أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ضغوطات أوروبية:

لماذا يخشى نظام بوتين من تمدد أزمة "نافالني"؟

14 فبراير، 2021


أدى توقيف المعارض الروسي "أليكسي نافالني" فور عودته إلى روسيا إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات، حيث نزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في العديد من المدن الروسية، وإلى انتشار حملة استنكار واسعة في أوروبا وصدور مواقف غربية تدعو إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو، فيما سعت موسكو إلى استغلال هذه الدعوات لتصوير المشاركين في هذه الاحتجاجات كعملاء وأدوات للخارج.

دلالات متعددة:

حمل القبض على المعارض الروسي "نافالني" عدة دلالات تمثل أهمها فيما يلي:

1-تحولات الوضع الداخلي: تبرز أهمية قضية "نافالني" في أنها أتت لتكشف التغيير الحاصل على رأس هرم في السلطات الروسية والأجهزة الأمنية (كال FSB)، بحيث إن ردود الأفعال تُظهر أن روسيا لم تعد كما كانت منذ عدة سنوات. فتأثير الكرملين على المجتمع قد تقلص، والدعم الشعبي الذي كان يحظى به لتغطية اللجوء إلى استخدام العنف قد تراجع؛ وبالتالي فإن قضية "نافالني" كشفت عن هذا التحول. فعلى الرغم من أن الأحكام القضائية القاسية ليس شيئًا جديدًا في روسيا؛ إلا أن الجديد هو اتّباع أسلوب لهندسة الأمر، وبث الخوف خاصة بين الشباب، وذلك لمنعهم من التفكير في القيام بأي نشاط سياسي. وهذا التوجه بدأ في البروز بالتزامن مع إعادة صياغة الدستور الروسي لتناسب أهداف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في البقاء على رأس السلطة بحجة أن التغيير في هذا التوقيت يُضعف من القبضة القوية للدولة.

2- صعود شعبية "نافالني": عادةً ما كان يجري التعتيم على نشاطات "أليكسي نافالني" حول الفساد والمطالبة بالإصلاح بشكل ممنهج في الإعلام الروسي الرسمي والمقرب منه، كما أنه لم يكن بمقدور "نافالني" الحصول على ترخيص لإنشاء حزب جديد، وآخر مرة سُمح له فيها بالترشح بالانتخابات كان في عام 2013 في الانتخابات البلدية لموسكو وحصل حينها على 27% من الأصوات. وكشفت الأحداث الأخيرة أنه أصبح لديه الآلاف من الأنصار شديدي الحماسة والموزعين ليس فقط في موسكو وإنما في كل أنحاء روسيا، وهو أمر لم يكن متوقعاً بحسب عدد من المحللين، ولكن هذا الحجم من التأييد لم يصل بعد إلى مستوى تشكيل تهديد شعبي للنظام، حيث أظهر استفتاء قام به مركز ليفادا Levada في خريف 2020 أن 20% من المشاركين يوافقون على ما يقوم به "نافالني" فيما يرفضه 50% منهم، كما أن أغلب الذين تظاهروا في الأسابيع الماضية لم يكونوا من مؤيدي "نافالني" في السابق، ولكن دفعتهم الأحداث العنيفة إلى ممارسة حقهم في التعبير بعد أن تبين لهم أن الأجهزة الأمنية لا تقيم اعتبارًا للصورة التي ترتسم عن ممارساتها لدى الرأي العام، وهذا السلوك المتبع من السلطة يجد ترجمته في توجهات تيار المدرسة الدولاتية Statist School في روسيا التي تفضل قيم القوة والاستقرار على القيم المتعلقة بالديمقراطية والحرية.

3-تخوفات من دور المعارضة: في الوضع الحالي، لا يشكل "نافالني" تهديدًا حقيقيًّا وفوريًّا على أحادية زعامة "فلاديمير بوتين"، ولكن هناك تخوف من بداية تبلور ثنائية متنافسة (بوتين/نافالني)، خصوصًا أن "نافالني" بدأ منذ الصيف الماضي بإعطاء نموذجه المعارض بُعدًا جديدًا يتمثل في المجاهرة بعدم الخوف من الحاكم، وإعلانه رفض قواعد اللعبة المعمول بها في الخمسة عشر عامًا الأخيرة، كما أنه الفيديو المنشور لبوتين حول قصره والذي يدعي تورطه في ممارسات فساد، فإن "نافالني" يحاول اللعب على صورة المتحدي للسلطة و"الخارج عن النظام" الذي تصعب السيطرة عليه.

