أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

دروس غير معتادة:

التجربة النيجيرية في مكافحة إرهاب "بوكو حرام"

03 فبراير، 2018


عرض: سارة خليل - باحثة في العلوم السياسية

برزت جماعة "بوكو حرام" بقوة على الساحتين الإقليمية والدولية عقب قيامها باختطاف ٢٧٦ تلميذة من مدرسة ثانوية في مدينة شيبوك الواقعة شمال شرق نيجيريا في أبريل عام ٢٠١٤، حيث تحولت منذ ذلك الحين إلى تنظيم إرهابي يُشكل تهديدًا خطيرًا، وأصبح الأكثر دموية على مستوى العالم في أواخر عام ٢٠١٥، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي. لكن هذا الصعود تراجع بعدما فقدت الجماعة سيطرتها على معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها داخل نيجيريا.

وفي محاولة لاستخلاص الدروس المستفادة من مواجهة "بوكو حرام"، نشرت دورية "واشنطن كوارترلي" الفصلية في عدد شتاء ٢٠١٨، دراسة بعنوان "دروس غير معتادة من حرب غير معتادة: "بوكو حرام" والتمرد المعاصر"، للزميل بالمعهد الأمريكي للسلام "ناثالين ألين".

النشأة والتحول 

بدايةً، أشارت الدراسة إلى أن جماعة "بوكو حرام"، تأسست في بداية القرن الحادي والعشرين، وتنوع أتباعها بين أساتذة الجامعات والنخب السياسية، وأغلبهم من المناطق الحضرية الفقيرة الذين انضموا إليها من أجل التعليم والغذاء والإعانات. ولم تكن هناك مؤشرات تفيد باحتمالية اتجاه الحركة لتبني العنف في معارضتها للدولة.

وعلاوة على ذلك، دخلت الجماعة مع الدولة النيجيرية في شراكة سياسية بين عامي (٢٠٠٢-٢٠٠٩)، ولعبت دورًا حاسمًا في انتخاب "علي مودو شريف" حاكمًا لولاية بورنو في عام ٢٠٠٣، بينما وعد "شريف" بنشر الشريعة الإسلامية.

وفجأة تصدعت الشراكة القائمة، وتحولت "بوكو حرام" إلى تنظيم إرهابي منذ منتصف عام ٢٠٠٩، بسبب الصدام بين بعض أتباع الجماعة وقوات الأمن، مما دفعها إلى تهديد الدولة صراحة باللجوء إلى العنف.

وكما هو الحال مع معظم التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، فإن هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساعدت "بوكو حرام" على الصعود، وهي: ضعف مؤسسات الدولة، والدعم الخارجي، وتوافر التضاريس الجغرافية المواتية لها. كما أن عدم وجود الهياكل الأساسية الإدارية المختصة، وانعدام الفرص الاقتصادية؛ سهّل من صعود التنظيم، وضم مجندين جدد إلى صفوفه.

ولكن هناك ما هو غير معتاد، كما أوضحت الدراسة، بالنسبة لسبب تحول "بوكو حرام" إلى العنف والتطرف، والذي يرجع إلى قمع الدولة وليس ضعف الدولة، فالجيش النيجيري ليس ضعيفًا، فهو مساهم رئيسي في عمليات حفظ السلام الإقليمية، ولديه خبرة في تنفيذ العمليات، ولكنه تبنى استراتيجية غير فعالة لمواجهة الحركات السياسية والاجتماعية المعارضة للدولة، مما ساهم في صعود "بوكو حرام" بدون قصد.

ومن ناحية أخرى، وفّر الفقر بيئة خصبة لبروز الجماعة وتمردها، حيث تتمركز عملياتها في شمال شرق نيجيريا، وهي منطقة فقيرة يصل معدل الفقر فيها إلى ٧٦٪، ومعدل الأمية ٨٥٪.

محلية أم عابرة للحدود؟

تعود أصول جماعة "بوكو حرام" إلى أنها حركة محلية، وليست لها صلات مع التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، وهو ما يفسر عدم قدرة الجماعة على التوسع كثيرًا أبعد من معاقلها في ولاية بورنو والمنطقة المحيطة بها، كما أوضحت الدراسة.

وتحصل "بوكو حرام" على التمويل من مصادر محلية، ومن الضرائب، وعمليات السرقة، والابتزاز، والاختطاف. ومنذ إعلان الجماعة البيعة لتنظيم "داعش" في أبريل لعام ٢٠١٥، لا يوجد دليل يُذكر على التعاون الرسمي بينهما، بغض النظر عن ترديد الجماعة للاستراتيجية الإعلامية للتنظيم.

وتزعم الجماعة تلقي عناصرها التدريب والدعم من "حركة الشباب المجاهدين" الصومالية، وتنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، ومؤخرًا تنظيم "داعش". ومع ذلك، يجب عدم المبالغة في تأثير نفوذ التنظيمات الإرهابية الأخرى على الجماعة، كما ذكرت الدراسة.

ولفتت الدراسة إلى أن التحولات التكتيكية الأكثر وحشية التي شهدتها "بوكو حرام"، مع مرور الوقت، لم تكن بسبب أي انتماء لـ"داعش"؛ وإنما تُعزَى إلى الخيارات الاستراتيجية التي تبناها قادة الجماعة. فكل تنظيم يتبنى تكتيكات الآخر، وهذا لا يتطلب تعاونًا وثيقًا؛ وإنها يكفي التواصل عبر الأنترنت. 

وبناءً على ما سبق، لا يمكن اعتبار جماعة "بوكو حرام" مجرد فصيل تابع للتنظيمات الإرهابية، كتنظيم "القاعدة"، وتنظيم "داعش"، حيث تتفرد "بوكو حرام" عن غيرها من تلك التنظيمات بوجود شبكة تنظيمية ومبادئ تنفيذية خاصة بها.

توسعات غير مدروسة

عندما زادت الطموحات الإقليمية لـ"بوكو حرام" ازداد الصراع مع المدنيين في شمال شرق البلاد. وكانت الفترة من منتصف عام ٢٠١٤ وحتى منتصف عام ٢٠١٥ هي الأكثر دموية في تاريخ الجماعة، بمقتل ما يزيد عن ١٠ آلاف شخص، وتشريد الملايين.

ولهذا ترى الدراسة أن التوسع الإقليمي للجماعة كان بمثابة خطأ استراتيجي فادح، فالطموحات الإقليمية غير المدروسة لا تضمن استمرارية التوسعات، وبذلك أصبحت الجماعة ضعيفة استراتيجيًّا. وعندما بدأت "بوكو حرام" في توسعاتها الإقليمية بين عامي ٢٠١٤-٢٠١٥، وسيطرت على مجموعة أراضٍ في شمال شرق نيجيريا، ووسعت عملياتها في الكاميرون وتشاد والنيجر؛ فإنها اعتمدت على الأساليب القسرية كالخطف والقتل الجماعي وقطع الرؤوس والتفجيرات.

ومن الجدير بالذكر، أن تمركز عناصر الجماعة في أماكن ثابتة سهل عملية استهداف قوات الأمن النيجيرية لهم. ومع ذلك، فإنه من المرجح أن تشكل الجماعة تهديدًا إرهابيًّا خطيرًا في المستقبل المنظور لنيجيريا وجيرانها.

