تصاعد التوتر بشكل مفاجئ على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا في نوفمبر 2021، على خلفية محاولة الآلاف من المهاجرين المُحتشدين ضمن الأراضي البيلاروسية العبور إلى بولندا. وتعتبر الأوساط الأوروبية أن هذه الأزمة مُدبرة من قِبل الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، ومن خلفه الرئيس الروسي، بوتين، وأنه تم استدراج هؤلاء اللاجئين للقدوم إلى بيلاروسيا، ثم دفعهم لاحقاً لمحاولة العبور نحو أوروبا عبر اجتياز بولندا. وفي المقابل، فإن الخطاب البيلاروسي والروسي شبه الموحد حول هذه المسألة، يضع المسؤولية المباشرة على أوروبا التي تسببت عبر تدخلاتها العسكرية في تزايد موجات اللجوء حول العالم بعد انهيار الدول التي يأتي المحتشدون على الحدود منها جراء تلك التدخلات الأوروبية.
أسباب الأزمة:
يمكن حصر أسباب ودوافع أزمة المهاجرين واللاجئين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، في النقاط التالية:
1- رد بيلاروسيا على العقوبات الأوروبية: لم يستسغ رئيس بيلاروسيا، لوكاشينكو، عدم اعتراف أوروبا بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في بلاده في أغسطس 2020 وأفضت إلى فوزه، كما أنه لم يهضم الانتقادات الأوروبية الموجهة إليه على خلفية تعامله مع موجة الاحتجاجات الداخلية التي نشبت للاعتراض على نتائج هذه الانتخابات.
وتحولت هذه الانتقادات الأوروبية إلى عقوبات مع اعتراض بيلاروسيا طائرة "رايان إير" كانت متجهة من أثينا إلى ليتوانيا في مايو 2021، وإجبارها على النزول في بيلاروسيا تحت حجة وجود قنبلة فيها، ليتبين بعدها أن الهدف كان إلقاء القبض على المعارض البيلاروسي "رومان بروتاسيفيتش" الذي كان على متن هذه الطائرة. لذلك قد يكون من أحد أهداف افتعال أزمة اللاجئين بين بيلاروسيا وبولندا، محاولة لوكاشينكو فرض مقايضة بين حل هذه الأزمة وبين رفع العقوبات الأوروبية عن نظامه وإرغام القادة الأوروبيين على الاعتراف بشرعيته.
2- استهداف الدول التي تستقبل معارضين بيلاروس: كان رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي، من أوائل الداعين إلى ضرورة عقد اجتماع أوروبي على مستوى القمة لمناقشة الوضع في بيلاروسيا، بالإضافة إلى أن بولندا أعلنت أنها ستستقبل على أراضيها ومن دون "فيزا" أي بيلاروسي معارض، مما دفع الكثير من قادة المعارضة البيلاروسية للانتقال إلى بولندا. كذلك تضم وراسو مقر تليفزيون المعارضة البيلاروسية الوحيد "Belsat tv" والذي يُبث عبر "الساتلايت"، والكثيرون داخل بيلاروسيا يتابعون هذه القناة كإعلام بديل عن نظيره الرسمي. وفي نوفمبر 2021، تم تصنيف تلك القناة من قِبل نظام لوكاشينكو كمنظمة متطرفة، مما يعني أن العاملين فيها سيكونون عُرضة لعقوبة السجن لمدة 7 سنوات في حال تم القبض عليهم.
وقد وصل الأمر بالرئيس البيلاروسي، لوكاشينكو، في أغسطس 2020، إلى اتهام بولندا علناً بأنها على رأس لائحة القوى الخارجية المشتبه في تورطها بالتدخل في شؤون بيلاروسيا الداخلية، مُستحضراً احتمال ضم بولندا لمنطقة غرودنو البيلاروسية في حالة انهيار بيلاروسيا، خصوصاً أن هذه المنطقة كانت تتبع بولندا بين عامي 1919 و1939 قبل أن يحتلها الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وهي تضم أقلية بولندية وفيها مدارس تعلم باللغة البولندية، وكانت من أهم مراكز الانتفاضة على لوكاشينكو في أغسطس 2020.
