تمر العلاقات بين الأردن وإسرائيل بتوتر كبير في الآونة الأخيرة، ويرجع هذا التوتر بصورة أساسية إلى التطورات السلبية التي تشهدها القضية الفلسطينية والأوضاع داخل الأراضي المحتلة بعد تولي الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، وخاصة بعد واقعة منع السفير الأردني لدى تل أبيب، غسان المجالي، من دخول المسجد الأقصى يوم 18 يناير 2023، ما أثار رد فعل غاضب لدى الأردن. ولذلك أجرى نتنياهو زيارة إلى العاصمة الأردنية عمّان يوم 24 يناير التقى خلالها بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين في محاولة لمنع العلاقات من التدهور بصورة أكبر.
مؤشرات تأزم
تتعدد المؤشرات على تأزم العلاقات الإسرائيلية الأردنية وذلك على النحو التالي:
1- ممارسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة: مثلت التطورات المتعاقبة في القدس خلال السنوات الماضية أحد أهم العوامل المؤثرة في مسار العلاقة بين إسرائيل والأردن، وخاصة تلك المرتبطة بأحداث تصعيدية في المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في القدس؛ لأن المملكة الأردنية الهاشمية هي صاحبة الوصاية الرسمية على المقدسات الإسلامية في القدس تاريخياً.
ولذلك شكلت تطورات ما بعد أداء الحكومة الائتلافية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي توصف بالأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل، اليمين الدستورية، في 29 ديسمبر 2022، عاملًا شديد التأثير في العلاقة بين الجانبين مؤخراً، وخاصة بعد واقعة اقتحام وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لباحات المسجد الأقصى في 3 يناير 2023 برفقة مجموعة من المتطرفين وتحت حماية قوات الأمن، والذي وصفته الخارجية الأردنية بأنه "عمل استفزازي ويشكل انتهاكاً صارخاً للوصاية الهاشمية والقانون الدولي والوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس ومقدساتها".
ولا ينفصل اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى عن الإطار العام الحاكم لتوجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي تميل إلى أقصى اليمين، وتتبنى توجهاً متطرفاً إزاء مختلف ملفات القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها حل القضية القائم على مبدأ حل الدولتين، علاوة على أولوياتها المتعلقة بمخططات وسياسات التهويد في القدس وتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى والسماح للمستوطنين بدخوله وأداء الصلاة فيه، والتوسع في بناء المستوطنات وإضفاء الشرعية على المستوطنات غير القانونية القائمة، وهي الملفات التي يُنظر إليها بوصفها جزءاً من الاتفاق الذي وافقت بموجبه الأحزاب المتطرفة، وخاصة حزبي "القوة اليهودية" و"الصهيونية الدينية" على الانضمام إلى الائتلاف الحكومي لنتنياهو.
ولذلك لم تدن الحكومة أفعال بن غفير رغم وجود مؤشرات على رفض عدد من أعضاء الحكومة لها، وهي كلها مؤشرات تدلل على التوتر المرشح للتصاعد في العلاقة بين إسرائيل والأردن، لاسيّما وأن هذه الأحداث المتطرفة من المرجح تكرارها وتصاعدها، وخاصة بعد تصريح إيتمار بن غفير في 25 يناير: "مع كل الاحترام للأردن، إسرائيل دولة مستقلة، أنا اقتحمت الحرم القدسي وسأواصل اقتحامه".
2- تأكيد الخطوط الحمراء الأردنية: تتعاطى الأردن مع تولي حكومة نتنياهو والأحداث التصعيدية التي أعقبها بلغة دبلوماسية حادة ظهرت في بيانات وزارة الخارجية الأردنية المرتبطة بهذه الأحداث، وخاصة بعد واقعة منع سفير عمّان لدى تل أبيب، غسان المجالي، من دخول المسجد الأقصى يوم 18 يناير في واقعة نادرة قد تعد الأولى تاريخياً لما يتمتع به الأردن من وصاية تاريخية على المقدسات الإسلامية في القدس.
وبينما تذرعت إسرائيل بأنه لم يكن هناك تنسيق لزيارته، فإن الأردن تعاطى مع الحدث بحدة تمثلت في استدعاء السفير الإسرائيلي وتسليمه رسالة احتجاج شديدة اللهجة للتأكيد على إدانة المملكة لجميع الإجراءات الهادفة إلى التدخل غير المقبول في شؤون المسجد الأقصى المبارك، وتذكير إسرائيل بأن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية هي الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة كافة شؤون الأقصى وتنظيم الدخول إليه.
ويشير رد الفعل الأردني إلى رغبة عمّان في تأكيد وصايتها التاريخية على المقدسات الإسلامية، خاصة وأن هذه الواقعة النادرة بمنع السفير المجالي من دخول المسجد لا تتسق مع ما استقر عليه التعامل التاريخي مع الوصاية الأردنية، وما تلمسته عمّان من رغبة لدى الحكومة الجديدة في تغيير هذا الوضع التاريخي وفرض أمر واقع جديد، وهي رسالة أردنية أكدتها عودة السفير الأردني غسان المجالي إلى الأقصى مجدداً والتجول في ساحاته في نفس اليوم الذي مُنع فيه من دخوله.
واستبقت القيادة الأردنية ممارسات الحكومة اليمينية في إسرائيل بتصريحات حازمة على لسان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين في مقابلته مع شبكة "سي أن أن" الأمريكية، في 28 ديسمبر 2022، رداً على وصول حكومة نتنياهو بأنه "إذا أراد جانب ما أن يفتعل مواجهة معنا، فنحن مستعدون جيداً، ولكن أود دوماً أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس. وفي المقابل، لدينا خطوط حمراء، وإذا ما أراد أحد تجاوز هذه الخطوط الحمراء، فسنتعامل مع ذلك".
