أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

بؤرة تصعيد:

دلالات الخلاف الروسي- الأمريكي حول قاعدة "التنف"

07 نوفمبر، 2018


تصاعدت حدة التباين بين روسيا والولايات المتحدة حول قاعدة "التنف" جنوبى سوريا منذ سبتمبر الماضي، ووصلت إلى ذروتها في الأيام الأخيرة، بعد تهديد موسكو بالتحرك عسكريًا في منطقة القاعدة، بالتوازي مع الاتهامات التي وجهها قادة عسكريون ودبلوماسيون روس لواشنطن بالسعى لإقامة "دويلة" شرق الفرات لحلفائها الأكراد، وهو ما دفع الأخيرة إلى اتخاذ خطوات دفاعية تجاه القاعدة، حيث عززت من تواجدها العسكري عبر زيادة عدد قواتها وبدء سلسلة من التدريبات العسكرية لحلفائها المحليين، على نحو سوف يكون له تأثير مباشر على الترتيبات السياسية والأمنية التي سوف تشهدها سوريا في المرحلة القادمة.  

عوامل عديدة

كشفت تقارير عديدة، في 9 سبتمبر الماضي، أن موسكو أبلغت ممثلي الجيش الأمريكي مرتين عبر الخط الساخن باحتمال توجيه ضربة وشيكة بواسطة الطيران الروسي للقضاء على مسلحي "داعش" المختبئين في منطقة "التنف"، وهو ما رد عليه إيرل براون المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية بقوله أن "الولايات المتحدة لا تريد قتال القوات الروسية أو السورية والجماعات الأخرى لكنها لن تتوانى عن استخدام القوة الضرورية والمناسبة لحماية القوات الأمريكية وقوات التحالف والشركاء".

 ورغم أن الاحتكاك لم يقع بين القوتين على مدار الشهرين الماضيين، إلا أن التصعيد في الخطاب الدبلوماسي والعسكري ظل مستمرًا، على نحو بدا جليًا في تبادل الاتهامات حول عرقلة وصول المساعدات إلى مخيم الركبان جنوب سوريا، الذي يواجه السوريون القاطنون فيه ظروفًا كارثية.

ويمكن تفسير استمرار التصعيد بين الطرفين في ضوء تباين مواقفهما حول العديد من الملفات التي تحظى باهتمام مشترك. إذ تسعى موسكو إلى التوسع في شرق الفرات، وهو ما بدا جليًا في تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف التي أشار فيها إلى أن "روسيا مهتمة بالوضع في شرق الفرات في إطار العملية السياسية المقبلة في سوريا"، مضيفًا أن "السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا حاجة في الضفة الشرقية لنهر الفرات، والتي يسيطر عليها الأمريكيون مع أتباعهم المحليين، إلى انتظار إطلاق العملية السياسية التي تحظى بالثقة؟. لا يمكن أن تكون إلا إجابة واحدة، ألا وهى أنهم يريدون إنشاء منطقة ستكون أساسًا لدويلة جديدة ما"، مُعيدًا التذكير بالأدوار الأمريكية في كل من العراق وليبيا، والتي لم تجلب، حسب رأيه، "الديمقراطية التي زعمت واشنطن أنها تدخلت في تلك الدول من أجلها".   

كما تبدو روسيا حريصة على استمرار دعم حلفائها في سوريا رغم التباينات العالقة حول بعض القضايا. إذ ما زالت تعتبر أن الوجود الإيراني في سوريا شرعي من خلال الاتفاقيات المشتركة التي أبرمتها إيران مع النظام السوري، وهو المبرر نفسه الذي تستند إليه إيران للرد على الدعوات التي توجهها أطراف عديدة لها بالانسحاب من سوريا.

