عرض: عبدالمنعم علي
يُمثِّل استخدام مصادر الطاقة المتجددة واحداً من بين الأهداف الاستراتيجية التنموية التي وضعها الاتحاد الأوروبي منذ عام 2018، هادفاً من ذلك الوصول إلى نسبة 40% من استخدام واستهلاك مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ويرتبط هذا الهدف بأهداف أخرى تتمثل في معالجة قضية المناخ وتسريع الانتقال إلى مستقبل صفري من الانبعاثات الكربونية، الأمر الذي يتطلب معه إعادة تشكيل أنظمة الطاقة الأوروبية، بما يعزز من مصادر الطاقة المتجددة، ويساهم في التخلص من واردات الطاقة الروسية التي أظهرت مدى تأثيرها إثر نشوب الحرب الأوكرانية.
في هذا السياق، تناولت دراسة الباحث مارك أنتوني وآخرون الصادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، بعنوان "تحدي التوسع في مصادر الطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي نحو 2030: التعبئة من أجل مهمة شبه مستحيلة"، حيث سلطٌت الضوء على التحديات المختلفة أمام مسارات التحول للطاقة المتجددة في أوروبا، ومتطلبات العمل المستقبلي لمواجهة تلك التحديات وتحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة 2030.
تحولات استراتيجية:
بات الاهتمام بالطاقة المتجددة داخل المجتمعات الأوروبية على رأس أولويات العمل، سواء أكان على مستوى الحكومات أو الشركات، حيث ركزت العديد من الشركات والمشاريع توجهات عملها على مجالات مثل، الطاقة الشمسية والكهروضوئية اللامركزية وكذلك طاقة الرياح من ناحية، فضلاً عن توجه صناديق الاستثمار للاهتمام بمشاريع الطاقة المتجددة، وذلك كله تحقيقاً لأهداف 2030.
وتماشياً مع خطة مواجهة التغيرات المناخية، فقد عززت نحو 20 شركة داخل الاتحاد الأوروبي من إنتاجها للطاقة المتجددة رغبةً في توليد الكهرباء، وذلك تحقيقاً لأهداف عام 2030 الطامحة لإزالة الكربون وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، حيث تسعى تلك الشركات إلى تحديث وتطوير أنظمة الطاقة المتجددة في أوروبا والعمل على تكثيف نشر الطاقة الكهربائية وتحقيق نظام طاقوي منخفض الكربون.
ففي عام 2015، بلغ إجمالي الطاقة المنتجة من تلك الشركات في أوروبا نحو 511 جيجاوات، وكان الفحم هو المصدر الأساسي للطاقة بقدرة إجمالية نحو 140 جيجاوات، تليها الطاقة المائية بنحو 120 جيجاوات، ثم الطاقة النووية 115 جيجاوات وجاءت طاقة الرياح والطاقة الشمسية في ذيل القائمة بنحو 33 جيجاوات فقط، إلا أن هذا الوضع قد تبدَّل في عام 2018، عندما بات هناك توجه داخل أوروبا للتحول من الفحم إلى الغاز على خلفية ارتفاع أسعار الفحم لما يزيد عن 20 يورو للطن، إذ ضاعفت من قدراتها المُركبة في إنتاج موارد الطاقة المتجددة منذ عام 2015 حتى 2021، والتي ساهمت في زيادة نسبة الناتج من تلك الطاقة من 33 إلى 67 جيجاوات.
وارتبطت زيادة تلك النسبة من إنتاج الطاقة المتجددة بصورة أساسية بارتفاع أسعار الكربون مع توافر التقنيات منخفضة التكلفة والقطاع المالي الناضج داخل أوروبا، الأمر الذي غيٌر بصورة كبيرة من قواعد اللعبة ودعم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، بيد أن هناك ضروريات نحو ضخ المزيد من الاستثمارات داخل أسواق الطاقة في أوروبا، خاصة في ضوء المنافسة السوقية الأخرى، والمتمثلة في الفرص الاستثمارية أمام شركات الطاقة الأوروبية والمتركزة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب أفريقيا، وتايوان، واليابان، على سبيل المثال وليس الحصر.
وإذا كان التوجه الأوروبي قائماً بالأساس على التخلص التدريجي من الفحم في معظم أوروبا بحلول عام 2030، إلا أن التحولات الجيوسياسية الراهنة، وعلى رأسها الحرب الروسية – الأوكرانية، دفع بعض الدول الأوروبية لتأجيل هذا الهدف في ظل الانعكاس المباشر لتلك الحرب على أسواق الطاقة (في فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا)، وهو ما يُعرقل هدف إزالة الكربون من نظام الطاقة في ضوء احتمالية استخدام الفحم لفترة زمنية أطول.
