تعددت واختلفت أشكال مواقع التواصل الاجتماعي الإليكترونية، وخصائصها ووظائفها، منذ اختراع الإنترنت وصفحة الويب العالمية، ومازالت رهناً للتطور المرتبط بالتقدم التكنولوجي والمعلوماتي، فقد لعبت هذه المواقع بأجيالها المختلفة، دوراً رئيسياً، ليس فقط في مجال التواصل بين الأفراد، ومحادثة الأصدقاء، ومشاركة الأفكار، أو في مجال تسويق المنتجات والإعلانات التجارية، وتوفير قواعد بيانات عن اهتمامات الأفراد التجارية، ولكن أيضاً على المستوى السياسي، حيث شكلت نموذجاً للإعلام البديل الذي أصبح فيه المواطن العادي مصدراً للمعلومة.
وارتبط هذا التأثير لمواقع التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة بالتطور التكنولوجي والمعلوماتي في خصائص صفحات الويب العالمية، على نحو يمكن معه الحديث عن جيل ثالث من مواقع التواصل الاجتماعي، يرتبط بظهور بدائل متعددة للكمبيوتر الشخصي أو الحاسب المحمول.
الجيل الأول.. Establishment Phase
ظهر هذا الجيل مع بداية ظهور صفحات الويب web1، ورغم ضعف إمكانياتها مقارنة بالتقدم المحرز حالياً، إلا أنها كانت بمثابة مرحلة تأسيس أكثر من كونها مرحلة انطلاق، حيث شهدت محاولات عديدة لإنشاء شبكات تواصل اجتماعي باءت جميعها بالفشل، ومن أبرز الشبكات التي تكونت في هذه المرحلة شبكة موقع sixdegrees.com، الذي منح للأفراد المتفاعلين في إطاره فرصة طرح لمحات عن حياتهم وإدراج أصدقائهم. وفي عام 1995 صمم راندي كونرادز موقعClassmates.com ، وكان الهدف منه مساعدة الأصدقاء والزملاء الذين جمعتهم الدراسة في مراحل حياتية معينة وفرقتهم ظروف الحياة العملية في أماكن متباعدة، وكان هذا الموقع يلبي رغبة هؤلاء الأصدقاء والزملاء في التواصل فيما بينهم إلكترونياً، كما تم إنشاء مواقع أخرى مثل موقع live journal، وموقع cyworld 1999الذي أنشئ في كوريا الجنوبية، وموقع Ryze الذي كان يهدف إلى تكوين شبكات اجتماعية لرجال الأعمال لتسهيل التعاملات التجارية، إلا أن هذه المرحلة لم يكتب لها البقاء بسبب ضعف الإمكانيات التي كانت تقدمها هذه المواقع لروادها، فضلاً عن الانتشار المحدود لشبكة الإنترنت حول العالم.
الجيل الثاني.. Spread Phase
جاء هذا الجيل كرد فعل على تطور صفحة الويب، حيث ظهر مع بداية ظهور web2، ويعتبر الموقع الأمريكي My Space بداية لتدشين الجيل الثاني، ثم تتابع ظهور العديد من مواقع التواصل مثل ASmallWorld, Bebo, Diaspora, Hi5, LinkedIn, Ning, Orkut, Plaxo, Tagged, XING , IRC, Yammer، إلا أن المنافسة القوية بين مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت نماذج ناجحة أبرزها Facebook, Twitter, Google+, Instagram, YouTube، وقد تميزت هذه المواقع بجذب العديد من المشتركين، حيث وصل عدد مشتركي موقع فيس بوك إلى أكثر من 1.2 مليار مشترك حتى عام 2013، واستطاع استغلال خصائصWeb2 في إدراج عناصر متميزة به، مثل خاصية الفيديو والصور والمحادثات الفورية والمشاركة الآنية للأفكار والحالات الاجتماعية، وقد حقق هذا الجيل من مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الإنجازات على مستوى التعارف الشخصي وتجميع البيانات والتسويق التجاري، فضلاً عن مشاركة الأفكار السياسية وانتقالها من المستوى الافتراضي إلى المستوى الواقعي.
الجيل الثالث.. Application Oriented More Than Web
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من المواقع حبيسة نظام الويب، فمع تطور المكون المادي Hardware أصبح بالإمكان الولوج إلى الإنترنت من خلال الهاتف الذكي Smart Phone أو الحاسب اللوحي Tablet أو أجهزة التليفزيون الذكية Smart TV، أو غيرها من الأجهزة الحديثة قيد التطور، مثل نظارة جوجل أو ساعة سامسونج، ومن المتوقع أن ينتشر هذا الجيل بصورة كبيرة في عام 2014، حيث أشارت دراسة صادرة عن مؤسسة "غارتنر" إلى أن الإنفاق العالمي على تقنية المعلومات يتوقع أن يرتفع إلى 4.3 تريليون دولار خلال عام 2014، مقارنة بـ 3.8 تريليون دولار خلال عام 2013.
وقد تميز هذا الجيل بالاعتماد على Applications أكثر منه على صفحة الويب، حيث أصبح لكل موقع إليكتروني تطبيق Application خاص به يمكن الولوج إليه من خلاله، ويتميز بالبساطة والسرعة والتخصص في نقل المعلومات. هذا التطور المتسارع في الأجهزة الإليكترونية جعل الفرد متصلاً بالإنترنت في أي وقت وفي كل مكان، وبالتبعية ازداد ارتباطه بمواقع التواصل الاجتماعي التي استفادت بصورة كبيرة من هذا التطور التكنولوجي المتسارع، ومن ثم سوف تزداد تبعاتها، سواءً على السياسة أو الاقتصاد أو التجارة.
ويتميز هذا الجيل الجديد من مواقع التواصل بعدة خصائص هي:ـ
أولاً: نهاية عصر الخصوصية Privacy Out، فالبيانات الشخصية والدقيقة أصبحت متاحة ومكشوفة أمام الآخرين، بل إن حياة الشخص أصبحت موثقة عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، فكل ما يفكر فيه ويكتبه ويشاركه مع أصدقائه أو الصفحات التي يشترك فيها أو حالته الاجتماعية، أصبحت محل نقاش جماعي من كل أصدقائه، بل إن اختيار الأصدقاء أصبح بمثابة رفاهية في هذا الجيل، وذلك لأن الموقع سوف يقوم بترشيح أشخاص لصداقتك، وحتى إن لم تقبل، فستجد لك أصدقاء لم تعرفهم من خلال خاصية FOLLOW التي تتيح لأي شخص تتبع حياتك دون أن يصبح صديقاً لك.
ثانياً: تطور لصالح الدولة State has the upper hand، فإذا كانت هذه المواقع مصدر تهديد لبعض النظم السياسية لصالح الأفراد، وهي ما تزال كذلك، فإن الجيل الثالث سيكون لصالح الدول أكثر من الأفراد، بما يوفره من قاعدة عملاقة من البيانات الشخصية قد تكون متاحة للشركات التي تسعى لتسويق منتجاتها، أو النظم السياسية التي تعارضها، أو حتى لمتطفل يسعى لمعرفة أخبارك.
ثالثاً: إعلام غير دائم Erasable Media، فقد مثلت مواقع التواصل في الجيل الثاني نافذة إعلامية بديلة لإعلام الدولة أو إعلام الشركات، حيث أصبح هناك إعلام للمواطن، يصنعه وينتقل إليه، ومن المتوقع أن تزداد كثافته في المرحلة المقبلة، مما يعني ضرورة اتجاه الدول والمؤسسات الإعلامية نحو هذا النمط من الإعلام، لكن هذه الزيادة ستكون بشكل مختلف، إذ تتوقع زيادة مساحة الفيديوهات والصور التي تُمحى بعد 10 ثوانٍ من مشاهدتها فيما يعرف بـ Snapchat، وهو ما يساعد على تلافي بعض عيوب الجيل الثاني، خاصة فيما يتعلق بالصور والفيديوهات غير اللائقة التي يشاهدها بعض المستخدمين.
رابعاً: عصر الفيديو Video Oriented، حيث يحتل موقع Youtubeالصدارة بين مختلف مواقع الجيل الثالث لتميزه في المحتوى المرئي، ويتجه الأفراد إلى الفيديو لما يتميز به من إثارة في عرض المعلومات، وسوف يزداد هذا الاتجاه في الجيل الثالث بين متصفحي المواقع الاجتماعية، ويصبح محدداً رئيسياً لإقبال الأفراد على هذا النوع من المواقع.
خامساً: انتشار المدونات المتخصصة، وتعرف باسم Niche، فبالرغم من أن ثمة تراجعاً عاماً في سوق المدونات بصورة كبيرة، إلا أن هذا النوع قد يجدد الآمال في ازدهار المدونات. ويقصد بالنيتش، المدونات المتخصصة التي تنشأ لأغراض تجارية بالأساس، فمواقع التواصل الاجتماعي بما تملكه من عدد كبير من المشتركين يصعب معه توجيه منتج محدد إلى فئة محددة، ومن ثم فإن النيتش تمثل بديلاً للإعلان عن المنتجات الفريدة أو المتخصصة بدلاً من مواقع التواصل ذات الأعداد الكبيرة.
ختاماً يمكن القول إن إلغاء الخصوصية تعد من أهم سلبيات الجيل الثالث من مواقع التواصل الاجتماعي الإليكترونية، بينما تتمثل مميزاته في مزيد من التشبيك بين المواطنين وبعضهم وبينهم وبين الدولة، وإن المواقع التي لن تستطع مسايرة التطورات التكنولوجية المرتقبة في هذا المجال سوف تفقد مكانتها وسط المنافسة القوية بين هذه المواقع، وهنا يجب على الشركات إعادة النظر في خططها التسويقية، وعلى قادة الرأي وصناع القرار اللحاق بجمهورهم في مكان جديد ومختلف.