تنتهي غدًا المهلة الممنوحة لزعيم حزب "يش عتيد" يائير لبيد لتشكيل حكومة جديدة لإسرائيل. وحتى اللحظة ما تزال المفاوضات الجارية بين الأحزاب التي تسعى للإطاحة برئيس الليكود ورئيس الحكومة الانتقالية بنيامين نتنياهو، غير حاسمة، رغم تداول تقارير في الإعلام الإسرائيلي عن أسماء المرشحين للحقائب الوزارية. الوضع الراهن يطرح سؤالين أساسيين: الأول، هل سيتغلب لبيد وحليفه الرئيس نفتالي بينت زعيم حزب "يمينا" على العقبات التي تعترض تشكيل الائتلاف قبل انتهاء مدة التفويض؟ والثاني، ما هو السيناريو المنتظر حال فشل هذه المحاولات؟
عقبات تشكيل الائتلاف:
كان قبول يائير لبيد بفكرة تداول منصب رئيس الوزراء مع نفتالي بينت، ومنح الأخير الحق في تولي المنصب في العامين الأولين؛ بمثابة تجاوز لأهم عقبة كانت تقف أمام تشكيل الحكومة، ورغم ذلك كان يمكن للحرب التي دارت بين إسرائيل وحركة حماس على مدى أحد عشر يومًا، أن تقضي على فرص نجاح لبيد وبينت في الإطاحة برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حيث أعلن بينت أثناء هذه الحرب أنه لم يعد مستعدًا لدخول ائتلاف يستند لأحزاب عربية (القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس)، ولكن بعد توقف القتال عاد بينت عن موقفه وقرر المضيّ في اتفاقه القديم مع لبيد، وتسبب هذا الموقف في نشوب نزاع داخلي في حزب يمينا، بعد تردد نائبين من النواب السبعة الذين يمثلون الحزب في الكنيست في الموافقة على الانضمام للائتلاف. وإذا كان صحيحًا أن بينت تمكن من لجم هذا الخلاف حتى الآن، إلا أنه يمكن أن يُفاجَأ لحظة التصويت على الحكومة المنتظرة في الكنيست بتراجع هذين النائبين عن تأييد الائتلاف، خاصة أن الشخصية الثانية في حزب يمينا، وهي النائبة إيليت شاكيد، من ضمن المترددين في دعم مشاركة يمينا في الائتلاف.
كما أنها كانت تقود محاولات إقناع أحزاب اليمين المعادي لنتنياهو (أحزاب: تكفاه حدشاه، إسرائيل بيتينو) بالعودة إلى تكتل اليمين لتفادي تشكيل حكومة مختلطة من أحزاب الوسط واليسار واليمين، وبالتالي ستبقى المفاجآت من جانب شاكيد واردة حتى اللحظة الأخيرة، وربما يدفعها لذلك إصرارها على تولي حزب يمينا مقعدًا في اللجنة القضائية في الكنيست بالمخالفة لما تم التوصل إليه في المفاوضات الائتلافية بين لبيد وبينت وبقية الأحزاب التي ستشارك في الائتلاف المحتمل.
أيضًا تخشى شاكيد ومعها بينت من نجاح الحملة التي يشنها نتنياهو ضدهما وضد حزب يمينا، والتي يركز فيها نتنياهو على أن يمينا يخون ناخبي اليمين بالتحاقه بحكومة يغلب عليها التوجه اليساري ومدعومة من أحزاب عربية (القائمة الموحدة بزعامة منصور عباس)، وقد تؤدي سياستها (أي هذه الحكومة) إلى تقويض الأمن والتماسك الاجتماعي في إسرائيل، وبطبيعة الحال يمكن لهذه الدعاية أن تؤثر في شعبية بينت وشاكيد، وربما تضر بمستقبلهما السياسي لاحقًا. وأخيرًا فإن نتنياهو الذي يستشعر أن كل هذه العقبات يمكن لخصومه التغلب عليها، سيواصل حتى النهاية الضغط على بينت تحديدًا عبر إظهاره بأنه لا يفكر في مصلحة الدولة ولا مصلحة اليمين الذي ينتمي اليه، بل فقط في طموحاته لتولي منصب رئيس الحكومة.
ولوّح عدد من مستشاري نتنياهو بأنهم قد يتقدمون بدعوى قضائية ضد رئيس الدولة إذا ما قبل تمرير حكومة لبيد - بينت، اعتمادًا على أن التفويض الممنوح لتشكيل الحكومة يعني أن يتولى من يحصل على هذا التفويض على المنصب في البداية، ولا يمكن له أن يتنازل عنه لأي زعيم حزبي آخر؛ بل يمكنه فقط أن يتبادل معه المنصب لاحقًا كما حدث في سوابق عديدة، منها الاتفاق الائتلافي الذي جمع بين نتنياهو وبيني جانتس زعيم حزب كاحول لافن (ما يزال هذا الاتفاق قائمًا ويمكن لجانتس تولي رئيس الحكومة وفقًا له في شهر نوفمبر القادم في حالة استمرار العجز عن تشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة الكنيست).
في كل الأحوال تزيد هذه المشكلات من حالة الارتباك التي يعيشها الإسرائيليون منذ ما يقرب من عامين ونصف، وبافتراض أن لبيد وبينت سينجحان في تجاوز العقبات المشار إليها وتشكيل الحكومة في النهاية؛ فإن نجاحهما سيقتصر على أنهما تمكنا من إقصاء نتنياهو عن السلطة بعد اثني عشر عامًا متصلة قضاها كرئيس للحكومة، ولكن من المؤكد أن الحكومة التي سيتناوب على رئاستها (افتراضًا) كل من بينت ولبيد لن تصمد طويلًا بسبب الفروقات الأيديولوجية الهائلة التي تمزق الأحزاب المشاركة فيها، كما سيصعب على هذه الحكومة الحسم في القضايا الاجتماعية والأمنية الدقيقة للسبب ذاته، وبالتالي فإن الفائز الوحيد -ولو بشكل مؤقت- حال تأسيس هذه الحكومة سيكون نفتالي بينت الذي سيحقق طموحه الشخصي بتولي منصب رئيس الوزراء حتى لو لبضعة أسابيع أو أشهر. ولكن ماذا سيحدث إذا فشل تحالف لبيد-بينت في تشكيل حكومة جديدة؟
سيناريو تفويض الكنيست:
وفقًا للقانون الإسرائيلي الذي ينظم الحياة السياسية، فإنه في حال عجز الحزب الأعلى حصولًا على موافقة الأحزاب الممثلة في الكنيست عن تشكيل الحكومة، يقوم رئيس الدولة بمنح التفويض للحزب التالي في قائمة من حظوا بتأييد الأحزاب للحصول على الفرصة نفسها. وعند استنفاد فرصتي التفويض دون التمكن من تشكيل الحكومة، يتعين على رئيس الدولة أن يطلب من الكنيست ترشيح أي عضو منه يمكنه أن ينجح في تشكيل الحكومة، وتمتد هذه المهلة لأسبوعين، وفي حالة فشل الكنيست أثناءها في ترشيح نائب منه لتلك المهمة أو فشل هذا النائب -إن وجد- في تحقيق النجاح في المهمة، يتم الإعلان رسميًا عن حل الكنيست فورًا والدعوة لانتخابات جديدة.
لم تشهد إسرائيل حالة واحدة نجح فيها الكنيست في استغلال التفويض الممنوح له لاختيار نائب منه لتشكيل الحكومة، ولكن في الوضع الحالي وبسبب ضغوط الرأي العام الإسرائيلي الذي لا يرغب في الذهاب إلى انتخابات خامسة على التوالي، فقد يلعب الكنيست دورًا غير مسبوق في حل الأزمة السياسية المتفاقمة، وذلك عبر البناء على الاتفاق الذي كان بين بينت ولبيد لتداول منصب رئيس الحكومة. وبمعنى آخر فإنه في حالة الإعلان رسميًا عن فشل تشكيل حكومة بقيادة بينت-لبيد، فإن التفويض الذي سيذهب للكنيست يمكن أن يؤدي إلى اتفاق 61 من أعضائه على ترشيح بينت لمحاولة تشكيل الحكومة، وإبلاغ رئيس الدولة بذلك.
إن حصول بينت على تفويض مباشر من الكنيست يمكن أن يمنحه مساحة أطول من الوقت لم تتوافر للبيد لكي يتم التغلب على العقبات التي حالت دون التوصل إلى اتفاق ائتلافي، كما أن حصول لبيد على التفويض من الكنيست سيبطل اعتراضات نتنياهو التي هدد بإثارتها في حالة تمرير حكومة برئاسة عضو لم يكن قد تلقّى التفويض المباشر من رئيس الدولة.
وإذا ما افترضنا أن لبيد وبينت فشلا في تشكيل الائتلاف، وأن الكنيست فوض بينت لتولي هذه المهمة؛ فهل يتوجه بينت إلى أحزاب معسكر التغيير المناوئة لنتنياهو ليعاود المحاولة التي فشل فيها لبيد؟ أم يعود لمعسكر نتنياهو ويحاول جذب أصوات نواب من الأحزاب اليمينية المعادية لنتنياهو مثل حزب "تكفاه حدشاه" بزعامة جدعون ساعر، على أن يشترط (أي بينت) على نتنياهو أن يتولى هو رئاسة الحكومة لمدة عامين قبل نقل المنصب لنتنياهو لاحقًا لعامين آخرين؟.
كلا المسارين بهما عقبات لا يمكن التقليل منها، فلجوء بينت إلى معسكر التغيير لمحاولة تشكيل الحكومة قد ينجح فقط لمجرد رغبة كتلة التغيير في منع نتنياهو من العودة لمنصب رئيس الحكومة لأي ثمن وأيضًا بسبب الخوف من مفاجأة قد تحدث في ترتيب قوة الأحزاب في حالة الذهاب لانتخابات خامسة، ولكن النجاح هنا سيتوقف على مدى قدرة بينت على التغلب على العقبات التي أفشلت لبيد سابقًا، أما المسار الثاني فيبدو أفضل بالنسبة لبينت الذي سيكون قد تخلص من إصرار نتنياهو على تولي منصب رئيس الحكومة أولًا في أي اتفاق للتناوب بين نتنياهو وأي ممن سيشاركون في الائتلاف، وفي حال قبول نتنياهو بأن يتولى بينت رئاسة الحكومة في العامين الأولين، فقد يزيل ذلك عقبة هامة من أمام أحزاب اليمين الرافضة للعمل تحت رئاسة نتنياهو. وبمعنى آخر، قد تنقلب مواقف أحزاب مثل "تكفاه حدشاه" أو حتى حزب "كاحول لافن" ويقبلان بالدخول في ائتلاف يقوده بينت، أو على الأقل أن يُقدِمَ بعض نواب من هذين الحزبين على الانشقاق عنهما والدخول في شراكة مع بينت ونتنياهو لتشكيل حكومة يمينية متماسكة.
بشكل عام، الوضع المعقد في الساحة السياسية الإسرائيلية وعملية تشكيل الحكومة التي تنبني على افتراضات عديدة ومتراكبة لا تترك مجالًا للتنبؤ الدقيق بما ستنتهي إليه أزمة تشكيل الائتلاف الحاكم في إسرائيل في الفترة المقبلة.