أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تعزيز النفوذ:

دوافع تركيا لإعادة فتح سفارتها في ليبيا

12 فبراير، 2017


أعادت تركيا فتح سفارتها بالعاصمة الليبية (طرابلس) في 30 يناير 2017 بعد ثلاث سنوات من إغلاقها في عام 2014 بسبب تدهور الأوضاع الأمنية نتيجة اندلاع الحرب الأهلية بين الشرق الليبي (عملية الكرامة) والغرب الليبي (تحالف فجر ليبيا). وعن إعادة فتح سفارة بلاده في طرابلس، صرح وزير الخارجية التركي "مولود تشاويش أوغلو" أن ذلك يأتي في إطار مساهمة أنقرة في إحلال السلم والاستقرار في ليبيا، ومشاركتها في عملية إعادة الإعمار. وبالتزامن مع ذلك، قدمت وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" التابعة للحكومة التركية ستة أطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية المختلفة إلى المستشفى المركزي في مصراتة غربي ليبيا.

تأتي تلك الخطوات في إطار ثوابت السياسة التركية تجاه الأزمة الليبية التي تقوم على دعم الإسلاميين في الغرب الليبي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التي تلقى دعمًا من التيار الإسلامي في ليبيا ومعارضة من قبل قوى الشرق الليبي، فضلا عن رغبة أنقرة في تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية في ليبيا، وهو ما سيلي تفصيله.

مرتكزات السياسة التركية 

يأتي إعادة فتح تركيا لسفارتها في العاصمة الليبية (طرابلس) في إطار سياساتها الداعمة للاتفاق السياسي الليبي الموقع عليه بمدينة "الصخيرات" المغربية في ديسمبر 2015 وللمؤسسات المنبثقة عنه، والتي يأتي على رأسها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة "فايز السراج" والمجلس الأعلى للدولة ( جهاز استشاري) المهيمن عليه من قبل الإسلاميين، حيث يتكون من أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته. بالإضافة إلى الدعم التركي للإسلاميين في الغرب الليبي بصفة عامة والمسيطرين على العاصمة طرابلس؛ حيث تطالب أنقرة بضرورة إشراكهم في العملية السياسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بين الإسلاميين في الغرب الليبي والتيارات المدنية في الشرق، وهو ما يفترض أن يحققه الاتفاق السياسي الليبي.

ورغم إغلاق السفارة التركية بالعاصمة طرابلس في عام 2014 فإن القنصلية التركية في مدينة مصراتة، أكبر داعم للتيار الإسلامي في ليبيا، استمرت في ممارسة عملها دون انقطاع، كما قام وزير الخارجية التركي بزيارة العاصمة طرابلس في مايو 2016 بعد شهرين من نجاح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في دخول العاصمة طرابلس، والتقى الوزير خلال الزيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "فايز السراج" وذلك كنوع من تقديم الدعم للحكومة التي يشارك فيها الإسلاميون.

ومنذ سقوط نظام "معمر القذافي" في عام 2011، تُقدم تركيا دعمًا لتيار الإسلام السياسي في ليبيا الممثل بالأساس في "حزب العدالة والبناء" (الذراع السياسية لتنظيم جماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا)، ولمدينة مصراتة أكبر داعم للإسلاميين بالغرب الليبي. كما تقدم أنقرة دعمًا لتحالف "فجر ليبيا" في مواجهة "عملية الكرامة" بقيادة "خليفة حفتر"، وهو ما تسبب في توتر علاقاتها مع الشرق الليبي، حيث وجه قائد الجيش الليبي في الشرق "خليفة حفتر" ورئيس حكومة الشرق الليبي "عبدالله الثني" اتهامات لتركيا بدعم "الإرهاب" في ليبيا، وأصدر "الثني" قرارًا بإيقاف التعامل مع كافة الشركات التركية في ليبيا ردًّا على سياساتها الداعمة لتحالف "فجر ليبيا".

دوافع إعادة فتح السفارة

تستهدف تركيا من تحركاتها الأخيرة في ليبيا وإعادة فتح سفارتها في العاصمة طرابلس تحقيق مجموعة من الأهداف يتمثل أهمها فيما يلي:

1- مواكبة تركيا للتحركات الإقليمية والدولية المكثفة تجاه ليبيا في الفترة الأخيرة، والحد من تداعياتها السلبية المحتملة على النفوذ التركي فيها، وذلك في ظل الحديث عن إدخال تعديلات على الاتفاق السياسي الليبي تشمل تركيبة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني وقيادة الجيش الليبي، وإشراك قائد الجيش الليبي "خليفة حفتر" في السلطة، لدفع الحل السياسي للأزمة الليبية، ومنع تجدد الحرب الأهلية في ليبيا بين الشرق والغرب، وذلك بعد مرور أكثر من عام على توقيع الاتفاق السياسي الليبي في ديسمبر 2015 دون تنفيذه على أرض الواقع أو نجاحه في إنهاء الأزمة الليبية.

