نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب باسم راشد يعرض فيه أزمة بنيامين نتنياهو فى تشكيل الحكومة، وضعف الحلول البديلة فى حل الأزمة، وهو ما سيؤدى إلى انتخابات خامسة قد تسفر أيضا عن نفس حالة الجمود السياسى نظرا لعدم حدوث تغيرات على أرض الواقع تغير من الأوزان النسبية للأحزاب... نعرض منه ما يلى:
يشير الكاتب إلى المأزق السياسى الذى يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وفشله فى تشكيل الحكومة بعدما كلَفه الرئيس الإسرائيلى رءوفين ريفلين بتشكيلها فى 6 أبريل الحالى، وهى أزمة أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة التى أجريت فى 23 مارس وما تبعها من حالة جمود سياسى وعدم قدرة أى حزب على الحصول على أغلبية واضحة تضمن تشكيل الحكومة لمدة عامين.
لم تتمكن الكتلة المؤيدة لنتنياهو أو المعارضة له من تحقيق الغالبية المطلوبة (61 مقعدا) لتشكيل الحكومة فى إسرائيل؛ فقد حصلت كتلة نتنياهو اليمينية التى تضم أحزاب (الليكود ــ شاش ــ يهدوت هتوراه ــ الصهيونية الدينية) على 52 مقعدا، فيما حصلت كتلة المعارضة بقيادة يائير لابيد ــ رئيس حزب «يش عتيد» ــ على 57 مقعدا، وهى تضم أحزاب (يش عتيد – أزرق أبيض – العمل – يسرائيل بيتنو – أمل جديد – ميرتس). فيما حصل حزب «يمينا» اليمينى بقيادة نفتالى بينيت على 7 مقاعد، والقائمة المشتركة على 6 مقاعد، وأخيرا القائمة العربية الموحدة (رعم) على 4 مقاعد.
وقد سعى نتنياهو خلال الأسبوعين الماضيين لمحاولة اجتذاب الأحزاب اليمينية المنشقة، فاجتمع مع نفتالى بينيت رئيس حزب يمينا فى منزله يوم 9 أبريل، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ عشر سنوات بسبب توترات فى الماضى. وبعدها فى 12 إبريل، أعلن بينيت دعمه لحكومة يمينية بقيادة نتنياهو، لكنه فى الوقت ذاته ترك الباب مفتوحا على ما يبدو أمام الانضمام إلى ائتلاف مضاد لنتنياهو.
لكن حتى مع المقاعد الـ7 التى يشغلها حزب يمينا، لن يحوز الائتلاف اليمينى بقيادة نتيناهو سوى على 59 مقعدا بما يجعله فى حاجة إلى مقعدين إضافيين لضمان أغلبية الـ61 مقعدا لضمان تشكيل الحكومة. لذا تم التفكير فى جدعون ساعر ــ رئيس حزب «أمل جديد» اليمينى ــ لكنه أعلن أكثر من مرة رفضه العمل ضمن ائتلاف بقيادة نتنياهو.
ويدفع ذلك الوضع إلى التفكير فى حزب «القائمة العربية الموحدة» الحاصل على أربعة مقاعد والذى أبدى انفتاحه على العمل مع ائتلاف يمينى بقيادة نتنياهو، لكن تكمن الأزمة فى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة فى ائتلاف نتنياهو ترفض رفضا قاطعا العمل فى ائتلاف واحد مع القائمة العربية الموحدة، نظرا لتباين الأيديولوجيات من ناحية أولى، والاختلاف الصارخ فى المواقف السياسية من ناحية ثانية، والاتهامات المتبادلة المستمرة بينهم من ناحية ثالثة.
ومن ثم لن يخاطر نتنياهو بخسارة كتلته اليمينية عبر التحالف مع القائمة العربية الموحدة لضمان تشكيل الحكومة أو حتى من خلال الحصول على دعمها فى الكنيست، وهو ما ترفضه الأحزاب اليمينية أيضا، خاصة أن أى شكل من أشكال التحالف مع العرب يعد بمثابة انتحار سياسى لهذه الأحزاب.
جمود سياسى
وفقا للدستور الإسرائيلى، يكون أمام الشخص المفوَض بتشكيل الحكومة مهلة 28 يوما (حتى 5 مايو المقبل) ويمكن تمديدها لمدة أسبوعين (حتى 19 مايو)، على الرغم من أن الرئيس غير ملزم دستوريا بالموافقة على هذا التمديد. وإذا فشل المفوَض فى تشكيل الحكومة، فيمكن للرئيس إما تكليف شخص آخر بمحاولة تشكيل حكومة لمدة متشابهة أو إعادة التفويض مرة أخرى إلى الكنيست، مع إعطاء الهيئة التشريعية 21 يوما للاتفاق على مرشح يدعمه 61 عضوا بالكنيست. وإذا لم يتم الاتفاق على أى مرشح فى نهاية فترة الـ21 يوما، يتم حل الكنيست الجديد تلقائيا وتتجه البلاد إجباريا إلى انتخابات أخرى.
ويشير الوضع الحالى إلى احتمال فشل نتنياهو فى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة نظرا للعقبات التى يواجهها، بما قد يدفع إلى تفويض هذه المهمة ليائير لابيد رئيس حزب يش عتيد، لإعطائه الفرصة هو الآخر لمحاولة تشكيل حكومة جديدة تجنبا للدخول فى انتخابات إسرائيلية خامسة.
وقد استغل لابيد المأزق الذى يواجهه نتنياهو ودعا، فى 18 أبريل، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فى محاولة لكسر الجمود السياسى المستمر، مؤكدا أن «هذه الحكومة ستتكون من ثلاثة أحزاب يمينية (يمينا، أمل جديد، وإسرائيل بيتنا)، وحزبين وسطيين (يش عتيد، وأزرق وأبيض) وحزبين يساريين (العمل، وميرتس)»، مشيرا إلى أنه تحدث مع الجميع وسيواصل عقد الاجتماعات لإحداث التغيير المطلوب.
ويقول الكاتب أنه حتى فى حالة تفويض لابيد بتشكيل الحكومة، فليس من المتوقع أن ينجح هو الآخر فى هذه المهمة، وذلك لعدة أسباب، لعلَ أبرزها ما يلى:
غياب التجانس بين أحزاب الكتلة المعارضة: إذ تضم هذه الكتلة أحزابا من مختلف الأطياف السياسية والأيديولوجيات الفكرية، وهى تبدو متفقة على هدف واحد هو إزاحة نتنياهو من السلطة، لكن لا توجد فى الوقت ذاته أهداف مشتركة تجمعها، وبالتالى إذا نجحت ستصبح حكومة هشة وغير مستقرة، نظرا لأنه بمجرد تحقق الهدف المشترك ستبدأ الخلافات بالظهور على السطح.
العجز عن تحقيق الغالبية المطلوبة: فبرغم وجود هدف مشترك لأحزاب الكتلة المعارضة، إلا أنه فى الوقت ذاته لن يساعد هذا الهدف فى تحقيق الغالبية المطلوبة لتشكيل الحكومة؛ فالكتلة المعارضة حاليا لديها 51 مقعدا، وليس من المتوقع أن ينضم إليها نفتالى بينيت كما أعلن سابقا، خاصة أنه يسعى حاليا هو الآخر لتشكيل حكومة يمينية اتساقا مع خطه السياسى. ومن ناحية أخرى، هناك أزمة أخرى فى ضم الأحزاب العربية لهذه الحكومة، سواء القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة (6 مقاعد) أو القائمة العربية الموحدة (4 مقاعد) خاصة للتباين الشديد بين الأحزاب اليمينية وحتى اليسارية داخل الكتلة المعارضة وبين الأحزاب العربية.
صعوبة ضم الأحزاب اليمينية: فليس من المتوقع أن ينضم أحد الأحزاب اليمينية المتطرفة فى ائتلاف نتنياهو إلى كتلة لابيد اليسارى، حتى بافتراض سعى الأخير لضمهم، نظرا للاختلافات السياسية والأيديولوجية الحادة بينهم وبين الأحزاب اليسارية والوسطية فى العديد من الأمور.