3- ممارسة الضغوط على أوروبا: تعتبر الحدود البولندية مع بيلاروسيا أيضاً حدوداً للاتحاد الأوروبي، وبروز هذه الأزمة حالياً بعدد محدود نسبياً من المهاجرين مقارنة بموجة اللجوء السابقة التي عرفتها أوروبا في عام 2015، قد يكون هدفه إيصال رسالة للقادة الأوروبيين بأن فتح "كوريدور" أو ممر رابع للهجرة إضافة إلى "الكوريدورات" والممرات الأخرى (المغرب- جبل طارق، ليبيا - إيطاليا، وتركيا - اليونان)، ليس بالأمر الصعب مع كل ما يمثله ذلك من استهداف للأمن الأوروبي؛ على اعتبار أن الهجرة هي موضوع شائك داخلياً في أوروبا ليس فقط على صعيد الرأي العام الداخلي ولكن بين الدول الأعضاء لأن الدول الـ 27 غير مجمعين حول سياسة مُوحدة حيال ملف الهجرة وحول تنظيم "الكوتا" لتقاسم حصص اللاجئين.
وبالتالي فإن استغلال هذا الملف يمكن أن يُحدث انقساماً داخل الصف الأوروبي. لذلك فإن القادة الأوروبيين بدؤوا يستخدمون في توصيف هذه الأزمة مصطلح "الهجوم الهجين" hybrid attack؛ أي محاولة تهديد استقرار الاتحاد الأوروبي عبر استخدام وسيلة غير عسكرية؛ وهي سلاح الهجرة refugees as weapons، ولكن بنسخة جديدة مُحدثة تختلف عن سابقاتها، حيث جرى فيها استقدام المهاجرين في طائرات "شارتر" وعبر استخدام مرافق الدولة المخططة وأجهزتها.
4- محاولة بيلاروسيا الحصول على تنازلات أوروبية: تندرج محاولات الضغط هذه في سياق دفع أوروبا نحو تقديم تنازلات. وهنا يعتبر الكثيرون في أوروبا أن لوكاشينكو ليس إلا المُنفذ، بينما المخطط موجود في موسكو، على حد تعبير رئيس الوزراء البولندي، مورافيتسكي. كما أن تصريحاً آخر جاء في الاتجاه نفسه ليؤشر على تبلور اقتناع أوروبي أبعد من الرأي العام البولندي بضلوع روسيا في أزمة المهاجرين الحالية، وبأن الرئيس بوتين هو صاحب المناورة الحقيقي، حيث اعتبر وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، أن موسكو هي من تملك مفاتيح أزمة المهاجرين في بيلاروسيا. فيما ترى آراء أخرى أنه لا يمكن الجزم بشكل قاطع بأن بوتين هو المخطط بيد أنه على الأقل لم يمنع لوكاشينكو من القيام بهذه الخطوة.
أبعاد متداخلة:
يُلاحظ أن أزمة المهاجرين بين بيلاروسيا وبولندا لها أبعاد عديدة، يتمثل أهمها في الآتي:
1- البعد الإنساني: تُرجح التقديرات وجود ما بين 15 و20 ألفاً من المستدرجين الأجانب إلى بيلاروسيا، بينما توجد على الحدود مع بولندا بضعة آلاف منهم فقط، وعلى الجهة المقابلة من الحدود يصطف 15 ألف جندي بولندي بهدف منع أي محاولة اجتياز للحدود وإجبار اللاجئين على العودة.
ويبدو واضحاً أن بولندا قررت وضع التزاماتها الدولية والأوروبية جانباً، مثل تصديقها في 27 سبتمبر 1991 على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 والتي تنص على التعهد باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية non refoulement، وقرارات الاجتماع على مستوى القمة لدول الاتحاد الأوروبي في فنلندا عام 1999، بالإضافة إلى التوجيه EU/2011/95 الصادر عن البرلمان الأوروبي والمجلس بتاريخ 13 ديسمبر 2011 بشأن المعايير الموحدة للتعامل مع رعايا بلدان ثالثة أو أشخاص عديمي الجنسية.
ويحرج هذا التنصل البولندي، الاتحاد الأوروبي ويضعه في وضعية غير مريحة، تتمثل في انتهاك دولة عضو لقواعده، كما يأتي هذا التنصل ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة من التباينات بين بروكسيل ووارسو حول موضوع استقلالية القضاء ودولة القانون والذي وصل إلى ذروته مع صدور قرار المحكمة الدستورية البولندية الذي نص على عدم سمو القانون الأوروبي على البولندي.
ولكن على الرغم من كل تلك التباينات، فإن موقف بروكسيل تجاه المعالجة البولندية للأزمة الإنسانية جاء مرناً، حيث أدان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، استغلال بيلاروسيا لمسألة اللاجئين، وأعلن الاتحاد الأوروبي تضامنه مع أي دولة عضو تتعرض لمثل هذا النوع من "الهجوم الهجين"، وذلك في بيان صادر يوم 10 نوفمبر 2021. إذ أشار البيان في آخره بشكل خجول إلى الاستمرار في الدفاع عن قيم الاتحاد الأوروبي بشأن احترام حقوق الإنسان والمتعلقة بموضوع اللجوء. وسبق أن أشار أيضاً البرلمان الأوروبي، في أكتوبر الماضي، بشكل خجول إلى ضرورة احترام حقوق طالبي اللجوء.
ويبدو أن الأزمة بين بيلاروسيا وبولندا نجحت في وضع الاتحاد الأوروبي في مواجهة تناقضاته، حيث يروج الاتحاد إلى أنه المدافع الأول عن حقوق الإنسان في العالم، فيما أظهرت هذه الأزمة أن الحسابات الإنسانية أصبحت تأتي في ترتيب متأخر ضمن سلم الأولويات الأوروبية، وبأنه في مواجهة "نظام سلطوي" يحاول استغلال المسائل الإنسانية لزعزعة استقرار جيرانه فإنه لا بأس من غض النظر عن الأولويات والاعتبارات الإنسانية.
2- البعد الاستراتيجي: لا يمكن استبعاد الحسابات الاستراتيجية للأطراف المنخرطة في الأزمة الحدودية بين بيلاروسيا وبولندا، لفهم حقيقة المواقف والاصطفافات التي أفرزتها، والتي تتخطى في عمقها بُعد الانقسام بين طرف مُعتدٍ وآخر مُعتدى عليه. وهنا يمكن رصد 3 أنواع من الحسابات، وهي:
أ- استغلال بيلاروسي: يحاول الرئيس لوكاشينكو، من خلال اصطناع هذه الأزمة، القول للأوروبيين بأنه "كما تفاوضتم مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال موجة اللجوء في عام 2015، فما المانع من التفاوض معي في عام 2021؟"
ب- استغلال بولندي: تحاول وارسو أيضاً استغلال الأزمة مع بيلاروسيا للقول للأوروبيين إنها البوابة التي تحمي حدود أوروبا الشرقية، وذلك في سبيل الحصول على تأييد أوروبي لدعم سياستها الخاصة حول الهجرة، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى تمويل الجدار الذي تريد بناءه على حدودها مع بيلاروسيا. وهذا المطلب نجح في كسب تأييد 12 دولة أوروبية، في حين أن بولندا ترفض مساعدة "الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل" Frontex والتي تتخذ من وارسو مقراً لها.