3- عودة نتنياهو إلى الحكم: ترتبط مؤشرات التأزم التي تشهدها العلاقات بين الأردن وإسرائيل كذلك بالعوامل الشخصية المتعلقة بعودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، خاصة وأن الفترة التي شهدت رئاسة نتنياهو للحكومة من 2009 وحتى 2021 مثّلت إحدى أسوأ فترات العلاقات بين الجانبين، ووصفها العاهل الأردني في نوفمبر 2019 بأنها أصبحت في أسوأ حالاتها على الإطلاق؛ وذلك إثر الخلاف حول أكثر من ملف، يأتي في مقدمتها ملف الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية في القدس والخلافات التي دارت بين البلدين بشأن هذه الوصاية، وصولاً إلى أزمة الحارس الإسرائيلي الذي تسبب في مقتل مواطنين أردنيين اثنين في السفارة الإسرائيلية بعمّان، ثم استقباله من جانب نتنياهو في مقر رئاسة الوزراء، ما أثار توترات حادة بين البلدين، وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، إبان توليه الحكومة بقوله إنه كان هناك انفصال حاد في العلاقة مع الأردن بسبب نتنياهو. وقد تهدد عودة نتنياهو وحكومته ذات التوجهات اليمينية المتطرفة بإفشال الجهود التي بذلتها حكومة بينيت – لابيد السابقة على نتنياهو لترميم العلاقة بين البلدين.
احتواء محتمل
على الرغم من المؤشرات السابقة، والتي تدلل على اتجاه العلاقات بين عمّان وتل أبيب إلى مرحلة متقدمة من التأزم والقطيعة، فإن مؤشرات أخرى في الوقت ذاته تدلل على رغبة أمريكية وإسرائيلية في احتواء الأزمة والحيلولة دون تصاعدها، وتتمثل هذه المؤشرات فيما يلي:
1- الجهود الدبلوماسية الأمريكية: مع وصول حكومة نتنياهو والتصريحات الحادة التي خرجت عن العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وكذلك الخارجية الأردنية بعد واقعة اقتحام الوزير، إيتمار بن غفير، لباحات المسجد الأقصى، كثفت الولايات المتحدة اتصالاتها مع الجانب الأردني لاحتواء الأزمة، وهو ما بدأ مع الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، يوم 6 يناير 2023 بعد اقتحام بن غفير، وشدد خلاله على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الأقصى ودور الأردن كوصي على المقدسات الإسلامية في القدس.
وبعد التطورات الخاصة بمنع السفير الأردني من دخول الأقصى وزيادة حدة الخلاف، أجرى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، زيارة إلى إسرائيل يوم 18 يناير 2023 لمناقشة عدة ملفات تتعلق بتطورات القضية الفلسطينية والداخل الإسرائيلي، بجانب ما يتعلق بالخلاف مع الأردن والوضع في القدس، وهو تحرك يستهدف بالمقام الأول تهدئة الأوضاع في القدس، ومن ثم عدم اتساع هوة الخلاف بين تل أبيب وعمّان الذي قد يؤثر في مجمل التطورات الداخلية والإقليمية الخاصة بإسرائيل، علاوة على تهيئة المناخ الملائم لمشاركة الأردن في قمة النقب.
2- زيارة نتنياهو إلى عمّان: ينظر إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى عمّان في 24 يناير 2023، التي تعد أول زيارة خارجية لنتنياهو بعد تشكيله الحكومة الجديدة، بوصفها نتاجاً أساسياً للجهود الدبلوماسية الأمريكية لرأب الصدع بين الطرفين، وخاصة زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى تل أبيب، ومن منطلق الإدراك بأن زيادة حدة التوتر ليست من مصلحة إسرائيل، خاصة إذا ما أقدم الأردن على وقف التنسيق الأمني معها، أو اتخاذ قرارات وتدابير تصعيدية ضدها مثل حكم محكمة أردنية، في 17 يناير، بإلزام السفارة الإسرائيلية في عمّان بدفع نصف مليون دولار لسائق أصابه حارس السفارة في الحادثة التي قُتل فيها أردنيان في يوليو 2017، أو ما يتعلق بوقف المشروعات الاقتصادية بين الطرفين، مثل مشروع بوابة الأردن. ولذلك حرص نتنياهو خلال لقائه بالعاهل الأردني على التعهد بالحفاظ على الوضع القائم في القدس والتأكيد على التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وفي الختام، تشير التحركات الدبلوماسية الأمريكية وزيارة بنيامين نتنياهو إلى عمّان إلى أن هناك تأكيداً على استراتيجية العلاقة بين الأردن وإسرائيل وعدم الرغبة في اتساع هوة الخلاف، أو اللجوء إلى مرحلة تجاوز الخطوط الحمراء التي أكدتها تصريحات العاهل الأردني. ويتوقف مسار العلاقة بين تل أبيب وعمّان في الفترة المقبلة على مدى نجاح الولايات المتحدة في ثني الحكومة الإسرائيلية عن ممارساتها التي تخل بالوضع القائم والتعهدات الدولية في القدس والأراضي المحتلة، على الرغم من أن عدداً من المؤشرات تدل على صعوبة عدول هذه الحكومة عن هذه الممارسات، ما يجعل الأمر مفتوحاً على كل الاحتمالات، سواءً ما يخص انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة أو تفكك الائتلاف الحكومي أو تصاعد الخلافات بين إسرائيل من جانب والأردن وغيره من جانب آخر.