أخبار المركز
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (المكاسب المُنتظرة: حدود فاعلية رسائل الضربات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة)
  • سعيد عكاشة يكتب: (مستقبل الحرب بين إسرائيل وإيران ومأزق "مصداقية الردع")
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)

شريان الإرهاب:

مكامن القوة والضعف في مكافحة تمويل الإرهابيين

07 نوفمبر، 2015


إعداد: منى مصطفى محمد

"المال هو شريان الحياة للإرهابيين".. كانت هذه الجملة التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش"، إيذاناً ببدء أكبر حرب عالمية على تمويل الإرهاب.

وعلى الرغم من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها كافة دول العالم لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، فإن التنظيمات الإرهابية تمكنت من تأمين احتياجاتها المالية بمعزل عن النظام المصرفي العالمي، واعتماداً على الموارد الذاتية.

في هذا الإطار، يحاول "فيفيك شادها" Vivek Chadha – الباحث في معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية في نيودلهي- توضيح كيفية القضاء على تمويل الإرهاب، في كتابه الصادر في عام 2015، تحت عنوان: "شريان الحياة للإرهاب: مكافحة تمويل الإرهاب".

وتطرق الكتاب إلى تحديد مصادر تمويل الإرهاب الداخلية والخارجية، والجهود الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، مع التركيز على الحالة الهندية، مُستخدماً في ذلك تحليل Analysis) SWOT)، والذي يقوم على تقييم السياسات العامة من حيث التوازن بين مكامن القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديدات، وذلك للمقارنة بين استراتيجيات مكافحة الإرهاب المختلفة.

أبرز مصادر تمويل الإرهاب

على الرغم من كافة المحاولات لقطع الإمدادات عن الإرهابيين، لاتزال هذه الإمدادات تنهال إليهم عن طريق مصادر متعددة، داخلية وخارجية، ومن أبرزها ما يلي:ـ

1- المنظمات غير الربحية:

أجرت جامعة "جونز هوبكنز" Johns Hopkins في عام 2003 دراسة تهدف إلى مقارنة المنظمات غير الربحية في 35 دولة، منها 16 دولة من الاقتصاديات الصناعية المتقدمة، و14 دولة من الدول النامية، و5 دول أخرى تُصنف تحت بند "الاقتصاديات الانتقالية"، وذلك بناءً على معلومات تم جمعها في الفترة ما بين أعوام 1995 و1998؛ حيث خلصت الدراسة إلى أن التبرعات التي تلقتها المنظمات الإرهابية في هذه الفترة بلغت ما يعادل 1,3 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل 5,1% من إجمالي الناتج المحلي في الدول الـ 35، مما يعني أن هذا الرقم ربما يكون قد تضاعف في الوقت الحالي دون وجود رقابة فعَّالة على التبرعات في كثير من الدول.

ولم يمنع قيام كثير من الدول بإيقاف المنظمات التي يُشتبه في تمويلها للإرهاب، بأن تقوم هذه المنظمات عادة للعمل مرة أخرى دون ترخيص من الحكومة وبشكل خفي مثل "جماعة الدعوة" في باكستان. كما حظرت الولايات المتحدة كثيراً منها، لكنها عادت للظهور مرة أخرى تحت أسماء جديدة.

ويُلاحظ أن هذه التبرعات قد لا تذهب بشكل مباشر إلى الجماعات الإرهابية، فقد يذهب جزء منها لدعم المساجد والمدارس التي تبث أفكاراً متطرفة. وعلى سبيل المثال؛ أصدرت المخابرات الأمريكية تقريراً في عام 2005 يفيد بأنه تم استخدام 35 مليار دولار من الأموال المخصصة للتبرعات لبناء مساجد ومدارس تبث أفكاراً متطرفة في إقليم كشمير، وتستهدف بصفة أساسية الفئة الفقيرة من المواطنين.

2- العملات المزورة:

تُستخدم هذه الوسيلة في تمويل الإرهاب عندما يكون التمويل قادماً من دولة راعية للإرهاب، وتستهدف في نفس الوقت الإضرار باقتصاد الدولة. ويزعم الباحث أن باكستان تستخدم هذه الوسيلة مع الهند، حيث يلاحظ وجود علاقة طردية بين زيادة نشاط الإرهابيين وانتشار العملة المزورة.

وقد كشفت وحدة مكافحة التمويل الهندية أن العملات المزورة التي تم اكتشافها خلال الفترة من يناير 2011 إلى مارس 2012 قد بلغت 3,27,328 مليون روبية هندية. كذلك أكدت شرطة دبي في عام 2011 أنها قد عثرت على 10,700 عملة هندية مزورة بقيم مختلفة، فيما عثرت على 9000 عملة أمريكية مزورة.

