أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تطورات مهمة في غرب ليبيا

01 سبتمبر، 2020


شهد الصراع الليبي في الشهور الأخيرة تركيزاً على التطورات المتعلقة بأدوار الفاعلين الخارجيين، سواء بسبب التصعيد العسكري التركي، أو ردود الفعل العربية الحاسمة له، وما أدت إليه مع المساعي الدولية لكبح التصعيد إلى إعلان طرفي الصراع المحليين قبول وقف إطلاق النار، غير أنه اعتباراً من 23 أغسطس، بدأ في طرابلس تطور بالغ الأهمية، سرعان ما امتد إلى معظم مدن الغرب الليبي، تمثل في حراك جماهيري شارك فيه الآلاف من أبناء الشعب الليبي، احتجاجاً على التردي غير المسبوق في الأوضاع الداخلية، ورددت هذه الآلاف الشعارات ذاتها، التي سبق أن رددتها الجماهير في بلدان عربية عديدة، عن ضرورة رحيل المسؤولين، وإسقاط النظام وما إلى هذا، وكذلك جاء رد فعل حكومة السراج وميليشياتها المسلحة، كما في السابق بمواجهة المظاهرات بالرصاص والاعتقالات وسد المنافذ إلى مناطق التظاهر وتفتيش المواطنين، وصولاً إلى حظر التجول بدعوى الإجراءات الاحترازية من كورونا، وتمثل هذه الأحداث تطوراً بالغ الأهمية في الصراع الدائر في ليبيا، لأن التطورات الداخلية المتعلقة بأطراف صراع، ما تكون لها تداعيات بالغة الأهمية على مستقبله عسكرياً وسياسياً. 

وعلى الرغم من أنه من المبكر تقديم تفسير شامل ودقيق لهذا الحراك، فمن المؤكد أنه يعكس رفضاً شعبياً حقيقياً لأداء حكومة السراج، كما يبدو من قراءة الشعارات التي رفعها المتظاهرون، خاصة أن هذا الرفض ليس جديداً، فقد شهدت طرابلس في2014 مظاهرات حاشدة تأييداً للجيش الوطني، وإن كانت التحركات الشعبية الأخيرة لم تكن ذات علاقة بصراع حكومة السراج مع الجيش الوطني، وإنما انصبت على إعلان فقد الثقة في هذه الحكومة والمطالبة بإسقاطها.

ويذهب البعض إلى أن هذا الحراك يعكس صراعاً على السلطة داخل حكومة السراج، وأن وزير الداخلية الذي تم وقفه عن العمل وإحالته للتحقيق، هو من حرض على الحراك، ولا يغير هذا التفسير حتى لو كان صحيحاً من الأمر شيئاً، لأن تحريض الجماهير لا يمكن أن يأتي بنتيجة ما لم تكن مآخذها على نظام الحكم حقيقية، بل إن هذا التفسير لو صح يزيد من تقويض حكومة السراج، فهي بموجبه ليست فاقدة لرضا الجماهير فحسب، بل لجزء مهم من قاعدة قوتها أي أنها تجمع بين فقدان الشرعية السياسية (بعد أن فقدت الشرعية القانونية لانتهاء أمدها بموجب اتفاقية الصخيرات)، واهتراء قاعدة قوتها المبنية على ولاء الميليشيات، وهو ما يعزز فضح أكذوبة «الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً»، ويزيد من أهمية هذا الاستنتاج أن التطورات السابقة لا علاقة لها بالجيش الوطني، أي أنها تطورات أصيلة داخل معسكر السراج.

ومن الأهمية بمكان تحليل التداعيات المتوقعة لهكذا تطورات على الصراع الراهن، ومن المعروف سواء على الصعيد النظري أو العملي أن التطورات الداخلية، التي تطرأ على أحد أطراف صراع ما تؤثر على تطوره المستقبلي، ولنفرض مثلاً حدوث تغيير في نظام الحكم أو في قيادته، وأن النظام أو القيادة الجديدة تتبنى موقفاً متشدداً أو معتدلاً تجاه الصراع، وكذلك الأمر في حالة حدوث حركات معارضة جماهيرية واسعة أو انشقاقات داخل صفوف النظام الحاكم أو أزمات اقتصادية، تعصف به مما يسبب إضعافاً حقيقياً له، وكلها احتمالات سوف تنعكس بالتأكيد على مسار الصراع، ويتطلب استشراف تداعيات الحراك الجماهيري في الغرب الليبي على الصراع جهداً تحليلياً فائقاً، نظراً لتعقد خريطة القوى النافذة محلياً وخارجياً، مما يفسح الطريق لمزيد من التشرذم والتدخل الخارجي، قبل أن تتبلور رؤية جديدة لإدارة الصراع، ولا شك أن صمود الحراك الجماهيري وتصعيده، سوف يلعب دوراً مهماً في تكوين هذه الرؤية وبلورتها.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد.