صوّت مجلس الأمن الدولي، في 28 أكتوبر 2022، بالإجماع على تمديد مهام البعثة الأممية في ليبيا لمدة عام جديد، داعياً الأطراف المختلفة إلى الاتفاق على خريطة طريق جديدة تفضي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما حث مجلس الأمن على ضرورة استئناف الحوار من أجل تشكيل حكومة موحدة قادرة على فرض سيطرتها على أنحاء البلاد كافة.
قرارات جديدة:
أصدر مجلس الأمن الدولي، في 28 أكتوبر الماضي، القرار رقم 2656، حول الأوضاع في ليبيا، والذي يمكن عرض أبرز أبعاده في التالي:
1- تمديد ولاية البعثة الأممية: قرر مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) لمدة عام إضافي، بحيث تنتهي هذه المدة، في 31 أكتوبر 2023. كما رحب المجلس بتعيين الدبلوماسي السنغالي، عبدالله باتيلي، مبعوثاً أممياً جديداً في ليبيا، داعياً الأطراف الداخلية والخارجية كافة المنخرطة في الأزمة الليبية للتعاون مع المبعوث الأممي.
2- ضرورة تنفيذ الاتفاقات السابقة: أعلن مجلس الأمن الدولي عن أسفه لعدم تنفيذ عدد من مخرجات خريطة الطريق المنبثقة عن منتدى الحوار السياسي، لافتاً إلى أن الأهداف والمبادئ التي تنطوي عليها هذه الخارطة لا تزال ذات صلة بالعملية السياسية.
كما حث قرار مجلس الأمن الدولي كافة الأطراف الليبية والفواعل الدولية المنخرطة في الملف الليبي على ضرورة الاتفاق على خريطة طريق لإنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت، فضلاً عن تأكيده ضروره تشكيل حكومة ليبية موحدة، وإجراء الحوار الوطني الشامل والمصالحة بقيادة المجلس الرئاسي.
3- رفض الحل العسكري: دعا قرار مجلس الأمن الأخير الأطراف كافة إلى الامتناع عن تبني أي أعمال عنف من شأنها تهديد العملية السياسية، وملوحاً بفرض عقوبات على الأطراف التي تهدد السلام والاستقرار، أو تعرقل إجراء الانتخابات. كما طالب بالامتثال الكامل من قبل لفواعل الخارجية كافة بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
وأكد القرار كذلك ضرورة تنفيذ وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر 2020 بشكل كامل من قبل الأطراف كافة، بما في ذلك خطة العمل المنبثقة عن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في أكتوبر 2021.
4- سحب القوات الأجنبية: دعا قرار مجلس الأمن إلى "سحب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من ليبيا من دون مزيد من التأخير"، وذلك في إشارة إلى تركيا وروسيا. ومن غير المتوقع أن يتم تنفيذ ذلك البند في المدى المنظور.
5- ترحيب الفواعل الداخلية كافة: رحبت غالبية الأطراف الداخلية في المشهد الليبي بقرار مجلس الأمن الأخير، حيث عبرت حكومة الاستقرار الليبي، برئاسة فتحي باشاغا، عن ترحيبها بقرارات المجلس والقاضية بتمديد ولاية البعثة الأممية. كذا، رحب رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبدالحميد الدبيبة، بقرارات مجلس الأمن الدولي، مؤكداً التزامه ببنود خريطة الطريق الأممية التي تستهدف إنجاز الانتخابات.
وتبنى الموقف ذاته المجلس الرئاسي، برئاسة محمد المنفي، والذي دعا الأطراف كافة للتعاون مع المبعوث الأممي الجديد، كما اعتبر رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، أن القرار يتوافق مع رؤية المجلس لحلحلة الأزمة وتحقيق الاستقرار. ويكشف ترحيب الفواعل كافة أن صياغة قرار مجلس الأمن الدولي جاء عاماً بصورة لا تهدد مصالح أي من الأطراف المتصارعة في الشأن الليبي.
سياقات معقدة:
يأتي قرار مجلس الأمن الأخير بشأن ليبيا في إطار جملة من المتغيرات التي طرأت على هذا الملف خلال الأيام الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- عودة التلويح بالتصعيد العسكري: حذر قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، من إمكانية خوض حرب تحرير فاصلة حال تعثر الجهود السلمية لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، في إشارة إلى تركيا. واعتبر حفتر أن أنقرة تدفع بالبلاد نحو الحرب.
وجاء التصعيد الأخير من قبل حفتر في أعقاب اتفاقيتي التعاون العسكري التي كانت تركيا قد وقعتهما مؤخراً مع حكومة الدبيبة، واللتين يتوقع أن تعززا من النفوذ التركي العسكري في غرب ليبيا.
2- تحركات فرنسية لافتة: شهدت الأسابيع الأخيرة عقد باريس لقاءات مكثفة مع أبرز الفاعلين السياسيين في ليبيا، مثل اللقاءات التي عقدها المبعوث الفرنسي الخاص إلى ليبيا، بول سولير، وسفير باريس في ليبيا، مصطفى مهراج، مع كل من رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، وباشاغا، بالإضافة إلى نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبدالله اللافي، فضلاً عن الدبيبة. وذلك بالتزامن مع استعدادات باريس إعادة فتح سفارتها في طرابلس، وهو ما يعكس سعي باريس للعب دور جوهري في صياغة ملامح العملية السياسية المرتقبة.
3- جهود لتشكيل حكومة جديدة: نشرت تقارير غربية عن وجود خطة راهنة تمخضت عن مباحثات رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، في اجتماعاتهما الأخيرة في المغرب، تنطوي هذه الخطة على تشكيل حكومة جديدة توافقية، يجري تشكيلها حالياً بالتنسيق بين المجلسين.
وفي حالة صحة هذه التقارير، فإنه من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى الاتفاق على شخصية جديدة عوضاً عن باشاغا، بعد إخفاقاته المتكررة لدخول العاصمة طرابلس، وكذلك الدبيبة، والذي بات يواجه عزلة داخلية متزايدة، إذ إن المشري ذاته بات داعم للتكتل الساعي لإزاحة الدبيبة، لاسيما بعدما دعم الأخير منافس المشري في الانتخابات الأخيرة لمجلس الدولة، في أغسطس 2022.
4- استمرار تعثر المسار الدستوري: كشف التصويت على مواد القاعدة الدستورية عن استمرار الخلافات بين مجلسي النواب والدولة حولها، حيث صوت أعضاء مجلس الدولة بالإجماع على منع ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية، وهو ما سيزيد من صعوبة المضي قدماً نحو إجراء الانتخابات.
انعكاسات محتملة:
هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي يمكن أن تتمخض عن الزخم الدولي والأممي الراهن في الملف الليبي، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- طرح محتمل لخريطة طريق جديدة: عززت قرارات مجلس الأمن الأخيرة بشأن الملف الليبي الفرضية التي كانت عدة تقارير ألمحت إليها قبل أسابيع عن وجود مباحثات راهنة بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في ليبيا لطرح خريطة طريق جديدة، تفضي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما يتسق مع تصريحات سفيرة بريطانيا لدى ليبيا، كارولين هورندال، والتي ألمحت إلى أن الاجتماع الأخير الذي استضافته لندن، نهاية أكتوبر 2022، تضمن الاتفاق على ضرورة وضع أساس دستوري يمهد الطريق نحو الانتخابات.
2- استنساخ تجربة الصخيرات: أشارت بعض التقديرات إلى أن المباحثات الراهنة لطرح خريطة طريق قد تفضي إلى التوافق على تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة تنفيذية مصغرة، مماثلة لتجربة حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي التي انبثقت عن اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، على أن تضمن هذه الكيانات الجديدة درجة أكبر من التوافق بشأن عناصر السلطة التنفيذية الجديدة. وربما يدعم هذا الطرح القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي تضمن الإشارة إلى ضروره تشكيل حكومة ليبية موحدة قادرة على فرض سيطرتها على كافة أنحاء ليبيا.
3- استبعاد سيناريو التصعيد العسكري: على الرغم من بقاء فرص اندلاع مواجهات مسلحة خلال الفترة المقبلة، على وقع التصعيد الأخير من قبل حفتر، فإن غالبية التقديرات ترجح استبعاد هذا السيناريو، في ظل تأكيد القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، يائيل لامبرت، والتي أكدت رفض واشنطن الحل العسكري وعودة الصراع في ليبيا.
وفي الختام، يلاحظ أن قرار مجلس الأمن الجديد حول ليبيا لم يقدم أي حلول فعلية للمشاكل الرئيسية، سواء فيما يتعلق بإقرار خريطة طريق، أو تعزيز الإجراءات الرامية إلى التوجه لانتخابات جديدة، ويمكن أن يكون الموقف الجديد الذي تبناه هو محاولته كبح جماح التصعيد العسكري. ونظراً لاستمرار الخلافات الداخلية حول القاعدة الدستورية، واستمرار التباين الإقليمي والدولي، فإن الدبيبة سوف يستغل كل ذلك للاستمرار في السلطة.