ج- استغلال روسي: تستغل موسكو أزمة المهاجرين بين بيلاروسيا وبولندا لتحقيق 3 أهداف؛ الأول هو دفع الأوروبيين للتفاوض مع الرئيس البيلاروسي، لوكاشينكو، لإخراج بلاده من العزلة بعد انتخابات عام 2020. والهدف الثاني لروسيا هو أنه عبر تأمين الدعم للرئيس لوكاشينكو في مواجهة الأوروبيين، فإن الرئيس بوتين يعزز سيطرته أكثر على بيلاروسيا ويضع حداً للسيناريوهات التي كانت تراهن على تغير في الاصطفاف البيلاروسي لمصلحة الأوروبيين كما حصل في أوكرانيا. أما الهدف الثالث، فهو زعزعة الاستقرار الأوروبي عبر دفع الأوروبيين إلى الانقسام حول موضوع الهجرة، وتهديد التيار المعتدل في أوروبا الذي يجد نفسه بعد كل أزمة لجوء يخسر تمثيلياً أمام التيارات الشعبوية وأحزاب أقصى اليمين.
3- البعد الاقتصادي: أوضحت خطوات التصعيد التي اتخذها لوكاشينكو خلال الأزمة مع بولندا، أن تركيزه منصب على التصويب على أكثر المواضيع حساسية بالنسبة لأوروبا؛ وهما الهجرة والطاقة. ففي معرض رده على استعداد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جديدة على نظامه في بيلاروسيا، هدد لوكاشينكو بقطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا والتي تمر عبر بيلاروسيا. ويأتي هذا التهديد على أبواب فصل الشتاء وعقب الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الذي عرفته أوروبا مؤخراً، وبالتالي فإن أي انقطاع جديد لهذه الإمدادات سيؤدي إلى تزايد ارتفاع الأسعار، مما سيهدد قطاعات واسعة من الاقتصاد الأوروبي.
وترى بعض وجهات النظر أن لوكاشينكو لا يستطيع أن يُقدم على مثل هذه الخطوة؛ لأن الغاز هو ملك لروسيا وليس من مصلحة الأخيرة زيادة أسعاره بشكل كبير، كما أن قطع إمدادات الغاز سيؤدي إلى عقوبات رادعة على بيلاروسيا. وربما يكشف هذا التهديد أيضاً عن الرغبة الروسية للتسريع في إتمام عملية ملء أنابيب "السيل الشمالي- 2" من أجل توجيه ضربة إلى أوكرانيا وتصفير عملية نقل الغاز الروسي عبرها إلى أوروبا، وإيصال رسالة بأن التفكير في استغلال الأنبوب الذي يمر عبر بيلاروسيا والذي يعمل بثلث طاقته مهدد أيضاً بالانقطاع في أي لحظة.
تأثيرات متنوعة:
أفرزت الأزمة بين بيلاروسيا وبولندا سياقات من التأثيرات يمكن رصدها في الآتي:
1- فرض عقوبات أوروبية جديدة على بيلاروسيا: في الوقت الذي أراد فيه الرئيس البيلاروسي، لوكاشينكو، اللعب على التناقضات الأوروبية وإظهار ضعف دول أوروبا وانقسامها، استطاعت الأخيرة التوحد لمواجهته، حيث قرر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على نظامه في 15 نوفمبر 2021. وجاء كلام وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، مُعبراً في هذا السياق، حيث اعتبر أن لوكاشينكو أراد عبر إثارة أزمة اللاجئين الضغط على الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عنه، والنتيجة كانت عكس ذلك تماماً؛ أي إقرار عقوبات أوروبية إضافية عليه.
2- حدود دور الدولة في حل الأزمات: استطاعت بولندا على المدى القصير فرض رؤيتها في طريقة معالجة الأزمة مع بيلاروسيا، على الرغم من وجود مطالبات أوروبية - وحتى من بعض منظمات المجتمع المدني البولندي - بانتهاج حلول أخرى غير الحل الأمني المتمثل في عدم السماح للاجئين بالعبور، وعبر طرح أفكار بديلة مثل فكرة إنشاء ممر إنساني إلى ألمانيا. ولكن وجهة نظر السلطات البولندية، والتي لاقت دعماً من بعض الدول الأوروبية الأخرى، كانت ترى أن إقامة هذا الممر الإنساني سيشجع "الأنظمة السلطوية" على الاستمرار في إغراق أوروبا باللاجئين.
وفي الحقيقة، فإن بولندا أو غيرها من الدول تستطيع معالجة أي أزمة لجوء طالما بقي حجم هذه الأزمة ضمن حدود معينة. لكن في حال توسعت أبعادها ووصل تدفق اللاجئين إلى مئات الآلاف، فإن أي دولة بمفردها لن تستطيع فرض رؤيتها في الحل.
3- الترابط مع المسألة الأوكرانية: قامت روسيا في منتصف نوفمبر 2021 بنشر 100 ألف جندي من قواتها بالقرب من حدودها مع أوكرانيا، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة تندرج ضمن استراتيجية محسوبة بدقة من قِبل موسكو وتُنفذ تباعاً، أم أنها مجرد ترابط وليد الساعة بعد الأزمة على الحدود البيلاروسية – البولندية؟
وتكمن نقطة الضعف الأوروبية الأساسية حالياً في عدم قدرة اللاعب الأوروبي على استقراء نوايا موسكو الحقيقية، حيث يميل الرأي الغالب إلى اعتبار أن هدف بوتين من وراء هذه التحركات هو جس نبض الأوروبيين وممارسة الضغوط عليهم لمعرفة طبيعة ردود فعلهم للبناء عليها في كيفية تحصيل مكاسب إضافية. كما أن الهدف الروسي من وراء التصعيدات الأخيرة هو الدفع نحو تعديل اتفاقية "مينسك -2" لجعل أوكرانيا أكثر حيادية على الصعيدين السياسي والعسكري.
فيما تعتبر قراءات أخرى أن روسيا تريد استغلال فترة انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بصراعها مع الصين؛ من أجل حسم الملف الأكراني، وأن موسكو تهيئ لعمل عسكري ضد أوكرانيا بهدف تنفيذ عملية ضم جديدة على غرار ضم جزيرة القرم. وقد ذكر موقع Military Time، في تقرير له نُشر في 20 نوفمبر 2021، أن السلطات الأوكرانية تتوقع أن تقوم روسيا بمهاجمتها مع بداية عام 2022.
4- تقدم المقاربة الأمنية في معالجة مسألة الهجرة: أظهرت الأزمة بين بيلاروسيا وبولندا اتساع مساحة التأييد للمقاربة الأمنية في مكافحة الهجرة، عن غيرها من المقاربات الأخرى، وذلك مع تزايد عدد الدول الأوروبية التي تؤيد فكرة حماية حدود الاتحاد الأوروبي عبر مسألة بناء الجدران لمنع الهجرة غير الشرعية، حيث وجهت 12 دولة أوروبية رسالة إلى المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، في أكتوبر الماضي، تعتبر فيها أنه على الاتحاد الأوروبي تمويل عملية بناء هذه الجدران. كما تم تسجيل أول تباين في الرأي داخل مؤسسات الاتحاد الاوروبي حول هذه المسألة بين رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، المؤيد للتمويل، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي ترفض التمويل.
وهذا الأمر لم يمنع بعض الدول الأوروبية من بناء الجدران على نفقتها الخاصة، حيث أصبح في أوروبا كيلومترات من الجدران تمتد على الحدود؛ مثل الجدار الذي بنته اليونان على حدودها مع تركيا، والجدار الذي يفصل بين المجر وكرواتيا، والجدران على الحدود البلغارية والليتوانية والإسبانية. فيما أعلنت بولندا عزمها إقامة جدار على الحدود البيلاروسية بكلفة 353 مليون يورو لأكثر من 100 كيلومتر.