إعداد: د. إسراء أحمد إسماعيل
ثمة مخاوف من تفاقم التهديدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة، في ظل انتشار التطرف والحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا والعراق، فهذه الأزمات الإقليمية قد تزيد من احتمالية استعانة الحكومات في المنطقة بالقوة العسكرية الأمريكية، في الوقت الذي لم تضع فيه واشنطن نهجاً استراتيجياً محدداً يوضح كيفية استخدام القوة العسكرية في الإقليم.
وقد دعا تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2014 إلى اعتماد نهج أكثر ابتكاراً ومرونة لتحقيق أهداف واشنطن في الشرق الأوسط، يشمل بناء ودعم القدرات الدفاعية لشركائها في المنطقة.
انطلاقاً مما سبق، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، في شهر سبتمبر 2015، دراسة تحت عنوان: "الدفاع الفيدرالي في الشرق الأوسط"، لمجموعة من المؤلفين، من أبرزهم: "جون ألترمان" Jon B. Alterman، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، و"كاثلين هيكس" Kathleen H. Hicks، مدير برنامج الأمن الدولي في المركز ذاته.
وتناولت الدراسة إمكانية تطبيق ما يُسمى نهج "الدفاع الاتحادي أو الفيدرالي" Federated Defense في منطقة الشرق الأوسط، والفرص المتاحة لتطبيقه، ومجالات التعاون المشترك التي تهدف لإنجاحه، وأوضحت الدراسة أن هذا النهج ينطوي على بناء قدرات الشركاء بطريقة تقوم على المشاركة وتقاسم عبء توفير الأمن بشكل أكثر فعَّالية وكفاءة، لكن البيئة المعقدة في الشرق الأوسط والتوترات السياسية وقدرات الشركاء المحدودة في المنطقة تعيق التنفيذ الفوري له.
آليات تعزيز التعاون بين واشنطن وشركائها
رأت الدراسة أن زيادة التعاون بين الولايات المتحدة وشركائها في منطقة الشرق الأوسط، يتطلب عنصرين رئيسيين، هما:ـ
1 ـ توفُّر آلية تبادل المعلومات ووجود حوار بشكل روتيني بين واشنطن وشركائها: فالحوار بين الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة يعد أمراً بالغ الأهمية. وكان اجتماع كامب ديفيد في مايو 2015 خطوة إيجابية سمحت بحوار رفيع المستوى حول قضايا استراتيجية، ومن ثمَّ ينبغي توسيع جلسات الحوار الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي (وكذلك الأردن ومصر) ليشمل حوارات عادية، وأخرى رفيعة المستوى، ومجموعات عمل لمعالجة المسائل والمخاوف الاستراتيجية. وفي هذا الإطار، يُعتبر عقد الاجتماع الوزاري الدفاعي السنوي الذي يضم الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين والشركاء، خطوة أولى مهمة في هذا المسار.
2 ـ رفع مستوى قدرات الشركاء وإمكانيات التعاون المشترك: يتعين على الولايات المتحدة أن تركز جهود التعاون الأمني في مجالات تعزيز القدرات الرئيسية، لتأمين مصالحها والنجاح في تطبيق النهج الفيدرالي أو الاتحادي.
الإمكانيات والفرص المتاحة
توضح الدراسة أن تعظيم قدرات الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط من شأنه أن يوفر لواشنطن مزيداً من الوقت للتحرك في الحالات الطارئة، والحد من حجم القوات التي تحتفظ بها في المنطقة دون أن يؤثر ذلك سلباً على الوضع الأمني.
ويعد "النهج الاتحادي" أكثر ضرورة في هذا السياق، إذ تتمثل أبرز الإمكانيات المتاحة فيما يلي:
1 ـ استخدام حاملات الطائرات جنباً إلى جنب مع جهود الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع: فمع تطور قدرات حاملات الطائرات البريطانية والفرنسية، يمكن للولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة (من 10 إلى 15 سنة) نشرها في منطقة الخليج العربي، وهذا من شأنه تخفيف العبء على البحرية الأمريكية.
2 ـ توسيع القواعد العسكرية للشركاء الأوروبيين في المنطقة: حيث تخطط بريطانيا لبناء قاعدة بحرية في البحرين، وهو ما قد يمثل فرصة في سبيل تدعيم "النهج الاتحادي" لإجراء عمليات عسكرية مشتركة. ويمكن لفرنسا أيضاً توسيع نطاق قاعدتها في دولة الإمارات بحيث تكون مشتركة مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين. وبالنسبة لأستراليا، فإن قاعدتها الجوية "المنهاد" في دبي يمكن أن تكون بمثابة مركز مؤثر للعمليات العسكرية الإقليمية حتى بعد الانسحاب من أفغانستان.
3 ـ زيادة التدريبات المشتركة متعددة الأطراف: فثمة إمكانية لإنشاء "قاعدة للتجمع" Pooling Base والخدمات اللوجستية والتدريبات المشتركة، الأمر الذي يساهم في إمكانية التحول إلى "النهج الفيدارلي أو الاتحادي".
