جاء اختيار السلطة التنفيذية الليبية الجديدة المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي في جنيف، ليفتح الباب واسعًا أمام تحقيق تطلعات الليبيين بتوحيد المؤسسات المنقسمة بين شرقي البلاد وغربها، وهي محاولات ضرورية من أجل توفير أرضية مشتركة للسلطة الجديدة، للعمل على إنجاح المرحلة الانتقالية، وصولًا إلى عقد انتخابات عامة في ديسمبر 2021، وهو ما يُواجَه بالعديد من التحديات الداخلية وكذلك الخارجية، لعل من أبرزها منشور "السراج" الذي أصدره للوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات والأجهزة الإدارية والذي يطالب فيه بمنع التواصل مع القيادات السياسية المنبثقة عن الحوار الوطني.
مساعٍ حثيثة:
هناك محاولات مستمرة من أجل توحيد المؤسسات المنقسمة بين شرقي البلاد وغربها، وذلك على النحو التالي:
1- التئام مجلس طبرق والمجلس الموازي بطرابلس: من المرجح أن يعقد مجلس نواب طبرق (شرق) والمجلس الموازي في طرابلس (غرب)، جلسة مشتركة بمدينة سرت، من أجل منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، وكان رئيس الحكومة الجديدة "عبدالحميد الدبيبة" قد قام بتسليم قائمة تتضمن هيكلًا للحكومة إلى رئيس مجلس النواب المستشار "عقيلة صالح"، الذي أعلن عن موعد مبدئي للجلسة في الثامن من مارس الجاري، وذلك في ظل انتهاء مهلة منح الثقة لهذه الحكومة في التاسع عشر من مارس. وبالتالي، في حال عُقدت الجلسة فستكون هي المرة الأولى التي يلتئم فيها مجلس النواب، ويضم نواب الشرق والغرب منذ نحو ست سنوات، وسط مؤشرات إيجابية على إمكانية حدوث ذلك.
إذ أبدى نواب طرابلس، في 3 مارس 2021، استعدادهم لعقد جلسة من أجل توحيد المجلسين، بكامل النصاب القانوني، في أي مدينة ليبية، مع ضرورة خلوها من المرتزقة الأجانب أو المليشيات، وأن تتم في حضور مراقبين محليين ودوليين، وهو ما يعزز من صعوبة انعقاد الجلسة في غرب البلاد التي ينتشر فيها المرتزقة والمليشيات بشكل كبير، وبما يجعل مدينة سرت الخيار الأفضل لانعقاد الجلسة.
2- إنهاء انقسام حكومتي الشرق والغرب: هناك محاولات من أجل توحيد الحكومتين الموجودتين في ليبيا، وهي الحكومة الليبية المؤقتة شرق البلاد، وحكومة الوفاق في غرب البلاد، فالأخيرة سوف تسلم السلطة تلقائيًا إلى حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، وكان التساؤل متعلقًا بشكل أساسي بموقف حكومة شرق البلاد، في ظل تخوفات من إمكانية استمرارها كحكومة تحظى بدعم البرلمان والجيش الوطني الليبي.
بيد أن موقف رئيس الحكومة المؤقتة "عبدالله الثني"، جاء إيجابيًا للغاية؛ إذ أعلن في 3 مارس 2021، على ضرورة الاستعداد للتسليم للحكومة الجديدة حال منحها الثقة من جانب مجلس النواب، كما شدد على تقديم كل العون لحكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من تأدية مهامها، وهو ما يتزامن مع إشارة مصادر شرقي البلاد إلى انعقاد اجتماع مزمع بين "الثني" و"الدبيبة" في القاهرة، لبحث انتقال السلطة التنفيذية لحكومة الوحدة الوطنية.
3- توحيد المؤسسات الاقتصادية: عقد نائب رئيس المجلس الرئاسي "أحمد معيتيق"، عدة اجتماعات على مدار الأسبوع الماضي بهدف توحيد المؤسسات بين شرقي البلاد وغربها، إذ أكدت بعض المصادر في 3 مارس 2021، على أنه خلال الأيام القليلة القادمة سيتم الإعلان عن توحيد 27 مؤسسة منقسمة بين الشرق والغرب، وهي مؤسسات اقتصادية بالأساس، إذ إن تلك المؤسسات منقسمة منذ عام 2014، وهو ما أثّر سلبًا على الاقتصاد الليبي، وأدى إلى تدهور سعر الدينار بشكل كبير.
جدير بالذكر أنه قد جرى الاتفاق في يناير الماضي، عقب اجتماع بين حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة في البريقة، على تشكيل لجنة تحت مسمى "اللجنة المالية الموحدة"، تكون مهمتها الرئيسية إقرار ميزانية 2021، في إطار الدفع نحو توحيد الميزانية العامة للدولة الليبية.
4- توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية: أعلن المتحدث باسم رئيس حكومة الوحدة الوطنية في أواخر فبراير الماضي، تجاوز عقبة اختيار منصب وزير الدفاع، وذلك في ظل وجود قائد للجيش الوطني شرق البلاد، وهو الهيكل النظامي الأبرز على المستوى العسكري في ليبيا، والذي يمكن اعتباره نواة حقيقية لتدشين جيش نظامي يمثل كل مناطق البلاد، جنبًا إلى جنب مع وجود وزارة للدفاع تابعة لحكومة الوفاق تُدير مجموعة من المليشيات بدعم تركي في غرب البلاد.
وبالتالي فإن مسألة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية يحتاج إلى مزيد من الوقت، بيد أن هناك مؤشرات إيجابية، خاصة في ظل تعامل الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي مع قائد الجيش الوطني الليبي باعتباره طرفًا فاعلًا، وإفشال كافة محاولات التحييد والشيطنة التي سعت أنقرة جاهدة إلى فرضها خلال الفترة الأخيرة، عبر التأكيد على ضرورة إبعاد "حفتر" عن أي مسارات سياسية أو عسكرية، في ضوء المساعي التركي لتحويل مليشيات الغرب لنواة لجيش نظامي موالٍ لتركيا، ولا سيما في ظل صعوبة السيطرة على الجيش الوطني الليبي أو إخضاعه للأجندة التركية.
تحديات قائمة:
هناك عدة معوقات يمكن أن تمثل حجر عثرة أمام الجهود المستمرة لتوحيد المؤسسات الليبية، وإنجاح المرحلة الانتقالية، وذلك على النحو التالي:
1- التشكيك في شرعية السلطة الجديدة: هناك مزاعم حول تقديم رشاوى على هامش ملتقى الحوار السياسي الذي تمخض عنه اختيار سلطة تنفيذية جديدة، وهو ما دعا المجلس الرئاسي الجديد وحكومة الوحدة الوطنية، في 2 مارس 2021، إلى مطالبة لجنة خبراء الأمم المتحدة بسرعة الكشف عن نتائج التحقيق بشأن مزاعم الرشاوى، وسط تأكيدات على عدم السماح لمن يثبت تورطه في ذلك الأمر بتولي أي مسؤولية، وهو ما يحاول البعض توظيفه في الوقت الحالي من أجل التشكيك في شرعية السلطة التنفيذية الجديدة قبل انعقاد جلسة منح الثقة، ووسط مطالبات بتأجيل تلك الجلسة لحين البت في ماهية المسؤولين عن تلك الرشاوى.
2- استمرار دور المليشيات المؤجج للعسكرة غرب ليبيا: كشفت مصادر أمنية في طرابلس، في الأول من مارس الجاري، عن استمرار التوترات الأمنية بين مليشيات طرابلس، إذ دخلت بعض المليشيات في مواجهات مسلحة في إطار الصراع المستمر على النفوذ ومناطق الهيمنة لكل منها، وهو ما يطرح تحديًا كبيرًا متعلقًا بموقف تلك المليشيات، سواء من عملية توحيد المؤسسات بما في ذلك الأمنية والعسكرية، علاوة على قدرة السلطة التنفيذية الجديدة على ضبط تلك المليشيات، وعدم تحولها إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تعصف بالفترة الانتقالية وتأمين البلاد لإتمام الانتخابات العامة في ديسمبر 2021.
3- التشبث التركي بشرعنة الجيش الموازي: أعلنت وزارة الدفاع التركية، في 2 مارس 2021، انتهاءها من تقديم دورة عسكرية لبعض عناصر مليشيات الوفاق في طرابلس، مدّعية أنها تعمل وفق اتفاقيات التدريب والمساعدة والمشورة العسكرية. وذلك على الرغم من اتفاق اللجنة العسكرية المشتركة بجنيف في أكتوبر الماضي، على تعليق أي برامج تدريب عسكري أو اتفاقيات عسكرية خلال ثلاثة أشهر من الاتفاق. ويعكس الدور التركي محاولة لشرعنة جيش المليشيات في غرب البلاد، وهو ما يمثل تحديًا آخر أمام توحيد المؤسسات الليبية.
4- إشكالية الفترة الزمنية الضيقة: في حال نجحت السلطة التنفيذية الجديدة في الحصول على ثقة البرلمان خلال الشهر الجاري، وهو أمر مرجح حدوثه، سيكون أمامها حوالي تسعة أشهر من أجل دخول البلاد في مرحلة الانتخابات (ديسمبر 2021)، وهي فترة زمنية قصيرة مقارنة بما هو مطلوب إنجازه من تلك السلطة خلال المرحلة الانتقالية، وفي ظل وجود العديد من التحديات التي تتطلب وقتًا أطول للتعامل معها، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًّا أمام تلك السلطة خلال المرحلة المقبلة.
وفي المجمل، فإن هناك رغبة حقيقية من جانب حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي من أجل توحيد مؤسسات البلاد، وهي رغبة تجد تفهمًا كبيرًا من البرلمان الليبي، وكذلك من الحكومة الليبية المؤقتة في شرق البلاد؛ بيد أن القدرة على تحويل تلك الرغبات والمساعي إلى أمر واقع، تواجَه بالعديد من العقبات التي يمكن أن تحول أمام تحققها، وبما يتطلب تكثيف الضغوط الدولية من أجل مساعدة السلطة التنفيذية على إنجاح المرحلة الانتقالية، خاصة عبر تحييد الدور التركي المعرقل، والمساعدة في التعامل مع المليشيات والمرتزقة بشكل حازم خلال المرحلة المقبلة.