أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تباطؤ عالمي:

لماذا تتضرر أسواق الطاقة من الحرب التجارية الأمريكية الصينية؟

27 يناير، 2019


شملت حرب التعريفات الجمركية الممتدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين منذ أشهر عديدة قائمةً كبيرةً من السلع بما فيها منتجات الطاقة، والتي فُرض عليها بشكل متبادل من الجانبين تعريفات جمركية تراوحت بين 5 إلى 25%، وهذا ما كانت له انعكاسات جوهرية تمثلت في تراجع حركة تجارة الطاقة البينية بينهما، فضلًا عن ارتفاع النفقات التشغيلية لبعض شركات الطاقة الأمريكية متأثرة في الأساس بارتفاع تكلفة الصلب المستورد، وكذلك ارتفاع تكاليف إنتاج بعض السلع النهائية، على غرار البلاستيك، والتي تعتبر البتروكيماويات مكونًا رئيسيًّا لها. لكن يبدو أن المتضررَ الأكبر من هذه الحرب البلدانُ المصدرة للنفط والغاز الطبيعي التي قد تعاني من تراجع مستويات الطلب عليهما في الأجل المنظور نتيحة التباطؤ المحتمل للاقتصاد العالمي جراء هذه الحرب.

حرب تجارية:

انتقد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشدة، منذ قدومه إلى سدة الحكم في يناير 2017، نمط المبادلات الاقتصادية القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين منذ عقود طويلة، معتبرًا إياه -حسبما صرح في أكثر من مناسبة- غير متوازن وغير عادل ولا يصب في نهاية المطاف في صالح الأمريكيين. ولا تعود رؤية الرئيس الأمريكي في هذا الشأن إلى أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح الصين وبعجز أمريكي قياسي قدره نحو 396.1 مليار دولار (2017) فحسب، وإنما يدعي "ترامب" أيضًا أن الشركات الصينية تنتهك حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية، متهمًا إياها بأنها تتجسس على نظيرتها الأمريكية لسرقة التكنولوجيا الخاصة بها.

وفي ضوء هذه المعطيات، عملت الإدارة الأمريكية منذ العام الماضي على تحجيم الحضور الاقتصادي الصيني في السوق الأمريكية عبر حزمة متنوعة من الإجراءات، لعل أشدها تأثيرًا تبني إجراءات حمائية تستهدف تقييد دخول السلع الصينية للسوق الأمريكية، وذلك عبر فرض تعريفات جمركية مرتفعة عليها، وهو ما ردت عليه الصين هي الأخرى بفرض تعريفات جمركية على الواردات الأمريكية.

وعبر جولات متبادلة من التدابير الحمائية، فرضت الولايات المتحدة في نهاية عام 2018 تعريفات جمركية بنسبة 10% على قائمة كبيرة من السلع الصينية تقدر قيمتها بـ200 مليار دولار، بالإضافة إلى تعريفات جمركية أخرى على كافة الواردات الأمريكية من الألواح الشمسية بنسبة 30%، وواردات الصلب (25%)، وواردات الألومنيوم (10%)، علمًا بأن قسمًا ليس بالقليل من السلع المستوردة السابقة يأتي من السوق الصينية. وفي المقابل، أخضعت السلطات الصينية هي الأخرى قائمة كبيرة من السلع الأمريكية تقدر قيمتها بـ110 مليارات دولار لتعريفات جمركية تتراوح ما بين 5 إلى 25%.

وبعد جهودٍ دبلوماسية وسياسية من الطرفين لاحتواء الحرب التجارية بينهما، اتفق الرئيسان الأمريكي "دونالد ترامب" ونظيره الصيني "شي بينج"، بهامش قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين في ديسمبر الماضي، على التوقف عن تصعيد هذه الحرب، وتجميد فرض أي رسوم جمركية إضافية، وذلك من أجل خلق أجواء مناسبة لكي يتمكن الطرفان من إجراء محادثات بينهما للتوصل إلى أفضل الحلول الممكنة للخلافات التجارية بينهما.

