أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

توظيف سلمي:

التطبيقات التكنولوجية الأكثر انتشاراً لمساعدة متضرري الصراعات

12 سبتمبر، 2018


تصاعد النزاع المسلح بشكل كبير منذ عام 2010، ومعه تحولت العديد من مناطق العالم إلى ساحات للحروب. وفي هذا الإطار، ظهرت العديد من التطبيقات التي ساهمت في مساعدة المدنيين في التعايش اليومي في مناطق الصراعات والنزاعات، حيث تساهم هذه التطبيقات في توقع أماكن الغارات، والتحذير المسبق من الغارات، بالإضافة إلى أنها توثّق التجاوزات والانتهاكات في هذه المناطق، وتكون بديلًا يعوّض ضعف البنية التحتية بتلك المناطق، كما أنها تساعد اللاجئين الهاربين من مناطق القتال في الحصول على المساعدة الطبية وإعادة التواصل مع ذويهم المفقودين وإثبات هوياتهم.

توقع أماكن الغارات:

يدفع الواقع العنيف سكان مناطق الصراعات إلى محاولة البحث عن حلول تكنولوجية مبتكرة تساعدهم على البقاء والاستمرار وتخفيف الآثار الناتجة عن النزاعات المستمرة. ففي سوريا، يعتمد السكان على أجهزة الاتصالات اللا سلكية للتحذير من الغارات، بيد أن التحذيرات كانت تأتي متأخرة في بعض الأحيان أو بشكل غير دقيق، وهو ما دفع فريقًا من مطوري الكمبيوتر في عام 2016 إلى إيجاد نظام لجمع جهود التحذير من الغارات الجوية وتوحيدها في نظام واحد يُعرف باسم "هلا"، وهو عبارة عن تطبيق يقوم بتحذير سكان منطقةٍ ما من قدوم غارة، بحيث يوفر لهم دقائق إضافية لإيجاد ملاذ آمن قبل انطلاق الغارات تجاههم.

ويعتمد نظام "هلا" في الأساس على تقنية تعلم الآلة (Machine learning)، حيث يعتمد على استخدام الخوارزميات لتحليل البيانات، والتعلم منها، من أجل اتخاذ قرار معين أو توقع ناتج ما. ويستخدم خوارزميات التتبع ومعالجة اللغة الطبيعية (Natural Language Processing) والتعرف والمطابقة. إذ يستعين النظام بشبكة ضخمة من المدنيين (مثل: المعلمين، أو المهندسين، أو الطلاب، وحتى المزارعين)، وقد يتواجد بعضهم قرب القواعد الجوية أو المطارات العسكرية، ويراقب هؤلاء المتطوعون السماء في نوبات عمل تستغرق ثماني ساعات، وعند رؤية أي طائرة، يرسلون معلومات حول موقعها واتجاهها ونوعها من خلال تطبيق على هواتفهم، بالإضافة إلى انتشار العديد من أجهزة الرصد التي تعمل بالبطاريات على أسطح البنايات والأشجار والتي تقوم بجمع معلومات عن الطائرات التي تسير بالقرب منها وتحدد نوعها وترسلها للنظام، ثم يطابق نظام "هلا" البيانات الواردة من المتطوعين مع تلك الواردة من أجهزة الرصد لحساب فرص حدوث الغارات الجوية وتوقع أماكنها وأهدافها المحتملة. 

ويتم إرسل كل التوقعات عن الغارات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتحذير الناس. وقد ساهم نظام "هلا" في إنقاذ آلاف المدنيين من الموت أو الإصابة في الغارات التي استهدفت أحياءهم، حيث تم إرسال تحذيرات لما يقدر بحوالي 2 مليون شخص بمعدل 140 تحذيرًا في اليوم، ولكن تبقى هناك خطورة على المتطوعين الذين يبلّغون تحركات الطائرات، حيث إنهم معرضون لخطر الانتقام، أو الوقوع ضحية لضربة جوية. كما يمكن أن تتعطل أجهزة الرصد أو يمكن اكتشافها وتدميرها.

توثيق التجاوزات والعنف:

 تساعد التكنولجيا في حفظ حقوق المقيمين في مناطق الصراع، وتمكينهم من مشاركة معاناتهم مع المجتمع الدولي. ففي القارة الإفريقية التي ما تزال مسرحًا للعديد من النزاعات والصراعات، قام متحف الهولوكوست التذكاري بالولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع شركة جوجل، باستغلال تقنية التصوير بالأقمار الصناعية عالية الدقة ضمن مشروع يسمى "الأزمة في دارفور" (Crisis in Darfur) لتوثيق المجازر في إقليم دارفور غرب السودان عام 2007، وقد اعتمدت مبادرة "العيون على دارفور" (Eyes on Darfur initiative) التي أنشأتها منظمة العفو الدولية على التقنية ذاتها. 

وفي كينيا، يوثق برنامج (Ushahidi) المجاني ومفتوح المصدر عنف ما بعد الانتخابات من خلال جمع تقارير الشهود من المجتمع عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والرسائل النصية، وقد ساهم هذا البرنامج في إلهام الكثيرين بآليات مساعدة الصحافة الدولية لتوثيق ونشر القصص غير المبلغ عنها داخل مناطق النزاع باستخدام الهواتف الذكية في إنتاج تقارير صوتية ومرئية في الوقت المناسب، ومشاركة هذه التقارير مع بقية العالم عبر منصات رقمية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، أو المدونات، أو صفحات الويكي (Wiki pages).

توفير الخدمات اليومية:

يُعتبر غياب الأمن من بين التحديات الأكثر إلحاحًا بالنسبة لأفغانستان، حيث ينتشر عدد كبير من التنظيمات المسلحة في المنطقة بين أفغانستان وباكستان، مثل: "حركة طالبان"، و"شبكة حقاني"، و"داعش"، و"تنظيم القاعدة"، و"جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة". وبسبب غياب الأمن وسنوات الاقتتال المستمر تأثرت البنية التحتية والخدمات في أفغانستان بشكل عميق، وانتشر الفساد بشكل واسع، ولهذا قامت الشرطة في أفغانستان بالاعتماد على تطبيق على الهاتف المحمول يُسهِّل دفع الرواتب لضباط الشرطة إلكترونيًّا والذي طورته شركة (Roshan)، وهي إحدى شركات الاتصالات في أفغانستان، من أجل التقليل من مشكلة الرشوة. وبسبب شح النقد وخطورة التنقل به في أفغانستان تم تطوير تطبيقات تمكن المستخدمين من الشراء والبيع عبر الإنترنت بشكل آمن. وهناك تطبيقات تساعد الطلبة في التحقق من درجاتهم والتواصل مع الأساتذة في المدارس والجامعات. كما توجد تطبيقات مثل (Zood) و(Kaweyan) والتي توفر خدمات نقل بشكل آمن مشابهة في عملها لتطبيق (Uber).

ويقدر الخبراء أن الطلب على تطبيقات الهواتف الذكية التي توفر خدمات بأفغانستان كبير، لما توفره من خدمات أساسية يندر وجودها في مناطق عديدة داخل البلاد، كما أن تكلفة خدمات الاتصال في أفغانستان باهظة الثمن، وقد تتراوح تكلفة نقل 1 جيجابايت من البيانات ما بين دولار إلى 400 دولار، في حين أن باقات الهاتف المحمول عادة ما تكون أرخص ثمنًا، مما يجعلها طريقة عملية واقتصادية للوصول إلى الإنترنت، خاصة وأن معظم المواطنين لا يستطيعون شراء جهاز كمبيوتر محمول. صحيح أن الحكومة تتخوف من أن تقوم الجماعات المسلحة باستخدام هذه التطبيقات لتسهيل تواصلها ودعم تنفيذ هجماتها ضد الحكومة الأفغانية، بيد أن الحكومة لا تستطيع حجبها في ظل حاجة المواطنين الدائمة واليومية لها.

