إعداد: باسم راشد
تواجه المنطقة العربية بعد الثورات عدداً من التحديات؛ أبرزها التحدي الأمني في ظل تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في الداخل وعبر الحدود، والتحدي الاقتصادي بما يحمله من مؤشرات سلبية متعددة مثل ارتفاع الأسعار وتزايد معدلات البطالة والفقر وغيرها، بالإضافة إلى التحديات السياسية المرتبطة بمحاولات إعادة بناء الدولة الوطنية، فالبعض يسعى إلى إنشاء نظم سياسية جديدة، والآخر لايزال عالقاً أمام أزمات ممتدة.
في ضوء ذلك، أصدر "معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية" (EUISS) دراسة تحت بعنوان: "مستقبل العرب.. ثلاثة سيناريوهات لعام 2025"، شارك فيها مجموعة من الخبراء والباحثين، وحررها كل Florence Gaub كبير المحللين في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، وAlexandra Laban مساعد باحث في الجمعية البرلمانية للناتو في بروكسل.
وتُعد الدراسة خلاصة عدة جلسات ضمت مجموعة كبيرة من الخبراء، بهدف التنبؤ بمستقبل الدول العربية، اعتماداً على المعلومات المتاحة حالياً، والتي لا يبدو أنها ستتغير بمرور الوقت وبأدنى نسبة ممكنة من التخمين، للوصول إلى تلك السيناريوهات المحتملة والمعقولة لصُنَّاع القرار في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجاه الأزمات التي تواجه المنطقة.
السيناريو الأول: الاضطراب العربي The Arab Simmer
يشير هذا السيناريو – طبقاً لما تضمنته الدراسة - إلى أن الدول العربية ستواجه في عام 2025 العديد من التحديات فيما يتعلق بالبطالة والمشاركة السياسية، فضلاً عن تمدد تهديد الإرهاب. وبرغم محاولات احتواء هذا الخطر الأخير، فإن نطاقه سيجعل الإقليم عالقاً في صراع ممتد، بما يؤجل أي عمليات إصلاح داخلية من منطلق الأسباب الأمنية. فالصراع والعنف الممتد في سوريا ولبنان وإسرائيل والعراق واليمن لن يمنع التكامل الإقليمي فقط، بل يعوق أيضاً التنمية الاقتصادية على نطاق واسع داخل المنطقة.
ولذا، فإن البطالة التي يعاني منها غالبية الشباب، والتي كانت محركاً أساسياً للثورات في العالم العربي، سترتفع بشكل أكبر في عام 2025، إذ تقف نسبة البطالة في الوقت الحالي عند 30% نتيجة عدم قدرة أسواق العمل على استيعاب العمالة خصوصاً الحاصلين على مؤهلات عليا. كما أنه رغم بعض الإصلاحات التي قامت بها بعض دول الثورات العربية، فإن النتائج ليست مشجعة بشكل كبير.
من ناحية أخرى، يؤكد الخبراء أن تنامي خطر الإرهاب أدى إلى انخفاض معدلات الاستثمار الأجنبي في العديد من البلدان، وهو ما ترتب عليه تقليل فرص العمل؛ فمصر على سبيل المثال خسرت العديد من مستثمريها بسبب الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب في ضوء الهجمات التي تتعرض لها مقار الشركات الاستثمارية الكبرى، وهو ما يجعل تلك الأخيرة تنقل استثماراتها في مناطق أكثر أمناً واستقراراً.
وتشير الدراسة إلى أن معظم الاستثمارات الخارجية في عام 2025 ستتجه إما إلى دول الخليج المستقرة بطبيعتها، أو إلى تونس، وهي الدولة الوحيدة من دول الثورات القادرة حتى الآن على جذب المستثمرين.
وعلى صعيد إيجابي، يمكن الإشارة إلى أن خطر الإرهاب الذي يواجهه الإقليم قد ساهم في توحيد الدول العربية لمواجهته، فالتهديدات الإرهابية التي تواجهها دولة الإمارات في 2020 خلال انعقاد معرض "إكسبو" أو التهديدات أثناء كأس العالم المقرر إقامته في قطر 2022، قد ساعدت في تكوين تحالف يعتمد على تبادل المعلومات الأمنية وتنسيق الجهود المشتركة بين الدول لمواجهة ودحر الخطر الإرهابي الممتد.
وتواجه الدول العربية كذلك تحديات أخرى تهدد استقرار الإقليم؛ لعل أبرزها التوترات الأمنية في سوريا وليبيا، واستمرار إيران في تطوير برنامجها النووي. فالحرب الأهلية السورية ستستمر في التأثير سلباً على لبنان والعراق والأردن من الناحية الاقتصادية، في ظل فشل كل اتفاقيات السلام بين النظام والمعارضة، ويبدو أن الأزمة مرشحة للاستمرار في ضوء الانقسام الداخلي الذي تعاني منه سوريا وفي ظل عدم توحد قوى المعارضة السورية.
أما في ليبيا، فالوضع يتجه إلى التحسن البطيء فيما يتعلق بالعنف الممتد الذي برز بعد موت القذافي، لكن مازالت ليبيا تعاني من العديد من الأخطار مثل انتشار العنف في كل مكان وانخفاض إنتاج النفط؛ فبعد أن كانت ليبيا تنتج ما يقرب من 1.6 مليون برميل يومياً، أصبحت تنتج الآن ما يتراوح بين 500 – 800 ألف برميل يومياً، وهو ما يعد غير كافياً لإعادة بناء بنية الدولة الأساسية.
وبالنسبة لإيران، فإنها مازالت تمثل تهديداً لدول الخليج نتيجة استمرارها في برنامجها النووي، بما جعل دول الخليج تسعى هي الأخرى لتنمية قدراتها العسكرية الدفاعية؛ الأمر الذي يضع الإقليم بالكامل في حالة عدم استقرار.
وبالتالي فإن السيناريو الأول يفترض أن "الدول العربية ستسعى لعمل إصلاحات، إلا إنها لن تكن كافية لإحداث تغيير حقيقي في حياة المواطنين".
السيناريو الثاني: الانهيار العربي The Arab Implosion
يفترض هذا السيناريو تراجع العالم العربي في العديد من الجبهات، وذلك بسبب ظهور تنظيم "داعش" في عام 2014، والذي أدخل الإقليم في اضطراب كبير جعل الدول العربية تُرسِّخ كل إمكانياتها لمحاربته، وإهمال تحقيق إصلاحات اقتصادية التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة وتحقيق التنمية، حيث سيؤدي إهمال أو بالأحرى تأجيل الإصلاح إلى تآكل نمو الاقتصادات العربية وشل حركتها نتيجة لعدد من العوامل منها عدم الاستقرار، وعدم استدامة الدعم، وارتفاع أسعار الغذاء وغيرها.
ومع استمرار هذا الأمر، سترتفع البطالة في الدول العربية بشكل كارثي، طبقاً لهذا السيناريو، وبالتالي لن يكون أمام هذا الشباب العاطل إلا أن ينضم للتنظيمات الإرهابية الإقليمية أو يشارك في المظاهرات العنيفة الرافضة للحكومات وسياساتها.
ويفترض هذا السيناريو أن تونس ستتحول إلى دولة سلطوية من جديد بعد أن كانت على طريق الديمقراطية، وذلك نتيجة عدم الاستقرار الداخلي وتنامي الخطر الإرهابي؛ بما سيدفع المؤسسات الأمنية الداخلية والخارجية إلى تأجيل عمليات الإصلاح في الوقت الحالي نتيجة لهذا الخطر، وفي نفس الوقت ستبدأ اتهامات التعذيب من جانب رجال الشرطة للمواطنين في الظهور للأفق.
على الجانب الآخر، ستتحول ليبيا مع استمرار الصراعات داخلها إلى منطقة كبيرة غير محكومة، حيث ستعمل فيها الشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية بحرية تامة، مما سيؤثر سلباً على جيرانها. كما ستبدأ تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية في إنشاء هياكل للبنية التحتية الخاصة بها، فيما ستركز جماعات أخرى على عمليات الخطف ومبيعات الأسلحة.
أما بالنسبة للجزائر، فإن اقتصادها يعتمد بشكل رئيسي على قطاع المحروقات "الهيدروكربون"، وفي ضوء استمرار التذبذب في أسعار النفط العالمية ومع تزايد معدلات إنفاقها الاجتماعي وتوسع ميزانية دفاعها، فإن اقتصادها لن يصبح قادراً على مواجهة التحديات المتزايدة، فضلاً عن عدم توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
وعلى الصعيد السوري، فإن الصراع سيكون قد انتهى بعد 15 سنة، إلا أنه لم ينته على أساس من الاتفاق المشترك، بل على افتراض استسلام الجيش السوري الحر. كما يمكن القول إن النظام السوري الجديد لن يكون قادراً على السيطرة على البلاد بالكامل في ظل استمرار تعاون بعض الجماعات داخل سوريا مع تنظيم "داعش".
أما إيران، فإنها ستكون قد امتلكت سلاحها النووي بعد أن غادرت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، كما أنها ستعزز من التوترات الطائفية ليس فقط في اليمن ولبنان، ولكن في أماكن أخرى. وستسعى كل من السعودية ومصر إلى بحث خيارات شراء الأسلحة النووية لأنفسهم أيضاً. كما ستمتلك منظمتا حماس وحزب الله - حلفاء إيران من غير الدول - الصواريخ الباليستية، مما يهدد الإقليم كافة بالانهيار وليس فقط بالاضطراب، كما يفترض هذا السيناريو.
السيناريو الثالث: الطفرة العربية The Arab Leap
يفترض هذا السيناريو أن الطفرة العربية سوف تبدأ بعد 5 سنوات من الثورات؛ إذ سيبدأ الاقتصاد العالمي، وبالتحديد منطقة اليورو، يتعافى، سوف تتمكن الاقتصادات العربية من أن تكون نقطة تحول رئيسي في هذا الأمر، حيث إن تطبيق اتفاقية التجارة العربية الحرة مقروناً بتخفيض 5% في وسائل المواصلات، إلى جانب إحلال 20% من العمالة العربية في دول الخليج بدلاً من العمالة الأجنبية، سوف يساهم في إحداث تحول هام في الاقتصادات العربية.
وطبقاً لهذا السيناريو، فسوف تنخفض البطالة في مصر بين العمالة الماهرة بنسبة 8%، وفي المغرب بنسبة 7.2%، وفي تونس بنسبة 6.9%. كما سترتفع معدلات الناتج المحلي الإجمالي في جميع الدول العربية، وبالتحديد في مصر إلى 6.2%، وتونس بنسبة 4.2%.
وبالإضافة إلى هذا التكامل والنمو الاقتصادي في جميع الدول، فإن قيام الدول العربية - وبالتحديد مصر - بعمل إصلاحات هامة في مجال التعليم سوف يؤدي إلى انخفاض مستدام في معدلات البطالة.
وبحلول عام 2016 سيصل الإقليم إلى طفرة غير مسبوقة، سواء من حيث مواجهة البطالة أو مكافحةالإرهاب، وهي القضايا التي تتعلق تقريباً بكل دولة عربية، وذلك انطلاقاً من إدراك الدول العربية في النهاية بأن تلك المشكلتين الأساسيتين لن يتم حلهما إلا بالتعاون المشترك.
كما ستقدم بعض الدول عدداً من المبادرات لحل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها دول المنطقة، وهنا تتوقع الدراسة تقديم خطة اقتصادية موسعة على غرار خطة "مارشال" بعد الحرب العالمية الثانية، والتي من شأنها أن تقدم تمويل قيمته 100 مليار دولار لإنعاش الاقتصادات العربية المريضة، وتقديم الدعم الحيوي لها للقيام بالإصلاحات الضرورية بطريقة مستدامة اجتماعياً بهدف تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وستساهم تلك التنمية الاقتصادية في تقليل أعداد المنتمين للتنظيمات الإرهابية، ومحاصرة الإرهاب بشكل يحول المشكلة من تهديد استراتيجي لأمن الدول إلى مجرد مشكلة "مزعجة"، وذلك بالتزامن مع السياسات العربية المشتركة في مكافحة الإرهاب، والتي ستثبت فعاليتها في تقويض هذا الخطر، بل وستزيد من ثقة العرب في بعضهم البعض.
وفي عام 2025 من المتوقع أن تؤسس الدول العربية قوات حفظ سلام خاصة بها تكون تابعة لجامعة الدول العربية، وتكون أول مهمة لها في سوريا، والتي سيمهد اتفاق السلام فيها إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة.
وبشكل عام، فالاضطراب السياسي داخل الإقليم سيظل حاضراً، لكن لن يكون له نفس الآثار التخريبية، كما أن المظاهرات في بعض الدول مثل مصر والجزائر لن تؤدي إلى استقطاب في المشهد السياسي بل على العكس. كما ستنخرط بعض تيارات الإسلام السياسي في العملية السياسية حتى لو تحت مسميات جديدة، لكن بأفكار أكثر انفتاحاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمساواة وغيرها.
وعلى صعيد متصل، وفي عام 2025 ستكون إيران قد أنهت برنامجها النووي، وهو ما سيؤدي في البداية إلى تخوف دول الخليج في ظل عدم ثقتها في نوايا طهران، إلا أنه بمرور الوقت وبوساطة الأمم المتحدة ستؤدي إجراءات بناء الثقة إلى تحسين الأوضاع وتوفيقها بين إيران ودول الخليج.
ختاماً، تؤكد الدراسة على أن الدول العربية تواجه تحديات جمَّة، بما يجعل التعددية والتعاون المشترك هي المفتاح لكل تلك المشكلات، بل إنها أصبحت ضرورة أكثر منها اختياراً، وأن الحل دوماً سيكون إقليمياً، ولم يعد محلياً أو دولياً بعد ذلك، نظراً لطبيعة التهديدات التي تواجهها هذه الدول. وإذا أخذت الدول العربية الطريق الخطأ في مواجهة تلك الأخيرة، فإن ذلك لن يؤدي فقط إلى عدم الاستقرار الممتد، بل أيضاً إلى خسارة العديد من المكاسب التي كان يمكن تحقيقها في العقود الأخيرة.
* عرض مُوجز لدراسة: "مستقبل العرب.. ثلاثة سيناريوهات لعام 2025"، الصادرة عن معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، فبراير 2015.
المصدر:
Florence Gaub, Alexandra Laban (Editors), Arab futures: Three scenarios for 2025 (Paris, European Union Institute for Security Studies, February 2015).