أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تطويق باخموت:

خيارات روسيا وأوكرانيا في ظل تلويح الكرملين بالحرب والسلام

20 يناير، 2023


تمكن الجيش الروسي بمشاركة من قوات جمهورية دونيتسك، ومجموعات فاجنر والقوات الشيشانية الخاصة "أخمات" من السيطرة بالكامل على مدينة سوليدار، الواقعة في إقليم دونيتسك، في 12 يناير 2023، وذلك بعدما تمكنت الوحدات الروسية المحمولة جواً من إغلاق مداخل مدينة سوليدار من الشمال والجنوب، وذلك بالتوازي مع تمكن روسيا من تحقيق تقدم ميداني في باخموت، وهما المدينتان اللتان يفتحان الباب أمام سيطرة روسيا على كامل إقليم دونيتسك. 

السيطرة على سوليدار:

يعكس اتجاه روسيا لإحكام سيطرتها على مدينة سوليدار عدداً من الدلالات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- التمهيد لاقتحام بخموت: تقع سوليدار على بعد 15 كيلومتراً من باخموت، والتي يسميها الروس "أرتيموفسك"، والتي تعد مركزاً لوجستياً رئيسياً، كما تقع سوليدار في وسط خط الدفاع الممتد من باخموت وحتى سيفيرسك، ومن ثم، فإن السيطرة على سوليدار سوف تمكن القوات الروسية من وضع قواتها المدفعية في مواقع جديدة، وزيادة الضغط على خطوط الإمداد الأوكرانية المؤدية إلى مدينة باخموت، وذلك لأن التلال المرتفعة في سوليدار تكشف كل خطوط الإمداد والاتصال بين كييف وباخموت.

2- فتح الباب أمام تحرير دونيتسك: يلاحظ أن تمكن روسيا من السيطرة على باخموت، وهي مركز نقل استراتيجي مهم لتزويد القوات الأوكرانية المنتشرة في دونيتسك، سوف يعني قطع خطوط الإمداد للقوات الأوكرانية هناك، بما يفتح الباب أمام تقدم أسرع للقوات الروسية للسيطرة على باقي مدن إقليم دونيتسك، والتي ما زالت تسيطر عليها كييف، مثل سلافيانسك وكراماتورسك.

وسوف يؤكد ذلك نجاح التخطيط العسكري الروسي، والذي قام على الانسحاب من الجزء الغربي من خيرسون، وذلك لنقل القوات الروسية المنتشرة هناك إلى إقليم دونيتسك، وذلك حتى تتمكن موسكو من تحقيق أحد أهم أهداف الحرب المعلنة من جانب موسكو، وهو تحرير دونيتسك بشكل كامل، والتي كانت موسكو تسيطر على حوالي نصف مساحتها فقط. 

3- تأكيد قدرة روسيا على تحقيق انتصارات عسكرية: يلاحظ أن الانتصار في سوليدار وباخموت سوف يعني نجاح موسكو في تحقيق انتصار عسكري على أوكرانيا، وذلك بعد خسارة موسكو بعض مناطق سيطرتها في خاركيف وخيرسون، وهو ما يعني أن أوكرانيا، وعلى الرغم من الدعم الغربي، خسرت أراضي إضافية أمام روسيا. 

ويعني ذلك أن التصور الأوكراني – الأمريكي للسلام مع روسيا، والقائم على انسحابها من كامل الأراضي الأوكرانية بات درباً من الخيال، وهو ما يفتح الباب أمام تسوية جديدة، قائمة على التسليم بضم روسيا أراضي أوكرانية، أو الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكرياً في مواجهة روسيا، ومواصلة إمدادها بأسلحة بما يعنيه ذلك من استمرار مخاطر تصعيد الحرب إلى مستوى الحرب النووية، فضلاً عن إنهاك الأطراف المتورطة كافة في الحرب، بما في ذلك الدول الغربية. 

