتها.

وستظل قدرة "نتنياهو" على إسقاط الحكومة مرهونة بقدرة الأخيرة على تجنب القضايا الخلافية، خاصة في الشهور الأولى، عبر التركيز على القضايا الاقتصادية بشكل أكبر، وضمان التماسك بين مكوِّناتها بما يفوِّت الفرصة على "نتنياهو" لتغذية الانقسامات الأيديولوجية بينها.

وبشكل عام، يمكن القول إن "نتنياهو" يواجه مصيرًا غامضًا يتوقف على عدة محددات، منها مدى نجاح الحكومة الجديدة في الاستمرار وتعزيز التماسك بين أحزابها، وكذلك ما ستسفر عنه نتائج المحاكمة ضده؛ إذ يواجه "نتنياهو" اليوم حكمًا بالسجن قد يصل إلى 10 أعوام كحد أقصى إذا ثبتت التهم ضده، بالإضافة إلى 3 أعوام أخرى في تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، وهو كفيل بزجه في السجن للأعوام القادمة وإنهاء مسيرته السياسية إلى الأبد.

في ذلك الإطار أيضًا من المستبعد أن يحصل "نتنياهو" على عفو رئاسي أثناء محاكمته من الرئيس الجديد "يتسحاق هرتسوغ"، رئيس حزب العمل السابق، والذي سيتسلم المنصب رسميًا في 9 يوليو المقبل، خاصة أن ذلك القرار سيكون مخالفًا لتوجهات الرأي العام الإسرائيلي الذي يطالب منذ شهور عديدة بتسريع محاكمة "نتنياهو" على جرائم الفساد التي ارتكبها.

وختامًا، فإن مصير "نتنياهو" السياسي أصبح على المحك في الوقت الحالي، وسيكون حكم المحكمة هو العنصر المفصلي في تحديد هذا المصير وتداعياته، سواء على حزب الليكود نفسه أو على السياسة الإسرائيلية بشكل عام خلال الفترة المقبلة، وطبيعة التحالفات الجديدة التي قد تنشأ في ظل غياب "نتنياهو" عن المشهد السياسي، مع الأخذ في الاعتبار مدى هشاشة استقرار الحكومة الحالية المتباينة أيديولوجيًا وسياسيًا إلى حد كبير.