أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

عالم خطر:

تدهور مؤشرات السلم العالمي في 2013

24 يوليو، 2014


أصدر معهد الاقتصاد والسلام في أواخر شهر يونيو الماضي الإصدار الثامن من مؤشر السلام العالمي، والذي يتم وضعه بالتعاون بين المعهد ومركز دراسات السلام والنزاعات في جامعة سيدني، وفريق دولي من الخبراء والأكاديميين ومراكز الفكر والأبحاث. ويكشف مؤشر السلام العالمي Global Peace Index 2014، عن أن السلام يتدهور في العالم بشكل متزايد منذ عام 2008، وهو ما تفاقم بنهاية العام الماضي مع اشتعال الأوضاع في أوكرانيا، وسوريا، وجنوب السودان، إضافة إلى زيادة الأنشطة الإرهابية في أفغانستان، وليبيا، والعراق، والفلبين.

وبطبيعة الحال يعد هذا المؤشر من الركائز الأساسية لفهم ما يشهده المجتمع الدولي من النزاعات والصراعات الحديثة التي تؤثر على توازنات القوى الدولية وشكل خرائط بعض المناطق الإقليمية، ناهيك عن التكلفة الاقتصادية والبشرية الهائلة جراء هذه النزاعات.

منهجية مؤشر السلام العالمي

يهدف المؤشر إلى تصنيف الدول وفقاً لمستوى السلام والأمن اللذين تتمتع بهما، ويعتمد المؤشر على قياس 22 محدداً نوعياً وكمياً من مصادر موثوق منها، بحيث يتم ترتيب 162 دولة مستقلة وفق هذه المحددات، علماً بأن هذه الدول تغطي أكثر من 99.6% من سكان العالم.

ويقيس المؤشر السلام العالمي باستخدام ثلاثة موضوعات عامة هي: مستوى السلامة والأمن في المجتمع، ودرجة الصراع الداخلي أو الدولي، ودرجة العسكرة. ويشمل تقرير هذا العام بعداً جديداً يختص بالتأثير الاقتصادي للعنف، إلى جانب تقييم المخاطر الواقعة على الدولة باستخدام نموذج المخاطر الذي وضعه برنامج الـ IEP، والذي يحدد البلدان المعرضة لخطر الانزلاق إلى العنف والاضطرابات في العامين المقبلين عن طريق تحليل مجموعة من البيانات تعود إلى عام 1996، ويقارن مع البلدان أداء الدول ذات الخصائص المؤسسية المماثلة.

ويقيس مؤشر السلام العالمي مدى مشاركة الدول في صراعات داخلية ودولية، ويقيم مستوى الانسجام أو التنافر داخل الأمة؛ فثمة عشرة مؤشرات تقيم على نطاق واسع ما يمكن وصفه بأنه (السلامة والأمن في المجتمع)، أبرزها: انخفاض معدلات الجريمة، والحد الأدنى من النشاط الإرهابي والتظاهرات العنيفة، وعلاقات متناغمة مع الدول المجاورة، ومناخ سياسي مستقر، ونسبة صغيرة من السكان المشردين داخلياً أو من اللاجئين. وثمة سبعة مؤشرات أخرى ترتبط بدرجة عسكرة البلاد التي تعكس أن مستوى العسكرة وقدرة الحصول على الأسلحة ترتبط مباشرة بمدى سلمية الدول محلياً ودولياً.

المؤشرات الأساسية

اختار فريق العمل والخبراء المستقلون 22 مؤشراً لقياس السلام العالمي منذ عام 2007، وتتم مراجعتها من قبل لجنة خبراء على أساس سنوي. ويتم احتساب درجات كل مؤشر وفقاً لنطاق مقياس نوعي مرتب من 1 إلى 5، حيث يتم تجميع المؤشرات النوعية وتصنيفها إلى خمس مجموعات والمؤشرات الكمية يتم تجمعيها إما إلى عشر مجموعات، أو يتم تقريبها إلى النقطة العشرية الأولى، ويتم توفير شرح مفصل للمعايير المستخدمة لكل مؤشر.

