تلقت أسواق النفط دعماً إيجابياً بعد اتفاق "أوبك+" الجديد، الذي يقضي برفع إمدادات الخام للدول الـ 23 المشاركة بالتحالف بنحو نصف مليون برميل يومياً فقط، حيث زادت الأسعار في اليومين التاليين له إلى مستوى قارب خمسين دولاراً للبرميل. ويأتي هذا في وقت تشير المعطيات الأساسية إلى أن سوق النفط لازالت هشة بسبب تراجع الطلب العالمي على الخام الناجم عن توقف النشاط الاقتصادي العالمي بسبب كورونا. ورغم أهمية الاتفاق في المساعدة في استمرار توازن السوق نسبياً، إلا أنه لايزال يواجه تحديات جمة بسبب المخاوف من إغلاق النشاط الاقتصادي مع تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا على المستوى العالمي، فضلاً عن إمكانية نمو المعروض العالمي من خارج أعضاء "أوبك" ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية.
اتجاه جديد:
اتفق تحالف "أوبك+"، بقيادة السعودية وروسيا في 3 ديسمبر الجاري بعد محادثات استمرت لعدة أيام بين الأعضاء، على تخفيف سقف تخفيضات الإنتاج حتى شهر يناير المقبل، حيث تقرر زيادة الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً ليصبح مجموع تخفيضات الإنتاج للمجموعة نحو 7.2 مليون برميل يومياً بدلاً من 7.7 مليون برميل يومياً في السابق.
ويأتي الاتفاق الجديد وسط تفاوت الآراء حول جدوى خطوة تقليص إنتاج، مما جعل من الصعب إمكانية تمديد اتفاق خفض الإنتاج بالمستويات السابقة نفسها للأشهر الثلاثة المقبلة كما كان متوقعاً من قبل الأوساط النفطية. وقبل ذلك، كان تحالف "أوبك+" قد خفف سقف الإنتاج بنحو 2 مليون برميل يومياً بداية من أغسطس الماضي في ظل علامات على تحسن الطلب العالمي على الخام.
وعلى ما يبدو، فإن هذا الاتفاق يعتبر مرضياً لكل الأطراف في ظل الرغبة في عدم الإخلال بتوازن السوق وفي الوقت ذاته تلبية رغبة بعض الأعضاء في زيادة الإنتاج للحفاظ على الحصة السوقية. وستقوم المجموعة بعد ذلك بمراجعة على أساس شهري وإقرار ما إذا كانت ستستمر في الزيادة التدريجية في الإنتاج، أم ستتوقف عن ذلك، وهو أمر يفترض أن يحدد وفقاً لظروف السوق السائدة.
وطبقاً للترجيحات، فعلى الرغم من زيادة الإنتاج في يناير القادم، إلى أن الأسواق ستستطيع الحفاظ على توازنها من خلال امتصاص فائض المعروض والحد من تراكم مخزونات الخام على نحو سوف يدعم أسعار الخام. ومنذ اتفاق "أوبك" الأساسي في إبريل الماضي، استرد النفط الخام أكثر من 150% من قيمته بالغاً حالياً قرابة 50 دولاراً للبرميل مقارنة بمستوى متدني بنحو 20 دولار للبرميل في الشهر المذكور. وعقب التوصل لاتفاق "أوبك" الجديد، زادت أسعار النفط على مدار اليومين التاليين بنحو دولارين تقريباً وليختتم خام برنت الأسبوع في يوم الجمعة الماضي عند مستوى 49.25 دولاراً للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط عند 46.26 دولاراً للبرميل.
تحديات قائمة:
مع أن اتفاق "أوبك" الجديد يكتسب أهمية خاصة فيما يتعلق بدعم أسعار النفط الخام، إلا أن السوق العالمية للخام لاتزال تواجه تحديات عديدة يتمثل أبرزها في المخاوف القائمة من الإغلاق الجزئي للنشاط الاقتصادي بسبب تصاعد الإصابات بفيروس كورونا على المستوى العالمي، و ذلك على الرغم من توصل بعض شركات الأدوية الدولية مؤخراً للقاح فعال للفيروس.
وترى مؤسسات دولية، مثل وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أن الطلب سيظل ضعيفاً حتى النصف الثاني من العام على الأقل، نظراً لأن التقدم المحرز بشأن انتشار اللقاح دولياً لن يكون سريعاً بسبب مشاكل في سلسلة التوريد العالمية لاسيما بالنسبة للدول النامية، حيث قد تواجه صعوبات في الحصول على اللقاح لمشاكل تخص الإنتاج أو تمويل شرائه أو تخزينه.
وهنا، تشير توقعات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الطلب العالمي على النفط الخام سيبلغ نحو 97.1 مليون برميل يومياً في عام 2021، وبزيادة بـ5.8 مليون برميل يومياً مقارنة بعام 2020، ورغم هذا التحسن لكنه يبدو أقل من المستوى البالغ 100.1 مليون برميل يومياً في عام 2019.
كما أن هناك مخاطر من نمو معروض النفط العالمي من خارج "أوبك"، لاسيما من قبل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين قد يتجهوا إلى ضخ المزيد من النفط الخام مع ارتفاع مستويات الأسعار في الفترة المقبلة. هذا في الوقت الذي ستنهي النرويج، وهى منتج من خارج "أوبك +"، تخفيضاتها الطوعية للإنتاج والبالغة نحو 300 ألف برميل يومياً.
وإلى جانب ما سبق، تترقب أسواق النفط أيضاً تحركات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بادين بشأن الملف النووي الإيراني. ووفق اتجاهات مختلفة، فهناك احتمال لتوصل الإدارة الجديدة لاتفاق جديد مع طهران حول برنامجها النووي، وهو ما من شأنه أن يخفف العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، وقد يسمح بضخ مليوني برميل جديدة للسوق، مما قد يتسبب في تخمة جديدة من الخام قبل نهاية العام المقبل.
وهناك أيضاً مسألة امتثال أعضاء "أوبك+" للاتفاق الجديد. فعلى الرغم من اقتراب أعضاء التحالف من الامتثال بنسبة 100% لتخفيضات الإنتاج في الأشهر الماضية، غير أن بعض الدول لازالت ترى أن تخفيضات الإنتاج قد تضر بحصتها السوقية، مما قد يدفعها إلى عدم الالتزام بسقف الإمدادات بشكل كامل بموجب الاتفاق، وعلى نحو أظهرته بيانات إنتاج العراق على سبيل المثال في الأشهر الفائتة.
إن الاعتبارات السابقة في مجملها تفرض بدون شك ضغوطاً إضافية على سوق النفط، وقد تدفع أسعاره لأن تبقى في نطاق يتراوح بين 40 دولار إلى 50 دولار على الأكثر، ولكنه مستوى يرضي أعضاء تحالف "أوبك+" ويسمح بزيادة الإيرادات النفطية.