ومع هذا، لا تزال هناك حالة من الترقب والتخوف العالمي بشأن احتمالية عدم توصل الجانبين قريبًا إلى حل يحد من الحرب التجارية الدائرة بينهما، وذلك في ظل تعقيدات القضية التي تحيطها أبعاد اقتصادية وجيوسياسية أخرى تتمثل في المخاوف الأمريكية من تصاعد دور الشركات التكنولوجية الصينية في العالم، بجانب الدور الصيني المتنامي في منطقتي المحيط الهادي والشرق الأوسط. 

استهداف الطاقة:

شملت التدابير الحمائية التي اتخذتها كلٌّ من الولايات المتحدة والصين ضد الآخر على مدار الشهور الماضية، منتجات الطاقة، وذلك رغم طبيعتها الحيوية والاستراتيجية، حيث طبقت الأولى تعريفات جمركية بنسبة 10% على وارداتها من منتجات البتروكيماويات الصينية، وفي المقابل فرضت الصين تعريفات جمركية بنسبة 25% على منتجات الفحم والإسفلت الأمريكية، ورسومًا أخرى بنسبة 10% على واردات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي.

وقد يكون من السابق لأوانه تكوين تقييم نهائي حول تأثير التعريفات الجمركية على علاقات الطاقة البينية بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن ثمة مؤشرات أولية كشفت تراجع حركة تجارة منتجات الطاقة بينهما في الفترة الماضية متأثرة بهذه التدابير الحمائية. وفي هذا الصدد، وطبقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تراجعت شحنات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى الصين في أكتوبر 2018 بـ70.2% إلى 7.2 مليارات قدم مكعب مقارنة بــ24.2 مليار قدم مكعب في أكتوبر 2017، كما أن من اللافت أن الصين لم تستورد أي شحنات من الغاز المسال الأمريكي في سبتمبر الماضي.

كما أثّر التوتر التجاري القائم بين الولايات المتحدة والصين على التجارة البينية للنفط، على الرغم من عدم إدراجه في قائمة السلع الخاضعة للتعريفات الجمركية في التجارة بينهما. فطبقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تراجعت الصادرات الأمريكية من النفط الخام للسوق الصينية إلى 105.5 آلاف برميل يوميًّا في أكتوبر الماضي مقارنة بـ798.3 ألف برميل يوميًّا في أكتوبر 2017 أي بنسبة انخفاض 86.7%. فيما بلغت الصادرات الأمريكية من النفط للصين أدنى مستوى في عام 2018 خلال سبتمبر من العام نفسه عند مستوى 72.4 ألف برميل يوميًّا، وجاء ذلك بعد شهر واحد من تطبيق البلدين جولة جديدة من التعريفات الجمركية في أغسطس الماضي. 

ومن الملاحظ أيضًا أن الولايات المتحدة استوردت كميات أقل من المستويات المعتادة من النفط الصيني في الأشهر الثلاثة عشر الماضية، وبلغت أدناها خلال أكتوبر الماضي بنحو ألف برميل يوميًّا وذلك مقارنة بحوالي 22 ألف برميل يوميًّا في أكتوبر 2017 أي بنسبة انخفاض 95.5%.

صادرات الطاقة الأمريكية إلى الصين (أكتوبر 2017 - أكتوبر 2018)


 المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية 

وبناءً عليه، يمكن القول إن تجارة منتجات الطاقة بين الولايات المتحدة والصين تأثرت بشدة بسبب الحرب التجارية القائمة بين الجانبين، بيد أن ذلك لن يترك سوى أضرار تجارية أو اقتصادية محدودة لكليهما بحسب اتجاهات عديدة. فبإمكان الصين أن تستبدل شحنات النفط الخام والغاز المسال الأمريكيين بأسواق أخرى، على غرار روسيا وإفريقيا وبلدان الشرق الأوسط التي تمتلك حاليًّا فائضًا كبيرًا في معروض الخامين.

وبالمثل أيضًا، قد يكون باستطاعة الولايات المتحدة تصدير فائض الغاز المسال لديها إلى أسواق ذات صلات قوية بها ولديها طلب مرتفع على الخام أيضًا، وذلك على غرار السوق الهندية، إلا أن ذلك لا ينفي أن استمرار الحرب التجارية ضد بكين قد يحرم الولايات المتحدة من الاستفادة من الطلب الصيني المتنامي على الغاز المسال في المدى الطويل، بما قد يُقوض تنافسية المشاريع الإنتاجية الجديدة للغاز المسال في السوق الأمريكية.

وفي السياق ذاته، ربما تكون شركات النفط والغاز في السوق الأمريكية أحد الأطراف الأكثر تضررًا من الحرب التجارية القائمة بين الصين والولايات المتحدة، حسبما يؤكد مراقبو أسواق الطاقة العالمية، حيث أدى فرض التعريفات الجمركية على الصلب المستورد إلى ارتفاع تكاليف نفقاته التشغيلية بشكل لافت.

وأحد الأمثلة الجوهرية على ذلك ارتفاع تكلفة بناء خط أنابيب Cactus II (يمتد من حوض بيرميان إلى منطقة كوربوس كريستي على خليج المكسيك)، والذي تنفذه شركة Plains All American بـ40 مليون دولار بعد زيادة تكلفة الصلب المستورد. وعلى هذا النحو أيضًا، أدت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى ارتفاع الكلفة الإنتاجية للعديد من المنتجات تامة الصنع التي تعتبر مواد البتروكيماويات مكونًا رئيسيًّا فيها. 

ومن جهة أخرى، فمن الطبيعي أن ينعكس التوتر القائم بين الولايات المتحدة والصين سلبًا على التعاون الاستثماري بين البلدين في المجالات المختلفة وبما فيها الطاقة، حيث سيحد -على الأرجح- من شهية الشركات الأمريكية والصينية لشراء أصول أو الدخول في مشروعات جديدة في سوقي كل منهما.

وقد تبيّن هذا الاتجاه جليًّا بالفعل في انخفاض تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة بالسوق الأمريكية إلى 4.8 مليارات دولار في 2018، أي بانخفاض 84% عن مستواها البالغ 29 مليار دولار في عام 2017 طبقًا لتقديرات مجموعة روديوم الأمريكية المعنية بتتبع الاستثمارات المشتركة بين الولايات المتحدة والصين.

ضغوط هبوطية:

حذرت العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية مؤخرًا من أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد لا تقتصر تداعياتها على الاقتصادين الأمريكي والصيني، وإنما قد تمتد للتأثير على الاقتصاد العالمي برمته، نظرًا للتشابك الكبير بين الاقتصادات العالمية.  وفي هذا السياق، أكد صندوق النقد الدولي مؤخرًا أن الاقتصاد العالمي يميل إلى الضعف وبمعدل أسرع إلى حد ما مقارنة بالتوقعات السابقة نظرًا لعوامل عديدة، من أهمها استمرار الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تؤثر بدورها سلبًا على النشاط الصناعي والتجاري للعديد من الاقتصادات العالمية. 

وطبقًا لتوقعات الصندوق في يناير الجاري، سوف يتباطأ النمو العالمي إلى 3.5% في 2019 و3.6% في 2020، بانخفاض قدره 0.2 و0.1 نقطة مئوية عن توقعات أكتوبر الماضي. كما أن من المحتمل أن يتراجع نمو الاقتصاد الأمريكي إلى 2.5% في عام 2019 مقارنة بـ2.9% في العام الماضي. كما سينمو الاقتصاد الصيني بمعدل 6.2% في العام الجاري وأقل من 6.6% في العام الماضي.

وبطبيعة الحال، فمن المحتمل أن يؤدي تباطؤ الاقتصادات العالمية إلى تراجع مستويات الطلب على منتجات الطاقة، وخاصة النفط الخام، وبما قد يعرض أسعاره لمزيد من التراجع في الأجل المنظور وذلك دون مستوياته المتدنية البالغة 54 دولارًا للبرميل بنهاية ديسمبر الماضي، لتصبح بذلك البلدان المنتجة للنفط أكبر الخاسرين من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.