وهو ما أثار قلق تركيا من إمكانية إدخال تعديلات أو الوصول إلى تفاهمات قد تُقلص من نفوذ التيار الإسلامي الذي تدعمه تركيا في الحكم، بما ينعكس سلبًا على نفوذها في ليبيا، خاصةً أن هذه التحركات الإقليمية والدولية تركزت بالأساس على قوى الشرق الليبي المناهضة لتيار الإسلام السياسي الذي تدعمه تركيا، ومحاولة إقناعها بدعم الاتفاق السياسي مقابل منحها مزيدًا من السلطات والصلاحيات. فمنذ شهر نوفمبر 2016 وحتى يناير 2017 قام كل من رئيس مجلس النواب الليبي في الشرق "عقيلة صالح" وقائد الجيش الليبي المشير "خليفه حفتر" بزيارات إلى الجزائر وروسيا ومصر بناء على دعوات من تلك الدول لبحث دفع الحل السياسي في ليبيا. 

2- سعي تركيا لاستغلال الحراك الروسي المكثف تجاه الأزمة الليبية منذ أواخر العام الماضي، ورغبة موسكو في لعب دور محوري في التسوية السياسية للأزمة الليبية بما يعزز نفوذها في ليبيا ومنطقة شمال إفريقيا بصفة عامة، لاستنساخ تجربة التنسيق التركي الروسي في الأزمة السورية وتطبيقها في ليبيا، بحيث تعبر أنقرة عن مصالح الغرب الليبي وتيارات الإسلام السياسي التي تدعمها مقابل تمثيل موسكو لقوى الشرق الليبي وعلى رأسها المشير "خليفة حفتر"، حيث استقبلت روسيا "حفتر" في 27 نوفمبر 2016 ورئيس مجلس النواب الليبي "عقيلة صالح" في 14 ديسمبر 2016، ثم زيارة حفتر لحاملة الطائرات الروسية بالبحر المتوسط "الأميرال كوزنيتسوف" في 11 يناير 2017 وإجراؤه مباحثات مع وزير الدفاع الروسي، وهو ما أثار قلق تركيا من احتمالية انحياز روسيا للشرق الليبي في مواجهة الإسلاميين بالغرب الليبي الذين تدعمهم تركيا، خاصة أن روسيا تنظر إلى "حفتر" باعتباره أحد العناصر الأساسية لمكافحة الإرهاب في ليبيا.

3- رغبة تركيا في الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا، خاصة بعد تحرير مدينة سرت من تنظيم "داعش" في ديسمبر 2016، بما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد التركي الذي يُعاني منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو 2016، وذلك من خلال الدفع بشركات المقاولات التركية للعمل في ليبيا، فضلا عن تعويض الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها تركيا في ليبيا بعد سقوط نظام "القذافي"، سواء بسبب تدهور الأوضاع الأمنية أو بسبب قرار حكومة الشرق الليبي بإيقاف التعامل مع الشركات التركية بسبب دعم تركيا للإسلاميين في الغرب. ومن الجدير بالذكر أن الاستثمارات التركية في ليبيا بقطاع التشييد خلال عهد "القذافي" بلغت قيمتها 15 مليار دولار، وكانت أحد الأسباب الرئيسية لتأخر تأييد تركيا للثورة الليبية.

مستقبل التحركات التركية

في إطار حالة الزخم الإقليمي والدولي وتعدد المبادرات والوساطات الإقليمية والدولية لدفع الحل السياسي في ليبيا، من المرجح أن تتخذ الحكومة التركية عدة مسارات للتعامل مع الأزمة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في ليبيا على النحو التالي:

1- تكثيف تركيا لتحركاتها تجاه دول الجوار الليبي، خاصة الجزائر وتونس اللتين تقومان بجهود مكثفة لدفع الحل السياسي في ليبيا، حيث تتطابق وجهتا نظرهما بشأن حل الأزمة الليبية مع وجهة النظر التركية، خاصة فيما يتعلق بضرورة إشراك الإسلاميين في الحكم، وهو ما سيمكن أنقرة من خلق جبهة إقليمية في مواجهة الجبهة التي تقودها مصر الرافضة لإشراك تيارات الإسلام السياسي في الحكم، خاصة في ظل المساعي التونسية لعقد قمة رئاسية ثلاثية تضم مصر وتونس والجزائر لبحث حل الأزمة الليبية. 

2- محاولة تركيا إيجاد آلية تنسيقية مع روسيا في الأزمة الليبية، تُمكّن الطرفين من الوصول إلى أرضية مشتركة في ليبيا بشأن التنظيمات الإرهابية التي يجب محاربتها وفصلها عن التنظيمات الإسلامية التي يمكن إشراكها في الحكم، وذلك بما يحول دون الانحياز الروسي الكامل للتيارات المدنية في الشرق الليبي والجيش الليبي بقيادة "حفتر"، واستبعاد أو تقليص دور الإسلاميين في الحكم، وهو ما سيشكل في هذه الحالة ضربة للتنظيمات الإسلامية التي تدعمها تركيا في ليبيا، ومن ثم تقليص دور تركيا ونفوذها في ليبيا.

ختامًا، إن تحركات تركيا في ليبيا، وإعادة فتح سفارتها بالعاصمة طرابلس، تستهدف بالأساس تنشيط دورها في ليبيا، والانخراط في التحركات الإقليمية والدولية المكثفة الهادفة لدفع الحل السياسي في ليبيا، بما يحول دون تجاهلها أو استبعادها من المشاركة في رسم مستقبل ليبيا، أو تبني حلول لا تتفق بالضرورة مع المصالح التركية هناك، كتقليص نفوذ حلفائها من الإسلاميين في الحكم، وذلك بما يضمن في النهاية نفوذ أنقرة ومصالحها في ليبيا، والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.