تغير قواعد اللعبة:
لقد شهد الاتحاد الأوروبي زحاماً من جانب الشركات العاملة في مشاريع الطاقة، فإلى جانب 20 شركة متخصصة للطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي، بات هناك تحول تكتيكي من جانب شركات النفط والغاز الكبرى والتي انخرطت في القطاعات المتخصصة نفسها ومشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية والهيدروجين الأخضر. ففي الفترة بين عامي 2015 و2021، زادت شركات النفط والغاز الأوروبية الكبرى من استثماراتها الرأسمالية في مصادر الطاقة المتجددة لتصل إلى نحو 30% من إجمالي نفقاتها الرأسمالية، مع انخفاض الإنفاق الرأسمالي على النفط والغاز إلى النصف.
اتصالاً بذلك؛ بادر عدد من الشركات للتحالف فيما بينها، كما هي الحال بالنسبة لشركتي (Shell وØrsted-Repsol) لتعظيم القدرات التقنية المشتركة من أجل تطوير العمل في طاقة الرياح البحرية مع التوسع في عمليات إزالة الكربون من قطاعات البتروكيماويات والصلب والأسمنت، وهذا الأمر يتطلب توفير الطاقة الكهربائية منزوعة الكربون للاستخدام المباشر، مما يسهم بصورة كبيرة في توفير بيئة خصبة أمام الشركات العاملة في قطاع الطاقة المتجددة لضخ مزيد من الاستثمارات في استغلال الطاقة الشمسية وإنتاج الهيدروجين الأخضر.
يضاف لذلك، فإن هناك خريطة طريق أمام شركات الطاقة في أوروبا تستهدف بصورة كبيرة تقديم استثمارات في الاتحاد الأوروبي للتخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030، حيث وضعت قرابة20 شركة - تم تضمينها في إطار الدراسة - أهدافاً مشتركة تستهدف من خلالها الوصول إلى 630 جيجاوات من الطاقة المتجددة المثبتة في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030؛ ويعني ذلك مضاعفة السعة المثبتة سنوياً على مدى السنوات الخمس الماضية – أي التحول من 14 إلى 39 جيجاوات/ سنة، مع توسيع العمل على مصادر الطاقة الشمسية والكهروضوئية للوصول إلى حوالي 120 جيجاوات بحلول عام 2030، وكذلك تطوير العمل بطاقة الرياح البحرية، مع التوسعات المماثلة من جانب شركات الفحم لإنتاج البطاريات المستخدمة في تقنيات التخزين داخل محطات طاقة الرياح، بما يدعم البنية التحتية لمصادر الطاقة المتجددة، علاوة على مساعي العديد من الشركات لتكثيف العمل على الهيدروجين منخفض الكربون بأساليب متباينة.
من هنا، ستتوسع الشركات متعددة الطاقة في أوروبا، وستزداد حصتها السوقية من توليد الطاقة منخفضة الكربون ومن ثم الدفع في تحقيق أنظمة الطاقة المتجددة، وهذا الأمر يتطلب نفقات رأسمالية مرتفعة وقدرات تكنولوجية هائلة، وهو الأمر الذي يحول دون دخول لاعبين مستقلين وصغار، خاصة في ظل ما تمتاز به شركات الطاقة الكبرى من قدرات مالية ضخمة ناتجة بالأساس من عوائد النفط والغاز، وهو ما يفسح المجال واسعاً أمام مزيد من الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة.
تحديات متباينة:
يواجه التحول المطلوب لتحقيق نسب استعمال نحو 40% من الطاقة المتجددة في دول الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030 عدد من التحديات تكمن في الآتي:
- فجوة التنسيق والدعم حيال أنظمة الطاقة المتجددة: ثمة فجوة في قدرات دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالموارد المخصصة لتوليد الطاقة المتجددة والداعمة للنظام البيئي، الأمر الذي أثَّر على دور مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة وإجمالي السعات المُركبة داخل كل دولة على حدة، ويتجلى ذلك في عام 2021، حيث شهدت كل من ألمانيا، وإسبانيا، والبرتغال، وفرنسا، وإيطاليا، والسويد ديناميكية نحو نشر أنظمة الطاقة المتجددة، بينما لا تزال دول وسط أوروبا لا تتحرك بذات الوتيرة في استخدام تلك الأنظمة، وهو ما يتناقض مع أهداف الاتحاد الأوروبي المتمثلة في إزالة الكربون من قطاع الطاقة داخل الاتحاد بأكثر الطرق تجانساً وتوزيعاً.