4 ـ تعظيم الاستفادة من التواجد العسكري الخارجي: يتعين على واشنطن تقييم الكيفية التي يمكن من خلالها الاستفادة من تواجدها العسكري الخارجي، بما في ذلك مناطق القيادة الأمريكية في إفريقيا، ومناطق العمليات الواقعة في نطاق القيادة الأمريكية الأوروبية، لتعزيز الأنشطة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
5 ـ العمل على إطالة أمد عمليات الانتشار: ينبغي تطبيق مفهوم القوات المنحازة على الصعيد الإقليمي Regionally Aligned Forces (RAF) في الشرق الأوسط، بهدف ترسيخ العلاقات بين القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة والدول المضيفة، والتي تعتبر عاملاً هاماً لبناء الثقة والتعاون مع دول المنطقة.
ويركز هذا النموذج من القوات (RAF) على توسيع نطاق التفاعل بين الجنود والجيوش في الدول المضيفة لهم، والإبقاء على انتشار وحدات معينة في منطقة محددة لفترة طويلة من الزمن، فالوحدات التي تبقى منتشرة في منطقة معينة ستتمكن من فهم البيئة المحيطة بها بشكل أكثر تفصيلاً، وستتمتع بعلاقات شخصية مع نظرائها في الدول المضيفة.
وتوضح الدراسة أنه حتى الآن، لم يبدأ الجيش الأمريكي في تجربة تطبيق مفهوم انتشار قوات )RAF) في الشرق الأوسط، على الرغم من أن الكثير من القوات اكتسبت خبرات على أرض الواقع من خلال العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق.
تطوير قدرات الشركاء الإقليميين
أشارت الدراسة إلى أن تطوير القدرات العسكرية لشركاء الولايات المتحدة الإقليميين دون التطرق إلى التحديات السياسية والهيكلية نحو بناء استراتيجية أكثر اتحاداً، لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأوضاع. وبدلاً من ذلك، يمكن لواشنطن ترتيب الأولويات والتركيز على مساعدة الجهات الإقليمية الفاعلة في تطوير قدراتها في المجالات الآتية:ـ
1 ـ تبادل المعلومات الاستخبارية:
- إنشاء مركز لتبادل المعلومات الاستخبارية لمكافحة تنظيم "داعش": يمكن تطوير أساليب تبادل المعلومات بين واشنطن وحلفائها وشركائها، الأمر الذي يعمل بدوره على تحسين القدرات الدفاعية الشاملة في الشرق الأوسط. وتوضح الدراسة أن أحد الاقتراحات الحالية تتعلق بإنشاء مركز لتبادل المعلومات الاستخبارية، بحيث تكرس جهوده لدعم عملية التنسيق لمواجهة تنظيم "داعش"، وجمع المعلومات من مختلف الشركاء الإقليميين مثل: العراق والأردن والسعودية وتركيا والقوات الكردية، وجماعات المعارضة السورية، ثم تبادل هذه المعلومات لتعزيز الإلمام بالأوضاع بين أعضاء التحالف المناهض لتنظيم "داعش".
- دعم مركز استخبارات دول مجلس التعاون الخليجي: يجب على واشنطن أيضاً تشجيع دول الخليج على إنشاء مركز استخباراتي خليجي مشترك بين دول المجلس، لتعزيز تبادل المعلومات بشأن التهديدات الإقليمية.
2- أمن الحدود ومكافحة الإرهاب:
ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي النظر في إنشاء نظام فحص أمني بيومتري مشترك biometric (قائم على التحقق من الهوية من خلال الاستدلال البيولوجي)، وتوضح الدراسة أن العديد من دول مجلس التعاون الخليجي تتجه بالفعل نحو تطبيق نظام جوازات السفر الإلكترونية في محاولة للحد من الهجرة غير الشرعية وعمليات التهريب، وبالتالي فإن إنشاء قاعدة بيانات للإرهابيين يمكن أن تساعد سلطات الحدود في الحد من تحركاتهم.
3- توجيه الضربات:
يجب أن تعمل واشنطن وحلفاؤها على الإسراع في نقل وتسليم المعدات العسكرية المطلوبة لأعضاء التحالف المناهض لتنظيم "داعش"، بما في ذلك الذخائر الدقيقة التوجيه precision-guided munitions PGMs)). وينبغي التعجيل بهذه العملية لبعض الشركاء الذين أظهروا التزاماً في مكافحة "داعش"، خاصةً الأردن والإمارات.
4- الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع:
بمعنى بيع الأصول والمعدات المتنوعة الخاصة بإجراءات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث ساهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها الدوليين بقوة في هذا المجال، وعلى الأرجح سوف تستمر في القيام بذلك.
5- الأمن البحري:
- شراء المعدات البحرية اللازمة لمواجهة التهديدات المتعددة: نظراً لأن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه تهديدات متباينة، لذلك سيكون من المهم تحديد أولوياتهم بعناية وموازنة استثماراتهم، للمُضي قدماً في تطوير قدرات أمنية بحرية تكميلية أو متعددة المهام.
- توسيع نطاق التناوب على قيادة عمليات قوة الواجب المشتركة CTF-152 بين دول مجلس التعاون الخليجي: تعد بمثابة قوة دولية تشكلت في عام 2004 لتوفير الأمن البحري لمنطقة الخليج، وتتألف من 28 دولة تشارك بقطع بحرية وبوارج وفرقاطات من دول معظمها تابع لحلف شمال الأطلسي، إضافة إلى القوة البحرية من دول مجلس التعاون.
وفي هذا الصدد يتعين على واشنطن وشركائها تشجيع كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي على تولي قيادة عمليات هذه القوة لمدة أربعة أشهر على الأقل، وذلك لضمان اكتساب القوات البحرية لمعظم دول الخليج العربية الخبرات اللازمة. ففي حين أن بعض أعضاء دول المجلس مثل السعودية والإمارات شاركت بنشاط في هذه القوة، إلا أنه من المهم أن يتمتع جميع أعضاء (مجموعة الأمن البحري 81) بالخبرة اللازمة في قيادة التحالفات البحرية. ومعلوم أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت قد أعلنت في أكتوبر 2014 عن تأسيس قوة بحرية متعددة الجنسيات "مجموعة الأمن البحري 81" للقيام بدوريات أمنية في مياه الخليج.
6- الدفاع الصاروخي لدول مجلس التعاون الخليجي:
من الضروري أن تقوم واشنطن بدراسة إمكانية بيع القدرات الدفاعية الصاروخية لدول مجلس التعاون الخليجي ككل. ومن المرجح أن تتكون الدفاعات الصاروخية الاتحادية في المنطقة من مزيج من الرادارات، والصواريخ الاعتراضية، وشبكات الاتصالات، فضلاً عن توسيع نطاق تبادل المعلومات.
7- الأمن السيبراني (الإلكتروني):
تأسيس دفاعات سيبرانية أقوى لحماية البنية التحتية الحيوية: يتعين على واشنطن دعم تطوير قدرات الأمن السيبراني للشركاء الإقليميين بهدف حماية البنية التحتية الحيوية. ويعتبر إنشاء آلية مؤسسية سيبرانية مشتركة للتعاون بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي على النحو الذي اقترحه وزير الدفاع الأمريكي السابق "تشاك هيجل"، خطوة هامة في هذا المسار.
تشديد الرقابة على تصدير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج: فكي يتم منع إساءة استخدام قدرات الأمن السيبراني، ينبغي على واشنطن تشديد الرقابة على تصدير التقنيات الإلكترونية ذات الاستخدام المزدوج، والتي يمكن استخدامها من قِبل الحكومات لقمع المعارضة.
قيود تطبيق نهج "الدفاع الفيدرالي"
تشير الدراسة إلى أن ثمة تحديات سياسية وتقنية عديدة قد تُقيّد من تطوير نهج "الدفاع الاتحادي" في منطقة الشرق الأوسط. وأولى هذه التحديات هي اختلاف أولويات الدفاع بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، مما يخلق حالة من التوتر حول الاستراتيجية المتبعة وأهدافها. وثاني التحديات - من وجهة نظر الدراسة – يتمثل في وجود صعوبات في تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول مجلس التعاون الخليجي.
أما ثالث القيود فيدور حول أن تعزيز القدرات الهجومية والأنظمة المتطورة لمختلف الشركاء الهدف منه هو بناء قدرات الحليف، ولكن ليس لدرجة تُمكن هؤلاء الشركاء من العمل بشكل مستقل وبطرق تقوض المصالح الأمريكية.
وأخيراً، فثمة تحدٍ ذات صلة بتحقيق التوازن بين الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل بالمنطقة، وفي ذات الوقت توفير القدرات التي تساعد الشركاء الخليجيين وغيرهم على إدارة التحديات المشتركة.
ختاماً، أكدت الدراسة أن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب تعاون واشنطن المستمر مع حلفائها وشركائها، ويقتضي ذلك القيام بتحديد مجالات التعاون حتى يمكن تعظيم الاستفادة من قدرات الشركاء في متابعة الأهداف الأمنية المشتركة. وسوف تضطر واشنطن في هذا السياق إلى اتخاذ قرارات حول المجالات التي ستتوسع بها، ومستوى أو درجة التوسع، فضلاً عن اختيار الشركاء الذين ستتعاون معهم في توسيع وتطوير هذه المجالات.
* عرض مُوجز لدراسة: "الدفاع الفيدرالي في الشرق الأوسط"، والصادرة في سبتمبر 2015 عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
المصدر:
Jon B. Alterman, et al., Federated Defense in the Middle East, (Washington, Center for Strategic and International Studies, September 2015).