أعلنت حكومة الرئيس حسن روحاني، في 14 ديسمبر الجاري، أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وافق من جديد على مناقشة لوائح الانضمام إلى المجموعة المالية الدولية لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال "FATF"، بعد أن رفض مجلس تشخيص مصلحة النظام قبل ذلك الاستجابة لطلب الحكومة بالتصديق على تلك اللوائح، بشكل دفع المجموعة الدولية إلى وضع إيران على القائمة السوداء في 21 فبراير 2020.
وفي الواقع، فإن تصاعد الجدل من جديد حول هذا الملف في هذا التوقيت يشير إلى أنه لا ينفصل عن ترقب طهران للتغييرات المحتملة التي يمكن أن تطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية تجاهها، بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2021. إذ لا يمكن استبعاد أن تكون تلك الخطوة محاولة من جانب إيران لتوجيه رسائل إيجابية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية قبيل تولي بايدن مهامه، دون أن تقدم إيران تنازلات رئيسية في القضايا التي تركز عليها المجموعة الدولية، لاسيما ما يتعلق بدعم الإرهاب، في إشارة إلى تنظيمات مثل حزب الله اللبناني المصنف لدى بعض الدول على أنه منظمة إرهابية.
خطوة مبكرة:
لا يمكن القول إن تصاعد تأثير التداعيات التي تفرضها العقوبات الأمريكية على إيران منذ 7 أغسطس 2018 بعد انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو من العام نفسه، هو السبب الرئيسي الذي دفع إيران في الوقت الحالي إلى فتح ملف الانضمام إلى مجموعة "فاتف" من جديد. ويعود ذلك في المقام الأول إلى أن إيران نجحت خلال الشهور الأخيرة في رفع مستوى صادراتها النفطية مرة أخرى على الرغم من الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إغلاق ما يمكن تسميته بـ"الثغرات" التي كانت تستغلها في وقت سابق للتحايل على العقوبات. فقد أشار تقرير صادر عن موقع "TankerTrackers.com" المتخصص في متابعة تسليم شحنات النفط عبر صور الأقمار الصناعية، في 15 ديسمبر الحالي، إلى أن إيران صدرت نحو 1.2 مليون برميل نفط يومياً خلال شهور الخريف الماضي، بعد أن كانت تصدر نحو 481 ألف برميل في فبراير الماضي.
ومعنى ذلك، أن الضغوط التي تفرضها العقوبات الأمريكية على إيران باتت أقل مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، على سبيل المثال، بما يوحي بأن إيران التي رفضت الانضمام للمجموعة في الوقت الذي كانت تعاني من تفاقم تداعيات العقوبات، لن تقدم على تلك الخطوة مجدداً في وقت تمكنت من رفع مستوى صادراتها النفطية إلى دول مثل الصين.
كذلك، لا يمكن القول إن السبب في ذلك يعود إلى حاجة إيران للحصول على اللقاحات التي أعلنت عنها بعض الشركات الدولية لمواجهة فيروس كوفيد-19، على غرار لقاح "فايزر" الأمريكي، و"سينوفارم" الصيني. ورغم أن حكومة الرئيس حسن روحاني وبعض أقطاب تيار المعتدلين سعوا بالفعل إلى الترويج إلى أن عدم الانضمام للمجموعة إلى جانب العقوبات الأمريكية كانت سبباً في تقليص قدرة إيران على شراء اللقاحات، إلا أن ذلك بدا أنه يفتقد للمصداقية ولا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، لاسيما بعد أن أعلن روحاني نفسه، في 16 ديسمبر الجاري، أن "إيران تركز كل جهوها على شراء لقاح كورونا ووصوله إلى البلاد حتى يكون للمواطنين ظروف أفضل في العام الجديد".
وقال رئيس هيئة الهلال الأحمر الإيرانية كريم همتي، في 28 من الشهر نفسه، أنه سيتم توريد 150 ألف جرعة من لقاح شركة "فايزر". ورغم أنه أشار إلى أن الشركة سوف تتبرع بها لإيران، إلا أن ذلك لا ينفي أنه كان هناك حرص من البداية على الفصل بين الإجراءات العقابية التي تتعرض لها إيران وقدرتها على شراء اللقاح، بدليل تأكيد محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي، قبل ذلك بأربعة أيام، على أن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت على تحويل أموال من أجل شراء اللقاحات.
مساومة واشنطن:
من هنا، يمكن القول إن السبب الأساسي الذي دفع إيران إلى اتخاذ تلك الخطوة هو الإيحاء بأنها قد تبدي مرونة إزاء بعض التحفظات الأمريكية على العديد من الملفات الخلافية، لاسيما ملف دعم الإرهاب، وذلك لتحفيز الإدارة الأمريكية الجديدة على تنفيذ مقاربتها الخاصة بـ"العودة مقابل العودة" أى عودة واشنطن للاتفاق النووي مقابل عودة طهران للالتزام ببنوده.
وربما ترى إيران أن ذلك لن ينتج تداعيات قوية على سياستها الخارجية إزاء تلك الملفات، وذلك لاعتبارين رئيسيين: أولهما، أنها ستكون حريصة من البداية على الفصل بين ما يفرضه الانضمام للمجموعة من التزامات وبين دعمها المتواصل للميليشيات التي تنتشر في بعض دول الأزمات، خاصة أن هذا الدعم يأتي من قنوات معظمها غير رسمي، على غرار المؤسسات الخيرية والاجتماعية التي تقوم بجمع تبرعات لتمويل تلك التنظيمات، وتسمى في إيران بـ"البونياد"، ويأتي في مقدمتها مؤسسة المستضعفين التي كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأمريكية أقدمت، في 19 نوفمبر الماضي، على ضمها لقائمة العقوبات المفروضة على إيران.
وثانيهما، أن إيران قد تماطل في اتخاذ خطوات عملية لتحويل أى موافقة محتملة على الانضمام للمجموعة إلى إجراءات تنفيذية على الأرض، وهو ما يفسر أسباب تلميح بعض أقطاب تيار المحافظين الأصوليين إلى أن موافقة مجلس الشورى الإسلامي، في دورته السابقة، على الانضمام للمجموعة لم تعد متوافرة بعد أن تغيرت التوازنات السياسية داخل المجلس لصالح التيار، بما يعني أن معظم مؤسسات النظام، سواء مجلس الشورى الإسلامي أو مجلس صيانة الدستور أو مجلس تشخيص مصلحة النظام، باتت رافضة لتلك الخطوة التي اقترحتها الحكومة.
من هنا، يمكن القول في النهاية إن ما سوف يقرره مجلس تشخيص مصلحة النظام في النهاية، وهو الهيئة التي تبت في الخلافات العالقة بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي، سوف يقدم مؤشراً حول موقف المرشد نفسه سواء من الانضمام للمجموعة أو من الاتصالات التي قد تجري في مرحلة مبكرة مع إدارة بايدن لاستشراف ما يمكن الوصول إليه لتنفيذ مقاربة "العودة مقابل العودة" الخاصة بالاتفاق النووي.