مناورة نتنياهو
يرى الكاتب أن هذا يدل على انسداد الأفق السياسى، وأن الانتخابات الخامسة تبدو مسارا إجباريا لإسرائيل، وللخروج من هذا المأزق، تم طرح مبادرة مشروع قانون لانتخاب رئيس الوزراء مباشرة بدلا من اللجوء لانتخابات خامسة، بما يُمكِن أى عضو كنيست منتخب من الترشح للمنصب، بشرط أن يقدم 20 توصية من أعضاء الكنيست الحاليين.
وبالطبع، أبدى نتنياهو دعمه وتأييد حزبه الكامل لهذه المبادرة؛ نظرا لكونها ستحتفظ له بمنصب رئيس الوزراء لعدم وجود منافس قوى فى كتلة خصومه، كما سيتمكن المرشح الفائز بالانتخابات المباشرة من تشكيل حكومة فى غضون 90 يوما، وعليه إبلاغ رئيس الكنيست، دون مشاركة رئيس الدولة.
وليس من شك أن هذه المبادرة تهدف قبل كل شىء إلى محاولة إخراج نتنياهو من هذه الأزمة السياسية، وتسهيل تشكيل الحكومة المقبلة عليه، خاصة أن الحكومة الحالية ستنتهى مدتها فى نوفمبر 2021. وإذا لم يقم أى شخص بتشكيل حكومة بحلول ذلك الوقت، فمن المتوقع أن يتولى بينى غانتس رئاسة الحكومة لفترة مؤقتة حتى يتم تشكيل ائتلاف مستقر، وفقا للاتفاق السابق مع جانتس.
احتمالات تمرير هذا المشروع فى الكنيست تظل محل شك فى الفترة المقبلة. تشير التقديرات فى دوائر نتنياهو إلى أن جميع الأحزاب المعتدلة على اليمين واليسار قد تدعمها إذا فشلت فى تشكيل حكومة بديلة، بدافع الرغبة فى تجنب انتخابات خامسة مرهقة ومكلفة قد تخاطر بها، للنجاح فى الوصول إلى الكنيست المقبل. لكن من المشكوك فيه ما إذا كانت أحزاب مثل يمينا أو الصهيونية الدينية أو القائمة العربية الموحدة، التى يُنظر إليها على أنها تلعب دور صانعى الملوك، ستسعد بالتخلى عن سلطتها للسماح لنتنياهو بتتويج نفسه بمساعدة قانون جديد. بالإضافة إلى ذلك قد يواجه مشروع القانون أيضا قائمة من المشكلات القانونية التى قد تمنعه من التقدم؛ بدءا من حقيقة أن الإجراء يسعى للتأثير على مسار الانتخابات، وانتهاء بسؤال يتعلق بشرعية بند من شأنه إلغاء ترتيب فردى سابق مع بينى جانتس.
فى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن مشكلة عدم انضمام بعض الأحزاب اليمينية مثل «أمل جديد» إلى ائتلاف نتنياهو نابعة من وجود نتنياهو نفسه على رأس هذا الائتلاف، ومن ثم قد يمثل ترشيح شخص جديد، حتى من داخل حزب الليكود، ليرأس الائتلاف اليمينى بديلا لنتنياهو حلا لتشكيل ائتلاف حكومى يمينى، يحظى بدعم الليكود، قد ينضم حينها إليه جدعون ساعر رئيس حزب «أمل جديد» والحصول على أغلبية مريحة (65 صوتا) فى الكنيست.
لكن انطلاقا من الواقع الحالى، وفى ظل تشبث نتنياهو بالسلطة بهذه الطريقة من خلال المبادرة الأخيرة لانتخاب رئيس الوزراء شخصيا، يبدو أن حالة الجمود السياسى ستستمر، ما من شأنه أن يؤدى إلى السيناريو الذى يحاول الجميع تجنبه وهو إجراء انتخابات برلمانية خامسة لعلَها تغير من الأوضاع فى شىء، أو على الأقل تعمل على تغيير الأوزان النسبية للأحزاب، وهو أمر غير متوقع نظرا لعدم تغير شىء على أرض الواقع، فضلا عن تكرار هذه التجربة فى 4 انتخابات سابقة دون حدوث تغيير. ومن ثمَ ليس من المرجح أن تقدِم الانتخابات الخامسة، حتى إذا تم إجراؤها، حلا للأزمة السياسية فى إسرائيل.
المصدر : الشروق