وتقسم هذه المؤشرات على ثلاث قضايا رئيسية هي:ـ

أولاً: الصراعات الداخلية والدولية التي تشارك الدولة فيها، وتضم (1 ـ تقدير أعداد الصراعات الداخلية والخارجية التي تم خوضها. 2 ـ تقدير أعداد الوفيات الناجمة عن الصراعات المنظمة "خارجياً". 3 ـ تقدير أعداد الوفيات الناجمة عن الصراعات المنظمة "داخلياً". 4 ـ مستوى الصراع الداخلي المنظم. 5 ـ العلاقات مع البلدان المجاورة.

ثانياً: مستوى السلامة والأمن في المجتمع، وتضم (1 ـ انخفاض معدل الجريمة في المجتمع. 2 ـ عدد المشردين كنسبة مئوية من السكان. 3 ـ عدد اللاجئين كنسبة مئوية من عدد سكان بلد المنشأ. 4 ـ عدم الاستقرار السياسي. 5 ـ نطاق الإرهاب السياسي. 6 ـ احتمال وقوع أحداث إرهابية. 7 ـ عدد جرائم القتل لكل 100,000 نسمة من عدد السكان. 8 ـ مستوى جرائم العنف. 9 ـ احتمال وقوع تظاهرات عنيفة. 10 ـ عدد المسجونين لكل    100,000 نسمة من السكان. 11 ـ عدد قوات الشرطة والأمن داخلياً لكل 100,000 نسمة من السكان

ثالثاً: درجة العسكرة، وتضم (1 ـ الإنفاق العسكري كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. 2 ـ عدد أفراد القوات المسلحة لكل 100,000 شخص من السكان. 3 ـ صادرات وواردات الأسلحة التقليدية الرئيسية لكل 100,000 نسمة من عدد السكان . 4 ـ عدد الأسلحة الثقيلة لكل 100,000 نسمة من السكان 5 ـ المساهمة المالية في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلم. 6 ـ سهولة الحصول على الأسلحة الخفيفة والصغيرة.

أبرز مخرجات التقرير

أظهر مؤشر السلام العالمي عام 2014 استمرار الاتجاه لمدة سبع سنوات متتالية نحو انخفاض مستويات السلم العالمي، وأوضح أن قارة أوروبا بشكل عام من أكثر المناطق سلاماً، حيث حافظت أيسلندا على مكانتها باعتبارها الدولة الأكثر سلمية، إلى جانب ست دول أوروبية أخرى احتلت المراكز العشر الأولى، بالإضافة إلى كندا ونيوزيلندا واليابان، في حين احتلت بريطانيا المركز الـ 47 في مرتبة تقع بين فرنسا وليتوانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي جاءت في المركز 101.

عربياً، جاءت قطر في الترتيب الأول عربياً وخليجياً كدولة آمنة، محتلة المركز رقم 22 عالمياً، وحلت الكويت في المركز 37، ثم الإمارات العربية المتحدة في المركز 40، وسلطنة عُمَان في المركز 53، وتحسن مركز المملكة العربية السعودية كثيراً لتتقدم من المركز 97 في عام 2012 إلى المركز 80 في المؤشر الجديد، فيما حلت مملكة البحرين في مرتبة متأخرة نسبياً حيث جاءت في المركز 111.

وحلت مصر في المركز رقم 143 للتراجع 31 مركزاً عن مؤشر العام الماضي بسبب الأحداث التي مرت بالبلاد في النصف الثاني من عام 2013، واحتلت العراق مرتبة متأخرة هي المركز 153، فيما جاءت سوريا في ذيل القائمة العالمية للدول الأقل أمناً لتتذيل المراكز وتقبع في المركز 162، ولتحل محل أفغانستان التي كانت تتذيل هذه القائمة في مؤشر العام الماضي.

تجدر الإشارة كذلك إلى أن مؤشر عام 2014 قد حدد 10 دول باعتبارها الأكثر عرضة للتهديد جراء الاضطرابات والعنف في العامين المقبلين، وهي: زامبيا، وهايتي، والأرجنتين، وتشاد، والبوسنة والهرسك، ونيبال، وبوروندي، وجورجيا، وليبيريا، وقطر.

وقد أشار التقرير الجديد إلى الآثار الاقتصادية لاحتواء العنف العالمي والتعامل مع تداعياته خلال العام الماضي 2013، حيث قدر تكلفة احتواء العنف بنحو 9.8 تريليون دولار (أي ما يعادل نسبة 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي)، وبما يعادل نحو 1,350 دولار للفرد الواحد، وما يماثل ضعف حجم الاقتصاد في قارة أفريقيا. وقد ازدادت هذه التكلفة مقارنة بعام 2012 بنحو 179 مليار دولار، بنسبة زيادة بلغت 3.8% في تكاليف احتواء العنف على الصعيد العالمي.