فضلاً عن ذلك، لا تعارض موسكو التحركات الإيرانية المشتركة مع النظام في مواجهة التواجد الأمريكي وتحديدًا في التنف. ومن هنا ترى اتجاهات عديدة أن الأولى لا تصر على إبرام اتفاق مع إيران لإبعادها عن محيط القاعدة التي تشكل نقاط تماس لمثلث الحدود السورية- العراقية- الأردنية، بهدف ممارسة ضغوط على واشنطن التي تشترط خروج القوات الإيرانية لتفكيك القاعدة. 

تحركات مضادة

في مقابل ذلك، تحرص الولايات المتحدة على الترويج لحزمة من الأهداف التي ترى أنها يمكن أن تتحقق من خلال تثبيت حضورها في قاعدة التنف، على غرار ممارسة الضغوط على المتطرفين الفارين من المعارك الدائرة بوادي الفرات ومنعهم من استخدام هذه المنطقة لإعادة تنظيم صفوفهم، إلى جانب مواجهة إيران والحيلولة دون فتح الطريق لها بين العراق وسوريا.

وأضاف تقرير صادر عن وزارة الدفاع (البنتاجون)، في 6 نوفمبر الجاري، هدفًا ثالثًا، يتمثل في التأثير على نتائج الحرب السورية في عامها الثامن وتحقيق الاستقرار في مناطق شمال شرقى سوريا التي تم استردادها من "داعش". 

وبالتوازي مع ذلك، بدأت واشنطن في استعراض وجودها العسكري في شرق سوريا. إذ قام قائد عمليات الجيش الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط الجنرال جيمس فوتيل، في 23 أكتوبر الفائت، بزيارة القاعدة، التي فتحت للمرة الأولى أمام وسائل الإعلام، حيث قال أن "الوجود العسكري الأمريكي في تلك المنطقة يمثل أداة ضغط في أيدي الدبلوماسيين الأمريكيين".

ومن دون شك، فإن هذه الخطوات لا يمكن فصلها عن التصعيد المستمر بين واشنطن وطهران، خاصة في ظل إصرار الأولى على توسيع نطاق خلافاتها مع الثانية، لتشمل إلى جانب الاتفاق النووي الذي انسحبت منه، تطوير برنامجيها النووي والصاروخي وأدوارها في المنطقة. 

احتمالات مستقبلية    

يبدو أن التصعيد الحالي بين روسيا والولايات المتحدة سوف يستمر بالمستوى نفسه، على الأقل في المدى القريب، بحيث يظل في حيز الخطاب السياسي والعسكري. فعلى مدار الشهرين الماضيين لم ترصد محاولات للاحتكاك بين الطرفين. لكن من المتصور أن هذا التصعيد يظل مرشحًا للتطور في ظل مخاطر الاحتكاك التي قد تقود إلى سيناريو المواجهة، خاصة في ضوء عاملين:

 أولهما، تزايد التقارير التي تشير إلى سباق محموم بين الطرفين على بناء قواعد عسكرية، على عكس تصريحات المسئولين الأمريكيين الذين أشاروا في السابق إلى أن سحب القوات الأمريكية من سوريا هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا. 

وثانيهما، تراجع احتمالات إبرام اتفاقيات جديدة لخفض التصعيد، على غرار اتفاق درعا- الجنوب الذي توصلت إليه روسيا مع إسرائيل لإبعاد الوجود الإيراني إلى العمق السوري.

لكن في النهاية، يمكن القول إن ثمة متغيرات عديدة سوف يكون لها دور في تحديد مستوى التصعيد بين الطرفين، ينصرف أهمها إلى تأثير الحلفاء على السياسة التي يتبناها كل طرف، حيث تواجه واشنطن عقبات عديدة لتوسيع نطاق التنسيق مع ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، يتعلق أهمها بالتداعيات السلبية التي سوف يفرضها ذلك على علاقاتها مع تركيا. في حين تبدي إيران والنظام السوري شكوكًا متزايدة في إصرار موسكو على الوصول إلى تفاهمات سياسية وأمنية مع القوى الأخرى، وهو ما سيكون لها ارتدادات على مسارات الصراع السوري خلال المرحلة القادمة.