أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

متطلبات الفاعلية:

كيف تستفيد الحكومات من آراء الجمهور حول تفاوت الدخل؟

31 أغسطس، 2022


عرض: محمود إبراهيم

تشعر معظم المجتمعات في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بالقلق إزاء تزايد التفاوت الاقتصادي وعدم المساواة وانعدام تكافؤ الفرص، إذ اتسعت فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء خلال العقود الماضية، ومن ثم تعرض الحراك الاجتماعي للركود، وقد ازداد هذا القلق أكثر إثر جائحة "كوفيد-19" التي كشفت عن ضعف قطاعات كبيرة من السكان في العديد من دول المنظمة، والتي تضم عضويتها 38 دولة من أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وآسيا والمحيط الهادي.

مع تراجع تدابير الطوارئ الخاصة بالجائحة، تستعد الحكومات لتنفيذ إصلاحات من شأنها معالجة أوجه هذا الضعف وتعزيز تكافؤ الفرص، وفي هذا الإطار، يرى تقرير المنظمة في العام 2021 أن تحقيق التوافق بين المواطنين والحكومات حول الحد من عدم المساواة وتعزيز الحِراك الاجتماعي يتطلب فهما لكيفية تشكيل المواطنين تصوراتهم وآرائهم حول هذه القضية، والتي تختلف من بلدٍ إلى آخر، وتتطور بمرور الوقت، ذلك أن تصورات الرأي العام قد تسهم في دعم عملية تصميم السياسات ومن ثم فرص الإصلاحات المقترحة.

 الرأي العام وفجوة الدخول: 

وفقاً لتقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن أربعة من كل خمسة أشخاص في دول المنظمة يشعرون بأن التفاوتات في الدخل كبيرة جداً في بلادهم، إذ يهتم الرأي العام بعدم المساواة في كل من النواتج النهائية والفرص، لأنه يرى تفاوتاً مرتفعاً في الدخل والأرباح، بالإضافة إلى انخفاض الحراك الاجتماعي. ويعتقد المواطن العادي في دول المنظمة أن أكثر بقليل من 50% من الدخل القومي يذهب إلى أغنى 10% من الأسر، وأن 4 فقط من كل 10 أطفال فقراء يخرجون من الفقر بمجرد بلوغهم سن الرشد.

وازداد القلق بشأن التفاوتات في الدخل والأرباح في العقود الثلاثة الماضية، بما يتماشى مع الزيادة في عدم المساواة في الدخل التي تم قياسها بالمؤشرات الإحصائية التقليدية، فبينما اعتقد الفرد ذو الدخل المتوسط في عقد الثمانينيات أن أصحاب الدخل الأعلى يكسبون 5 أضعاف أصحاب الدخل الأدنى، وارتفع الفارق المتصور الآن في نسبة الأرباح بين الأعلى والأدنى إلى 8 أضعاف. مع ذلك، زاد أيضاً التسامح مع عدم المساواة، إذ يعتقد الشخص ذو الدخل المتوسط  أن أصحاب الدخل المرتفع يجب أن يكسبوا 4 أضعاف ما يكسبه أصحاب الدخل المنخفض، مقارنة بثلاثة أضعاف في أواخر الثمانينيات.

وعلى الرغم من أن أولئك المواطنين الذين يستشعرون التفاوت الاقتصادي ليس لديهم معلومات كاملة، فإن تصوراتهم قد تعكس بالفعل دليلاً واقعياً على عدم المساواة الاقتصادية في المجتمع حتى لو لم تطابقها بالكامل. فحينما يعتقد الناس بوجود تفاوت في الدخل، وانخفاض للحراك الاجتماعي، فإن المؤشرات التقليدية تدل على ذلك أيضاً. علاوة على ذلك، فإن القلق بشأن التفاوتات في الدخل والمؤشرات التقليدية لعدم المساواة قد تحركت بشكل متسق مع مرور الوقت. 

ففي الدول التي نمت فيها المؤشرات الإحصائية للتفاوت في الدخل أكثر من غيرها، زاد قلق الناس بشأن عدم المساواة، فلكل نقطة زيادة في مؤشر «جيني»، وهو مؤشر تقليدي لعدم المساواة في الدخل، وهناك زيادة بمقدار نقطتين مئويتين في نسبة الأشخاص الذين يوافقون بشدة على أن التفاوتات في الدخل واسعة للغاية.

وتظهر الأدلة التجريبية أيضاً أن الأشخاص يُدمجون معلومات حول عدم المساواة بشكلٍ ثابت مع معتقداتهم، وعندما يواجه المواطنون معلومات عن النطاق الفعلي للتفاوتات الاقتصادية والحراك الاجتماعي يصبحون أكثر وعياً بعدم المساواة وأكثر قلقاً بشأنها.

قلق التفاوت والتدخل الحكومي:

كلما تزايد قلق الناس ومخاوفهم بشأن عدم المساواة، تصاعد طلبهم لإعادة توزيع الموارد، لكن التدخل الحكومي في بعض دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لا يرقى إلى مستوى هذه المخاوف، ففي جميع أنحاء دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، يعتقد 80% من الأشخاص الذين يجدون أن التفاوتات في الدخل كبيرة جداً أن تقليص هذه التفاوتات يقع على عاتق الحكومة، ومع ذلك في خُمس هذه الدول تقل نسبة الأشخاص الذين يعتقدون ذلك عن 60%، علاوة على ذلك فإنه بمرور الوقت، زادت تفضيلات إعادة توزيع الدخل في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في المتوسط بدرجة أقل من المخاوف.

على الجانب الآخر، فإن الطلب على سياسات الحد من عدم المساواة مدفوع بالمعتقدات حول ما يحرك عدم المساواة، لاسيما إذا كان الوصول واسع النطاق إلى الفرص والعمل الجاد يحقق النجاح، ففي مختلف دول المنظمة، ينخفض الطلب على المزيد من الضرائب التصاعدية، عندما يعتقد الناس أن الفقر يرجع في الأغلب إلى نقص الجهد الشخصي، كما يعتمد دعم الناس لسياسات محددة على ما إذا كان يُنظر إلى تلك السياسات، على أنها فعَّالة في الحد من عدم المساواة. 

وفي الواقع، من غير المرجح أن يطالب المواطنون بمزيد من إعادة التوزيع إذا كانوا يعتقدون أن المكاسب يتم توجيهها بشكلٍ خاطئ، وعلى المنوال ذاته، فإنهم يكونون أقل تأييداً للضرائب التصاعدية، إذا كانوا يعتقدون أن الفساد منتشر على نطاق واسع بين الموظفين العموميين، مما يؤدي إلى إساءة استخدام المنافع العامة وسوء توزيعها، وتُظهر الأدلة التجريبية أن إعلام المواطنين بأثر السياسات في إعادة التوزيع وفعاليتها في معالجة عدم المساواة يساعد في زيادة الدعم لها.

انقسامات الرأي العام:

على الرغم من القلق المتزايد بشأن عدم المساواة، هناك اختلافات متزايدة حول مدى انتشاره وما يجب فعله حيال ذلك، فداخل كل بلد يرغب معظم الناس في العيش في مجتمع أكثر مساواة، لكنهم يختلفون حول مدى عدم المساواة والحراك الاجتماعي، ففي دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ذات الدخل المتوسط، يعتقد شخص واحد من كل أربعة أن أكثر من 70% من الدخل القومي يذهب إلى أغنى 10% من الأسر، وذلك على العكس من النسبة نفسها التي تعتقد أن أقل من 30% يذهب إلى أغنى الأسر، وكما يتضح من ذلك، فإن الناس قد يختلفون فيما بينهم حول مقدار التفاوتات التي يجب تقليلها، لأنهم يستشعرون مستويات مختلفة من عدم المساواة، وليس لأنهم يفضلون مستويات مختلفة. 

نما هذا الانقسام في الرأي العام خلال العقود الثلاثة الماضية، مما أظهر علامات الاستقطاب، ففي معظم دول المنظمة، هناك فجوة متزايدة بين من يعتقدون أن عدم المساواة مرتفع، وآخرون يرونه منخفضاً، ومن المثير للاهتمام أن الخلافات حول مدى عدم المساواة واسعة، حتى بين الأشخاص الذين لديهم خصائص اجتماعية واقتصادية متشابهة، ويمكن تفسير ذلك غالباً من خلال زيادة الخلاف داخل المجموعات الاجتماعية والاقتصادية، وليس بينها وبين بعضها.

تصورات المواطنين ودعم السياسات:

يتطلب تحقيق التوافق بين المواطنين والحكومات بشأن السياسات التي تحد من عدم المساواة وتعزيز الحِراك الاجتماعي فهم كيفية تشكيل الناس لتصوراتهم وآرائهم، ويسلط تقرير المنظمة الضوء على أهمية تحقيق ما يلي:

1) فهم أفضل لدعم الجماهير للإصلاح: يهتم المواطنون بعدم المساواة في كل من النواتج النهائية والفرص، وبالتالي فإن حزم الإصلاح التي تعالج كلا الجانبين من المرجح أن تحصل على الدعم، ومع ذلك يجب على صانعي السياسات أن يأخذوا في الاعتبار تفضيلات الناس للمزج بين سياسات محددة، والتي قد تعزز إتاحة الفرص، أو تركز أكثر على تحقيق المساواة في النواتج النهائية، وقد يركز المواطنون أيضاً على جوانب محددة من عدم المساواة أكثر من غيرها، ونظراً لأن الخلاف قوي أيضاً بين الأشخاص ذوي الخصائص الاجتماعية والاقتصادية المتشابهة، فقد تفشل السياسات التي تقتصر على مجموعة رئيسية واحدة فقط في الوصول إلى إجماع كاف، حتى بين صفوف تلك المجموعة المستهدفة.