دروس من المواجهة 

تُشير الدراسة إلى أربعة دروس رئيسية يمكن استخلاصها من الحرب ضد جماعة "بوكو حرام"، هي على النحو التالي:

أولًا- يجب أن يتسم تعامل الدول مع الحركات الاجتماعية المنشقة سياسيًّا بضبط النفس والعدالة المحايدة، وليس بالقبضة الحديدية، حيث أدى قيام الحكومة النيجيرية بالقمع الوحشي ضد أفراد الجماعة إلى تولي عناصرها الأكثر راديكالية القيادة والتحول نحو العنف. وربما لو كانت الحكومة النيجيرية قابلت الهجمات الأولى للجماعة بالمفاوضات والاعتقالات، بدلًا من العنف العشوائي؛ فإن ذلك قد يكون سببًا في عدم تحول "بوكو حرام" إلى تنظيم إرهابي. وعلى أقل تقدير، ربما كانت قوات الأمن أكثر قدرة على احتواء الانتفاضة العنيفة لـ"بوكو حرام" من خلال استغلال انقسامات الجماعة.

ثانيًا- ضبط النفس في مواجهة السكان المدنيين والميليشيات لا يقل أهمية عن ضبط النفس في التعامل مع الجماعات المنشقة. فقد دفعت الأساليب الوحشية التي تبنتها "بوكو حرام" إلى تنظيم المدنيين ميليشيات لمحاربة الجماعة، مما ساعد الدولة على القيام بعمليات استخباراتية أكثر استهدافًا ضدها. ولعب التعاون المدني المحلي دورًا كبيرًا للمساعدة في طرد المتمردين من مايدوجوري النيجيرية والمراكز السكنية الرئيسية الأخرى.

وتحتاج الدولة وقوات الأمن -على وجه الخصوص- للتعامل بحرص مع تلك الميليشيات، خشية تحولها ضد الدولة، من أجل إعادة بناء شمال شرق نيجيريا المتصدع، والتعاون معهم لضمان عدم قدرة الجماعة على إعادة تشكيل نفسها. وحقق اللجوء للميليشيات المحلية نجاحًا على نطاق واسع في مكافحة "بوكو حرام". ونتيجة لذلك، تبحث تشاد والنيجر ودول أخرى تبني نهج مماثل.

ويلزم على الحكومة النيجيرية وضع خطط للرصد ودمج وتوظيف الشباب المنتمين لتلك الميليشيات بمجرد انتهاء النزاع، تجنبًا لقيامهم بتهديد الدولة نفسها بالعنف. وقد أعلن الرئيس النيجيري مؤخرًا أنه سيقوم بتوظيف ٢٥٠ مدنيًّا من فرقة العمل المشتركة في الجيش والشرطة النيجيرية. وينبغي ألا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل يجب على الدولة بذل المزيد لضمان حصول المقاتلين السابقين على وظائف مستقرة وإعادة إدماجهم في المجتمع.

ثالثًا- اهتمام القيادة السياسية بالأوضاع القائمة. فقبل عام ٢٠١٥، كان الرئيس النيجيري -آنذاك- "جودلاك جوناثان" غير منخرط في النزاع، ولم تكن لديه رغبة في تقديم أي توجيه استراتيجي، فضلًا عن اعترافه بتسلل الجماعة إلى حكومته، وإلى أجهزة الأمن النيجيرية. ولكنه بالرغم من ذلك، لم يتخذ أي إجراء حاسم لمعالجة الموقف، مما أتاح الفرصة لاستمرار انتشار النزاع. ولم تنخرط حكومته في النزاع، بشكل كامل، سوى مع بداية عام ٢٠١٥، خشية خسارة الانتخابات.

وعلى النقيض، فإنه منذ تولي "محمد بخاري" الرئاسة النيجيرية في إبريل ٢٠١٥ كثفت الدولة جهودها لمكافحة جماعة "بوكو حرام"، وفي مقدمتها التنسيق مع الحلفاء. ووفقًا لقاعدة بيانات العنف الاجتماعي النيجيرية، قتل نحو ٥ آلاف متمرد بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦، وتضاءل عدد القتلى والمصابين من المدنيين إلى حد كبير لأول مرة منذ عام ٢٠١٢.

ومن ناحية أخرى، فإن الادعاءات المستمرة لحكومة "بخاري" بالانتصار على "بوكو حرام" أثارت توقعات غير حقيقية بأن الهزيمة الساحقة تكاد تكون وشيكة للغاية.

