أسفرت الحملة العسكرية التي تقودها الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب الإرهابية، منذ أغسطس 2022، عن أكبر مكاسب لمقديشو منذ منتصف عام 2010، حيث نجحت القوات الحكومية، المدعومة من قبل المليشيات العشائرية والجيش الأمريكي، في طرد مقاتلي الحركة من أجزاء واسعة من وسط الصومال. وعلى الرغم من هذه النجاحات العملياتية لا تزال الحركة تتمتع بالمرونة والقدرة الملحوظة على التكيف. لذا يستعد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، حالياً لبدء المرحلة الثانية من الحملة العسكرية ضد حركة الشباب في إطار تعاون إقليمي ودولي واسع.
تطورات عملياتية لافتة
تخطط مقديشو، في المرحلة الحالية، لبدء المرحلة الثانية من هذه الحملة العسكرية، مع التركيز على الانتقال نحو معاقل الحركة في الجنوب الصومالي. وفي هذا السياق، يمكن عرض ملامح التطورات العملياتية على النحو التالي:
1- تقدم ميداني ملحوظ: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، نهاية مارس 2023، خسارة حركة الشباب لنحو ثلث المناطق التي كانت تسيطر عليها، في مؤشر على نجاح المرحلة الأولى من الحرب التي تشنها القوات الصومالية، المدعومة من واشنطن والمليشيات العشائرية، كما شهدت الفترة الأخيرة استسلام عدد من قادة وعناصر حركة الشباب.
وساعدت عدة عوامل في تهيئة الظروف أمام تقدم القوات الحكومية أبرزها مبالغة حركة الشباب في التمدد تجاه مقديشو، واستعدائها للعشائر بوسط الصومال من خلال فرضها لضرائب باهظة على المجتمعات المحلية، غير أن القوات الحكومية قد تواجه في إطار استعدادها للمرحلة الثانية من الحرب ضد الحركة، تحديات متزايدة، خاصة وأن العشائر الجنوبية لا تبدي الاستياء ذاته من حركة الشباب، لذا تعمل مقديشو حالياً على الاستعانة بالدعم الإقليمي والدولي لتعزيز فرص نجاحها في هذه المرحلة.
2- قدرة الشباب على التكيف: على الرغم من سيطرة القوات الحكومية على مناطق استراتيجية بوسط الصومال، على غرار مركز عمليات الحركة بـ"أدان يابال" بشبيلي الوسطى، وبلدتي "سيل دهيري" و"هاراردير" الاستراتيجيتين بغلجدود وغيرها من المناطق المهمة، بيد أن الهجمات المستمرة التي تشنها الشباب لا تزال تُظهر أنها قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالمناطق التي فقدتها.
ففي يناير 2023 فقط، شنّت الحركة أكثر من 12 هجوماً إرهابياً تسببت في خسائر كبيرة في بلدات وسط الصومال، كما استهدفت الحركة مطلع إبريل 2023 قافلة لقوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)، وذلك بعد أيام من الكمين الذي نصبته الحركة لمجموعة من قوات النخبة الصومالية (داناب)، الذين تم تدريبهم من خلال القوات الأمريكية، وهو ما أسفر عن مقتل عدد منهم. من ناحية أخرى لا تزال حركة الشباب تتمتع بقدرة على التحول نحو حرب العصابات التي تجيدها حال تعرضها لضغوط عسكرية كبيرة.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير إلى أن حركة الشباب تبدي درجة كبيرة من المرونة والتكيف مع الحملة العسكرية التي تشنها الحكومة الصومالية، فإلى جانب تكثيف هجماتها العسكرية ضد المناطق التي استعادها الجيش الصومالي في الوسط وكذا على العاصمة مقديشو، بدأت حركة الشباب في تغيير نهجها تجاه السكان، من خلال تبني سياسات تصالحية معهم لضمان عدم مشاركتهم في دعم القوات الحكومية ضدهم.
3- الأولويات المتباينة للولايات الصومالية: يلاحظ أن سلطات الولايات الصومالية المختلفة لها أولويات متباينة غير مكافحة الإرهاب، وهو ما قد يضعف الحملة الحكومية الراهنة ضد "الشباب"، إذ يرفض رئيس بونتلاند، سعيد عبدالله داني، إرسال قواته لمحاربة الحركة، وذلك لتركيزه على التحضير للانتخابات البرلمانية المحلية المقبلة، في 25 مايو 2023، والتي تعد خطوة مهمة على طريق إعادة انتخابه في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة في الولاية يناير 2024.
وفي جوبالاند، تشكل الخلافات القبلية تحدياً أمام جهود محاربة حركة الشباب، حيث تتشكل أغلب قوات رئيس الولاية، أحمد مادوبي، من عشيرته في أوجادين، ونسبة محدودة من عشيرة مارهان، وهي ثاني أهم عشيرة في الولاية، ويخشى مدوبي من قيام خصمه، الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو، بتجنيد أنصار العشائر للانضمام إلى مليشيا "ماوصلي" في مدينة جيدو، حيث تهيمن عشيرة مارهان، إذ يعتقد أن هدف هذه المليشيا هو محاربته، وليس مكافحة تنظيم الشباب، وهو ما يؤثر في الجهود الرامية لمكافحة الحركة.
ولا يختلف الأمر كثيراً في ولاية جنوب غرب، حيث يشعر رئيسها، عبدالعزيز حسن محمد، بالقلق من استضافة مزيد من القوات الفدرالية في ولايته، باعتبار أن زيادة هذه القوات ربما تهدد سلطته الإقليمية، ويضاف لذلك وجود صراعات عشائرية خطرة تشهدها هذه الولاية، والتي يجب حلحلتها قبل التركيز على محاربة الشباب.
شراكة إقليمية ودولية
اتجهت مقديشو لتشكيل تحالف موسع يضم قوى إقليمية ودولية لمحاصرة حركة الشباب، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- قمة رباعية في مقديشو: عقد رؤساء دول الجوار الصومالي، إثيوبيا وجيبوتي وكينيا، قمة رباعية استثنائية في مقديشو مع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، مطلع فبراير 2023، وهي القمة التي جاءت بعد ساعات قليلة من اللقاءات التحضيرية التي عقدها وزراء دفاع وكبار القادة العسكريين من الدول الأربع، في مؤشر مهم على اتجاه الدول الأربع لتعزيز التعاون بينها في محاربة "الشباب".
2- وصول قوات إثيوبية: أعلن مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي، حسن شيخ علي، في مارس الماضي، أن دول الجوار الثلاث، إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، سترسل قوات أخرى خارج مشاركتها في قوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية (أتميس)، لدعم القوات الصومالية في المرحلة الثانية من الحرب ضد "الشباب".
ورصدت تقارير محلية فعلاً وصول بضعة آلاف من القوات الإثيوبية إلى الصومال خلال الأيام الأخيرة، بنهاية مارس 2023، في إطار مساعدة أديس أبابا للجيش الصومالي في المرحلة الثانية للحملة العسكرية الشاملة ضد "الشباب"، حيث تتركز القوات الإثيوبية في منطقة هيران.
3- تنامي الدعم الأمريكي: كثفت الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة من دعمها العسكري للحكومة الصومالية في حربها ضد "الشباب"، فقد استقبل مطار مقديشو مطلع مارس 2023 طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية تحمل شحنة كبيرة من المعدات العسكرية. كما زادت القوات الصومالية من ضرباتها الجوية ضد معاقل الحركة، وهو ما أدى إلى استعادة مناطق واسعة في هيران وشبيلي الوسطى وغلجدود ومودوغ.
ورجحت تقديرات وجود تنسيق بين بعض دول القرن الإفريقي وواشنطن بحيث تزيد الأخيرة من ضرباتها الجوية ضد "الشباب" بالتزامن مع الهجمات الشاملة المرتقبة ضد معاقل الحركة في الجنوب، يدعم ذلك وصول عدد من عناصر القوات الخاصة الأمريكية إلى بلدة "محاس" بإقليم هيران، نهاية مارس 2023، وانضمامهم للجيش الصومالي.
4- دعم إماراتي واسع: تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة دعماً للحكومة الصومالية في حربها ضد حركة الشباب، فقد حضر الرئيس حسن شيخ محمود، في 19 مارس 2023، حفل تخرج دفعة جديدة من القوات الصومالية التي حصلت على تدريبات عسكرية في أوغندا، تمهيداً لانضمامها للمرحلة الثانية من الحرب ضد "الشباب"، ووجه شيخ محمود الشكر إلى أبوظبي على تحملها تكاليف تدريب هذه القوات الصومالية، والتي تم إرسال الكثير منها خلال الأشهر الأخيرة للتدريب في الدول المجاورة.
انعكاسات محتملة
هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن الشراكة الإقليمية والدولية الراهنة الموجهة ضد حركة الشباب الصومالية، يمكن عرضها على النحو التالي:
1- تطويق حركة الشباب: تمتاز الحرب الراهنة ضد الشباب عن الحملات السابقة بأنها تتسم بتعاون واسع بين القوات الحكومية والمليشيات العشائرية المحلية، وهو ما سمح للجيش الصومالي بالتغلغل داخل المناطق الريفية، بخلاف الحملات السابقة التي ركزت فيها القوات الحكومية على تأمين المدن بالأساس، وهو ما استغلته حركة الشباب آنذاك. يضاف لذلك أن الحملة الحالية تقوم فيها القوات الحكومية بالدور المركزي في هذه الحرب، على عكس حملة 2011، حينما كانت هذه القوات تقوم بدور ثانوي، بينما تولت قوات البعثة الإفريقية "أميصوم" الدور الرئيس في الحرب السابقة.
ولذا يتوقع أن يتمكن الصومال من محاصرة "الشباب" في الجنوب الصومالي من عدة جهات، في ظل التنسيق الراهن بين الصومال وجيرانها في القرن الإفريقي، فضلاً عن الدعم الأمريكي المتزايد، الأمر الذي سيزيد من الضغوط العسكرية على الحركة ويضعف نفوذها.
2- تردد كيني: لا تزال كينيا مترددة في الانخراط في الجهود العسكرية ضد "الشباب"، وذلك نظراً لتخوفها من قيام الحركة بتنفيذ عمليات إرهابية انتقامية ضدها، على غرار ما حدث في سنوات سابقة، وذلك رداً على انخراط كينيا في أي جهود تستهدف إضعافها.
3- عدم كفاية الحسم العسكري: أشار تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية إلى أنه حتى في حالة تمكنت الحكومة الصومالية من الحفاظ على المناطق، التي استعادتها بوسط البلاد ومواصلة تقدمها في الجنوب، فمن المحتمل أن تتمكن "الشباب" من الحفاظ على بقائها، بسبب تغلغلها الواسع في المجتمع الصومالي، لذا يشير التقرير إلى ضرورة إبقاء الحكومة الصومالية على مسار المفاوضات مفتوحاً كوسيلة رئيسة لإنهاء دائم لهذه الحرب، خاصة وأن الانتصارات الميدانية التي تحققها الحكومة ستجعل مقديشو في موقف قوي حال قررت الدخول في مفاوضات مع الحركة.
وفي الختام، يبدو أن هناك تحركات دولية وإقليمية جادة لتقويض نفوذ "الشباب" في الصومال، ولذا يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو ضمان الاستقرار طويل المدى في المناطق التي تستعيدها من الحركة، إذ أن المليشيات العشائرية التي تنخرط في دعم القوات الحكومية تتوقع التزام مقديشو بتنفيذ تعهداتها الخاصة بتوفير كافة الخدمات وتطوير هذه المناطق، لذا فإن أي نكوص حكومي عن هذه التعهدات سيقوض كثيراً من ثقة العشائر فيها، وسيفتح المجال أمام تركها القتال ضد "الشباب" بما يفتح الباب أمام عودة الحركة لهذه المناطق مرة أخرى.