أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

حسابات متغيرة:

الدور العراقي في سوريا بعد الانسحاب الأمريكي

05 يناير، 2019


تعزز المليشيات العراقية المنضوية تحت راية "الحشد الشعبي" تواجدها على خط الحدود العراقية– السورية، وهو ما لا يمكن فصله سواء عن محاولات إيران ملء الفراغ الذي سوف ينتج عن الانسحاب الأمريكي من سوريا، أو عن رفع مستوى التنسيق بين بغداد ودمشق، حسب تقارير عديدة، والذي ستقوم من خلاله القوات العراقية بدور أكبر داخل سوريا لاستهداف مواقع تنظيم "داعش". لكن خريطة الانتشار على الحدود العراقية- السورية تطرح مؤشرات تعكس أولويات أخرى يأتي في مقدمتها مواصلة تقديم الدعم للقوات الإيرانية المقبلة على عملية محتملة للانتشار في شرق الفرات، من أجل التواجد في القطاع الجنوبي الشرقي في سوريا بعد إتمام الانسحاب الأمريكي.

تنسيق مستمر:

سعت القوى السياسية العراقية القريبة من إيران إلى استغلال الجدل الذي صاحب الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق لتوجيه انتقادات ضد الوجود الأمريكي في العراق بشكل عام، خاصة بعد التقارير التي أشارت إلى احتمال إعادة تمركز القوات التي سيتم سحبها من سوريا في مناطق مختلفة شمال العراق كمنصة لاستمرار العمليات المستقبلية ضد تنظيم "داعش"، وهو ما بدأ يتحول إلى خطوات إجرائية على الأرض بالفعل بعد تحرك القوات الأمريكية من قاعدة مدينة المالكية بريف الحسكة شمالى سوريا إلى داخل الأراضي العراقية.

وتوازى ذلك، مع إدلاء بعض قادة تلك الميليشيات بتصريحات تشير إلى أن ثمة تنسيقًا يجري مع إيران للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضها القرار الأمريكي، على غرار قيس الخزعلى زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" الذي كشف عن دور جديد ستقوم به الأخيرة في سوريا، فيما بدأت بعض المليشيات في الاحتشاد على مقربة من الحدود، خاصة باتجاه المعابر الحدودية المشتركة، في مؤشر على الاستعداد للعبور بريًا إلى الجانب الآخر، وواصلت القوات الجوية العراقية شن ضربات ضد مواقع تابعة لـ"داعش" شرق دير الزور.

واللافت في هذا السياق، أن العراق كانت حريصة أيضًا على فتح قنوات تواصل مع تركيا، بعد الخطوة الأمريكية الأخيرة، وهو ما يرتبط، دون شك، بالتنسيق الذي يبدو أنه يجري بين الأخيرة والولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع التطورات الميدانية في سوريا خلال المرحلة القادمة خاصة فيما يتعلق بالموقف من الميليشيات الكردية، فضلاً عن التفاهمات المستمرة التي تتوصل إليها مع كل من روسيا وإيران في إطار محادثات الآستانة.

دلالات متباينة:

تبدي الأطراف العراقية التي تتجه إلى انخراط إضافي على الساحة السورية أولوية لمواجهة فلول تنظيم "داعش"، حيث تكشف خرائط الانتشار والسيطرة الحالية أن ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تمكنت من السيطرة بشكل كامل على بلدة هجين، والتي كانت تمثل آخر معاقل التنظيم شرق الفرات، في حين أنهى النظام السوري نفوذ الأخير في ريف السويداء الشمالي الشرقي، على نحو أصبح معه نطاق تواجد التنظيم في كامل سوريا لا يزيد عن 1.67%، وهو ما لا تبدو معه الحاجة ماسة لتفعيل عملية إعادة انتشار بري عراقي مرة أخرى، بما يشير إلى أن ثمة أهدافًا أخرى للتحركات التي تقوم بها الميليشيات العراقية.

إذ تكشف هذه التحركات أن الانتشار الإيراني قبل الانسحاب الأمريكي يعتمد على وجود المليشيات العراقية بشكل أساسي. ومن المتصور أن العراق هو المخزون الذي تعول عليه إيران لخطة الانتشار الجديدة في شرق الفرات عقب الخطوة الأمريكية، بما يعني أن الخطاب الذي تتبناه تلك المليشيات ليس بعيدًا عن التوافق مع الحسابات والمصالح الإيرانية بغض النظر عن القرار السياسي في بغداد. 

ومن دون شك، فإن ذلك يعني أن تأثير الاعتبارات التي تعتمد عليها الأطراف العراقية لتبرير تحركاتها الأخيرة باتجاه سوريا سيتقلص تدريجيًا، وفقًا لتراجع نفوذ "داعش" على الساحة السورية. واللافت هنا، أن العديد من التقارير الدولية المتخصصة ترجح أن التنظيم سيظل له حضور في سوريا في صور مختلفة عن طبيعة تواجده السابق، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة عن مدى قدرة المليشيات العراقية على ممارسة الدور الذي تدعيه، والذي يحتاج إلى عمل استخباراتي وقوات أكثر تخصصًا في عمليات المكافحة في مرحلة "ما بعد التنظيم"، على نحو يبدو جليًا في الحالة العراقية ذاتها بعد إعلان هزيمة "داعش".

هدف محتمل:

تشير اتجاهات عديدة إلى أن الدور القادم الذي يمكن أن تمارسه تلك المليشيات سوف تحدده إيران وفقًا لأجندتها الخاصة، والتي تتركز حول مواجهات مع معارضي النظام في شرق الفرات خاصة قوات المعارضة السورية حال انتقال قواتها من إدلب على النحو الذي تم الإعلان عنه بعد الخطوة الأمريكية الأخيرة بنقل 25 ألف من تلك القوات إلى شرق الفرات. وربما تكون إزاحة الميليشيا الكردية، أو العمل على تقليص نفوذها في حال عدم التوافق مع النظام على ترتيبات ما بعد الانسحاب وفي ظل التفاهمات التركية- الإيرانية هدفًا محتملاً أيضًا.

وفي النهاية، لا يبدو أن المليشيات العراقية ستقوم بدور مختلف على الساحة السورية، وإنما ستواصل مهمتها التقليدية التي تمارسها على الساحة العراقية منذ عام 2015 في دعم الدور الإيراني، وباستخدام الذرائع ذاتها التي تبنتها في السابق، على الرغم من أنها لم تعد ذات وجاهة كافية لتبرير مواقفها، فضلاً عن أن ارتدادات هذه المواقف على الجبهة الداخلية العراقية ستكون أحد المتغيرات التي ستتحكم في طبيعة العلاقة بين حكومة بغداد وواشنطن، على خلفية موقف الأخيرة من وضع العديد من المليشيات على قائمة الإرهاب، فضلاً عن اتجاهها المحتمل نحو إعادة التمركز في العراق خلال المرحلة القادمة.