رابعًا- التعاون الإقليمي لمواجهة التنظيمات الإرهابية. حيث اتخذت بعض الدول (مثل: نيجيريا، وتشاد، والكاميرون، والنيجر) إجراءات ضد توغل الجماعة في أراضيها، وأنشئوا فرقة عمل مشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) لمنع فرار عناصر "بوكو حرام" عبر حدودها التي يسهل اختراقها. 

وتتركز جهود نيجيريا وشركائها في منع عناصر الجماعة الإرهابية من الهروب عبر الحدود الدولية، والعمل على تبني الميليشيات المحلية لموقف الحكومة خلال النزاع، وتخصيص الموارد العسكرية اللازمة لإبقاء "بوكو حرام" خارج المدن. 

وقاتلت جيوشُ تلك الدول جماعة "بوكو حرام" بكفاءة مدهشة، مما ساهم في تراجع التهديد الذي كانت تشكله الجماعة، فلم تستطع الصمود أمام الجيوش الأربعة. وخلال خمسة أشهر من عام ٢٠١٥، تم طرد "بوكو حرام" من جميع الأراضي التي سيطرت عليها من قبل.

وبناءً على ذلك، ينبغي استمرار التعاون بين نيجيريا وشركائها لمنع "بوكو حرام" والتنظيمات الإرهابية الأخرى من تأسيس ملاذات آمنة لها عبر الحدود، وأيضًا لمنعها من السيطرة على أي مناطق مرة أخرى.

ودعمًا للجهود الإقليمية القائمة لمكافحة الإرهاب، يعتزم الاتحاد الإفريقي تأسيس قوة للرد السريع قوامها ٢٥ ألف شخص، والتي ربما تصبح سلاحًا هامًّا ضد التنظيمات الإرهابية في حال بدء ظهورها.

وتأسيسًا على ما سبق، فإنه من السابق لأوانه ادعاء الانتصار على "بوكو حرام". فقد قامت الجماعة بقتل ٣٠ ألف شخص، وشردت الملايين، مما جعلها أعنف تنظيم إرهابي في إفريقيا المعاصرة.

توصيات الدراسة

أوصت الدراسة بضرورة استمرار ضبط النفس، والتعاون مع السكان المحليين، واهتمام القيادة السياسية، والتعاون مع الشركاء الإقليمين والدوليين، لمنع عودة الجماعة. مشيرة لى أن هذا لا يكفي في ظل تعرض الحكومة النيجيرية لضغوط اقتصادية كبيرة بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط. 

وحتى الآن، لم تضع الحكومات النيجيرية خطة بشأن كيفية إعادة بناء الأنظمة التعليمية والبنية التحتية المحطمة، وإعادة إدماج النساء والأطفال الذين أخذتهم الجماعة كأسرى. بالإضافة إلى ضرورة استعادة وظائف الدولة التي نجحت "بوكو حرام" في تدميرها، وإصلاح الوظائف القانونية والاقتصادية والسياسية والأمنية، التي عانت من الفوضى منذ سنوات الحرب الأهلية.

وبمجرد الانتهاء من تنفيذ تلك المهام، يمكن إعلان الانتصار على "بوكو حرام"، لأن تلك الخطوات وحدها تضمن عدم صعود الجماعة مجددًا، أو أي تنظيمات إرهابية مماثلة مرة أخرى. وحتى إذا هزمت بالفعل، كما أعلن "بخاري" مرارًا؛ فإن نيجيريا ستستغرق وقتًا طويلًا لتعويض الخسائر التي تسببت فيها "بوكو حرام".

المصدر: 

Nathaniel D. F. Allen, "Unusual Lessons from an Unusual War: Boko Haram and Modern Insurgency", The Washington Quarterly, Volume 40, Issue 4 (Winter 2018), pp. 115-13.