3- المواد المخدرة:

تعد تجارة المواد المخدرة أحد المصادر الرئيسية لتربح الجماعات الإرهابية، وتكمن الصعوبة في تجفيف هذا المصدر في أنه يحتوي على العديد من العناصر المستفيدة؛ فعلى سبيل المثال قُدرت أرباح حركة طالبان من تجارة المواد المخدرة بحوالي 150 مليون دولار، وقُدرت أرباح التجار الذين قاموا بتوزيعها بحوالي 2,2 مليار دولار، فيما قُدرت أرباح المزارعين بحوالي 440 مليون دولار.

ويوضح الباحث أن ثمة علاقة طردية بين كمية المواد المخدرة التي توزعها الجماعة الإرهابية وبين قدرتها على توسيع نطاق تفجيراتها، ومن ثم إلحاق ضرر أكبر، فكلما زادت أرباحها من تجارة المخدرات، كلما استطاعت استخدام كميات أكبر من المواد المتفجرة.

4- غسيل الأموال:

يعد هذا المصدر أحد أكثر المصادر صعوبة في الكشف عنه؛ إذ عادة ما يتخذ مؤسسة مستوفية الإجراءات القانونية كواجهة له، كما أنه يتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً للكشف عنه.

وقد أوضحت مؤسسة Asia Policy Group أنه غالباً ما يتم إدخال أموال المنظمات الإرهابية في تجارة السلع المشروعة، ثم تذهب الأرباح الناتجة عنها إلى المنظمات الإرهابية مرة أخرى.

ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك تفجيرات مومباي في عام 1993، والتي ذهب ضحيتها نحو 257 شخص، فعقب هذه الحادثة تم اكتشاف أن من يمول الإرهابيين المسؤولين عن التفجير شركة تمارس أنشطة مشروعة تم إنشائها خصيصاً لهذا الغرض ولها عدة فروع في دول آسيوية مختلفة. كذلك اتجه عدد من التنظيمات الإرهابية لإجراء عمليات غسيل أموال عبر الفضاء الإلكتروني.

5- فرض الضرائب:

يشير الكاتب إلى الجماعات الإرهابية في شمال شرق الهند، والتي تفرض ضرائب على الصناعات تتراوح بين 20% إلى 25%. كما تفرض رسوماً محددة على كل شاحنة تعبر من هذه المنطقة وفقاً لحمولتها.

وتطرق الباحث إلى "المجلس الاشتراكي الوطني لناجلاند" الذي صمم نظاماً ضريبياً مشابهاً لذلك الذي تضعه الدول، وقد قسم الضرائب إلى أربعة أنواع: ضريبة الموظفين الحكوميين، وضريبة السكن، وضريبة العقود، وضريبة التبادل التجاري.

6- الجريمة المنظمة:

يعتمد الإرهابيون في تمويل عملياتهم في بعض الأحيان على الانخراط في عمليات الجريمة المنظمة مثل: تجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، والتهريب، وتجارة السلاح. ويقوم البعض منهم بعمليات سرقة بالإكراه أو سرقة بنوك ومؤسسات كبري.

وعادة ما تقوم المنظمات الإرهابية بالتعاون مع عصابات خارج حدود الدولة، وهو ما يتطلب تنسيقاً دولياً للقضاء على هذه الشبكات.

السياقات المواتية لتمويل الإرهاب   

تعتمد استراتيجيات مكافحة الإرهاب في بعض الأحيان على العمل على تجفيف منابع تمويله بشكل رئيسي، كوسيلة للقضاء على التنظيمات الإرهابية، بيد أن هذا الإجراء لا يمثل حلاً كافياً في ظل وجود العديد من العوامل القائمة في السياق العام ذاته، وتساعد على استمرار هذه التنظيمات، ومن هذه العوامل على سبيل المثال:ـ

1- انتشار الفساد:

قدَّر البنك الدولي إجمالي الخسائر بسبب الفساد بما يتراوح بين 1 تريليون دولار إلى 4 تريليون دولار، وهو ما يعادل 12% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.

ويساعد الفساد على إيجاد البيئة الملائمة لانتشار الجريمة وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ويرجع انتشار الفساد إلى عدم كفاية القوانين وصعوبة تطبيقها في بعض الأحيان.

2- القدرات الأمنية:

يجب العمل على توفير العدد الكافي من القوات الأمنية المُدربة على استخدام التكنولوجيا عالية المستوى. فعلى سبيل المثال، تشهد ولاية (أوتار براديش) الحدودية الهندية محاولات اختراق يومية من جانب جماعات إرهابية وعصابات تهريب بسبب نقص عدد قوات الشرطة الحدودية هناك.

من جانب آخر يؤدي نقص رواتب أفراد الشرطة في بعض الدول إلى منح بعضهم تسهيلات لجماعات الجريمة المنظمة في مقابل حصولهم على رشوة.

