إعداد: ناهد شعلان
يعد تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية أحد أهم المخاطر التي تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، وقد اعتمدت واشنطن في استراتيجيتها لمحاربة هذا التنظيم في اليمن على القوات النظامية والجيش اليمني للقيام بعمليات برية، إلى جانب بعض عمليات القصف الجوي التي تقوم بها القوات الأمريكية لاستهداف قادة "القاعدة". ولكن نظراً للأحداث الجارية في اليمن وضعف جيشها وتفتته، فقد بات من المشكوك فيه نجاح هذه الاستراتيجية.
في هذا الإطار، تأتي الدراسة الصادرة عن "معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة" AEI بعنوان: "نموذج جديد لهزيمة القاعدة في اليمن"، والتي أعدتها "كاترين زيمرمان" Katherine Zimmerman الباحثة في المعهد، حيث تطرح نموذجاً جديداً لمواجهة التنظيمات الجهادية في اليمن، وبصفة خاصة تنظيم "القاعدة". وتنقسم الدراسة إلى جزئين؛ الأول يتضمن عرضاً شاملاً للوضع الراهن في اليمن، والثاني يستعرض استراتيجية جديدة للتعامل مع تهديدات تنظيم "القاعدة" في اليمن.
تنظيم "القاعدة" والأوضاع في اليمن
تتطرق الدراسة في هذا الجزء إلى عدة نقاط فرعية، كالتالي:
1- فشل "نموذج اليمن":
انحصرت أهداف الولايات المتحدة في اليمن حول حماية مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومنع "القاعدة" من التوسع في هذه المنطقة، واعتمدت استراتيجية واشنطن في هذا الصدد - أو ما يُعرف بـ"النموذج اليمني" - على العمليات المباشرة عن طريق الطائرات بدون طيار، وذلك بالتعاون مع الجيش اليمني الذي يقوم بالهجمات البرية.
ولكن واشنطن لم تستهدف أبداً البحث عن أسباب انتشار "القاعدة" رغم فشل هذه الاستراتيجية وتدهور الوضع في اليمن خاصةً بعد الثورات العربية، ولاتزال الجهود الأمريكية تعتمد على ذات النهج. كما استمرت في الاعتماد على الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية لضمان استقرار الأوضاع السياسية في اليمن، حيث أيدت السعودية وبدعم مجلس التعاون الخليجي بدء مرحلة انتقالية برئاسة "عبدربه منصور هادي"، ولكن المبادرة الخليجية توقفت مع فشل الحوار الوطني في الوصول إلى حل سياسي بين الحكومة اليمنية والمعارضة.
2- انهيار الشراكة الأمريكية لمكافحة الإرهاب:
يعتمد نجاح المبادرة الخليجية في اليمن على استمرار تعاون فصائل المعارضة المختلفة، ولكن انسحاب "الحوثيين" كان بمثابة مؤشر على فشل الحوار اليمني. ففي بداية يوليو 2014 انقلب "الحوثيون" على الرئيس الشرعي "منصور هادي"، ونتيجة لذلك انهارت الشراكة الأمريكية لمكافحة الإرهاب بانهيار الحكومة الشرعية في اليمن. وأعقب ذلك اضطرار السعودية لخوض عملية "عاصفة الحزم" من أجل إعادة حكومة "هادي" إلى السلطة، وفي المقابل لم يكن أمام الولايات المتحدة سوى أن تساند الضربات الجوية السعودية.
3- الوضع العسكري في اليمن:
تبدو اليمن الآن ممزقة وممفككة، وليس ثمة أي فصائل لديها استعداد لمحاربة "القاعدة" من أجل القضية اليمنية. ويعتمد "الحوثيون" بالأساس على الميليشيات العسكرية ولواءات الجيش التي تدين بالولاء للرئيس المعزول "علي عبدالله صالح"، واستطاعوا بالفعل السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي والبنية التحتية اليمنية. وبينما يحاول "الحوثيون" تحويل الصراع اليمني إلى نزاع بين الدول عن طريق ضرب بعض المواقع في المملكة العربية السعودية، بيد أنهم يواجهون بعض التحديات من قِبل القوى اليمنية المعارضة.
4- اليمن وإيران والتفاعلات الإقليمية:
أصبحت اليمن في الآونة الأخيرة عُنصراً هاماً في معادلة الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران. فالصراع اليمني أقرب لصراع إقليمي بين قوتين تطمحان إلى تعزيز نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط عن طريق مساندة الحلفاء على أسس طائفية. ويبدو أن المفاوضات الغربية حول البرنامج النووي الإيراني التي أفضت إلى إبرام اتفاق بين الطرفين قد عززت من هذا الصراع الإقليمي، حيث أصبح لدى السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي مخاوف من أن يؤدي هذا الاتفاق إلى مزيد من التدخل الإيراني في المنطقة.
5- توسع تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية وظهور "داعش" في اليمن:
تشير الباحثة إلى أن اليمن لا تمثل أولوية في استراتيجية تنظيم "القاعدة" على المستوى العالمي، إلا أنها إقليمياً تمثل ظهيراً لدعم قوات "القاعدة" والتنظميات التابعة لها مثل "جبهة النصرة" في سوريا التي حققت فيها نجاحاً كبيراً. ويأتي كل ذلك في إطار تحقيق هدف "القاعدة" الأكبر، وهو توجيه ضربة قاصمة للولايات المتحدة ولحلفاءها، وإجبارها على الخروج من العالم الإسلامي.
وتؤكد الدراسة على أن تنظيم "القاعدة" لم يعد مُتفرداً على الساحة الجهادية في اليمن، حيث أصبح يتنافس وبقوة مع "داعش" على زعامة التنظيمات الجهادية في هذا البلد. ومع ذلك، ترى الكاتبة أن "داعش" لا تمثل خطراً داهماً بالنسبة لتنظيم "القاعدة" في اليمن، فالأخير يتمتع بالقوة والهيمنة على العديد من المناطق هناك، ويبدو أكثر تفهماً للطبيعة القبلية في اليمن، ولكن استمرار وطول أمد الصراع قد يعزز من وجود "داعش" على المدى الطويل.
استراتيجية جديدة من أجل اليمن
تبدو أبرز ملامح الاستراتيجية التي اقترحتها الدراسة لمواجهة التنظيمات الجهادية في اليمن، في الآتي:ـ
1- هزيمة العدو في اليمن:
فشلت الخطة الأمريكية في هزيمة تنظيم "القاعدة" باليمن، حيث إنها كانت تهدف في الأساس إلى التصدي للخطر القادم من التنظيم للأراضي الأمريكية، وليس هزيمة التنظيم كمؤسسة وكيان في حد ذاته. وترى الكاتبة أن نجاح الاستراتيجية الأمريكية في اليمن يتوقف على عدة نقاط، وهي:ـ
أ- القدرات الحاسمة لتنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية مثل الأيديولوجية والمنهج، والدور الذي يلعبه هذا الفرع من التنظيم في إطار التنظيم الأم، ودور الإعلام، وصفات قادة "القاعدة".
ب- المُتطلبات الحيوية، وهي القدرة على الحفاظ على ملاذات آمنة للقاعدة، وتطوير خطط للتمويل، والتدريب، والتنقل، والاتصالات.
ج- مواطن ضعف تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، وإمكانية تعرضه لهجمات بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو من شأنه إحداث أضرار كبيرة بالتنظيم.
2- صياغة نموذج جديد لليمن:
تؤكد الدراسة على أن النموذج الجديد لهزيمة تنظيم "القاعدة" في اليمن يجب أن يتخلى عن فكرة الاعتماد على الشركاء التقليديين من الدول، وأن يتجه بدلاً من ذلك إلى معالجة الأسباب التي تؤدي إلى نمو تلك الجماعات، ومنها تنظيم "داعش"، وهي الأسباب التي لا تقتصر فقط على القضايا الداخلية اليمنية.
3- استراتيجية لهزيمة تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية:
تتلخص الاستراتيجية الجديدة التي عرضتها الكاتبة، في مجموعة من الأهداف، وهي:
أ- تشتيت وتدمير تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية وقادته، ومحاربة قواته من أجل القضاء على التهديد الذي يمثله، وكذلك إنهاء الدور الذي يلعبه في إطار تنظيم "القاعدة" العالمي.
ب- العمل على استقرار اليمن ووحدة أراضيه في ظل حكومة شرعية.
ج- احتواء الصراع السعودي- الإيراني في اليمن باعتباره أحد عوامل عدم استقرار الإقليم.
د- تفادي وقوع أزمة إنسانية في اليمن، والحد من تزايد أعداد اللاجئين.
وتعتمد هذه الاستراتيجية كذلك على مجموعة من المهام الرئيسية، وهي: القضاء على الخلية الخارجية لتنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، والتي تقوم بتخطيط وتنفيذ العمليات ضد الولايات المتحدة والغرب.
ويُضاف إلى ذلك، منع تنظيم "القاعدة" من جذب الجماعات المتمردة، والقضاء على العوامل التي تؤثر على استقرار اليمن، والوصول إلى تسوية سياسية وإقامة حكومة مركزية شرعية في البلاد، وبناء أنظمة أمنية محلية ومركزية يمكن أن تُؤمن تحقيق هذه الأهداف بأقل الإمكانيات المتاحة.
وثمة عدد من المسارات المحتملة التي يمكن أن تتبعها الولايات المتحدة لتحقيق تلك الأهداف، والتي لدى كل منها مجموعة من المزايا والعيوب. ويُمكن تلخيصها في الآتي: (الغزو الأمريكي لليمن، أو مساندة الحوثيين، أو مساندة التحالف الذي تقودة المملكة العربية السعودية، أو مساندة الحلفاء المحليين في اليمن).
4- ردود الفعل المحتملة للأعداء في المرحلة الأولى:
بالنسبة لردود الفعل المحتملة من تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، فثمة احتمال أن يحارب التنظيم أو يشن حملات ضد المتعاونين مع الولايات المتحدة، أو يزيد من تركيزه على الغرب فقط. أما بالنسبة لتنظيم "داعش"، فقد يقوم بهجمات لتقويض المفاوضات السياسية في اليمن أو استهداف المتعاونين مع واشنطن.
5- الأخطاء الاستراتيجية التي يجب تفاديها:
حسب ما ورد في الدراسة، يتعين على الولايات المتحدة أن تتفادى إعطاء الأولوية للمحاربة العسكرية لتنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، وعليها أن تساهم في مساعدة النظام الحالي في اليمن على التصدي للمتطلبات الشعبية لتفادي انشار تنظيم "القاعدة" مرة أخرى. وجدير بالذكر أن التسوية السياسية الحالية لا تشمل خطة لتحقيق مطالب الشعب، ما قد يؤدي إلى فشل الشراكة الأمريكية مع الحكومة اليمنية للمرة الثالثة.
ويجب على الولايات المتحدة تفادي الخلط بين القوى المعارضة للحكومة، والقوى المعارضة التي تساند تنظيم "القاعدة"، وذلك حتى لا تعتمد على شركاء متطرفين لإنجاح خطتها في اليمن.
ختاماً، هناك مجموعة من المعوقات التي تعطل نجاح "النموذج اليمني" الذي تتبناه الولايات المتحدة، حيث إنه لا يمكن هزيمة تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية عن طريق استراتيجية الإنهاك، وذلك نظراً للدعم الكبير الذي يحظى به التنظيم من الجماعات المتمردة. وكذلك فإنه ليس هناك حكومة يمنية تحظى بتوافق عام يمكن إقامة شراكة معها، وأخيراً لا يوجد جيش نظامي يمكن الإعتماد عليه في العمليات العسكرية ضد "القاعدة".
* عرض مُوجز لدراسة: "نموذج جديد لهزيمة القاعدة في اليمن"، والصادرة في سبتمبر 2015 عن "معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة".
المصدر:
Katherine Zimmerman, A New Model for Defeating al Qaeda in Yemen, (Washington: The American Enterprise Institute for Public Policy Research, September 2015).