2) فهم أفضل لفاعلية السياسات: يكون دعم المواطنين لسياسات محددة أعلى عندما يُنظر إلى هذه السياسات على أنها فعالة في الحد من عدم المساواة، وهذا يعزز الحاجة إلى تقييم فاعلية السياسات بطريقة شفافة لكسب ثقة الناس، وينبغي أن يقترن هذا التقييم ببذل المزيد من الجهود لتسهيل فهم الناس لأداء السياسات وكذلك لآثارها.

3) توفير معلومات أفضل عن عدم المساواة وتكافؤ الفرص: يمكن أن يساعد توفير معلومات عالية الجودة حول عدم المساواة في الحد من التشتت الواسع للتصورات التي تؤدي إلى انقسام الرأي العام، ويتيح ذلك القدرة على توفير أرضية مشتركة للنقاش العام، حتى لو لم يقلل بالضرورة من الاختلافات في الرأي حول السياسات.

متطلبات ضرورية:

من الضروري وضع مبادئ توجيهية واضحة لأي جمع منهجي للبيانات عن تصورات عدم المساواة الاقتصادية والقلق بشأنها، ويهدف فريق الخبراء المعني بالتدابير الجديدة التي تتخذها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن مدى قبول الإصلاحات من قبل الجمهور إلى المساهمة في هذا الجهد، وقد أبرز التقرير أربعة مجالات مهمة تحتاج للمزيد من البحث:

1) المزيد من البيانات الدقيقة حول التوزيع الكامل للتصورات والمخاوف: يمكن أن يثبت قياس وتحليل توزيع التصورات والاهتمامات بين الناس في بلدٍ ما أنه مفيد في فهم الأشكال الجديدة للصراع الاجتماعي، وجدير بالذكر أن معظم الدراسات الاستقصائية الحالية ليست ممثلة على المستوى دون الوطني، وبالتالي لا تسمح بالتحليل المناسب للاختلافات في التصورات والاهتمامات في المناطق المحلية.

2) تفضيلات المواطنين لخيارات ملموسة في مجال السياسة العامة: إذ إن هناك أدلة محدودة حول هذه التفضيلات، وكذا آراء المواطنين حول دور الفاعلين الآخرين، مثل النقابات العمالية والشركات، كما أن الأدلة محدودة أيضا إلى حدٍ ما حول تفضيلات سياسات التوزيع المسبق التي تركز على التفاوتات في الدخل في السوق، مثل، الحد الأدنى للأجور وتحديد حصص للجنسين، ويمكن أن تساعد المزيد من الأدلة المقارنة في إلقاء الضوء على دوافع التفضيلات لسياسات محددة، وفي أي ظروف يكون لمزيج السياسات المختلفة فرصة أكبر للحصول على الدعم على نطاق واسع.

3) التصورات المتعلقة بفعالية سياسات إعادة التوزيع وأدائها: لا تزال الأدلة محدودة فيما يتصل بفهم الناس لسياسات إعادة التوزيع، ويمكن اتباع نهج يعتمد على مزيج من الدراسات الاستقصائية والأساليب التجريبية لبحث وجهات نظر الناس المختلفة على نطاق واسع بشأن الحكومات والتأثير على إعادة التوزيع الذي تخلفه السياسة الضريبية في إطار مقارن لفهم الاختلافات بين الدول ولتوجيه إجراءات الإصلاح داخل كل دولة.

4) حدود تطور التصورات والمخاوف مع مرور الوقت: إن تتبع كيفية تطور التصورات والمخاوف يوفر رؤى مهمة حول كيفية تشكيل الناس لآرائهم والاستجابة للتغيرات في عدم المساواة، ومع ذلك، فإن القليل من الدراسات الاستقصائية الوطنية تقوم بمثل هذا التتبع وإعادة إجراء المقابلات مع المبحوثين في موجات متعددة، وبالتالي هناك القليل من التحليل لما إذا كانت تصورات الناس وتفضيلاتهم تتغير أو تظل كما هي مع مرور الوقت.

المصدر:

OECD, Does Inequality Matter?: How People Perceive Economic Disparities and Social Mobility,2021