أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مرآة عاكسة:

كيف يؤثر "الماضي" في تفاعلات الشرق الأوسط عام 2019؟

12 يناير، 2019


صارت "بقايا الماضي" أحد محركات تفاعلات الإقليم في عام 2019، عبر أشكال مختلفة، مثل الدعوة إلى استعادة عضوية بعض المنظمات بعد تجميدها لسنوات، وتصنيع أزياء المباريات الرياضية في دول تصنف بأنها "معادية"، وتوجيه رسائل مقاومة عبر الأعمال الفنية والموسيقية، واندلاع احتجاجات طلابية على سياسات الحكومات القائمة، والرهان على تشبيك المصالح الاقتصادية في فترات العقوبات الدولية والحروب.

نماذج دالة:

بوجه عام، يمكن تناول أبرز المؤشرات الدالة على استمرار تأثير "الماضي" في تفاعلات الشرق الأوسط، على النحو التالي:

1- إثارة قضية "قمصان" المنتخب السوري لكرة القدم، والذي يشارك في الدورة الحالية من كأس آسيا المقامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، جدلاً واسعًا بين قطاع عريض من السوريين، على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في ظل وجود اتجاه داخل وسائل الإعلام يقول أنها صُنعت في تركيا، على الرغم من أن الأخيرة تصنف باعتبارها "دولة معادية" وفقًا لرؤية النظام السوري.

ودفع ذلك البعض إلى توجيه انتقادات باعتبار أنه في الوقت الذي تثار أخبار عن صناعة قمصان المنتخب السوري في الخارج، يتحدث الوزراء والمسئولون عن تشجيع الصناعة الوطنية خاصة في ظل ما يروجونه من وجود منتجات عالية الجودة. كما أن ثمة انتقادًا آخر، عكسته اتجاهات الجدل، يتعلق بالتصميم غير المناسب، حيث أن النسر وضع في الأسفل في حين تحرص منتخبات الدول الأخرى على إبراز رموزها بصورة لافتة.

وفي هذا السياق، قال الاتحاد السوري لكرة القدم في بيان أن "العقد المبرم مع شركة جاكو الألمانية بشأن القمصان تم وفق الأنظمة المعمول بها منذ ثلاث سنوات"، واكتفى الاتحاد بإعلان اسم الشركة التي جرى التعاقد معها، ولم يوضح ما إذا قد صنعت القمصان داخل تركيا أم لا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن موقف النظام السوري لم يتغير تجاه تركيا، لأنها كانت إحدى القوى الإقليمية الرئيسية الداعمة لإسقاطه على مدى ثمانية سنوات.

في حين برز التحول في الموقف التركي الرافض لنظام الأسد، وهو ما جاء في مداخلة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خلال منتدى الدوحة بالعاصمة القطرية في 16 ديسمبر 2018، حينما قال: "في حال جرت انتخابات ديمقراطية نزيهة وذات مصداقية في سوريا وتحت إشراف أممي وفاز بها بشار الأسد، فإنه يكون على الجميع النظر في العمل معه"، وأضاف: "ما نحاول القيام به هو صياغة دستور يكتبه السوريون بأنفسهم، ثم نعد البلاد لإجراء انتخابات، وينبغي أن تجري الانتخابات تحت رعاية الأمم المتحدة ومظلتها".  

2- تضارب الأنباء حول منع مهدي يراحي (عربي من الأحواز)، أحد أبرز النجوم الصاعدة في الموسيقى الإيرانية والمشهود له بالنقد الاجتماعي والتفاعل مع المجتمع الإيراني عبر الفن، من النشاط الفني بعد أيام من قيامه بنشر فيديو كليب لأغنية "رمية حجر" التي تدعو إلى نبذ الحرب وتعزيز السلام، وهو ما ذكرته صحيفة "اعتماد" الإيرانية عبر موقعها الإلكتروني في 2 يناير 2019.

ووفقًا لما أشارت إليه بعض المواقع الإخبارية، تنتقد الأغنية الحرب العراقية- الإيرانية، وتسلط الضوء على مشكلات تعاني منها المناطق العربية التي ينحدر منها يراحي وشهدت معارك بين الدولتين في جنوب غرب إيران. وما يؤكد على صحة رواية المنع هجوم وسائل الإعلام المحسوبة على الحرس الثوري، والتي اعتبرت الفيديو كليب بمثابة "ابتذال وهجوم على المعتقدات وقيم الحرب المقدسة".

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن يراحي نجح في إيجاد توازن بين المذاقين الخاص والعام في أعماله الموسيقية، على نحو أدى إلى اتساع رقعة مؤيديه، لا سيما بعد أعماله التي أشار فيها إلى براميل النفط الخاوية، وتلوث الطقس، وعواصف الغبار في الجنوب، وهو ما يعكس معاناة العرب في جنوب غرب إيران.

3- تدشين مرحلة جديدة من التعاون بين الأردن والعراق على المستويات المختلفة، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن تكون الأردن هى الخيار الأول للعراق للتعامل مع المعطيات الجديدة التي يمكن أن تفرضها العقوبات الأمريكية على إيران خلال المرحلة القادمة، على نحو ما كان قائمًا خلال مراحل سابقة، خاصة خلال فترة الحرب العراقية- الإيرانية.  

فقد اتفق الجانبان العراقي والأردني، في 29 ديسمبر 2018، على رفع مستوى العلاقات الثنائية، خلال زيارة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز إلى بغداد، حيث رأس وفدًا رفيع المستوى ضم وزراء الشئون البلدية والنقل والصناعة والتجارة والتموين والدولة لشئون الإعلام والطاقة والثروة المعدنية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وتكمن أهمية الزيارة الأولى لمسئول أردني بعد تولي عادل عبدالمهدي رئاسة الوزراء في العراق في أكتوبر الماضي، في أنها تعكس الاستعداد المشترك لمواجهة العقوبات الأمريكية على إيران، حيث من المتوقع استعانة العراق بالأردن لتلبية احتياجاتها من المواد المختلفة التي قد تمنع العقوبات الأمريكية استيرادها من إيران، بالتوازي مع الاتفاق على أن يكون ميناء العقبة الأردني إحدى منصات تصدير النفط العراقي في المرحلة المقبلة.

وقد أشار البيان الصادر عن جلسة المباحثات بين الجانبين إلى الاتفاق في قطاع النقل على فتح المعابر الحدودية الأردنية- العراقية (الكرامة- طريبيل) أمام حركة النقل للبدء بتسيير الرحلات للبضائع سريعة التلف في مطلع فبراير المقبل، على أن تشمل بقية أنواع السلع في مرحلة تالية. كذلك تم الاتفاق على منح التسهيلات للبضائع العراقية المستوردة عن طريق العقبة خصمًا مقداره 75 في المئة من الرسوم التي تتقاضاها سلطة العقبة الاقتصادية.

كما أعلن الطرفان عن إبرام اتفاقية بين الخطوط الجوية العراقية والخطوط الملكية الأردنية من أجل التعاون المشترك في مختلف المجالات، ومنها التعاون في الطيران والنقل الجوي. وقرر الجانبان اتخاذ القرارات المتعلقة بتخصيص الأراضي المتفق عليها على الحدود العراقية- الأردنية ليصل بعمق (2 كم) على طرفى الحدود وبطول (6 كم) للشركة الأردنية- العراقية ومنحها الاعفاءات اللازمة بهدف الإعداد للمواصفات الفنية للمنطقة الصناعية الأردنية العراقية.

4- محاولة استعادة علاقات سوريا العربية، بعد سنوات من الجفاء في أعقاب أحداث 2011، على نحو ما انعكس في اتساع نطاق الجدل حول مدى إمكانية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية من جديد. وقد ربطت اتجاهات عديدة بين هذا الجدل وبين التطورات الميدانية التي شهدها الصراع في سوريا خلال الفترة الأخيرة، حيث استعاد الجيش النظامي السوري السيطرة على ثلثى الأراضي السورية.

5- اتخاذ إجراءات تجاه تأييد بعض الفئات لممارسات أنظمة سابقة، حيث فصلت جامعة الأنبار العراقية، في نهاية ديسمبر الماضي، طبقًا لتصريحات رئيسها خالد بتال النجم، عددًا من الطلاب بشكل نهائي لمدة عام دراسي واحد بعد رفعهم رسمًا للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في كلية الزراعة خلال الذكرى السنوية لتأسيس الجامعة. وقد اعتبرت الجامعة أن "ذلك السلوك يمثل ترويجًا لا أخلاقيًا لفكر إجرامي، كان سببًا في خراب البلد وجره إلى أتون الحرب والمآسي".

ولم تتضح الصورة بشأن ما إذا كان الطلبة المعاقبون سيحاكمون استنادًا إلى بنود قانون حظر البعث المنحل، حيث يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين 5 و15 عامًا من حاول "القيام بأى نشاط سياسي أو فكري، من شأنه التشجيع أو الترويج أو التمجيد لفكر حزب البعث، أو التشجيع على الانتماء إليه".

ولم تكن هذه الحادثة هى الأولى من نوعها، إذ وقعت حوادث سابقة في محافظة كربلاء، حيث هتف المحتجون في مطلع عام 2018 بحياة صدام حسين، كنوع من الاحتجاج على أداء النخبة السياسية الحالية وسوء الأوضاع الخدمية، والتي طالت المياه والكهرباء، وهما أبرز الحقوق الأساسية للمواطن العراقي.

"ماضي" المستقبل:

خلاصة القول، إن ما تشير إليه بعض الكتابات عن تاريخ جديد للشرق الأوسط في عام 2019 ليس دقيقًا في مجمله، إذ أن أحداثًا وقعت في أعوام سابقة سوف تؤثر في تشكيل تفاعلاته، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، وطبقًا لحالات متنوعة، وربما تمتد إلى مختلف الفاعلين بداية من الدول مرورًا بالميلشيات المسلحة وانتهاءً بالأفراد، فالتاريخ الحقيقي ليس هو الماضي بقدر ما هو المستقبل الذي سوف يتكون من متغيرات مرتبطة بذكريات وإرهاصات لتحولات قديمة.