 تداعيات احتجاز "نافالني":

أدي صدور الحكم على "نافالني" بالسجن لمدة سنتين وثمانية أشهر في 2 فبراير 2021 إلى العديد من المواقف ومن ردات الفعل، والتي يمكن حصر أهم تداعياتها المحتملة في الآتي:

1- تزايد حدة الخلاف الروسي- الأوروبي: تري موسكو أن هناك دوافع أخرى غير ظاهرة وراء انتقادات العواصم الغربية فيما يتعلق بطريقة التعامل مع قضية احتجاز "نافالني"، ليس أقلها محاولة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، مما دفعها في 6 فبراير إلى طرد دبلوماسيين أوروبيين قالت إنهم شاركوا في بعض الاحتجاجات غير الشرعية داخل الأراضي الروسية لدعم "نافالني"، مما أضفى توترًا على اللقاء الذي كان يجري في اليوم نفسه في موسكو بين وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" ونظيره الأوروبي "جوزيب بوريل" الذي صرح بأن "العلاقات الروسية-الأوروبية أصبحت متوترة، وقضية نافالني جعلتها في أدنى مستوياتها". والأوروبيون رغم تسجيل اعتراضهم الشديد على احتجاز آلاف من أنصار "نافالني" وعلى طرد الدبلوماسيين؛ إلا أنهم يفضلون وجود علاقة هادئة مع روسيا من دون مواجهة أزمات سياسية مزمنة كأزمة أوكرانيا.

والمطلب الأهم للأوروبيين في قضية "نافالني"، والتي كان على موسكو الاستجابة لها كبادرة حسن نية حسب وجهة نظرهم، هو المباشرة في إجراء تحقيق رسمي حول سبب وقوع المعارض الأول للنظام (أي نافالني) في غيبوبة على متن طائرة روسية وبين مدينتين روسيتين، ويدعي الأوروبيون أن اغتيال المعارضين، أو استخدام الكيماوي، أو التضييق على الحريات الفردية؛ ليست فقط مشكلة أخلاقية بالنسبة للأوروبيين، ولكن أيضًا تهديد مستمر لأمنهم، خصوصًا مع محاولات روسيا المستمرة للعودة إلى مجلس أوروبا، فيما تسيطر نظرة مهيمنة داخل دوائر القرار الروسي حاليًا تشكك في أية مطالب للإصلاح الديمقراطي داخل روسيا تكون صادرة عن أية جهة خارج جهاز الحزب الحاكم.

2- عنف الشرطة الغربية: تم إقحام المقارنة بين ممارسات الشرطة ضد المتظاهرين في فرنسا أو دول أوروبية أخرى في الماضي القريب (مثلًا خلال احتجاجات "السترات الصفراء") وبين ما يجري حاليًا في روسيا (احتجاجات التعاطف مع نافالني) في الجدل الأوروبي-الروسي، وأيها كان الأكثر عنفًا؟. وفي هذا السياق وفي معرض رده على الانتقادات الأوروبية، اعتبر وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" "أن هناك الكثير من الأمثلة التي تُظهر كيف تعاملت سلطات أوروبية مع المحتجين لديها". ويعتبر بعض المراقبين الأوروبيين أنه صحيح أن العنف في الشارع أقل في روسيا، ولكن التوقيفات في روسيا تستهدف أناسًا سلميين، والمتظاهر الروسي يعلم أنه إذا لمس كتف شرطي فإنه سيواجه حكمًا بالسجن، وأنه وإن ظهرت بعض التجاوزات في أداء قوى الأمن في أوروبا إلا أنه من المستحيل أن نجد حالات تُذكر حول اغتيال أو تسميم معارضين سياسيين في أوروبا.

3-عقوبات اقتصادية: تأتي زيارة "بوريل" الخاصة إلى موسكو في سياق التحضير لقمة الاتحاد الأوروبي المقرر عقدها في مارس 2021، والتي تضع على رأس جدول أعمالها أولوية وضع استراتيجية أوروبية للتعامل مع روسيا، كما أن "بوريل" سيبلغ أعضاء البرلمان الأوروبي بنتائج زيارته إلى موسكو في 9 فبراير المقبل، وسيعقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعًا لهم في 22 فبراير، ومن المرجّح أن يدرس إمكانية إقرار عقوبات جديدة على روسيا على خلفية قضية "نافالني". ويرى مراقبون أن مثل هذه العقوبات لن يكون لها تأثير واقعي وحقيقي على سياسة روسيا الخارجية، أو فيما يخص قضية "نافالني" ومسائل احترام حقوق الإنسان، خصوصًا أن الكرملين يرى أن هذه المسائل هي شؤون داخلية بحتة، ولكن ربما قد تستغل مجموعات النخبة في التيار الليبرالي المعارض لبوتين داخل روسيا هذه العقوبات لتوسيع حجم الاستياء الداخلي.

4- الخلاف حول أنبوب النفط Nord Stream 2: منذ إطلاقه في عام 2014 كان مشروع خط الأنابيب (السيل الشمالي 2) (pipeline Nord Stream 2) عرضة للانتقاد من قبل أطراف أوروبية داخلية ومن قبل الولايات المتحدة على خلفية زيادة اعتماد الاحتياجات الأوروبية على الغاز الطبيعي الروسي، وأدت قضية "نافالني" إلى معاودة احتدام التجاذبات حوله من جديد، وفي الوقت التي شارفت فيه عملية بنائه على الانتهاء (حوالي 90%)، اقترح "كليمانت بون" Clément Beaune وزير الدولة في الحكومة الفرنسية للشؤون الأوروبية، التخلي عن خط الأنابيب هذا، قبل أن يأتيه الرد من "ستيفن سيبرت" Steffen Seibert الناطق الرسمي باسم حكومة المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" "بأن برلين ستكمل دعمها لهذا المشروع الحيوي لألمانيا وكل أوروبا، وترفض ربطه بقضية توقيف نافالني". 

ويبدو أن للإدارة الأمريكية الجديدة دورًا كبيرًا لتلعبه في هذا التجاذب، وتنظر إليه كفرصة للضغط على موسكو من أجل دفعها لتقديم تنازلات، سواء عبر التعهد بشفافية أكبر في الانتخابات التشريعية القادمة في سبتمبر 2021، أو لضمان استمرار التزويد عبر الخطوط التي تمر برًّا من روسيا عبر أوكرانيا إلى أوروبا. ويبدو واضحًا من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي "بلينكن"، في 3 فبراير، والذي اعتبر فيه "أن الولايات المتحدة وبالتشاور مع حلفائها الأوروبيين تنظر في اتخاذ إجراءات ضد روسيا لجعلها تدفع ثمن عدم احترامها حقوق مواطنيها"، وهذا ما سيضع ألمانيا في موقف حرج لأن ردة الفعل الأمريكية يمكن أن تصل إلى حدود تجميد تفعيل خط أنابيب (السيل الشمالي 2) بعد أن صوت الكونجرس في يناير 2021 ضمن قانون الموازنة على بنود تسمح بفرض عقوبات محتملة ضد كل من يقوم بمهات الاختبار أو التفتيش أو التصديق المطلوبة لإكمال بناء أو لتشغيل هذا الخط.

ختاماً على الرغم من المتابعة الأوروبية والغربية الواسعة لهذه القضية، وانعكاساتها، فإن هذا لن يمنع السلطات الروسية من انتهاج نفس الأسلوب تجاه المعارضة والمجتمع المدني، سواء على الأرض أو على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي ربما ستكون الهدف القادم، انطلاقًا من توجه سياسي راسخ في مؤسسة الحكم الروسية يوصي بالنظر بريبة دائمة إلى أي مطلب من مطالب الغرب، لأنه لا يمكن إلا أن يخفي وراءه قيودًا تهدف إلى عرقلة روسيا عن تحقيق مشروعها الأساسي في أن تصبح قوة إقليمية عظمى مهيمنة.