أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مخاطر واقعية:

كيف يهدد "التواصل الاجتماعي" الأمن الوطني؟

08 يونيو، 2014


أدى الانتشار الهائل في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي إلى إحداث "ثورة كبرى" تترك تأثيراتها على كافة جوانب الحياة، ومن بينها الأمن الوطني للدول الذي أصبح يواجه تحديات وتهديدات جديدة، بحيث توسع مفهوم الأمن الوطني ذاته ليتجاوز نطاق مواجهة التهديدات العسكرية وضمان حماية الوطن ووحدته وسلامة أراضيه وسيادته، إلى مجالات أخرى تشمل الاستقرار السياسي والاقتصادي والانسجام الاجتماعي وسلامة البيئة.

ويشير تعقب السلطات الأمنية في المملكة العربية السعودية مؤخراً لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتصفيته على أرضها قبل أن يقوم بأي أعمال إرهابية، إلى تلك العلاقة بين التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وبين الأمن الوطني، وهو ما اتضح أيضاً في ذلك التفسير الذي بررت به وزارة الداخلية المصرية قرار مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي الذي ظهر إلى العلن في أواخر شهر مايو الماضي، عبر مشروعٍ أطلق عليه "رصد المخاطر الأمنية ومنظومة قياس الرأي العام"، باعتبار ذلك وسيلة لمراقبة الصفحات المشبوهة التي تنتمي إلى جماعات إرهابية أو جماعات تحرض على العنف، وملاحقة القائمين عليها، ومعرفة مصادر تمويل هذه المجموعات وقياداتها.

أنماط التأثير

تتنوع تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي في الأمن الوطني لمعظم الدول العربية، وتشمل جوانب تتعلق بالانسجام الاجتماعي والثقافي والقيمي، وانتشار أشكال جديدة من الجرائم الجنائية، واستخدامها من جانب جماعات الإرهاب في التخطيط والتنفيذ لأعمالها الإجرامية، ونشر أفكار التطرف والعنف والترويج لها واستقطاب أعضاء جدد، وإمكانية نشر توترات بين مكونات المجتمع، إلى جانب إجبار الدول على اتخاذ إجراءات للضبط قد تؤثر في صورتها على المستوى الدولي. ويمكن إبراز هذه التأثيرات فيما يلي:ـ

     أولاً: استخدام الجماعات الإرهابية

يعد هذا الجانب أبرز مهددات الأمن الوطني المتعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرها خطراً، إذ تعددت الأمثلة على استخدام الفضاء الإلكتروني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لتحقيق استراتيجيات الجماعات الإرهابية، وتوفير التسهيلات الخاصة بالتواصل بين أفرادها، وهو ما يشكل أمراً أكثر خطورة من مجرد توجيه ضربات إلكترونية من قبل جماعات إرهابية.

ويعتمد الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي في التجنيد وفي التواصل بين قيادات هذه التنظيمات، وبينها وبين عناصرها، بنسبة قدرها بعض المتخصصين بـ 90% من وسائل التواصل المستخدمة، لاسيما في ظل الانتشار الجغرافي الواسع لهذه التنظيمات، وتوزع الأفراد المستهدفين بالتجنيد عبر أنحاء العالم. وأصبح شائعاً وجود حسابات لتنظيمات إرهابية على موقع تويتر، فلجماعة "بوكو حرام" النيجيرية - على سبيل المثال - حساب على تويتر يتابعه آلاف المشتركين، وينطبق الأمر ذاته على حركة طالبان في أفغانستان، وحركة الشباب في الصومال.

وتستخدم التنظيمات الإرهابية أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي كقناة لتبادل الخطط والمعلومات حول تصنيع القنابل والمتفجرات ومهاجمة المواقع المستهدفة. وباتت المراحل الأولية للتجنيد تتم من خلال "التغريدات" على تويتر والحوارات عبر نظام جوجل بلاس، حيث يتم استقبال العديد من الرسائل عبر صندوق الرسائل الخاصة، أو إرسال هذه الرسائل إلى أشخاص يظهر ميلهم إلى المشاركة في "الجهاد".

وفي هذا الصدد يمكن القول إن الجيل الحالي من مقاتلي التنظيمات الارهابية، مثل تنظيم القاعدة وداعش، جيل مختلف عن الجيل الأول من المقاتلين، الذي كان يرتكز في عمليات التجنيد على العلاقات الشخصية والتفاعل وجهاً لوجه بين أشخاص ينشرون خطاباً محرضاً على العنف ويستخدمون الأفكار والمبادئ الدينية والقناعات الفكرية لتجنيد الأعضاء. أما الجيل الحالي فهو نتاج "ثقافة الإنترنت"، فمن خلال تويتر، - على سبيل المثال - يقوم شباب التنظيم بتداول الأخبار أو المقاطع المصورة التي تحث على نصرة الدين والجهاد على مواقعهم، وجعلها متاحة لأكبر عدد من المتابعين الذين يقومون بدورهم بإعادة التغريد، ومن ثم تصل إلى آلاف المتلقين، ليس فقط في العالم العربي، بل في العالم أجمع، وهو ما يفسر تمكن القاعدة وداعش من تجنيد شباب من المسلمين الذين يعيشون في الغرب.

وعبر وسائل كهذه، جندت التنظيمات الإرهابية أشخاصاً مثل "صابرهان حسانوف" و"وسام الحنفي"، أحدهما أمريكي استرالي والآخر أمريكي، اللذين ألقت السلطات الأمريكية القبض عليهما في عام 2009 بتهمة دعم القاعدة وجمع أموال لها، وشراء أجهزة إلكترونية كوسائل التفجير. وتوجد دراسات عديدة أظهرت كيف أن دعاة متشددين مقيمين في دول غربية ممن لهم نشاط بارز في وسائل الإعلام الاجتماعي تمكنوا من إقناع أعداد كبيرة من المسلمين الغربيين بالذهاب إلى سوريا والقتال فيها، تقدر أعدادهم بنحو 4 آلاف مقاتل من إجمالي 15 ألف مقاتل من غير السوريين في سوريا.

ويستخدم تنظيم داعش الوسيلة ذاتها كما يبرز في بيان نشره في منتدى المنبر الإعلامي الجهادي التابع له، وتناقله أعضاء التنظيم على تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، يحث على توسيع عمليات التنظيم في الجزيرة العربية من خلال التحام أعضائه في العراق والشام واليمن، ووُضعت مقاطع مصورة على اليوتيوب منسوبة إلى سعوديين يقاتلون ضمن صفوف التنظيم وينوون استهداف السعودية.

من جانب آخر تشير المعلومات المنشورة على نطاق واسع إلى استخدام عدد من التنظيمات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة لجمع التبرعات والتحويل بين الحسابات من خلال نشر أرقام حسابات التبرع على هذه المواقع، وهو ما تصعب ملاحقته، كما يقوم بعض عناصر هذه الجماعات بتتبع حسابات الشخصيات المستهدفة واختراقها وسرقة الأموال منها.

وتستغل التنظيمات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول إلى شخصيات بعينها، من خلال تحديد هوياتهم والأماكن التي يترددون عليها، ما دفع العديد من الدول - ومنها بريطانيا - إلى تحذير من يشغلون مناصب أمنية من وضع أي بيانات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.

     ثانياً: انتشار أشكال جديدة من الجرائم الجنائية

برزت أشكال جديدة من الجرائم المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، منها: الابتزاز الإلكتروني والتهديد والتشهير بالآخرين والقرصنة المالية، وذلك بفعل تخلي بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عن الحذر اللازم وسهولة الحصول على بياناتهم الشخصية.

وقد نشرت صحيفة "التليجراف" البريطانية يوم 5 يونيو 2012 تقريراً عن الجرائم المرتبطة بموقع فيسبوك، جاء فيه أن "بريطانيا وحدها شهدت في عام 2011 حدوث 12,300 جريمة وفقاً لبيانات الشرطة البريطانية، بمعدل جريمة واحدة كل 40 دقيقة، من بينها جرائم قتل واغتصاب وانتهاك أطفال جنسياً واعتداء وخطف وتهديد بالقتل وتخويف واحتيال". وتفرض هذه الجرائم التي يلعب الضحايا دوراً في تسهيل وقوعها تحدياتٍ على الأجهزة الأمنية المعنية، وتزيد من مخاوف المجتمع وشعوره بافتقاد الأمن والأمان، حيث تواصل الضحايا مع الجناة على الفيس بوك بالدرجة الأولى.

     ثالثًاً: تهديد الأمن الاجتماعي

لم يعد الأمن الاجتماعي منفصلاً عن الأمن الوطني، فقد أضحى تماسك المجتمع، ومنع إثارة النزاعات الداخلية بين فئاته ومكوناته والحفاظ على هويته الثقافية، من أبرز مقومات الأمن الوطني للدول، وهو ما يطرح في أحد أبعاده العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وأمن المجتمع ذاته، لاسيما مع تزايد عدد سكان الدول العربية المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي. فوفقاً لتقرير صادر عن كلية دبي الحكومية، بلغ عدد مستخدمي فيسبوك على سبيل المثال في الدول العربية نحو 54 مليون مستخدم وفقاً لإحصاءات مايو 2013، وذلك من مجموع مستخدمي الإنترنت البالغ عددهم نحو 125 مليون شخص، وارتفعت نسبة مستخدمي الإنترنت في العالم العربي من 8% في عام 2005 إلى 26% في عام 2010، وصولاً إلى 38% من سكان العالم العربي عام 2013.

ويمكن الإشارة إلى إمكانية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي سلبياً على أمن المجتمعات إلى الحد الذي قد يصل إلى انتشار العنف الداخلي، من خلال تهديد الانسجام الاجتماعي والثقافي، حيث يمكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي نشر ثقافات وتوجهات وأفكار لا تنسجم مع قيم المجتمع، وربما تعارضها كلية، خصوصاً بالنسبة لفئات الشباب وصغار السن الذين قد لا يملكون حصانة كافية ضد التأثر بهذه الأفكار، ما قد ينتج عنه اغترابهم عن المجتمع وتباعد المسافات بينهم وبينه إلى درجة قد تصل حد العداء أو القطيعة، بحكم قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على إقامة عالم افتراضي بديل.

ولا ينفصل عما سبق إمكانية زرع الشقاق بين مكونات المجتمع، فقد مكنت وسائل التواصل الاجتماعي بعض التجمعات القائمة على روابط طائفية أو جماعات معادية للدولة في تعميق الشقاق بين مكونات المجتمع الواحد والدولة الواحدة. كما يمكن لانفلات الخطاب، وافتقار كثير من أعضاء هذه الجماعات إلى الوعي والضبط أن يثيرا الحساسيات والتوترات الطائفية والدينية والقبلية، ويعمقا من الصدوع القائمة بالفعل على نحو ربما يهدد التماسك الوطني ويضعه أمام مخاطر جدية.

بين المراقبة والاشتباك الفكري

تجد دول كثيرة نفسها في مأزق تتسبب فيه مواقع التواصل الاجتماعي، فطبيعة هذه المواقع تجعل كثيراً من روادها ومستخدميها غير مبالين بما يترتب على نشاطهم فيها، أو تأثيراته التي يمكن أن تكون هائلة، وما يستلزمه احتواء هذه التأثيرات من جهود وتكاليف وطاقات بشرية. وتستتبع ذلك تساؤلات عن شرعية إجراءات، مثل مراقبة بعض مواقع التواصل الاجتماعي، أو منعها أحياناً، والتأثير المحتمل لذلك على حرية التعبير.

وبصورة عامة، يلجأ كثير من الدول إلى وضع تشريعات وضوابط تحكم نشاط المشتركين في هذه المواقع، وهو ما يستتبع عادة انتقادات من مؤسسات دولية تدافع عن حرية التعبير والنشر، بما يضر بصورة الدولة في ظل ما رسخته العولمة من موقع مؤثر لقضايا حقوق الإنسان في تقييم دول العالم المختلفة.

وقد أشارت اللجنة الفرعية الخاصة بمكافحة الإرهاب، المنبثقة عن لجنة الأمن القومي الأمريكية، إلى هذه الإشكالية، ففي تقريرها الصادر في ديسمبر 2011، تحت اسم "الجهاديون واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.. كيف يمكن مكافحة الارهاب؟"، تم التطرق إلى أن إغلاق المواقع والمنتديات الخاصة بالجهاديين ليس حلاً، لأنه يمكن استحداث آلاف غيرها من المواقع، ولكن أشار التقرير إلى أن الرقابة على هذه المواقع وتتبعها هي الوسيلة الأفضل، حيث يمكن من خلال الرقابة الوصول إلى العناصر الإرهابية والقبض عليها، وهو الأمر الذي تقوم به الصين على سبيل المثال.

وقد لجأت الحكومة الأمريكية إلى جهود من نوع آخر على وسائل التواصل الاجتماعي، تتمثل في الاشتباك الفكري عبر هذه المواقع مع الجهاديين لمناقشة حججهم أمام المتعاطفين معهم، في محاولة لتفكيك الخطاب الجهادي ودحضه، إذ ترى الولايات المتحدة في هذه الطريقة "سلعة" مهمة فيما أطلقت عليه "سوق الأفكار" على الإنترنت، والتي تُطرح فيها أحاديث الفكر الإسلامي والحث على الجهاد.