خيارات أوكرانيا والغرب: 

تتمثل خيارات أوكرانيا في الرد على الهزيمة المحتملة في سوليدار وباخموت في التالي:

1- إنكار الهزيمة: تعهد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، في 12 يناير 2023، بتوفير ما يلزم من دعم لقواته التي تقاتل في سوليدار وباخموت، في مؤشر على استمرار سيطرة الجيش الأوكراني على المدينتين، وذلك على الرغم من أن تقييم معهد دراسة الحرب الأمريكي أكد، في اليوم نفسه، أن روسيا باتت تسيطر على المدينة بشكل كامل، وأن الجيش الأوكراني لم يعد يحتفظ بمقاومة منظمة داخلها، وأن زيلنسكي ربما يقصد بتصريحاته السابقة تنظيم خط دفاعي جديد خارج المدينة، وليس داخلها. 

2- تقديم أسلحة إضافية: سارعت الدول الغربية للإعلان عن إمداد أوكرانيا بأسلحة جديدة بالتزامن مع انتكاسة سوليدار وقبلها. فبعد إعلان واشنطن إمداد أوكرانيا بنظام باتريوت للدفاع الجوي وحوالي 50 مركبة مشاة قتالية من طراز "برادلي"، أعلنت فرنسا وألمانيا كذلك إمداد أوكرانيا بمدرعات خفيفة، كما أعلنت باريس أنها سوف تبدأ في إمداد أوكرانيا بها بعد شهرين. 

وفي المقابل، تطالب كييف بالحصول على دبابات "ليوبارد 2" الألمانية، وهي دبابة قتال رئيسية. وأبدت بولندا استعدادها لإمداد الجيش الأوكراني بحوالي 14 دبابة من هذا النوع في حالة وافقت ألمانيا، الدولة المصنعة لهذه الدبابات على ذلك، في محاولة لتصعيد الضغوط على برلين للموافقة على ذلك، على الرغم مما يحمله ذلك من مخاطر التصعيد مع موسكو. 

خيارات روسيا:

تستمر روسيا في مواصلة عملياتها العسكرية في دونيتسك، وذلك استكمالاً للتقدم العسكري المحدود الذي أحرزته هناك منذ انسحاب قواتها من خيرسون. ويبدو من الخطوات الروسية أنها تستعد للتصعيد، وذلك للرد على التصعيد الغربي في أوكرانيا، ولتحقيق أهداف عملياتها العسكرية المعلنة، ويمكن تفصيل ذلك في التالي: 

1- تغيير قيادة العمليات الأوكرانية: أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 11 ديسمبر 2022، تعيين رئيس أركان القوات المسلحة، الجنرال فاليري جيراسيموف، قائداً لمجموعة القوات المشتركة" المنتشرة في أوكرانيا، بديلاً عن سيرغي سوروفيكين الذي تولى المنصب في نوفمبر 2022، حيث بات الأخير إلى جانب قائد الجيش، أوليج ساليوكوف، ونائب رئيس هيئة الأركان العامة، العقيد أليكسي كيم، نواباً لجيراسيموف. 

وفي حين اعتبرت أوكرانيا أن مثل هذا التغيير "يُظهر أن الحرب لا تسير وفق خطة موسكو"، ورأت الولايات المتحدة أن ذلك يعني أن الجيش الروسي لايزال يواجه "بعض التحديات المنهجية منذ بداية هذا الغزو"، والتي ظلت دون علاج، فإن وزارة الدفاع الروسية أكدت أن التبديل جرى بسبب "زيادة المهام" التي يتعين إنجازها و"الحاجة" إلى "تفاعل أوثق" بين مكونات الجيش، في مؤشر على اتجاه روسيا لتصعيد عملياتها العسكرية بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة. 

ويرجع ذلك إلى أن رئيس الأركان هو الشخص الثاني، بعد القائد الأعلى، في هيكل القيادة العسكرية الروسية، وله الحق في إعطاء تعليمات لوزارة الدفاع، ومن ذلك إصدار أوامر للطيران بعيد المدى، والبحرية، ومديرية المخابرات الرئيسية وغيرها، كما أن ذلك يعني أنه سوف يتم تحريك أفرع وأذرع القوات المسلحة بشكل متزامن، وكذلك تحسين دعم وفاعلية القيادة، والسيطرة على مجموعات القوات المنتشرة في أوكرانيا. وسوف يتزامن ذلك مع بدء نشر القوات التي تم تجنيدها حديثاً، وجرى إعدادها خلال الفترة الماضية، تمهيداً للدفع بهم في المعارك.