الشرق الأوسط أخطر المناطق

صنف التقرير مناطق العالم من حيث درجة الأمن والسلمية، ليخلص إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ لاتزال من بين المناطق الأكثر سلمية في العالم، فهي تحتل المرتبة الثالثة بعد أوروبا وأمريكا الشمالية، ولم يهبط مؤشرها إلا بنقاط قليلة جداً في عام 2013.

أما قارة أمريكا الجنوبية، فقد حققت نقاطاً أعلى من المتوسط السابق بقليل، حيث تحسنت الأوضاع في الأرجنتين وبوليفيا وباراجواي، فيما لم تستطع أورجواي الاحتفاظ بمكانتها بصفتها البلد الأكثر سلمية في المنطقة، حيث تراجع مركزها نظراً إلى زيادة عدد قوات الشرطة والأمن. وحلت كل من جامايكا ونيكاراجوا باعتبارهما أكثر دولتين أحرزتا تقدماً من خلال تحسين نقاطهما في الأمن والسلامة، وانخفضت بالمقابل نقاط المكسيك التي لا تزال غارقة في حرب شرسة ضد تجارة المخدرات.

وإجمالاً يشير التقرير إلى أن السلام في أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي يشكل تحدياً بالرغم من أن المنطقة أحرزت تقدماً طفيفاً في النقاط في عام 2013 وحققت ترتيباً أقل من المتوسط العالمي قليلاً.

أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، فلاتزال تتصدر أكثر المناطق الحاضنة للعديد من الصراعات الناجمة عن ما يعرف بثورات "الربيع" العربي وتداعياتها المستمرة في التصاعد، إذ شهدت مصر وسوريا تدهوراً في مركزيهما مقارنة بالعام الماضي (المحرر: انخفضت وتيرة العنف والصراع السياسي في مصر في عام 2014، لكن التقرير يغطي عام 2013). أما سوريا فقد دخلت الحرب الأهلية فيها العام الثالث على التوالي، وسط حالة من الجمود السياسي والتفاوضي والصراع الدامي بين القوات الحكومية الموالية لنظام بشار الأسد، وبين العديد من جماعات المتمردين التي تقاتل ضدها وتقاتل بعضها البعض. وقد وصلت سوريا في بعض المؤشرات إلى أعلى درجة (5) من حيث انعدام الأمن، خاصة تلك المؤشرات المتعلقة باللاجئين والمشردين (يقدر عددهم بأكثر من ثلث السكان)، وسهولة الحصول على الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، وتصاعد المستوى العام للجريمة العنيفة والمنظمة لمستويات غير مسبوقة.

وشملت البلدان الأخرى التي أصبحت أقل سلمية في الشرق الأوسط خلال العام الماضي العراق، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة العنف الداخلي، واستمرار تراكم قواتها المسلحة تحت رعاية الولايات المتحدة، وبالطبع يزداد وضع العراق سوءاً في منتصف العام الجاري بعد أحداث سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على بعض المدن العراقية وتوقعات تصاعد أعمال العنف متعدد الأطراف بالعراق كما يحدث الآن.

أخيراً.. يمكن القول إن مؤشر السلام العالمي يتناول واحدة من المشكلات الحقيقية المعقدة التي تواجه العالم، وهي الصراعات الداخلية والدولية بما تحمله من تبعات وتكلفة اقتصادية كبرى تؤثر بالسلب على واقع التنمية في دول العالم، إذ يلفت المؤشر الأنظار إلى الموارد الضخمة التي يتم إهدارها جراء أعمال العنف والصراعات ومحاولات احتوائها، وهي نفقات كان يمكن توظيفها وتوجيهها للقضاء على الفقر والنهوض بالتعليم، وحماية البيئة وغيرها من أجل العيش في عالم أكثر سلاماً، وهو ما يبدو صعب التحقق على المدى القصير.

** موجز للتقرير السنوي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام في يونيو 2014، تحت عنوان مؤشر السلام العالمي 2014.