دعم اللاجئين:

لا تقتصر فوائد التكنولوجيا على من يقيمون في مناطق الصراعات، بل تمتد إلى اللاجئين الذين تركوا تلك المناطق للبحث عن حياة أفضل، فهي تساعدهم على تلبية احتياجات هامة ورئيسية، منها:

1- الدعم الطبي: غالبًا ما يحتاج اللاجئون لعناية طبية فورية، ولكنهم لا يستطيعون الحصول عليها نظرًا لظروفهم الصعبة، وقد يكون الوصول إلى المستشفى صعبًا إذا لم يكن اللاجئ يتحدث لغة البلد المضيف، أو لديه حقوق قانونية محدودة، أو موجود في مخيم بعيد. ولكن توجد حلول تساعد في تقديم المشورة الطبية اللازمة بدون تعقيدات وتتجاوز العقبات الجغرافية. فعلى سبيل المثال، قامت شركة تدعى (Zipline) بابتكار طائرة صغيرة بدون طيار يمكنها توصيل اللقاحات والأدوية والدم إلى المناطق النائية كنوع من الإسعاف الجوي، بالإضافة إلى أن لها تشخيص وعلاج بعض الأمراض، ويمكن للأطباء تقديم الطلبات عبر الرسائل النصية والتواصل معها. وقد طورت شركة (Basil Leaf Technologies) تطبيق (DxtER) الذي يعتمد على الخوارزميات لجمع وتحليل البيانات حول العلامات الحيوية للشخص وكيمياء الجسم والوظائف الحيوية لتشخيص حوالي 34 حالة صحية، وتشمل بعض هذه الحالات: مرض السكري، الرجفان الأذيني، مرض الانسداد الرئوي المزمن، زيادة عدد الكريات البيضاء، السعال الديكي، السكتة الدماغية، السل، الالتهاب الرئوي، وغيرها.

2- التواصل مع المفقودين: تعد مشكلة فقدان أحد أفراد الأسرة من المشاكل الشائعة بين اللاجئين أثناء رحلتهم، ولهذا أطلقت منظمة (Refunite) في عام 2008 تطبيقًا على الهواتف الذكية يعمل على مساعدة اللاجئين الذين فقدوا الاتصال بعائلاتهم أثناء الهروب من مناطق النزاع لإعادة الاتصال بذويهم مرة أخرى مع المحافظة على خصوصياتهم. ويعتبر من أهم تطبيقات البحث عن المفقودين، حيث يضم حوالي مليون مستخدم، ويحتوي على ست لغات، ويطلب من المستخدمين إدخال معلومات عن أنفسهم والأشخاص الذين يبحثون عنهم، ثم يسمح للمستخدمين بالتواصل مع بعضهم باستخدام الرسائل. كما أن جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر لديهما تطبيقات خاصة بهما تعتمد على التصوير واستخدام برمجيات التعرف على الوجوه (facial-recognition software) لإيجاد المفقودين.

3- تحديد هويات اللاجئين: عادة ما يفقد اللاجئون أوراقهم الثبوتية عند هروبهم من مناطق الصراع أو أثناء رحلتهم التي قد تكون محفوفة بالمخاطر إلى دول أخرى، وعند وصول اللاجئين إلى وجهتهم تواجههم مصاعب في إثبات هويتهم للدول المضيفة. ولحل تلك المشكلة تعتمد منظمات مثل مفوضية شئون اللاجئين (UNHCR) على أنظمة إدارة الهوية التي تستخدم البيانات البايومترية (Biometric Identity Management System) التي تقوم بجمع بصمات الأصابع، ومسح قزحية العين، والصور الفوتوغرافية، ليتم ربطها بسجلات المواطنة وتواريخ الميلاد ليتمكن اللاجئون من الحصول على المساعدة.

ختامًا، لم تعد استخدامات التكنولوجيا في مناطق الصراعات مقصورة على صناعة الأسلحة وتوجيه القذائف، بل إن بعض المطورين استخدموها في صناعة تطبيقات تساعد الأفراد على إدارة حياتهم اليومية في هذه المناطق المحفوفة بالمخاطر، بيد أن هذه التطبيقات قد تُستغل في بعض الأحيان من قبل بعض أفراد التنظيمات المسلحة في التواصل فيما بينهم، وقد تعتمد في بعض الأحيان على تقنيات بسيطة تجعلها عرضة للاختراق، وفي أحيان أخرى لا يتوفر الدعم المادي اللازم لاستمرارها.