أعلنت تنسيقية حركات الأزواد (CMA)، في 4 أكتوبر 2023، سيطرتها على قاعدة عسكرية جديدة للجيش في شمال مالي، لتشكل بذلك القاعدة الخامسة التي تسيطر عليها التنسيقية خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما يُثير تساؤلات عدّة بشأن مآلات التصعيد الراهن في شمال مالي بين القوات الحكومية وحركات الأزواد الانفصالية، والانعكاسات المحتملة لهذا التصعيد على التوازنات الجيوسياسية في منطقة الساحل الإفريقي.
تصعيد عملياتي لافت:
بالتزامن مع بدء انسحاب قوات "بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما)، شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً لافتاً في التوترات التي يشهدها شمال ووسط مالي، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- سيطرة الطوارق على خمس قواعد عسكرية: أعلن المتحدث باسم تنسيقية حركات الأزواد، محمد المولود رمضان، في 4 أكتوبر 2023، سيطرة مقاتليها على معسكر جديد للجيش المالي في "تاوسا"، ليصبح إجمالي عدد القواعد والمعسكرات التي سيطرت عليها حركات الأزواد خلال الأسابيع الأخيرة حوالي خمس قواعد في شمال مالي، هي "بامبا" و"ليري" و"ديورا" و"بوريم"، بالإضافة لـ"تاوسا"، رغم وجود تقارير تفيد بأن الجيش المالي تمكن من استعادة السيطرة على بعض هذه القواعد.
وتشكل تنسيقية حركات الأزواد (CMA) تحالفاً لجماعات الطوارق والقوميين العرب بشمال مالي، الذين طالما اشتكوا من تعرضهم للإهمال من الحكومة المركزية في باماكو، وقادوا أربع محاولات سابقة للانفصال بالمنطقة الصحراوية، والتي يطلق عليها أسم أزواد، منذ استقلال مالي عن فرنسا عام 1960، وكانت أولى هذه المحاولات في عام 1963، بيد أن الحكومات المالية المتعاقبة عمدت إلى إبرام ثلاث اتفاقيات سلام مع حركات الطوارق بوساطة جزائرية، كان آخرها الاتفاق الذي تم إبرامه بين الجانبين في الجزائر عام 2015، وذلك في أعقاب محاولة التمرد التي قادت حركات الأزواد في عام 2012 للانفصال عن باماكو.
بيد أن تنسيقية حركات الأزواد اتهمت السلطات في باماكو بعدم الالتزام بنصوص اتفاق الجزائر للسلام، ولاسيما فيما يتعلق بمنح إقليم الأزواد الحكم الذاتي، والعمل على دمج المجموعات المسلحة في الإقليم داخل الجيش المالي، وقد تفاقمت الخلافات بين باماكو وتنسيقية الأزواد في ديسمبر 2022، ما دفع الأخيرة إلى الإعلان عن تعليق التزاماتها باتفاق الجزائر، وربطت عودتها إلى الاتفاق بعقد اجتماع دولي وانخراط أطراف دولية وإقليمية محايدة للوساطة وبحث مستقبل الاتفاق، غير أن هذه المساعي لم تفض إلى أي تقدم في حلحلة الأزمة، ما دفع تنسيقية الأزواد للإعلان، في 11 سبتمبر 2023، أنها تعتبر نفسها في حالة حرب ضد المجلس العسكري الحاكم في باماكو، وسحب ممثلي التنسيقية من باماكو، وإعلان حالة التعبئة إيذاناً بانهيار اتفاق الجزائر لعام 2015.
2- تصعيد عسكري حاد: رغم أن التوترات بين الحكومة المركزية في باماكو وحركات الأزواد في شمال مالي كانت قد استؤنفت بالفعل منذ نهاية العام 2022، فإن وتيرة الصراع شهدت اتجاهاً تصاعدياً بشكل مطرد منذ أغسطس 2023، بالتزامن مع بدء انسحاب قوات حفظ السلام الأممية من قواعدها في هذه المنطقة، حيث بدأت حركات الطوارق في شن هجمات متزايدة على القواعد العسكرية للقوات الحكومية، في الوقت الذي رصدت فيه بعض التقارير الغربية دفع باماكو بتعزيزات عسكرية تجاه الشمال لصد الهجمات المستمرة للطوارق، وهو ما أسفر عن اشتباكات حادة بين الطرفين خلال الأسابيع الأخيرة.
وقد كشفت بعض التقارير الفرنسية أن قوات الجيش المالي تستعد لمهاجمة مدينة كيدال، المتاخمة للحدود الجزائرية، والتي تشكل رمزية مهمة بالنسبة لحركات الأزواد، والمركز الرئيس والتاريخي لحركات تمرد الانفصاليين الطوارق، حيث انطلقت منها عدة محاولات سابقة للتمرد ضد الحكومة المركزية في باماكو، وقد رصدت التقارير الفرنسية تحركاً لرتل عسكري يضم حوالي 119 مركبة عسكرية تابعة للجيش المالي تتحرك من غاو باتجاه كيدال، مرجحة أن تعمد قوات الجيش المالي لمحاولة السيطرة أولاً على منطقتي تيساليت وأجيلهوك، شمال كيدال، بغية السيطرة على المعسكرات التي تنسحب منها قوات "بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي" "مينوسما"، قبل محاولة السيطرة على كيدال، بينما تطالب حركات الأزواد بضرورة تسلمها القواعد التي تخليها البعثة الأممية، لذا تعمل هذه الحركات على حشد قواتها في منطقة كيدال.
ويتبادل طرفا الصراع التهم بشأن المسؤول عن استئناف الحرب وبدء الأعمال العدائية، فبينما تتهم حركات الأزواد السلطات المالية بارتكاب انتهاكات في شمال مالي، بالتعاون مع عناصر مجموعة فاغنر الداعمين للقوات الحكومية، فضلاً عن إشارة الطوارق إلى أن الجيش المالي يسعى لاستغلال انسحاب القوات الأممية من شمال مالي لفرض سيطرته الكاملة على المنطقة، من خلال قصف مواقع حركات الأزواد ومهاجمة وحداتها. فإن الحكومة في باماكو تتهم بالمقابل حركات الأزواد بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية ومحاولة التمرد والدفع نحو انفصال منطقة الشمال عن مالي، مُعتبرةً أن محاولتها فرض سيطرتها على كامل الدولة المالية لا تشكل عملاً عدائياً ضد حركات الأزواد.
3- تنافس محموم على منطقة شمال مالي الهشة: بالتزامن مع تصاعد الاشتباكات بين الجيش المالي وحركات الأزواد، وكذا بدء انسحاب قوات حفظ السلام الأممية، بدأت المجموعات الإرهابية في هذه المنطقة شن هجمات موسعة وحصار مدينة تمبكتو بوسط مالي، وتجدر الإشارة إلى أن منطقة شمال ووسط مالي كانت تشهد خلال الأشهر الأخيرة صراعاً ثلاثياً بين تنظيم داعش في الصحراء الغربية، و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM) التابعة لتنظيم القاعدة، وكذا حركات الأزواد. وبينما انخرطت الأخيرة في اشتباكات عنيفة مع قوات الجيش المالي، عمدت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" إلى محاصرة مدينة تمبكتو، فيما يواصل تنظيم داعش الإرهابي زحفه تجاه شرق البلاد.
وقد دفعت حالة الهشاشة الراهنة في وسط وشمال مالي إلى استدعاء السيناريو السابق الذي شهدته البلاد عام 2012، عندما سيطرت الجماعات الجهادية على شمال البلاد، والتمرد الذي كان يقوده الطوارق آنذاك ضد الحكومة المركزية، واستيلاء تلك الجماعات على مدينة تمبكتو، واستعدادها للتقدم جنوباً تجاه العاصمة باماكو، قبل أن تتدخل فرنسا والأمم المتحدة لوقف هذا الزحف، بيد أن التوترات الراهنة بين المجلس العسكري الحاكم في مالي وكل من باريس والأمم المتحدة ستحول دون تكرار هذا التدخل.
توازنات جديدة:
يأتي التصعيد الراهن في شمال ووسط مالي في إطار جملة من المتغيرات الجوهرية التي طرأت على التوازنات القائمة داخل مالي وفي السياق الإقليمي المحيط، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- توازنات ميدانية جديدة: كشفت بعض التقديرات عن توزانات ميدانية جديدة شكلت المحدد الرئيس للتصعيد العسكري الراهن في شمال مالي، لافتةً إلى أن المجلس العسكري الحاكم في مالي، برئاسة العقيد عاصمي غويتا، باتت لديه قناعة راسخة أن توازن القوى الميدانية في شمال مالي بدأ يختل لصالحه خلال الآونة الأخيرة، خاصةً بعدما انسحبت القوات الفرنسية التي كانت تكبح أي محاولة لباماكو للاحتكاك بمقاتلي الطوارق، فضلاً عن بدء انسحاب قوات حفظ السلام الأممية، ما شكل حافزاً قوياً للمجلس العسكري الحاكم في مالي لمحاولة بسط سيطرته على كامل البلاد، بدعم من مجموعة فاغنر، خاصةً في ظل استنزاف جزء من قوات حركات الأزواد في مواجهاتها مع تنظيم داعش الإرهابي خلال الأشهر الأخيرة، ناهيك عن قلق باماكو من اتجاه الأزواد للتقارب مع "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، باعتبار أن هذا التقارب ربما يعزز قوة حركات الأزواد ويشجعها أكثر على خطوة الانفصال.
وفي هذا الإطار، كشف تقرير نشرته صحيفة "التلغراف" البريطانية، أنه بينما كانت القوات الفرنسية وقوات بعثة "مينوسما" الأممية تركز على محاربة مسلحي تنظيم داعش والقاعدة في شمال مالي، تتجه قوات الجيش المالي ومقاتلو فاغنر إلى استئناف القتال مع متمردي الطوارق، في محاولة لبسط السيطرة على وسط وشمال البلاد، فضلاً عن محاولة عناصر فاغنر التمركز في القواعد التي تنسحب منها القوات الأممية.
2- دعم روسي صيني لباماكو: حصل المجلس العسكري الحاكم في مالي على حزمة من المساعدات العسكرية الروسية خلال الأشهر الأخيرة، ولاسيما المروحيات القتالية والطائرات الحربية، كما أرسلت الصين صفقة أسلحة لباماكو، تتضمن مركبات مدرعة مخصصة لعمليات مكافحة الإرهاب، وهو ما عزز الموقف الميداني للجيش المالي، وشجعه على محاولة تغيير معادلة الصراع في شمال البلاد، وحسم الصراع لصالحه.
3- انخراط مالي في تحالف ثلاثي للدفاع المُشترك: وقعت مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في 16 سبتمبر 2023، ميثاق ليبتاكو – غورما، وهي اتفاقية دفاع مشترك، بموجبها تعهدت كل دولة بالتدخل لدعم بقية دول التحالف الثلاثي حال تعرضه للتهديد، وبينما تُعد هذه الاتفاقية موجهة بشكل أساسي ضد فرنسا ومجموعة دول غرب إفريقيا "الإيكواس"، ولاسيما في ظل التهديدات التي أرسلتها هذه الدول بالتدخل في النيجر بعد الانقلاب العسكري الأخير هناك، بيد أن ثمة تقديرات أخرى أكدت أن الاتفاق يُعد آلية مهمة لدى الدول الثلاث لدعم الجهود المشتركة ضد النزعة الانفصالية للطوارق في الدول الثلاث، وكذا تنسيق جهود مكافحة المجموعات الإرهابية في المنطقة.
4- الحديث عن دعم فرنسي لحركات الأزواد: ألمحت بعض التقديرات إلى أن ثمّة دعماً فرنسياً راهناً لحركات الأزواد ضد المجلس العسكري الحاكم في مالي، خاصةً في ظل حالة العداء التي يتبناها المجلس إزاء باريس، وهو ما تمخض عن اضطرار فرنسا لسحب قواتها من باماكو. ورغم أن باريس كانت قد دعمت الجيش المالي لإحباط محاولات التمرد السابقة التي قادها الطوارق في شمال مالي، لكن يبدو أن التوترات الراهنة بين باماكو وباريس دفعت الأخيرة لدعم مساعي الطوارق للانفصال عن مالي.
وعلى المنوال ذاته، أشارت بعض التقديرات إلى أن فرنسا ربما تتدخل بشكل علني لدعم حركات الأزواد حال تصاعد وتيرة الحرب بين الأخيرة والجيش المالي، المدعوم من قبل مجموعة فاغنر، وذلك تحت مظلة حماية الأقليات في منطقة الساحل، خاصةً في ظل الحديث عن إمكانية إحياء حركات تمرد الطوارق في النيجر وبوركينا فاسو بالتزامن مع الاشتباكات المتزايدة في شمال مالي.
5- تحالفات داخلية مُتغيرة: بينما خاضت حركات الأزواد مواجهات عنيفة سابقة ضد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، فإن ثمة تقريراً نشرته مؤخراً وكالة "رويترز"، كشف عن وجود اتصالات مستمرة بين الطرفين، ووجود درجة من التنسيق بينهما، ورغم إشارة التقرير إلى أنه لا يوجد حتى الآن ما يدعم هذا الطرح، فإنه أكد في المقابل وجود شبكة من العلاقات التي تربط بينهما، خاصةً وأن الزعيم الحالي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إياد أغ غالي، ينتمي للطوارق، وقد شارك سابقاً في حركات التمرد ضد الحكومة المركزية في باماكو.
وفي هذا الإطار، ألمحت بعض التقديرات إلى أنه حال تصاعد الاشتباكات بين الجيش المالي وحركات الأزواد، فمن غير المُستبعد أن تتحالف الأخيرة مع "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" ضد باماكو، على غرار ما حدث في المرحلة الأولى من تمرد عام 2012، كما كشفت هذه التقديرات عن توصل الجماعة إلى اتفاق هدنة مُؤقت مع تنظيم داعش في الصحراء الكبرى لوقف القتال بينهما لحين انسحاب كافة القوات الأممية، وهو ما يزيد من احتمالية تصعيد الاشتباكات بين الجيش المالي من ناحية، وحركات الأزواد وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى خلال الفترة المقبلة.
حرب بالوكالة:
في إطار التحولات الجيوسياسية الراهنة في مالي، وكذا منطقة الساحل الإفريقي، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تطرأ على المشهد خلال الفترة المقبلة، وربما تخلق حالة من "حروب الوكالة" في المنطقة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- تأرجح سيناريو تقسيم مالي: استناداً لموازين القوى الراهن على الأرض، فإن ميزان القوة يميل بقوة لصالح قوات الجيش المالي مقارنة بحركات الأزواد الانفصالية، فبينما يقدر تعداد الجيش المالي بحوالي 40 ألف جندي حالياً، مدعومين بحوالي 1000 مقاتل من عناصر فاغنر، فإن إجمالي عدد مقاتلي حركات الأزواد يقدر بحوالي 3000 إلى 4000 مقاتل، ويبدو أن هذا الخلل في موازين القوى هو ما شجع الجيش المالي على محاولة استعادة السيطرة على كافة المناطق، خاصةً مع انسحاب القوات الفرنسية والأممية، والدعم الإقليمي الراهن لباماكو، بيد أن الإشكالية الرئيسة أمام الجيش المالي تتعلق بالأساس بالافتقار للموارد، ناهيك عن الخبرة التي يتمتع بها الطوارق في الحروب غير المتكافئة، ما يجعل مهمة الجيش المالي لفرض سيطرته على شمال ووسط البلاد محل شك حتى الآن.
وبالتالي، فبينما يبدو سيناريو تقسيم مالي أقل احتمالية في ظل توازنات القوى الراهنة، فإن احتمالية الانزلاق في حرب أهلية واسعة في مالي تبدو قائمة بقوة، خاصةً في ظل التحركات المتتالية من قبل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، والتي قامت منذ بداية العام الجاري بإنشاء خطوط هجوم واضحة حول العاصمة باماكو، وتواصل هجماتها على الضواحي المحيطة بالعاصمة، فضلاً عن التقارير التي كشفت عن تمدد تنظيم داعش داخل مالي، حيث بات التنظيم الإرهابي في وضعية ميدانية أفضل بكثير مقارنة بالسنوات الماضية، ويعمل حالياً على توسيع نطاق انتشاره في مالي.
2- تفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل: شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في وتيرة التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، فبالتزامن مع تصاعد حدة العنف الداخلي في مالي، شهدت النيجر عدة هجمات إرهابية، كان أبرزها الهجوم الذي استهدف كميناً للجيش النيجري في شمال غرب تاباتول المتاخمة للحدود مع مالي، مطلع أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 29 جندياً، وهو أكثر الهجمات الإرهابية عنفاً في نيامي منذ الانقلاب العسكري الأخير الذي شهدته البلاد في يوليو 2023.
وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقديرات عن تراجع مقصود للدعم الغربي لجهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، من خلال تقليص الدعم المقدم لجيوش هذه الدول، رداً على التقارب الراهن للسلطات الانقلابية في هذه الدول مع روسيا، وهو ما ينذر بتفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، واتساع نطاق التهديدات الإرهابية، مع عدم استبعاد حدوث تصدعات داخلية في هياكل المؤسسات العسكرية لتلك الدول حال حدوث فشل كبير في جهود مكافحة الإرهاب.
3- تفعيل اتفاقية الدفاع المُشترك لتحالف الساحل الجديد: في إطار تصاعد التوترات في شمال ووسط مالي، لا يستبعد أن تدفع النيجر وبوركينا فاسو بقواتهما لدعم القوات المالية لمحاولة احتواء تمرد حركات الأزواد، وصدّ أي تقدم مُحتمل للمجموعات الإرهابية، وهو ما سيشكل بداية تفعيل اتفاقية الدفاع المشتركة التي وقعتها الدول الثلاث، واختباراً لمدى التماسك والقدرة الفعلية لهذا التحالف الجديد، الذي يتوقع أن يشهد دعماً واسعاً من قبل روسيا ومجموعة فاغنر، لكن في المقابل يمكن أن يتحول المشهد إلى حرب بالوكالة حال عمدت فرنسا نحو دعم فعلي ومتزايد لحركات الأزواد.
4- احتمالية تمدد النزعة الانفصالية في المنطقة: حذرت بعض التقديرات من احتمالية تمدد النزعة الانفصالية لدى مناطق الطوارق، والتي تمتد في شمال مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكذا في جنوب الجزائر وجنوب غرب ليبيا، وبالتالي ففي حالة تصاعد الحرب بين القوات الحكومية في مالي وحركات الأزواد من الطوارق، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تمدد ثورة الطوارق في هذه الدول، ولاسيما وأن ثمة تطلعات تاريخية للطوارق تستهدف تشكيل دولة موحدة لهم تجمع مناطق انتشارهم.
وفي التقدير، يمكن القول إن منطقة الساحل الإفريقي تشهد اضطرابات داخلية متزايدة، سواءً بفعل ارتدادات التغيرات الجذرية التي شهدتها عدة دول في المنطقة، أم بسبب التصاعد الملحوظ في النشاط الإرهابي في المنطقة، وبالتالي تشكل الخطوات التصعيدية الراهنة من قبل حركات الأزواد للتمرد على الحكومة المركزية في باماكو نقطة انعطاف مهمة، في ظل حالة الاصطفاف والاستقطاب الحاد الذي تشهده المنطقة، ويرجح أن تكون له انعكاسات مباشرة على تفاقم الأوضاع الأمنية في الساحل الإفريقي، لكنه ربما يؤسس في المقابل إلى تكتل إقليمي جديد، قابل للتوسع، يكون ركيزة لتوازنات إقليمية ودولية جديدة في هذه المنطقة.