- تراجع القدرة التنظيمية والسوقية الأوروبية: يشهد السوق الأوروبي حالة من الركود في الاستثمار بقطاع الطاقة المتجددة، والذي وصل إلى مستويات قياسية خلال عام 2016، ويعود ذلك إلى عدم جاذبية الإطار التنظيمي والسوقي الأوروبي الذي يشهد نمواً اقتصادياً متباطئاً؛ أي أن هناك حالة من الافتقار للحوافز الداعمة للشركات المختصة بالطاقة المتجددة، علاوة على ما سببته الحرب الروسية - الأوكرانية من تأثيرات متعددة على قطاع الطاقة في أوروبا بصورة خاصة وعلى العالم بشكلٍ أوسع، خاصة في ضوء اختناقات سلسلة التوريد والإمدادات المختلفة على ضوء الأزمات المختلفة في أوكرانيا والصين.
- استراتيجية الاستثمار الجغرافي: يعاني قطاع الطاقة المتجددة داخل دول الاتحاد الأوروبي عدم استقرار وديمومة، بسبب سعي الشركات إلى مضاعفة استثماراتها السنوية في مصادر الطاقة المتجددة خارج أوروبا بنحو 40% من إجمالي طاقتها المركبة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية وذلك خلال عام 2021. إذ تم التركيز على الاستثمار في الأمريكيتين عبر الاستحواذ على محطات الطاقة الكهرومائية في أمريكا اللاتينية وتطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الولايات المتحدة الأمريكية والأسواق الرئيسية، كالبرازيل وشيلي وبيرو والمكسيك. ويعود ذلك التوسع الخارجي للنمو المرتفع والعوائد الهائلة في الأسواق غير التابعة للاتحاد الأوروبي إلى جانب الدعم المقدم من البنوك متعددة الأطراف، والعمل على تنويع الأنشطة في مناطق جغرافية متباينة من العام وتطوير قدرات تلك الشركات الفنية خاصة في ضوء الصناعات التحويلية.
متطلبات المعالجة:
يتطلب توسيع المسار الأوربي نحو التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة عدد من المتطلبات من أبرزها، ما يلي:
- زيادة الإنتاجية والمخصصات المالية: إن التحول لنسبة 40% من مصادر الطاقة المتجددة خلال عام 2030 يتطلب تكثيف العمل على زيادة الإنتاج من طاقة الرياح بنحو 350 جيجاوات إضافية، و250 جيجاوات من الطاقة الشمسية، أي زيادة إجمالية تصل إلى 600 جيجاوات وصولاً لعام 2030، ولعل هذا الهدف يحقق متطلبات مواجهة التغير المناخي، ويتطلب هذا الأمر زيادة المخصصات المالية للاستثمار في قدرات توليد الطاقة المتجددة ما بين 440 و 600 مليار يورو، بالإضافة إلى زيادة المخصصات المالية للشبكات المطلوبة بحلول عام 2030 بحوالي 300 - 350 مليار يورو.
- إجراءات داعمة ومحفزة: إن التحديات التي تواجه سلسلة التوريد والتضخم وارتفاع تكاليف المعدات، تتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة من الحكومات الوطنية تشمل التخطيط طويل الأجل ومزيد من التخصيصات للأراضي أمام الشركات المختلفة خاصة في المناطق البحرية، كذلك يجب العمل على تبسيط الإجراءات الإدارية، حيث يجب تسريع منح التصاريح، وكذلك العمل على تنسيق موحد وعملية شاملة تعزز المشاركة المالية للمجتمعات المحلية، مع تأمين سلاسل التوريد وتسريع جهود تصنيع الطاقة الشمسية الكهروضوئية وتأمين الوصول للمواد الخام.
ختاماً؛ إن المساعي المختلفة لشركات قطاع الطاقة الأوروبية لتوسيع أنشطتها حيال الطاقة المتجددة، تُمثل نقطة داعمة لأهداف 2030 الأممية، وهذا الأمر يتطلب مواءمة النظام البيئي بأكمله وتنسيقه بشكلٍ عاجل لتسهيل الاستثمارات وتسريع معدلات الانتشار، مع توفير البنية التحتية واللوجستيات والتقنيات الداعمة لتحقيق سياسات منخفضة الكربون، والعمل على حوكمة الشركات لتعزيز صناعة الطاقة الشمسية الكبيرة والجديدة في الاتحاد الأوروبي، والدفع نحو تحقيق أهداف 2030.
المصدر:
Marc-Antoine EYL-MAZZEGA, Carole MATHIEU, and Ignacio URBASOS, The EU’s RenewablesExpansion ChallengeTowards 2030Mobilizing for a Mission Almost Impossible, The French Institute of International Relations (Ifri), 2022.