أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

العرب والتجربة الصينية

14 يوليو، 2018


يحفل هذان الأسبوعان اللذان بدآ باجتماع منتدى التعاون العربي الصيني بوقائع لافتة من الجانبين. فعلى الجانب العربي اجتمع مجلس الجامعة العربية للمناسبة، وذهب أمينها العام إلى الصين. بيد أنّ أبرز وقائع الاحتفاء العربي كان ذهاب الشيخ الصباح أمير دولة الكويت، صاحب النظر البعيد والهمة العالية، إلى الصين، حيث ترأس الوفود العربية، وعقد اتفاقيات كبيرة مع الصينيين تجعل التعاون استراتيجياً وليس بين الكويت والصين وحسْب، بل بين الصين والعرب جميعاً. وإلى هذا وذاك، فإنّ الإعلام العربي ما احتفى في الأعوام الأخيرة، الفاجعة، بحدثٍ كما احتفى بالحدث الصيني العربي والذي يوشك أن يتحول إلى حدثٍ تاريخي. فالتعبير الذي صار سائداً هذه الأيام هو تعبير الشراكة الإستراتيجية بين الصين والعرب، وبخاصةٍ عرب الخليج والمشرق.

ومع ذلك فإنّ المبادرة جاءت من جانب الصينيين؛ فهم لم يكتفوا بالتركيز على الموقع العربي المتميز على خريطة الحزام والطريق التي أطلقوها عام 2013، وما تزال موجاتها تتصاعد عبر آسيا وأفريقيا، بل تبادلوا الزيارات والاتفاقيات مع معظم الدول العربية، فزار الصين القادة العرب الكبار وأعلنوا عن نوايا وإطارات للتعاون، وشجعوا على مضاعفة التبادل عشر مرات خلال عقدٍ واحد.

هناك اندفاعةٌ صينيةٌ جديدةٌ باتجاه العرب ظهرت في اجتماع منتدى التعاون الذي افتتح اجتماعه الرئيس الصيني تشي جنبنغ شخصياً واقفاً إلى جانب أمير دولة الكويت، ومعلناً عن مواقف كبيرة بالفعل، ليس بالمعنى الاقتصادي فقط، بل وبالمعنى السياسي والاستراتيجي أيضاً. فقد قال إنّ الصين ستنفق زهاء عشرين مليار دولار في العالم العربي خلال السنوات العشر القادمة، منها مائة مليون لمساعدة السلطة الفلسطينية. كما أعلن عن دعم الصين وعملها في المجال الدولي على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وقال إنّ هذا الموقف ليس جديداً على الصين، وإن الصداقة الصينية العربية عمرها عشرات القرون، وقد تجددت وازدهرت خلال حركة التحرر من الاستعمار في خمسينيات القرن العشرين، وتبلغ ذروتها الآن في الحراك الصيني ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، أي «طريق الحرير» الذي يشمل قديماً بحر الصين والمحيط الهندي وسواحلهما بشرق آسيا وغربها، وسهوب تركستان وآسيا الوسطى والهضبة الإيرانية، وسواحل الجزيرة العربية ودواخلها.

وكانت الصين في العقود الثلاثة الأولى لنهوضها العظيم قد ركّزت على اقتباس التكنولوجيا من الغرب. وفي مطالع القرن الحادي والعشرين صارت الاقتصاد الثاني في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. وكانت تجربتها رائدةً في مجال التنمية الداخلية والانفتاح الاقتصادي، لكنها تفتقر للطاقة بالنظر لاحتياجاتها الهائلة الناجمة عن التطور والنمو المتسارع. لذا كان تركيزها تجاه دول آسيا وأفريقيا على خلق أسواق لِسِلَعها، وعلى الامتداد إلى مواطن وجود الطاقة والمواد الأولية أُخرى في أفريقيا تحديداً. وكان إغراؤها للاقتصادات الصغيرة والوسطى النامية، بوساطة الدخول في مشروعات البنى التحتية. ثم عندما تطور اقتصادها وصناعاتها الدقيقة، صارت تتعامل مع دول العالم الثالث من خلال الصناديق والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية.

وفي عام 2013 أطلقت الصين مبادرة «الحزام والطريق» لتكون خطاً تنموياً ثالثاً تتزعمه وحدها إلى جانب الخط التنموي الأميركي والآخر الأوروبي. الحزام هو الحزام الجغرافي للتقدم الذي صنعته، والطريق هو طريق الحرير القديم معاداً تكوينه هذه المرة على مساحةٍ أوسع بحيث يشمل القارتين وجوارهما البحري والبري، وبحيث يعود الصعود الأسيوي، ويصبح مستقبل العالم في أفريقيا التي تعيد الصين هندستها لتصبح جزءاً من عالمها.

صحيحٌ أنّ الشراكة الصينية المعروضة اختيارية، لكن كيف سينجو من تأثيراتها الذين يبقون خارجها، حتى اليابان والهند؟ بل إن روسيا تراودها فكرة الدخول أو التحالف على الأقل، فيما سارع آخرون بالجوار إلى الانضمام. فطريقٌ للتجارة والحضارة والسلام والتقدم شديد الإغراء، ولا تحول دونه إلاّ المخاوف من جانب من تعودوا على السطوتين الأوروبية والأميركية.

وتبقى التجربة الصينية فريدة ومغرية بالتعاون والتحالف والتقارب.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد