أعلن وزير الدفاع المالي، ساديو كامارا، عن تسلم بلاده شحنة أسلحة روسية، في 30 مارس 2022، تتضمن مروحيتين هليكوبتر هجوميتين من طراز "مي – 24 بي" (Mi – 24P)، بالإضافة إلى أنظمة رادار متنقلة من طراز "بروتيفنيك – جي إي / 59 إن 6 تي إي" (Protivnik-GE / 59N6-TE)، فضلاً عن عدد آخر من المعدات العسكرية الروسية، حيث تضاف هذه الشحنة لمجموعة الشحنات التي كانت أرسلتها موسكو لباماكو في وقت سابق، وذلك بموجب الصفقة المبرمة بين الطرفين والتي تشمل التدريب والتسليح.
وجود روسي متصاعد:
شهد الملف المالي خلال الفترة الأخيرة جملة من المتغيرات المتلاحقة والمتداخلة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- زيارة كامارا لموسكو: قام وزير الدفاع المالي، ساديو كامارا، بزيارة إلى موسكو في مطلع مارس الماضي، برفقة قائد القوات الجوية المالية، آلو ديارا، حيث تضمنت هذه الزيارة بحث تعزيز التعاون العسكري المشترك.
ويبدو أن هذه الزيارة قد تضمنت تقدم مالي بطلبات لموسكو لتزويدها بصفقات تسليح محددة من أجل زيادة قدرة الجيش المالي على صد الهجمات التي تشنها الجماعات الإرهابية، خاصةً بعد القرار الأوروبي والفرنسي بالانسحاب من مالي.
2- شحنة أسلحة روسية جديدة: أعلنت القوات المسلحة المالية عن تسلمها دفعة جديدة من المعدات العسكرية الروسية، والتي تسلمها وزير الدفاع، ساديو كامارا، في مطار باماكو في 30 مارس الماضي، تضمنت هذه المعدات مروحيتين هليكوبتر هجوميتين، واللتين تضافان إلى طائرات "مي – 35" الأربع التي كانت باماكو قد تسلمتها من موسكو في وقت سابق، بالإضافة إلى أنظمة رادار متنقلة من طراز "بروتيفنيك – جي إي / 59 إن 6 تي إي"، والذي يستطيع أن يرصد أي أجسام طائرة تطير على ارتفاعات تصل إلى 200 كيلومتر، ولمسافة تصل إلى 450 كيلومتراً.
ويلاحظ أنه إذا كانت المروحيات العسكرية سوف تدعم الجيش المالي في مواجهة العناصر الإرهابية، فإن الرادارات المتطورة التي حصلت عليها باماكو يبدو أنها تهدف إلى مراقبة الأجواء المالية، خاصة أن باماكو اتهمت باريس في 12 يناير بأن طائرة نقل عسكري فرنسية من طراز "آيه 400" اخترقت المجال الجوي المالي في 11 يناير، حيث انطلقت من أبيدجان في كوت ديفوار إلى جاوا في مالي مع إغلاق جهاز الاستقبال والإرسال اللاسلكي الخاص بها. كما يمكن أن تستخدم مالي الرادارات الجديدة لتنسيق العمليات الجوية التي سيقوم بها الجيش المالي.
3- عملية واسعة ضد الجماعات الإرهابية: أعلن الجيش المالي أنه نجح في تصفية نحو 203 عنصراً من الجماعات الإرهابية، في عملية واسعة شنّتها قواته المسلحة، خلال الفترة الممتدة من 23 و31 مارس الماضي، في منطقة "مورا"، بوسط مالي.
كما أسفرت هذه العملية عن اعتقال نحو 51 من العناصر الإرهابية، بالإضافة إلى مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي كانت بحوزة هذه العناصر، حيث أعلنت وزارة الدفاع المالية أنها أقدمت على هذه العملية بناء على معلومات استخباراتية أفادت باحتشاد عناصر إرهابية في هذه المنطقة لعقد اجتماع.
وفي المقابل، اتهمت منظمة "هيومان راتيس واتش"، في 5 أبريل الجاري، الجيش المالي، وبمساعدة عناصر من شركة فاجنر الروسية، قد قتلوا نحو 300 فرد في قرية مورا، وأنه على الرغم من أن كثيراً من هؤلاء القتلى هم من العناصر الإرهابية، فإن هناك مدنيين قتلوا أيضاً، وهي الاتهامات التي نفتها رئاسة أركان الجيش المالي في اليوم ذاته.
وفي حالة تأكد مشاركة قوات روسية في هذه العملية، فإن هذا سيكون مؤشراً على أن دور القوات الروسية لا يقتصر على التدريب والدعم للجيش المالي، ولكن المشاركة في العمليات العسكرية كذلك.
رسائل موسكو وباماكو:
عكست صفقة التسليح الروسية التي وصلت إلى الحكومة المالية، بالتوازي مع التطورات التي تشهدها منطقة مورا عن عدة دلالات مهمة، يمكن عرضها على النحو التالي:
1- تعزيز استقلالية القوات المالية: تعد الشحنة العسكرية الأخيرة التي أرسلتها روسيا للحكومة المالية، جزءاً من صفقة تسليح تم توقيعها بين البلدين منذ نحو شهرين، وبالتالي فهي ليست مساعدات عسكرية، ولذا يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الشحنات العسكرية الروسية لمالي، في إطار الدعم المقدم للأخيرة لمواجهة الجماعات الإرهابية المنتشرة هناك.
ومن ناحية أخرى، عكست طبيعة صفقة التسليح التي تسلمتها باماكو من روسيا، إلى الرد على قرار الانسحاب الفرنسي والأوروبي من مالي، والذي استهدف خلق حالة من الفراغ الأمني المقصود لإثبات إخفاق موسكو في ملء هذا الفراغ الناجم عن الانسحاب الغربي.
2- رسالة روسية للغرب: عكست صفقة التسليح الروسية التي وصلت لمالي، رسالة ضمنية تعمدت موسكو إرسالها للغرب، مفادها أن الحرب الراهنة في أوكرانيا لن تكون عقبة أمام توسع النفوذ الروسي في الساحل الأفريقي، خاصة مع تداول أخبار غربية تشير إلى سحب موسكو عشرات العناصر من شركة فاجنر من أفريقيا، للمساعدة في العمليات العسكرية في كييف، غير أن صفقة التسليح الروسية الأخيرة إلى جانب المزاعم الغربية بمشاركة قوات روسية في مواجهة الإرهابيين تفند هذه المزاعم.
3- بؤرة ملتهبة: تعد بلدة مورا إحدى المناطق التي باتت تشكل بؤرة توتر رئيسة في وسط مالي منذ عام 2015؛ وذلك بسبب تمركز الجماعات الإرهابية داخل القرية وتغلغل عناصرها داخل المزارعين للتخفي عن الجيش المالي، بل وتشير تقارير إلى تورط عدد من السكان في دعم العناصر الإرهابية.
وشهدت هذه البلدة خلال الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في وتيرة العنف من قبل تنظيمي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وداعش في الصحراء الكبرى، حيث قتل هؤلاء المتطرفون العشرات من قوات الأمن المالية منذ مطلع 2022، بالإضافة إلى مئات من المدنيين خلال مارس الماضي، ويبدو أن هذا التصعيد في وتيرة العنف في هذه المنطقة كانت سبباً رئيساً في العملية الموسعة التي شنّتها القوات المالية ضد الجماعات الإرهابية المنتشرة هناك.
انعكاسات أمنية محتملة:
تعكس المتغيرات المتلاحقة التي تشهدها مالي عن جملة من الارتدادات المحتملة، التي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- تصاعد التنافس الروسي – الغربي: تعكس المعطيات الراهنة اتجاه التنافس الروسي – الغربي في الساحل الأفريقي للتصاعد، وهو ما يتضح من متابعة التصريحات الأمريكية والأوروبية حول العمليات العسكرية في منطقة مورا، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في 3 أبريل الجاري، أن هناك تقارير متباينة بشأن أعداد وماهية القتلى في وسط مالي، والجهات المسؤولة عن هذه العمليات العسكرية، ولذا طالبت الخارجية الأمريكية بإرسال محققين إلى المنطقة.
وبالمثل، أعلنت الخارجية الفرنسية عن قلقها إزاء بعض التقارير التي أشارت إلى وقوع قتلى في بلدة مورا بوسط مالي، متهمة في ذلك عناصر الجيش المالي وبالتعاون مع مجموعة فاجنر الروسية بالتورط في قتل مدنيين، كما حث كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، السلطات المالية على فتح المجال أمام بعثة "مينوسما" للوصول إلى مورا. وانضمت ألمانيا إلى جبهة المنتقدين مطالبة بضرورة التحقيق المستقل بشأن هذه الأحداث.
وجاءت هذه الانتقادات متواكبة مع تقارير إعلامية غربية سعت لتصوير بأن عملية مكافحة الإرهاب المالية أوقعت خسائر كبيرة في صفوف المدنيين الموجودين في القرية، وأن عددهم يتراوح بين 300 و500 فرد، وأن الجيش المالي يستهدف المدنيين المتواطئين مع الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة.
وفي المقابل، تتهم مالي وموسكو السلطات الفرنسية بدعم الجماعات الإرهابية للتخلص من السلطات الانتقالية في مالي برئاسة عاصمي جويتا، حليف موسكو، خاصة مع تصاعد نطاق العمليات الإرهابية، والتي يبدو أنها باتت تستهدف إسقاط الحكومة المالية.
وأشارت تقارير أفريقية إلى وجود نوع من الازدواجية في الموقفين الأمريكي والأوروبي إزاء العمليات العسكرية الأخيرة ضد مورا، باعتبار أن هذه العمليات استهدفت بالأساس العناصر الإرهابية المنتشرة هناك، بل إن المدنيين المزعوم سقطوهم خلال هذه العملية هم بالفعل متورطون في دعم الجماعات الإرهابية المتمركزة في المنطقة.
2- تمدد إرهابي محتمل: تتجه الجماعات الإرهابية المنتشرة في مالي إلى محاولة توسيع نطاق سيطرتها في المنطقة. ولعل هذا ما انعكس في العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت معسكر "موندورو" وسط مالي مطلع مارس الماضي، والتي أفرزت نحو 27 قتيلاً من عناصر الجيش المالي، فضلاً عن العمليات الإرهابية التي شهدتها مناطق مختلفة في باماكو.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه من الواضح أن عمليات الجيش المالي قد تمكنت من تحسين الوضع الأمني، فقد أشارت الأمم المتحدة في تقريرها عن مالي إلى تراجع عدد العمليات الإرهابية في مالي من حوالي 147 عملية إرهابية في الربع الأخير من 2021 إلى حوالي 103 عملية في الربع الأول من 2022.
وفي الختام، يبدو أنه على الرغم من تصاعد حدة التنافس الروسي – الغربي، فإن كثير من التقديرات تشير إلى أن موسكو ستعمد خلال الفترة المقبلة إلى توسيع حضورها في مالي، وذلك عبر زيادة حجم الإمدادات العسكرية لباماكو، فضلاً عن عمليات التدريب الموجهة لعناصر الجيش المالي.