أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تأمين السيطرة:

لماذا تصاعد الصراع الداخلي على جنوب ليبيا؟

31 مايو، 2017


تجددت الاشتباكات المسلحة في الجنوب الليبي بين "اللواء 12" التابع للجيش الوطني الليبي في الشرق بقيادة خليفة حفتر، و"القوة الثالثة" التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، والتي ينحدر غالبية تشكيلاتها من مدينة مصراتة والمكلفة بتأمين المنطقة الجنوبية، وذلك بعد أن هاجمت "القوة الثالثة" في 18 مايو الجاري (2017) قاعدة "براك الشاطئ" الجوية التي تتمركز بها قوات "اللواء 12" بهدف السيطرة على القاعدة، وطرد قوات حفتر منها. وقد أسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو 141 شخصًا بينهم مدنيون.

وأثار تجدد الاشتباكات المسلحة في الجنوب الليبي قلق العديد من القوى الإقليمية والدولية، خوفًا من أن تؤدي تلك الاشتباكات إلى تجدد الحرب الأهلية في ليبيا، وعرقلة التسوية السياسية للأزمة هناك، خاصة وأن التصعيد الأخير قد جاء بعد نحو أسبوعين من التهدئة بين القوات الموالية لحفتر والأخرى الموالية لحكومة الوفاق في منطقة الجنوب الليبي كثمار للقاء الذي جمع قائد الجيش الوطني الليبي المشير "خليفة حفتر" ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني "فايز السراج" بالعاصمة الإماراتية أبوظبي في مطلع شهر مايو 2017، وهو اللقاء الذي عَوَّل عليه كثيرون لدفع التسوية السياسية للأزمة الليبية. 

تجدد المواجهات:

جاء تجدد المواجهات المسلحة في الجنوب الليبي في 18 مايو 2017 بين القوات الموالية لحفتر ممثلة في "اللواء 12" بقيادة اللواء "محمد بن نائل"، والقوات المحسوبة على حكومة الوفاق الوطني ومدينة مصراتة في غرب ليبيا ممثلة في "القوة الثالثة" بقيادة "جمال التريكي"، بعد أن شنت الأخيرة بمساندة عددٍ من الميليشيات المسلحة والتي يأتي على رأسها ميليشيا "سرايا الدفاع عن بنغازي" هجومًا مفاجئًا على قاعدة "براك الشاطئ" الجوية بهدف السيطرة على القاعدة. 

وتتحدث تقارير عن قيام أفراد القوة الثالثة بعمليات تصفية وإعدامات وتنكيل بالجثث، وهو ما نفاه "جمال التريكي"، مبديًا استعداده لفتح تحقيق، سواء كان داخليًّا أو خارجيًّا بشأن هذه الاتهامات.

وقد برر "التريكي" هجومه المفاجئ على القاعدة بأن استطلاعات تم إجراؤها حول القاعدة أفادت بوجود تجهيزات عسكرية داخل القاعدة من أفراد وآليات وذخائر وأسلحة، ووجود خطة للهجوم على مدينة سبها وقاعدة "تمنهنت" للسيطرة عليها من قبل القوات الموالية لحفتر. 

وفي ردٍّ على هذا الهجوم، توعدت القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة حفتر برد قاسٍ. وفي رد على الهجوم، شن سلاح الجو التابع للجيش الوطني بقيادة حفتر ضربات على أماكن تتمركز بها قوات القوة الثالثة والميليشيات المتحالفة معها بقاعدة الجفرة الجوية. وتمكن اللواء 12 الموالي لحفتر في 25 مايو 2017 من السيطرة على قاعدة "تمنهنت" الجوية، التي تُعتبر من التمركزات الرئيسية للقوة الثالثة التي انسحبت باتجاه مدينة الجفرة.

إدانات داخلية وخارجية:

سارعت العديد من الجهات الداخلية والقوى الخارجية لإدانة الهجوم على قاعدة "براك الشاطئ" الجوية، على النحو التالي:

1- أدان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التصعيد العسكري في الجنوب والهجوم على القاعدة، وشكّل لجنة خاصة برئاسة وزير العدل وعضوية وزير الداخلية للتحقيق في الأحداث التي شهدتها القاعدة، وتحديد المسئولين عنها. كما أصدر المجلس قرارًا بوقف المفوض بمهام وزير الدفاع العميد "المهدي البرغثي" وقائد القوة الثالثة "جمال التريكي" عن العمل إلى حين تحديد المسئولين عن خرق الهدنة، ووقف إطلاق النار بالجنوب.

2- نفت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق الوطني أي علاقة لها بالهجوم الذي استهدف القاعدة الجوية، أو إصدار أي تعليمات بالتقدم أو الهجوم على القاعدة، مؤكدة أن تعليماتها للقوات التابعة لها في الجنوب كانت دائمة تدعو للتهدئة، محملة في الوقت ذاته مسئولية ما حدث لمن بدأ بقصف قاعدة "تمنهنت" التي تتمركز بها القوة الثالثة بالطيران والمدفعية في إشارة للقوات الموالية لحفتر.

3- أدان الأمين العام للأمم المتحدة وسفراء الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الهجوم الذي استهدف القاعدة، معبرين عن قلقهم من تقارير الإعدامات الجماعية للجنود والمدنيين التي قام بها المهاجمون، ومطالبين بتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة. كما طالبوا أطراف الأزمة الليبية بضبط النفس وتجنب أي تصعيد.

4- أدان المبعوث الأممي لدى ليبيا "مارتن كوبلر" الهجوم على القاعدة الجوية وما صاحبه من عمليات إعدام دون محاكمة، معتبرًا إياها جريمة حرب يُمكن ملاحقتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وحذّر كوبلر من أن يؤدي هذا الهجوم إلى نشوب صراع مفتوح بين طرفي الأزمة الليبية.

جذور الصراع والتنافس:

تعود المواجهات العسكرية في الجنوب الليبي بين القوات الموالية للمشير خليفة حفتر والقوات الموالية لمدينة مصراتة وحكومة الوفاق الوطني إلى أواخر العام الماضي (2016)، حينما حاول "اللواء 12" الموالي لحفتر السيطرة على "بوابة قويرة المال" المدخل الشمالي لمدينة سبها وقاعدة "تمنهنت الجوية" وقاعدة "براك الشاطئ الجوية" التي استُخدمت من قبل قوات مصراتة لنقل الأسلحة والذخائر إلى منطقة الهلال النفطي خلال المعارك ضد قوات حفتر بين عامي 2014 و2016 للسيطرة على المنطقة. ونجح اللواء 12 خلال هذه الاشتباكات في السيطرة على قاعدة "براك الشاطئ".

وقد انتهت الاشتباكات بعد تدخل عددٍ من عمداء مجالس البلديات والمجالس الاجتماعية وأعيان وحكماء منطقة الجنوب، ووساطتهم بين اللواء 12 والقوة الثالثة. 

تجددت المواجهات العسكرية في الجنوب الليبي في 20 مارس 2017 عقب إعلان القيادة العامة لقوات الجيش الليبي بقيادة حفتر إطلاق عملية "الرمال المتحركة" لتحرير منطقة الجنوب بالكامل من الميليشيات الإرهابية، في إشارة للقوة الثالثة التابعة لمدينة مصراتة، وسرايا الدفاع عن بنغازي التي تلقى دعمًا من مصراتة والمفتي الصادق الغرياني بالعاصمة طرابلس، والتي انتقلت في أواخر عام 2016 للتمركز في المنطقة الجنوبية، وذلك عقب شنها هجومًا على منطقة الهلال النفطي في مطلع شهر مارس 2017 وسيطرتها على ميناءَيْ رأس لانوف والسدرة النفطيين، قبل أن تنجح قوات حفتر في استعادتهما، وتحرك اللواء 12 الموالي لحفتر مدعومًا بقوات من الجيش الليبي وبدعم جوي للسيطرة على قاعدة "تمنهنت" الجوية، المعقل الرئيسي للقوة الثالثة.

واشتدت المواجهات العسكرية واتسع نطاقها عقب تكليف العقيد "المهدي البرغثي" المفوض بوزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني في 5 إبريل 2017 ست جهات عسكرية، منها: رئاسة الأركان العامة، وإدارة العمليات بالجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، وقاعدة طرابلس الجوية، والكلية الجوية في مصراتة، بالدفاع عن قاعدة تمنهنت الجوية، واعتراض وتدمير الطائرات المغيرة على القاعدة، وحماية أرواح أفراد الوحدات العسكرية المتمركزة بالقاعدة والمكلفين بحمايتها.

وفي 9 إبريل 2017، أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني العميد "محمد الغصري" إطلاق عملية "الأمل الموعود" بالمنطقة الجنوبية، والتي تم تغيير اسمها فيما بعد إلى "غضب الصحراء"، للسيطرة على المواقع التي تتمركز فيها القوات الموالية لحفتر وعناصر تنظيم داعش على حد وصفه، وهو ما قابله العقيد "أحمد المسماري" (المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي في الشرق) بإعلان انطلاق العمليات العسكرية البرية الفعلية للسيطرة على قاعدة تمنهنت الجوية بمشاركة القوات الجوية.

كما يحمل الصراع المسلح في الجنوب الليبي أيضًا أبعادًا قبلية، حيث يقاتل أبناء قبائل "القذاذفة" و"التبو" و"المقارحة" بجانب الجيش الليبي بقيادة حفتر، في حين يقاتل أبناء قبائل "أولاد سليمان" و"الطوارق" بجانب القوة الثالثة التابعة لمدينة مصراتة. فضلا عن الصراع التقليدي بين هذه القبائل حول منافذ التهريب عبر حدود ليبيا الجنوبية مع كلٍّ من تشاد والنيجر والجزائر.