2- التلويح بجبهة بيلاروسيا: زار وفد برئاسة قائد القوات البرية الروسية، أوليغ ساليكوف، بيلاروسيا، في 12 يناير 2023، لتفقد الاستعداد القتالي لقوة روسية – بيلاروسية مشتركة تتمركز هناك، وذلك في الوقت الذي تم الإعلان عن مناورات مشتركة يبدأ فيها الطرفان في 16 يناير 2023.

وأثار تمركز قوات روسية في بيلاروسيا، وتأسيس قوات مشتركة معها، مخاوف كييف من قيام موسكو بفتح جبهة قتالية جديدة ضد أوكرانيا من الشمال، وقد تستهدف أي عملية عسكرية روسية جديدة العاصمة كييف نفسها، أو قطع خطوط الإمداد الغربية بالسلاح لأوكرانيا، والتي تمر عبر مدينة لفوف الأوكرانية. 

وأجرت أوكرانيا، في 12 يناير 2023، تدريبات عسكرية في منطقة فولين بالقرب من الحدود البيلاروسية، وذلك لتأكيد جاهزيتها للرد على أي هجوم روسي جديد. وفي المقابل، فإن القوات الروسية المنتشرة في بيلاروسيا لا تزيد على تسعة آلاف جندي فقط، وهو ما لا يعد عدداً كافياً لشن هجوم جديد على كييف، إلا إذا شارك الجيش البيلاروسي في عمليات عسكرية ضد أوكرانيا. 

3- التلويح بمفاوضات دبلوماسية: أكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في 11 يناير 2023، أن "الوضع مع الغرب فيما يتعلق بأوكرانيا يشير إلى إمكانية إجراء محادثات، مضيفاً أن بلاده تفضل تحقيق أهدافها عبر عملية سياسية ودبلوماسية، غير أنه أكد في الوقت ذاته أن القانون في كييف يحظر إجراء حوار مع روسيا، والغرب لا يسمح لكييف بإبداء المرونة.

وتكشف هذه التصريحات المتضاربة عن تعويل موسكو على الانتصار في سوليدار لدفع الغرب لمفاوضات دبلوماسية، تقبل المطالب الروسية كاملة. ونظراً لأن مثل هذا الخيار لا يعد مقبولاً من الدول الغربية في الوقت الحالي، وفقاً لم أكده بيسكوف نفسه، فإن ذلك يعني استمرار التعويل على الخيار العسكري، حتى يدرك الغرب، وفقاً للمنطق الروسي، أن أهدافهم في أوكرانيا غير قابلة للتحقيق. 

وفي الختام، تمكنت روسيا من تحقيق انتصارات عسكرية محدودة على مدار الأسابيع على طول الجبهة الممتدة من لوهانسك وحتى دونيتسك، إلا أن السيطرة على سوليدار وباخموت سوف تمكن الجيش الروسي من تحقيق تقدم عسكري كبير، خاصة أن المدينتين تضمان خطوطاً دفاعية قوية، ويعني خسارة أوكرانيا لهما فتح الباب أمام الجيش الروسي للسيطرة على أغلب مناطق دونيتسك، بما يمثله ذلك من انتكاسة استراتيجية لأوكرانيا، ومن المرجح أن يدفع ذلك الغرب إلى إمدادها بأسلحة جديدة في محاولة لوقف الانتصارات الروسية، حتى لا تتمكن موسكو في النهاية من تحقيق أهدافها كاملة في أوكرانيا، وهو ما قد يؤدي إلى رفع مستوى التصعيد بين الجانبين، خاصة في ضوء وجود مؤشرات تكشف عن اتجاه روسيا لشن هجوم واسع في أوكرانيا قريباً.