3- ضعف الإدارة المركزية:

يؤدي ضعف الإدارة المركزية إلى استقلال كل وزارة ومؤسسة حكومية بذاتها، لتعمل كأنها بمثابة جزر منعزلة، مما يؤدي إلى ضعف التنسيق الذي يعد أحد العناصر الأساسية في أي استراتيجية تهدف للقضاء على الإرهاب.

ويشير الكاتب إلى أن الهند حاولت إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب تهدف للتنسيق بين الحكومة المركزية والولايات، لكنها واجهت معارضة شديدة خشيةً من أن يمس هذا الأمر استقلالية كل ولاية.

الجهود الدولية لوقف إمدادات الإرهاب

بدأت المعركة ضد الإرهاب على الصعيد الدولي منذ عام 1934، وذلك عندما ناقشت عصبة الأمم مشروع اتفاقية لمنع ومعاقبة الإرهابيين. وكذلك وضعت الأمم المتحدة في عام 1963 اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب ضمت 14 مادة، غير أن العالم بدأ يدرك منذ عام 1999 وجود علاقة بين مصادر تمويل الإرهاب ومدى قدرة الجماعات الإرهابية على الاستمرار والبقاء والتمدد، ولذا وضعت الأمم المتحدة "الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب".

وفي هذا السياق، أصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات في مجال مكافحة الإرهاب ناقش عدداً منها قضية تمويل الإرهاب، مثل الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن رقم (1267) الخاص بتجميد أموال وممتلكات حركة طالبان، وقرار مجلس الأمن رقم (1373) الصادر في 28 سبتمبر 2001 بتجميد كافة ممتلكات الجماعات الإرهابية، مع توقيع عقوبات على المشاركين في عمليات تمويل هذه الجماعات. كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة استراتيجية لمكافحة الإرهاب في سبتمبر 2006، وقد احتوت هذه الاستراتيجية على عدة آليات لتجفيف منابع التمويل.

كما تم إنشاء "مجموعة العمل المالي الدولي"FATF  في عام 1989 من أجل تنفيذ التدابير القانونية اللازمة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وأصدرت هذه المجموعة 40 توصية في أبريل 1990 لتصبح حتى الآن الأساس التوجيهي لأي استراتيجية لمكافحة الإرهاب.

وعلى صعيد الدول، وضعت الولايات المتحدة استراتيجية لمكافحة تمويل الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، وارتكزت على عدد من المبادئ منها: تنسيق الجهود الداخلية، ودعم وبناء قدرات الأجهزة الأمنية في الدول الحليفة، وتفعيل القوانين الدولية.

وقامت الولايات المتحدة أيضاً بإعادة تنظيم مؤسساتها الأمنية رغم أن لديها العديد من القوانين المتعلقة بغسيل الأموال منذ عام 1970. وقد أدركت واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 عدم كفاية هذه القوانين؛ ومن ثم، وضعت (قانون باتريوت Patriot Act) الذي يسمح بمتابعة الحسابات البنكية، وتم زيادة المبالغ المخصصة لحماية الحدود إلى ثلاثة أضعاف، وتشديد القوانين فيما يتعلق بتزوير العملة.

وبالتزامن مع ذلك، قام الاتحاد الأوروبي بوضع استراتيجيته لمكافحة الإرهاب، والتي قامت على أربعة جوانب وهي: (الوقاية: تهدف إلى مكافحة التطرف؛ والحماية: تعني منع الهجمات الإرهابية؛ وقطع الإمدادات عن الإرهابيين؛ والرد على الهجمات الإرهابية).

ووضعت الهند استراتيجية شبيهة بتلك الاستراتيجيات، تمثلت في الآتي: (ضمان الإشراف الفعَّال على المؤسسات المالية العاملة في الهند، والمشاركة في المبادرات الدولية لمنع تمويل الإرهاب، ووضع إطار قانوني قابل للتطبيق).

إجمالاً، يُمكن القول إن قضية تجفيف منابع تمويل الإرهاب يجب أن تكون المحور الرئيسي الذي تنطلق منه أي استراتيجية لمكافحة الإرهاب، مع العمل بالتوازي على تحسين ظروف الحياة الإنسانية، وتقليل معدلات الفساد، وهو ما يساعد كثيراً في القضاء على البيئة الحاضنة للإرهاب.

* عرض مُوجز لكتاب: "شريان الحياة للإرهاب: مكافحة تمويل الإرهاب"، والصادر في عام 2015، في نيودلهي.

المصدر:

Vivek Chadha, "lifeblood of terrorism: Countering terrorism finance", (New Delhi: Bloomsbury, 2015) pp 258.