دوافع الصراع:

تتلخص دوافع طرفي الصراع داخل ليبيا (القوات الموالية لحفتر، والأخرى التابعة لمدينة مصراتة والمحسوبة على حكومة الوفاق الوطني) في السيطرة على منطقة الجنوب الليبي في: 

1- رغبة طرفي الصراع الليبي في السيطرة على مزيد من الأرض، واستخدامها كورقة ضغط في المفاوضات الجارية لتسوية الأزمة الليبية للحصول على مزيد من التنازلات، سواء من الطرف الآخر في الصراع أو من قبل القوى الإقليمية والدولية التي تتوسط لحل الأزمة الليبية.

2- إدراك طرفي الصراع الليبي للأهمية الاستراتيجية لمنطقة الجنوب الليبي بالنسبة للمناطق الواقعة تحت سيطرتهما، وذلك على النحو التالي:

‌أ-  تعد السيطرة على منطقة الجنوب الليبي بالنسبة لقوات الجيش الليبي بقيادة حفتر المتمركزة في المنطقة الشرقية والمسيطرة على منطقة الهلال النفطي أمرًا هامًّا لتأمين مناطق تمركزها، خاصة في منطقة الهلال النفطي، للحيلولة دون شن القوات الموالية لمصراتة وسرايا الدفاع عن بنغازي هجمات جديدة ضد منطقة الهلال النفطي لاستعادتها، خاصة وأن الهجوم الأخير على منطقة الهلال النفطي جاء انطلاقًا من الجنوب وبدعم من القوات المتمركزة في قاعدتي "براك الشاطئ" و"تمنهنت". 

هذا بالإضافة إلى رغبة حفتر في السيطرة على قاعدة "تمنهنت" الجوية بعد سيطرته على قاعدة "براك الشاطئ" بما يتيح لطائراته وقواته التمركز في هذه القواعد، واستخدامها في أي عمليات عسكرية مستقبلية تجاه العاصمة طرابلس.

‌ب- وعلى الجانب الآخر، ترغب مدينة مصراتة والميليشيات المتحالفة معها بالعاصمة طرابلس وحكومة الوفاق الوطني في تعزيز نفوذها وسيطرتها على الجنوب لتأمين العاصمة طرابلس من أية هجمات محتملة لقوات حفتر، خاصة وأن العقيد "المسماري" (المتحدث باسم قوات حفتر) هدد أكثر من مرة باجتياح طرابلس، فضلاً عن تمكن قوات مصراتة والميليشيات المتحالفة معها من تطويق قوات حفتر المتواجدة بمنطقة الهلال النفطي من الجنوب من خلال سيطرتها على المنطقة الجنوبية بجانب الغرب، حيث تتمركز قوات "البنيان المرصوص" الموالية لحكومة الوفاق الوطني في شرق مدينة سرت منذ تحريرها من تنظيم داعش.

مستقبل المواجهات العسكرية:

يشكل تجدد المواجهات المسلحة في جنوب ليبيا بين القوات الموالية لحفتر والأخرى التابعة لمدينة مصراتة والمحسوبة على حكومة الوفاق الوطني، تقويضًا لمخرجات اللقاء الذي جمع حفتر برئيس حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الإماراتية أبوظبي في مطلع شهر مايو 2017، والذي تم خلاله الاتفاق على تهدئة الأوضاع في جنوب ليبيا، ومكافحة الإرهاب، وإدخال تعديلات على الاتفاق الليبي لدفع التسوية السياسية للأزمة الليبية.

ويُشير نفي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني علمه بهجوم القوة الثالثة على قاعدة "براك الشاطئ"، أو توجيه أمر لها بشن هذا الهجوم؛ إلى وجود قوى إسلامية بالغرب الليبي رافضة لحفتر تسعى إلى عرقلة أي تفاهمات محتملة بين السراج وحفتر قد تشرك الأخير في الحكم، خاصة عقب تصريح وزير الخارجية في حكومة الوفاق الوطني "محمد سيالة" بأن حفتر هو القائد العام للجيش الليبي، وهو ما قوبل بانتقادات من قبل التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية التي طالبت بإقالة سيالة من منصبه.

ولذا، من المرجح استمرار الاشتباكات المتقطعة والقصف المتبادل بين قوات حفتر والكتائب التابعة لمدينة مصراتة بالجنوب الليبي، مع نجاح الضغوط الإقليمية والدولية على طرفي الأزمة الليبية للحيلولة دون تطور المواجهات العسكرية بين الجانبين إلى حرب أهلية شاملة، وذلك بما يحفظ نوعًا من توازن القوى بين طرفي الأزمة الليبية ينعكس إيجابًا على جهود التسوية السياسية للأزمة.

وخلاصة القول، تكمن خطورة التصعيد العسكري في الجنوب الليبي في أنه يأتي بين أكبر قوتين عسكريتين متواجدتين على الساحة الليبية، هما: الجيش الليبي في الشرق بقيادة حفتر، والكتائب العسكرية لمدينة مصراتة، وهو ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية شاملة بين المنطقتين الشرقية والغربية للسيطرة على الجنوب الليبي، على غرار تلك التي شهدتها ليبيا في عام 2014 للسيطرة على العاصمة طرابلس.